"طالبان قد تحكم أفغانستان خلال ستة أشهر، والقاعدة وداعش قد يعودان لقوتهما في غضون عامين"، سيناريوهات شديدة التشاؤم باتت تتردد في الدوائر الأمريكية مع قرب انسحاب القوات الغربية من البلاد، الأمر الذي يثير تساؤلاً مفاده: ما هي خيارات أمريكا في أفغانستان، وهل تمهد هذه التقديرات لإرجاء الانسحاب؟
وبعدما أمضت عشرين عاماً في أفغانستان، بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها الباقية هناك وقوامها 2500 فرد، وتسعى للخروج على نحو كامل من البلاد بحلول 11 سبتمبر/أيلول 2021. كما تعتزم قوات غير أمريكية تبلغ نحو سبعة آلاف فرد، تشمل بشكل أساسيٍّ قوات من بلدان أعضاء في حلف شمال الأطلسي، وأستراليا ونيوزيلندا وجورجيا، مغادرة أفغانستان بحلول ذلك التاريخ.
كابول ستسقط في غضون ستة أشهر
وخلص تقرير للاستخبارات الأمريكية، نشرته صحف أمريكية، الأربعاء 23 يونيو/حزيران 2021، إلى أن الحكومة الأفغانية ستسقط بيد "طالبان" في غضون 6 أشهر، بمجرد اكتمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
إذ يستبعد التقرير، الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، التقييمات الأكثر تفاؤلاً التي تم إجراؤها في وقت سابق، وذلك بعدما حققت قوات طالبان تقدماً كبيراً ضد الحكومة الأفغانية، الأسبوع الماضي.
من جانبه، أوضح وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في جلسة بالكونغرس: "قد تحتاج (الجماعات)- في إشارة إلى القاعدة- عامين لتطوير قدراتها"، فيما قال رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارك ميلي، إنه يتفق مع التقدير الخاص بالفترة الزمنية، مشيراً إلى وجود مخاطر متوسطة في الوقت الراهن.
وتخوض القوات الحكومية الأفغانية حالياً قتالاً عنيفاً مع طالبان في مدينة قندوز الشمالية الرئيسية بعد أن سيطرت الحركة على المعبر الحدودي الرئيسي مع طاجيكستان، الذي يعد محوراً أساسياً لمرور البضائع مع آسيا الوسطى وسقط خلال هجوم استمر ساعة واحدة.
وصرَّح أحد الضباط الأفغان لوكالة AFP، بأنهم "قد اضطروا إلى ترك جميع نقاط التفتيش… وبعض جنودنا عبَروا الحدود إلى طاجيكستان".
من جهتها، تزعم طالبان أن مقاتليها اجتاحوا المنطقة، وأن الحكومة لم تعد لها سيطرة في الإقليم إلا على عاصمته قندوز. وقالت الشرطة المحلية إن المدينة الواقعة شمالي البلاد، والتي سبق أن سقطت بأيدي طالبان في عام 2015، ومرة أخرى في العام التالي، قبل أن تستعيدها القوات الحكومية بدعم من القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية، باتت محاصرة بقوات طالبان.
وقال عمرو الدين والي، عضو مجلس ولاية قندوز، إن "طالبان تسيطر على معبر شير خان، ولا أرى أيَّ تحرك من الحكومة لمحاولة استعادته"، متحدثاً عن إطلاق نار حول قندوز عاصمة الولاية في شمال شرقي البلاد، حسبما نقلت عنه صحيفة الشرق الأوسط السعودية.
كما يستمر القتال العنيف في ضواحي مزار الشريف، رابع أكبر مدينة بأفغانستان.
وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، شهد الأسبوع الماضي استسلام العديد من القوات الأفغانية لحركة طالبان، مع تداول صور ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى أن مقاتلي الحركة استولوا على مخزونات كبيرة من المعدات والمركبات العسكرية.
خيارات أمريكا في أفغانستان
إبطاء وتيرة الانسحاب
وفي مواجهة هذه السيناريوهات المتشائمة يبدو أن الإدارة الأمريكية حائرة في الخيارات التي سوف تتخذها.
فلقد قالت صحيفة The Times البريطانية في تقرير نشرته الثلاثاء 22 يونيو/حزيران 2021، إن الجيش الأمريكي قد يُبطئ وتيرة انسحابه من أفغانستان؛ على أثر سلسلة الانتصارات الأخيرة لحركة طالبان.
ضربات جوية
وأفادت تقارير بأن البنتاغون يدرس توجيه "ضربات جوية"؛ لحماية كابل بعد الانسحاب، إذ يدرس البنتاغون طلب الإذن بشن غارات جوية لدعم قوات الأمن الأفغانية، إذا كانت كابل أو مدن رئيسية أخرى معرضة لخطر السقوط في يد حركة طالبان، حسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 11 يونيو/حزيران 2021.
هذا التغير في أداء الإدارة الأمريكية تجاه أفغانستان ينافي ما كانت تنادي به في وقت سابق، بأن الدعم الجوي العسكري في أفغانستان سينتهي بمجرد مغادرة القوات العسكرية من هناك، باستثناء الضربات التي تستهدف الجماعات الإرهابية، التي يمكن أن تضر بالمصالح الأميركية.
وأوردت الصحيفة الأمريكية، أن أحد المسؤولين الأمريكيين قال إنه لم يتم اتخاذ أي قرارات، لكنه لمَّح إلى أن أحد الخيارات قيد الدراسة.
رغم كل ذلك.. فإن هجمات طالبان لن توقف الانسحاب
ولكن من الواضح أن الأمريكيين يشعرون بالقلق من أن تؤدي هذه الخيارات إلى توريطهم، مجدداً في الأزمة الأفغانية.
إذ يبدو أن المسؤولين الأمريكيين قد تراجعوا عن الخيارات التصعيدية، حيث أعلن كبار المسؤولين في البنتاغون، الأربعاء، أن هجمات "طالبان" الأخيرة التي "يراقبها" الجيش الأمريكي من كثب، لن تؤثر على الانسحاب العسكري من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/أيلول 2021.
وبعد جلسة استماع في الكونغرس بشأن تقدُّم "طالبان" في الأيام الماضية، أقر رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي، بوجود "قلق"، وأن البنتاغون "يراقب" الوضع، مشدداً على أن كابل تملك "قوة عسكريةً قوامها 300 ألف عنصر".
وأكد: "مهمتهم الدفاع عن بلادهم".
وقال وزير الدفاع لويد أوستن إن هجمات "طالبان" لن تهدد الانسحاب الكامل من أفغانستان.
وأضاف: "نركز على المهمة الموكولة إلينا، وهي تنفيذ الانسحاب بطريقة آمنة ومنظمة ومسؤولة". وتابع: "سنظل نركز على ذلك".
وأفاد الجنرال مارك ميلي بأنه في الوقت الذي تسيطر "طالبان" فيه على 81 من أصل 419 مركزاً للمناطق الأفغانية، وعادةً ما تكون مباني إدارية معزولة، سقط 60 منها منذ العام الماضي، قبل بدء انسحاب القوات الأمريكية.
وشدد على أن "طالبان" لا تسيطر على أي من عواصم الولايات.
وها هو الجيش الأمريكي يفكر في سحب المتعاونين معه
كما أشار لويد أوستن إلى أن الجيش الأمريكي قد يبدأ "قريباً" في إجلاء الأفغان الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة، وبينهم المترجمون، الذين يخشون على حياتهم بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.
ومذكِّراً بتعهُّد وزارة الخارجية الأمريكية بتسريع عملية منح تأشيرات الهجرة، شدد وزير الدفاع على أن "كثيراً من الأشخاص (كانوا) ينتظرون" رداً من السلطات الأمريكية.
وأضاف: "أنا مقتنع بأننا سنبدأ قريباً في إجلاء بعض هؤلاء الأشخاص".
ولا يزال نحو 18 ألف طلب تأشيرة من الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية، خصوصاً المترجمين الفوريين، قيد الدراسة.
هل هناك مبالغة في توصيف سوء حال قوات الحكومة الأفغانية؟
قد يكون هناك ميل إلى المبالغة في التقارير حول السرعة المتوقعة لانهيار القوات الأفغانية، وعلى مدار عقود كانت هناك مقاومة في الجيش الأمريكي لفكرة الانسحاب من أفغانستان حتى طالت وأصبحت أطول حروب أمريكا دون أي أفق لنهايتها.
وعلى غرار ما حدث في سوريا، حيث قاوم المسؤولون السياسيون والعسكريون قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من هناك، فإن الأمر يبدو أنه يتجدد في أفغانستان.
ويحفّز ذلك أنه عكس معظم حروب أمريكا، فإن كثيراً من اليسار والليبراليين هم الأكثر حماسة لبقاء القوات الأمريكية في أفغانستان؛ خوفاً على حقوق الإنسان بالبلاد، لاسيما حقوق النساء، من ممارسات الحركة الأفغانية المتشددة، متناسين أو مُقللين في الأغلب من مساوئ الحكم الحالي، الذي يتسم بدرجة كبيرة من الفساد، إضافة إلى أن إيمان أغلب عناصره بحقوق الإنسان والمرأة هدفه مجاملة الغربيين على الأرجح، كما يتناسى هؤلاء أيضاً انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة المنسوبة إلى القوات الأفغانية.
بعد الانسحاب، كيف سيدعمون حكومة كابل؟
يبدو أن ضغوط الدوائر الأمريكية للبقاء بأفغانستان لم تؤدِّ إلى نتيجة حتى الآن، ولكن المأزق الأمريكي سيكون كيف يمكن مواصلة دعم القوات الأفغانية علماً بأن الاتفاق مع "طالبان" يمنع أمريكا من تمويل المتعهدين الذين يساعدون الجيش الأفغاني، كما أن باكستان تتحفظ على منح الأمريكيين قاعدة للعمل منها.
يبدو أن احتمال تكرار واشنطن السيناريو السوفييتي في أفغانستان لافت بشكل كبير، فالاتحاد السوفييتي واصل دعم الحكومة الشيوعية التابعة له بعد الانسحاب بسنوات، عبر كميات هائلة من الأسلحة والمعدات والأموال، ولكن عكس أمريكا كانت لموسكو آنذاك، حدود مع أفغانستان عبر جمهوريات آسيا الوسطى، كما أن كابل كانت أولوية للاتحاد السوفييتي المتراجع في السياسة الدولية، بينما أمريكا لديها مخاوف أهم تتمثل في الصعود الصيني والمشاغبة الروسية.
في المقابل، تبدو حركة طالبان غير معنيَّة كثيراً بالتفاوض مع الحكومة الأفغانية، وهي تريد السيطرة على الريف الأفغاني تمهيداً لمحاصرة المدن، واقتحامها بعد الانسحاب الأمريكي.
وعلى غرار الحرب بين النظام الشيوعي السابق والمجاهدين المدعومين من أمريكا، تحابي البيئة الجغرافية والاجتماعية الأفغانية أي تمرد في محاولته للسيطرة على الريف، بينما تظل المدن الحصون الأخيرة للأنظمة المركزية سواء الوطنية أو المدعومة من الخارج.
ولكن يجب تذكُّر أن قدرة الحكومة الأفغانية على الصمود تظل مرتبطة بتماسكها الداخلي أكثر من أي شيء، فلقد صمد نظام نجيب الله الشيوعي أربع سنوات بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي، وكان السبب الأول لانهياره الانقسامات الداخلية، خاصةً الجنرال الأوزبكي عبدالرشيد دوستم.