في وقت تلوّح فيه مصر بالتصعيد ضد إثيوبيا في مجلس الأمن، أعلن السودان قبوله المشروط بمقترح اتفاق جزئي بشأن سد النهضة، في موقف قد يؤدي إلى خلاف بين القاهرة والخرطوم.
وتتضارب التقارير حول من طرح مقترح إبرام اتفاق جزئي بشأن سد النهضة ، فبينما أشارت أنباء إلى أن المقترح جاء من الكونغو التي تمثل الرئاسة الحالية للاتحاد الإفريقي، أفادت تقارير أخرى بأن السودان تلقى مقترحاً من إثيوبيا بشأن عقد اتفاق جزئي ومؤقت حول ملء السد.
ولكن المشترك في الأمر أن الاتفاق المقترح اتفاق جزئي يتعلق بملء خزان سد النهضة هذا العام مقابل تبادل معلومات بين إثيوبيا والسودان، مع عدم وضوح الرؤية بشأن مصر، إضافة إلى محاولات إثيوبية لتحقيق مكاسب إضافية عبر الاتفاق في مجال تقاسم المياه.
ويأتي هذا التطور في ظل حالة من الترقب تسود المنطقة، في وقت يُفترض أن مصر والسودان تستعدان للتحرك في مجلس الأمن بدعم عربي لإثارة القضية، بينما شددت إثيوبيا على أن هذا الموضوع خارج صلاحيات المجلس، ومع اقترابها من بدء عملية الملء الثاني للسد في 22 يوليو/تموز 2021، والذي يبلغ حجمه 13.5 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل ليصبح حجم المياه المتجمعة أمام السد 18.5 مليار متر مكعب.
وفي أبريل/نيسان، فشلت الجولة الأخيرة من المفاوضات التي توسط فيها الاتحاد الإفريقي في إحراز تقدُّم، مع إصرار الجانب الإثيوبي على الملء الثاني للسد في يوليو/تموز القادم، بالتزامن مع موسم سقوط الأمطار، دون اشتراط التوصل إلى اتفاق.
وبعد فشل الوساطة المصرية، تطالب مصر والسودان بتشكيل رباعية دولية، يقودها الاتحاد الإفريقي وتشارك فيها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة؛ لضمان جدية المفاوضات وهو ما ترفضه إثيوبيا.
السودان منفتح على اتفاق جزئي بشأن سد النهضة وهذه شروطه
قال وزير الري السوداني ياسر عباس، إن بلاده منفتحة على إبرام اتفاق جزئي بشأن سد النهضة الإثيوبي ولكن بشروط محددة.
واتفقت مصر والسودان على أن يكون الاتفاق شاملاً، لكن تصريحات عباس تشير إلى تحوُّل محتمل في موقف السودان.
من جانبها، أعلنت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، مساء الأحد 27 يونيو/حزيران 2021، عن تلقي السودان من الكونغو مقترح اتفاق مرحلي لتعبئة "سد النهضة"، تدعمه الأمم المتحدة وأمريكا، مؤكدةً أيضاً أن بلادها وافقت بشروط.
وذكر أكثر من مسؤول سوداني شروط الخرطوم مع وجود بعض الاختلافات بين تصريح وآخر.
فلقد قالت وزيرة الخارجية السودانية، إن بلادها اشترطت أن تكون مدة الاتفاق المرحلي 6 أشهر ويكون توافقياً وبضمانات دولية، مشيرة إلى قبول بلادها بشروط مبدأ الاتفاق المرحلي بشأن "سد النهضة"، وذلك حسب صحيفة "المصري اليوم" المصرية.
كما وضع وزير الري السوداني 3 شروط لقبول هذا الاتفاق وهي: التوقيع على كل ما تم الاتفاق عليه بالفعل في المفاوضات بين إثيوبيا والسودان ومصر، ووضع بنود لضمان استمرار المحادثات حتى بعد ملء السد المقرر في يوليو/تموز 2021، إضافة إلى التزام المفاوضات بجدول زمني.
وأعلن مسؤول سوداني تسلُّم الخرطوم نسخة من اتفاق جزئي مرحلي بشأن سد النهضة، يتضمن 4 شروط.
وذكر المسؤول، وفقاً لـ"روسيا اليوم"، أن بلاده قبلت بالاتفاق الجزئي الذي تلقته من الاتحاد الإفريقي، ويشمل التالي:
- توقيع اتفاق في غضون 4 أشهر.
- أن يكون الاتفاق مبنياً على ما تم الاتفاق عليه.
- تبنِّي الاتفاق من قِبل الاتحاد الإفريقي والدول المنخرطة في حل الأزمة.
- وجود ضمانات من المجتمع الدولي.
وقال المتحدث باسم الفريق السوداني لمفاوضات سد النهضة، منصور بولاد، لقناة "الجزيرة": "إثيوبيا وافقت على شرط واحد من الأربعة التي قدمتها الخرطوم لتنفيذ اتفاق الكونغو.. نحن ضد التوصل لأي اتفاقات لا تراعي مصالح السودان في التعبئة الثانية، يجب أن نحصل على ضمانات من المجتمع الدولي لتنفيذ الاتفاق المبدئي".
وأضاف: "إن بلاده تحاول التوصل لصيغة تُرضي الأطراف الثلاثة، والملء الثاني يضر السودان وليس مصر".
مقترح من إثيوبيا وردٌّ سوداني على الوساطة الإماراتية
اللافت أن هناك تقارير تتحدث عن أن هناك مقترحاً جاء من إثيوبيا وليس من الرئاسة الكونغولية للاتحاد الإفريقي.
إذ نقلت وكالة "رويترز"، عن مسؤول سوداني كبير، قوله إن "السودان رفض مقترحاً إثيوبيّاً بشأن الملء الثاني لسد النهضة الذي تشيّده أديس أبابا على النيل الأزرق".
وقال إن الاقتراح الإثيوبي بشأن الملء الثاني ليس حقيقياً ووصفه بأنه وسيلة لكسب الوقت، مضيفاً أن أي اقتراح من هذا القبيل يجب أن يكون تحت رعاية وسطاء الاتحاد الإفريقي وأن يشمل جميع الأطراف.
وأوضحت "رويترز"، أن المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، أكد أن إثيوبيا طرحت شروطاً مستحيلة تتعلق بتقسيم حصة المياه التي يعتبرها السودان خارج نطاق المفاوضات، مشيرة إلى أن وزير المياه الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، لم يرد على اتصالها للتعليق.
وفي إفادة لوسائل الإعلام بالخرطوم، السبت 27 يونيو/حزيران 2021، كشف مسؤول سوداني عن تفاصيل جديدة بخصوص المبادرة الإماراتية لحل النزاع بين الدول الثلاث في ملف السد، حسبما ورد بصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وأضاف أن مسودة الاتفاق الإثيوبي تخضع للتقييم داخل دوائر السلطة والوفد المفاوض، لكنه شدد على ضرورة أن يجري التفاوض حول الاتفاق المرحلي ليشمل مصر.
وأوضح أن المبادرة الإماراتية لحل النزاع "عُرضت على الأطراف الثلاثة، ووضعت المسودة إطاراً عاماً نحو التوصل إلى اتفاق، لكننا نرى ضرورة توسيعها بوجود وساطة فاعلة".
الاقتراح ليس جديداً، ولا يفي بمطالب مصر والسودان
"هذا الاقتراح ليس جديداً"، بحسب ما قاله العضو السابق في الفريق الممثل للسودان بمفاوضات سد النهضة، الدكتور أحمد المفتي. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قدماه باعتباره حلاً إلى رئيس الاتحاد الإفريقي الجديد، رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس أنطوان تشيسيكيدي.
وأضاف "المفتي" في تصريحات لموقع قناة "الحرة"، أنه عندما عرضه الاتحاد الإفريقي على مصر والسودان تم رفضه، لكن السودان غير موقفه وأعلن انفتاحه على الاتفاق.
وبحسب "المفتي"، فإن الاتفاق يمكِّن أديس أبابا من الملء الثاني لسد النهضة في يوليو/تموز القادم، وبتنسيق مع القاهرة والخرطوم، ويزود السودان بكل المعلومات اللازمة في أثناء الملء.
ورغم أن هذه المعلومات مفيدة للسودان لتفادي أضرار الملء الثاني، فإن الاتفاق المؤقت لا يشمل أياً من النقاط الجذرية المتعلقة بوجود آلية قانونية تلزم إثيوبيا بتوفير المعلومات اللازمة عن الملء لدولتي المصب، أو الاتفاقات المستقبلية حول آلية الملء في سنوات الجفاف، وكيفية حل النزاعات المستقبلية.
ويرى أن الهدف الأساسي من الاتفاق المؤقت هو منح الشرعية الكاملة لعملية الملء الثاني، مؤكداً أن مصر والسودان لن تستفيدا منه شيئاً وأن المستفيد الأكبر منه هو إثيوبيا، حسب قوله.
موقف إثيوبيا الغامض
هناك تضارب حول موقف إثيوبيا، كما أنه من غير الواضح هل هما اتفاقان أحدهما من الكونغو، والآخر من إثيوبيا، أم أن اتفاقاً واحداً قدمه الطرفان.
وقال "المفتي" إنه لو كان يملك القرار في أديس أبابا لقبل العرض السوداني فوراً.
بينما قال الخبير في الشؤون الإفريقية، هاني رسلان، إن هذا الاقتراح تجاهلته أديس أبابا، وأعلنت أن الملء الثاني سيتم في موعده بشكل طبيعي وكامل.
وأرجع رسلان في تصريحات لموقع "الحرة"، تجاهل إثيوبيا هذا الاقتراح إلى قربها من بدء الملء الثاني، وعدم حاجتها لتقديم أي تنازلات وقبول الاتفاق. وأشار إلى أن هذا الاتفاق يتناول كل عملية الملء وليس الثاني فقط.
كانت القاهرة رفضت في أبريل/نيسان الماضي، مقترحاً إثيوبيّاً يدعو إلى تشكيل آلية لتبادل البيانات حول إجراءات تنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة.
وقال بيان وزارة الري المصرية إن المقترح الإثيوبي يخالف مقررات القمم الإفريقية التي عُقدت حول ملف سد النهضة والتي أكدت ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة. وأضاف: "هذا المقترح الإثيوبي لا يعدو كونه محاولة مكشوفة لاستخلاص إقرار مصري على المرحلة الثانية من الملء".
مصر تتجاهل المقترح وتصعّد ضد إثيوبيا
ويأتي الموقف السوداني بقبول اتفاق جزئي بشأن سد النهضة، في وقت صعّدت مصر فيه تصريحاتها ضد إثيوبيا.
إذ علَّق وزير خارجيتها، سامح شكري، على احتمالية عدم رضوخ أديس أبابا لقرارات مجلس الأمن في حالة انعقاد الجلسة التي طالبت بها مصر والسودان، قائلاً :"إذا أقْدمت على ذلك فهو دليل على عدم وجود الإرادة السياسية لدى إثيوبيا، بما يكشف الموقف والسياسة الإثيوبية؛ ومن ثم يصبح على المجتمع الدولي التعامل مع ذلك التعنت".
وأضاف: "في هذه الحالة سيكون كل من مصر والسودان قد استنفدتا كافة الوسائل المتاحة في الأطر السياسية سواء مفاوضات ثلاثية أو برعاية الولايات المتحدة ثم الاتحاد الإفريقي ثم مفاوضات الإطار الأممي".
وأشار إلى أنه "بمجرد تقدُّم كلٍّ من مصر والسودان بطلب لعقد جلسة مجلس الأمن يكون كافياً لعقد الجلسة وليس شرطاً أن تكون دعوة الانعقاد من قبل أحد الأعضاء في مجلس الأمن".
ولكن لا يستبعد مراقبون أن يؤدي القبول السوداني المشروط لمقترح الاتفاق الجزئي بشأن سد النهضة دون موافقة القاهرة إلى إحداث خلاف في الجبهة المصرية السودانية، التي تشكلت في الشهور الماضية، لمواجهة أديس أبابا في ملف سد النهضة.
وفي أواخر مايو/أيار الماضي، تبادل الطرفان الزيارات الدبلوماسية والعسكرية، وأجرى الجيشان المصري والسوداني تدريبات عسكرية مشتركة أطلق عليها اسم "حماة النيل"، امتداداً لتدريبات مشتركة بين قوات من سلاح الجو المصري والسوداني تحت مسمى "نسور النيل".
واتفق العضو السابق بالفريق السوداني في مفاوضات سد النهضة، الدكتور أحمد المفتي، مع هذا التخوف قائلاً: "إن هذا القرار السوداني إذا قبلته إثيوبيا فقد يحدث شرخاً في الجبهة المصرية السودانية، التي تشكلت خلال الشهور الماضية لمواجهة أديس أبابا".
لكن الباحث المصري هاني رسلان استبعد أن يؤدي هذا الاقتراح إلى إحداث خلاف بين القاهرة والخرطوم، مؤكداً وجود تفاهم بين البلدين في هذا الملف.
غير أنه في كل الأحوال سيخفف مقترح الاتفاق الجزئي حول سد النهضة، الزخم الذي اكتسبته فكرة التوجه المصري السوداني لمجلس الأمن، بعد الدعم العربي الكبير لهما خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية الذي عُقد في الدوحة مؤخراً.
الدور الأمريكي الخفي
لكن اللافت أن هناك تصريحات عديدة تشير إلى أن مقترح إبرام اتفاق جزئي بشأن سد النهضة هو فكرة أمريكية أوروبية إلى حد كبير، ويأتي ذلك في وقت باتت فيه مواقف الإدارة الأمريكية أكثر حراكاً في مسألة سد النهضة والأزمة الإثيوبية الداخلية.
ووصلت هذه التصريحات الأمريكية إلى حد قول صامويل وربيرج، المتحدث الإقليمى لوزارة الخارجية الأمريكية، إن أمريكا تدعم حق المصريين في مياه النيل، وليس هناك أي شك من قبل أمريكا في حق مصر بمياه النيل، وهي لن تترك 100 مليون مصري بدون مياه.
ولكن يشير مقترح إبرام اتفاق جزئي بشأن سد النهضة يتعلق بالملء الثاني فقط، إلى أنَّ توجه الإدارة الأمريكية هو نزع فتيل الأزمة وليس حلها بشكل نهائي، خاصةً أنها لا تنظر إلى الأزمة من منظور مصالح مصر والسودان فقط، بل أيضاً من منطلق قلقها من انفجار الوضع في إثيوبيا ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث السكان، خاصة في ضوء تطورات الوضع الداخلي سواء في تيغراي أو أوروميا أو غيرها.
حتى إن المسؤولين الأمريكيين يحذّرون من أنه إذا انفجرت إثيوبيا التي يزيد سكانها عن 100 مليون نسمة فإن سوريا بجانبها ستبدو كلعبة أطفال.