حذَّرت روسيا، الأربعاء 24 يونيو/حزيران 2021، من عواقب انتهاك حدودها البحرية والملاحية، وذلك بالرد بإجراءات تصل إلى حد الضربات العسكرية المباشرة، بعد احتكاك وقع مع مدمرة بريطانية أبحرت قبالة شبه جزيرة القرم يوم الثلاثاء. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن الوزارة ستستدعي السفيرة البريطانية، الخميس، متهمةً لندن بالكذب في روايتها للواقعة.
ولفتت المواجهة بين السفينة الحربية التابعة للبحرية الملكية البريطانية والقوات الروسية، الانتباه حتى من الدول البعيدة عن البحر الأسود، وقد تكون لها تداعيات على عدد من حلفاء بريطانيا وأعدائها كما يقول تقرير لشبكة CNN الأمريكية. حيث أثار الحادث، الذي أشعل توترات متبادلة بين لندن والكرملين، حديث الخبراء.
ما الذي أرادت بريطانيا فعله من هذه الحادثة؟
ويقول نايجل غولد ديفيز، الباحث المختص في الشأن الروسي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: "أعتقد أنه من المناسب الآن التركيز على السياق الأوسع والدروس طويلة المدى المستفادة من ذلك".
وتوقعت بريطانيا على الأرجح شكلاً من أشكال الرد عندما قررت الإبحار بالمدمرة HMS Defender عبر المياه بالقرب من شبه جزيرة القرم، وهي منطقة أوكرانيا التي ضمتها روسيا منذ عام 2014، لكنها معترف بها دولياً بأنها أراضٍ أوكرانية. ويناقش الخبراء أسباب ذلك، حيث قال غولد ديفيز إنَّ القرار لم يؤدِّ إلا إلى تعقيد "العلاقة الأنغلو-روسية التي تعاني أصلاً من صعوبة بالغة، منذ بعض الوقت".
وأضاف: "الأمر لا يختلف جوهرياً عن أي شيء فعلته بريطانيا وشركاؤها في نواحٍ أخرى؛ مثل حِزم العقوبات التي طبقتها الولايات المتحدة وبريطانيا في شبه جزيرة القرم. وهي تؤكد ذلك بطريقة بَحرية على وجه التحديد".
وأدى وجود مراسل من شبكة BBC على متن السفينة، والذي قال إنه شاهد طائرات وسفناً بحرية روسية وهي تحلّق فوق السفينة، إلى زيادة "الاستعراض المسرحي" وما تلاه من تأجيج، كما تقول CNN.
وأصر الوزراء البريطانيون، الخميس 24 يونيو/حزيران، على أنَّ المُدمِّرة التابعة للبحرية الملكية البريطانية كانت تمر مروراً قانونياً، بموجب القانون الدولي، إلى جورجيا عبر أوكرانيا. ورداً على سؤال عمّا إذا كانت المملكة المتحدة ستبحر عبر المياه الأوكرانية المُتنازَع عليها مرة أخرى، قال وزير البيئة جورج يوستيس لشبكة Sky News: "نعم … لأننا لم نقبل قط ضم شبه جزيرة القرم".
روسيا أعينُها على 32 سفينة حربية أخرى
لكن مسؤولي الكرملين اتهموا المملكة المتحدة بـ"الاستفزاز المُتعمَّد والمُخطَّط له"، وقالوا إنَّ لروسيا الحق في "قصف الهدف" عندما تنتهك السفن الأجنبية حدودها البحرية.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في مؤتمر عبر الهاتف مع الصحفيين، إنَّ روسيا "قلقة بوضوح من مثل هذه الأعمال الصادرة عن السفينة البريطانية".
وفي الأيام القليلة المقبلة، ستكون أعين روسيا على 32 سفينة أخرى، إذ تبدأ الولايات المتحدة وشركاؤها، ومن ضمنهم بريطانيا، مناورات Sea Breeze السنوية في منطقة البحر الأسود.
وأعلن بيان صحفي صدر هذا الأسبوع عن الأسطول السادس للبحرية الأمريكية، أنَّ التدريبات، التي تشارك في استضافتها أوكرانيا، ستكون الأكبر في تاريخ المناورات الممتد منذ 25 عاماً، وتضم 5000 جندي و40 طائرة من 32 شريكاً للولايات المتحدة.
وكانت وكالة أنباء TASS الروسية الحكومية قد ذكرت، في بيان صدر في 2 يونيو/حزيران، أنَّ موسكو ستراقب التدريبات التي تقودها الولايات المتحدة، من كثب.
كيف تابع الأوروبيون هذه الحادثة؟
ووقعت المواجهة البحرية بين المملكة المتحدة وروسيا في الأسبوع نفسه الذي قدَّم فيه الاتحاد الأوروبي، الذي سيشارك 10 من أعضائه في مناورات Sea Breeze القادمة، مبادرات إلى روسيا للدخول في مرحلة جديدة من الحوار والتعاون.
وحثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاتحاد الأوروبي على الوقوف معاً ضد "الاستفزازات" الروسية، وكذلك السعي لإجراء محادثات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلة إنَّ الكتلة يجب عليها "إنشاء منتديات للحوار". وجاءت التصريحات التي أدلت بها يوم الخميس 24 يونيو/حزيران، صدىً لتصريحات مماثلة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اليوم السابق له، وفي أعقاب القمة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي بوتين.
وقال غولد-ديفيز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "هذه لحظة تأتي في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا وألمانيا الآن إقامة نوع من العلاقات الجديدة مع روسيا، فيما يثير دهشة وقلق عدد من دول الاتحاد الأوروبي الأصغر. لو كانت بريطانيا لا تزال في الاتحاد الأوروبي، لكانت في وضع يسمح لها بالتحذير من ذلك".
وبدلاً من ذلك، ربما يكون رد روسيا العدواني على التوغل البحري البريطاني المزعوم مُصمَّماً لتصوير المملكة المتحدة على أنها منبوذة في نهجها تجاه البلاد. وستساعد القمة الأخيرة بين بايدن وبوتين في رسم مثل هذه الصورة.
وفي هذا الصدد، قال جيمس نيكسي، مدير برنامج روسيا ومنطقة أوراسيا في تشاتام هاوس، لشبكة CNN، إنَّ "غياب المملكة المتحدة في المناقشات بين ميركل وماكرون لفت الانتباه". وأضاف: "لقد ذهبت إلى حد كبير في الاتجاه الآخر مع هذه الخطوة الماهرة، لا نقول استفزازية بل ماهرة".
لكن نيكسي يشعر بأنَّ رد الفعل الروسي "المسرحي" قد يكون موضع ترحيب في لندن. وأشار إلى أنَّ "هدف المملكة المتحدة هو تعريف روسيا أين خطوطها الحمراء، وعدم التنازل عن شروطها"، وهو ما قد تحقق. وقال: "هذا من وجهة نظري جزء بارع إلى حد ما، من التمسك بالموقف في الوضع السياسي الأوسع".
ورجَّح بعض الخبراء أنَّ الكرملين ربما يضع في اعتباره جمهوره المحلي. إذ قال سيدهارث كوشال، الباحث في الطاقة البحرية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، لشبكة CNN: "من الخطورة البالغة اتخاذ نوع الإجراءات التي تدَّعي روسيا أنها اتخذتها، وضمن ذلك إلقاء قنابل أمام سفينة أجنبية".
وأوضح كوشال: "لقد عمِل الروس على دفع الرواية القائلة إنَّ البحرية الملكية تصرفت باستفزاز وإنها ردت لإبعادها؛ من أجل استخدامها محلياً ولتعزيز التصورات الدولية عن الخطوط الحمراء لروسيا".