ضمن علاقةٍ "سلام" لم تحظَ بالسلام الكامل بين الأردن وإسرائيل، استمرَّت 27 عاماً وعجَّت بالأزمات الناجمة عن أسباب مختلفة، كان وجود بنيامين نتنياهو كأطول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل، على رأس السلطة، كارثياً بالنسبة للعلاقة مع عمّان.
والآن حتى بعد رحيله بصعوبة بالغة وبعد 4 جولات من الانتخابات المتتالية، لم يعُلِّق الأردن بعد على تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة في 13 يونيو/حزيران، التي أنهت سيطرة نتنياهو الطويلة على السلطة، حيث تراجعت في عهد نتنياهو العلاقات مع عمّان، بعد أن وقّع الطرفان معاهدة سلام في عام 1994، إلى أسوأ مراحلها.
ولم يقتصر ذلك على القضايا السياسية فحسب بل المجالات الاقتصادية أيضاً. ولم يكن سرا أنَّ الملك عبد الله فقد الثقة بنتنياهو الذي، في نظر عمّان، انتهك كل اتفاق مشترك وتفاهم توصلت إليه الحكومة الإسرائيلية مع الأردن على مر السنين.
العلاقة الفاترة مستمرة.. بينيت لم يتصل بعد بعمّان
وحول احتمالات إصلاح العلاقة بين الطرفين بعد سقوط نتنياهو، يقول موقع Al-Monitor الأمريكي، إنه رغم أن الحكومة الائتلافية الجديدة، برئاسة السياسي اليميني نفتالي بينيت، تضم أحزاباً يسارية ووسطية، بما في ذلك واحد يمثل فلسطينيي الداخل لأول مرة، ينظر المراقبون إلى خلفية بينيت السياسية وأيديولوجيته اليمينية المتطرفة على أنها قد تكون أسوأ حتى من تلك الخاصة بنتنياهو، خاصة عندما يتعلق الأمر ببناء المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية ورفض رئيس الوزراء الجديد العلني لحل الدولتين.
وقد اتصل وزير الخارجية المُعيَّن حديثاً يائير لابيد، وهو رئيس الوزراء المناوب بموجب اتفاقه مع بينيت، بنظيره المصري سامح شكري، في 18 يونيو/حزيران، وناقش أهمية العلاقات بين البلدين على المستويين السياسي والأمني وقرر البقاء على اتصال مستمر وتعاون. لكنه لم يجرِ مكالمة مماثلة مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
ورغم أن الأردن لم يُعلِّق على رحيل نتنياهو وتشكيل حكومة جديدة، سارعت وزارة الخارجية بإدانة هجوم القوات الإسرائيلية على المصلين في الحرم القدسي في 18 يونيو/حزيران.
ووصف المتحدث باسم الوزارة، ضيف الله الفايز، الهجوم بأنه "انتهاكٌ صارخ لحرمة المسجد الأقصى وسلامة المصلين"، ودعا سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى احترام الوضع التاريخي والقانوني القائم.. وسلطة دائرة شؤون القدس والمسجد الأقصى التابعة للأردن، وهي "الهيئة الوحيدة المخولة بإدارة شؤون الحرم الشريف".
غانتس يسعى لطمأنة الأردن
لكن بينما سعى نتنياهو لتقويض دور الأردن في عملية السلام، حاول شركاؤه في الائتلاف، وزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، طمأنة عمّان بالتأكيد على أهمية الحفاظ على علاقات ثنائية قوية، حسبما ذكرت صحيفة The Jerusalem Post في مقال نُشِر في 14 يونيو/حزيران. ويرى الصحفي سيث فرانتزمان أن الأردن لطالما تعرض للتجاهل من اليمين المتطرف في إسرائيل، أو في أسوأ الأحوال، جادل اليمينيون لصالح تحويل الأردن إلى "فلسطين". وإدراكاً منه لهذا التهديد الوجودي، كرَّر الملك عبد الله العام الماضي "أنَّ الأردن لن يكون أبداً وطناً بديلاً للفلسطينيين".
ومما زاد العلاقات بين إسرائيل والأردن هشاشةً تحت حكم نتنياهو، ما كشف عنه مؤخراً كاتب الأعمدة في صحيفة The Washington Post، ديفيد إغناتيوس، عن أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي كان متورطاً في مخطط دبره صهر ترامب جاريد كوشنر "لإضعاف موقف الأردن والملك من فلسطين والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
وشمل ذلك الاستعانة بأحد كبار مساعدي الملك، باسم عوض الله، الذي يُزعَم أنه كان يتآمر مع ولي العهد الأردني السابق وأيضاً الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، الأمير حمزة. وأصبحت تُعرَف باسم "مؤامرة الفتنة" التي تورط فيها عوض الله وابن عم للملك الذي بدأت محاكمته في عمان في 21 يونيو/حزيران.
وفي مقال بتاريخ 11 يونيو/حزيران، ادعى إغناتيوس أنَّ ممثلي أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية، الموساد والشين بيت، بعثوا برسائل خاصة إلى العاهل الأردني، متبرئين من أي دور في المؤامرة المزعومة. ووفقاً لمسؤول مخابرات أمريكي سابق قرأ الرسائل، جاء فيها: "لا دخل لنا. بل جاءت مباشرة"- يعني على الأرجح نتنياهو. وكان الهدف من المؤامرة المزعومة هو تقويض موقف الملك عبد الله لدوره في رفض "صفقة القرن" لترامب.
وبالنظر إلى تصريحات غانتس السابقة خلال الحملة الانتخابية الإسرائيلية في مارس/آذار، سيكون لوزير الخارجية دورٌ في الحكومة الإسرائيلية الجديدة "لتطبيع" العلاقات مع الأردن. وتوجه غانتس في زيارة سرية إلى عمّان في أوائل عام 2021 لطمأنة الملك. وبحسب ما ورد، قال غانتس خلال اجتماع عبر تطبيق "زووم" مع أعضاء آخرين في حزب أزرق-أبيض: "أعتقد أنَّ الأردن مصدر قوة عظيمة لإسرائيل، وأنَّ علاقتنا معه يمكن أن تكون أفضل 1000 مرة، للأسف نتنياهو شخصية غير مرغوب فيها في الأردن، ووجوده يضر بتقدم العلاقات".
"مع بينيت ستكون الأمور أصعب"
لكن على الرغم من وجود بعض الحلفاء في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإنَّ عمّان قلقة من أنَّ القضايا المعقدة -وهي القدس والمسجد الأقصى وبناء المستوطنات- ستستمر في عرقلة العلاقات الجيدة.
وقال المعلق السياسي عريب الرنتاوي، رئيس مركز القدس للدراسات السياسية في عمان، لموقع Al-Monitor الأمريكي، إنَّ أبسط مشكلات الأردن كانت غياب التناغم الجيد بين الملك ورئيس الوزراء المنتهية ولايته. وأضاف الرنتاوي: "مع بينيت ستكون الأمور أصعب لأنه سيمضي قدماً في تنفيذ صفقة القرن من خلال توسيع المستوطنات وضم أجزاء من الضفة الغربية وتشريد الفلسطينيين خاصة في القدس الشرقية. بجانب أن الوصاية على القدس والأردن على الأماكن المقدسة هناك كلها مهددة بالنظر إلى أن 72 من أصل 120 عضواً في الكنيست ينتمون إلى اليمين المتطرف؛ لذلك يمكن الافتراض أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية ولا عملية سلام في ظل بينيت".
بيَّد أنَّ المعلق السياسي لبيب القمحاوي أعرب عن اعتقاده بأنه بعد رحيل نتنياهو، يمكن للأردن وإسرائيل تطوير ما يشبه علاقات طبيعية، بحسب تعبيره. وقال للموقع الأمريكي إنَّ "نتنياهو جعل الصدامات مع الأردن مسألة شخصية، لكن في ظل الحكومة الجديدة وعلى الرغم من خلفيتها الأيديولوجية، يمكننا توقع مرحلة جديدة قد تشهد تعاوناً في المجالات الاقتصادية والتنموية مثل المياه التي يحتاجها الأردن بإلحاح".