نشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً يروي قصص الصعود المميز لبعض اللاجئين السوريين نحو بطولة الألعاب الأولمبية التي المقامة في العاصمة اليابانية طوكيو، وذلك رغم الصعاب التي مروا بها جراء الحرب والتهجير ومحنة اللجوء.
حلم سيتحقق بعد رحلة من المصاعب
وتروي "سي إن إن" رحلة البطل الأولمبي السوري آرام محمود، الذي مر عليه ست سنوات منذ رأى عائلته آخر مرة. إذ غادر محمود سوريا لتحقيق حلمه بخوض منافسات الريشة الطائرة في أكبر حدث رياضي في العالم، وهو حلم سيتحقق في طوكيو هذا الصيف.
فبعد سنوات من اتخاذ القرار الصعب بمغادرة وطنه، أصبح محمود الآن واحداً من فريق اللاجئين الذي يضم 29 رياضياً سيشاركون في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2020 تحت الراية الأولمبية.
وكان الشاب البالغ من العمر 23 عاماً قد ترك دمشق بحثاً عن فرص جديدة، وترك معها كل شيء وراءه.
يقول محمود: "أن أترك عائلتي، وأصدقائي، ووطني. كان هذا أصعب شيء عليّ.. لكنني قررت مغادرة سوريا لأنني أردت مستقبلاً أفضل لي شخصياً وأيضاً كي أشعر بالأمان وأحيا حياة طبيعية". ويقول: "أما السبب الثاني فهو أن أحصل على فرص جديدة لمواصلة مسيرتي في الريشة الطائرة".
"سأُري العالم ما يستطيع الرياضيون اللاجئون فعله"
ومثل محمود، سافر أحمد بدر الدين من سوريا التي مزقتها الحرب إلى أوروبا سعياً وراء حياة أكثر أماناً. واستقر أحمد في سويسرا بعد رحلة برية بحرية جوية، وهو يتدرب الآن للمشاركة في "سباق دراجات الطريق ضد الساعة" في طوكيو.
وقال بدر الدين للشبكة الأمريكية: "في البداية، لم أكن أخطط للقدوم إلى سويسرا. كانت خطتي أن أرحل بعيداً عن هذه الحرب". وتابع قائلاً: "أردت أن أذهب إلى وسط أوروبا وأن أستمر في سفري حتى أصل إلى بلجيكا، لأنني كنت أعتبر بلجيكا موطن ركوب الدراجات".
وأضاف: "لكن طريق السفر إلى هناك كان طويلاً جداً، وأنا كنت متعباً جداً وتوقفت في سويسرا وأعتقد أنني وقعت في حب هذه الجبال وكل هذه البحيرات".
وعلى عكس محمود، يقول بدر الدين إنه مكث في سوريا لعام آخر بعد أن اتخذت عائلته بالفعل قرار الرحيل. وقد ظل هناك ليشارك باسم سوريا في ركوب الدراجات لكنه قرر الرحيل عام 2014.
يقول بدر الدين: "كان هذا صعباً بالنسبة لي لأنهم يقولون إنه من الضروري أن أتدرب كل يوم، لكنني كنت لا أزال أفكر في ما حدث وفي من فقدناهم من الناس والأصدقاء وأفراد العائلة. وأقول في النهاية: كلا، لا يمكنني الاستمرار".
ويرى بدر الدين أنه رغم عثوره على وطن جديد، فقد نالت هذه الرحلة الكثير منه لدرجة أنه لم يتمكن من المشاركة في مسابقات مرة أخرى لأكثر من عامين حتى عام 2017 حين وضع نصب عينيه الألعاب الأولمبية.
لكن بعد حصوله على منحة من اللجنة الأولمبية الدولية عام 2019 في إطار برنامجها للاجئين الرياضيين، يركز بدر الدين البالغ من العمر 30 عاماً الآن على أن يكون أداؤه جيداً في المسابقة وأن يُري العالم ما يستطيع الرياضيون اللاجئون فعله.
يقول أحمد: "أتمنى بالتأكيد أن أكون من الـ20 متسابقاً الأوائل؛ هذا هو هدفي أو أن أكون أفضل درّاج من آسيا". مضيفاً: "هذا يعني الكثير لي. ويعني الكثير من العمل، أريد أن أكون جزءاً من هذا الفريق وأن أقدم هذا الفريق في أفضل صورة للعالم.. وسأبذل قصارى جهدي أن أكون صورة مُشرفة لكل هؤلاء الأشخاص الذين تركوا شيئاً وراءهم".
"أقاتل لتحقيق حلمي"
رغم تركيز محمود على أولمبياد طوكيو، فهدفه الرئيسي هو أن يجتمع بعائلته من جديد. وتحدث محمود عن سنوات نشأته حيث كان يفعل كل شيء تقريباً مع عائلته، حتى في الرياضة. فقد أشرف والد محمود على تدريبه وتدريب إخوته وتدرب مع شقيقته أيضاً.
وقال: "حين علموا بحصولي على منحة من مشروع التضامن الأولمبي، كانوا غاية في السعادة لأنني حصلت على فرصة أخيراً لأثبت شيئاً، ولأصل لما كنت أريده بالفعل حين كنت صغيراً". وتابع قائلاً: "لذلك كان مهماً جداً بالنسبة أن أواصل القتال لتحقيق حلمي وأن أكون الآن عضواً في الفريق وأن أتمكن من المشاركة في الأولمبياد".
منذ رحيله عن سوريا، سافر محمود واستقر في هولندا قبل أن ينتقل إلى الدنمارك في يناير/كانون الثاني عام 2021 لمتابعة تدريبه في مركز التميز للريشة الطائرة.
ومثل بدر الدين، يقول محمود إن تمثيل فريق اللاجئين في طوكيو يعني كل شيء له. يقول محمود: "هذا يعني الكثير لي، لأنه أصبح بإمكاننا الآن أن نثبت للعالم قدرتنا على أن نفعل شيئاً وأن لدينا هدفاً". وأضاف: "إننا نحارب لتحقيق أهدافنا، ولنصل إلى أهدافنا، وأن نُري العالم أنه بإمكاننا أن نفعل الكثير".
وقد تشكل الفريق الأولمبي للاجئين لأول مرة للمشاركة في دورة ريو لعام 2016، وكان بمثابة فرصة ليرى العالم أن اللاجئين أكثر من مجرد مهاجرين. وكانت اللاجئة السورية، يسرا مارديني، واحدة من الرياضيين العشرة الذين وقع عليهم الاختيار لتمثيل فريق اللاجئين الأولمبي الأول في ريو.
كانت يسرا وشقيقتها تحظيان بالتشجيع على ممارسة السباحة منذ صغرهما ووضعتا نصب عينهما الألعاب الأولمبية بعد مشاهدتهما مايكل فيلبس على شاشة التلفزيون في المنافسات. وبعد رحيلهما عن سوريا، وجدت الشقيقتان وطناً جديداً في ألمانيا حيث واصلت يسرا السباحة والسعي وراء أحلامها.
والآن، بعد أن أصبحت سفيرة لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وعودتها لدورة الألعاب الأولمبية لعام 2020 تحت الراية الأولمبية، قالت يسرا في تصريح لشبكة CNN Sport: "في الألعاب الأولمبية الأخيرة، كنت أمثل ما هو أكثر من سوريا".
وتابعت قائلة: "كنت أمثل الملايين حول العالم. وأنا أحب هذه الفكرة كثيراً. وسأمثلهم جميعاً سواء شاركت تحت العلم الألماني أو العلم السوري أو العلم الأولمبي".
وقالت يسرا: "الرياضة منحتني هذا الصوت القوي. وأنا أستخدمه لمساعدة اللاجئين على تحسين أوضاعهم، ولمنحهم الفرصة ولإفهام العالم أنه من الضروري أن يفتح لهم الحدود".
قوة الرياضة
رغم أن رحلتهما إلى الأولمبياد كانت مختلفة، يشترك كل من بدر الدين ومحمود في تجربة واحدة مدهشة. فقد تمكنا من العثور على وطنين جديدين والتواصل مع محيطهما من خلال الرياضة التي يمارسانها.
يقول بدر الدين: "ركوب الدراجات، أو لنقل الرياضة، ساعدني كثيراً أيضاً في نسيان ما حدث من قبل (الحرب) وكان علاجاً لي". وقال: "كان أفضل خيار أمامي أن ألتقي أشخاصاً جدد، وأن أتواصل معهم، وأن أتعرف على الثقافة في سويسرا وأوروبا، لقد أفادني هذا كثيراً".
ومرّ محمود بتجربة مماثلة في لعبة الريشة الطائرة حين وصل إلى أوروبا. يقول محمود: "كان الأمر صعباً حين انتقلت من سوريا إلى بلد مختلف، وثقافة مختلفة؛ كل شيء كان مختلفاً هناك".
وقال: "كرة الريشة ساعدتني على أن أصبح جزءاً من المجتمع هناك؛ ولأنني كنت ألعب جيداً، فقد ساعدني ذلك على تكوين بعض الصداقات". وتابع محمود: "كان هذا أجمل ما يمكنك امتلاكه. مثل الرياضة أو شيء آخر لتكون قادراً على الاندماج وتعلم المزيد". وقال: "تزداد معرفة بثقافتهم أثناء التدريب".