خرجت تصريحات متعددة بشأن اقتراب مفاوضات فيينا من إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ولكن هناك غموض حول النقاط التي جرى التوصل إليها، والمسائل التي مازالت تعترض التوصل لاتفاق.
وجاءت هذه التصريحات المتفائلة من الجانبين الإيراني والغربي على السواء، وهي تتحدث عن اقتراب التوصل لنتيجة مثمرة، تؤدي إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي أُبرم عام 2015، وخرجت منه الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب عام 2018، وردّت إيران بخرق التزاماتها في الاتفاق بشأن تخصيب اليورانيوم، ما قرَّبها من إنتاج قنبلة نووية أكثر من أي وقت مضى منذ الاتفاق.
وقال إنريكي مورا، كبير المنسقين الأوروبيين للمحادثات النووية للصحفيين، مع اختتام الجولة الخامسة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية غير المباشرة، مطلع هذا الشهر: "أنا متأكد من أن الجولة المقبلة ستكون هي الجولة التي سنتوصل فيها أخيراً إلى اتفاق"، ورغم أن ذلك لم يتحقق في الجولة السادسة التي اختتمت، الأحد، 20 يونيو/حزيران 2021 في، فيينا، إلا إن ذلك لم يقلل التفاؤل بالنظر إلى أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية أدت بطبيعة الحال إلى تأخير في عملية التفاوض.
وفيما بدا الأمريكيون أكثر تحفظاً في تفاؤلهم بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني، فإنه لا توجد تفاصيل عما تم التوصل إليه، والنقاط العالقة، ولكن ملاحظات المتحفظين تشير إلى أنه بقيت نقاط قليلة، ولكن شديدة الأهمية، ما يجعل التفاوض حولها صعباً.
ويعتقد كبار مساعدي الرئيس بايدن، الذين كانوا يتفاوضون مع المسؤولين الإيرانيين خلف أبواب مغلقة في فيينا، حيث تنقل الرسائل بينهم وبين نظرائهم الإيرانيين من غرف الفنادق عبر وسطاء أوروبيين، لأن الإيرانيين لا يقابلونهم بشكل مباشر- أن اللحظة ربما تكون قد حانت للتوصل لاتفاق.
ويقولون إن الأسابيع الستة المقبلة قبل تنصيب "رئيسي" تقدّم نافذة فريدة للتوصل إلى اتفاق نهائي مع القيادة الإيرانية، بشأن قرار مؤلم كانت تؤجله، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
هل يجب القلق من الرئيس المتشدد الجديد؟
ولكن أبدى مسؤولون ومصادر غربية قلقهم من أن يؤدي فوز المرشح المتشدد إبراهيم رئيسي بالرئاسة الإيرانية لعرقلة المفاوضات، إضافة إلى إمكانية تغيير أطقم المفاوضين الإيرانيين.
ولكن ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، قائلاً: "بشكل عام تقوم سياستنا الخارجية على الاستمرارية بدلاً من التغيير، حتى مع تغيير الإدارة".
كما أن رئيسي نفسه رحَّب بالمفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ولكنه أكد على أنه لا يجوز التفاوض من أجل التفاوض.
إضافة إلى ذلك فإن المفاوضين أشاروا إلى أن هناك وقتاً كافياً لدى الطرفين للتفاوض قبل تولي رئيسي السلطة.
إذ يصر دبلوماسيون إيرانيون، بمن فيهم وزير الخارجية جواد ظريف، على أن لديهم نفس التفويض في التفاوض كما كان من قبل، ويقولون إنه يمكن التوصل إلى اتفاق قبل تولّي رئيسي السلطة في أوائل أغسطس/آب 2021، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
الأهم أن الجميع يعلم أن المحرّك الفعلي للسياسة الإيرانية هو المرشد الأعلى علي خامنئي وليس رئيس البلاد.
خامنئي يريد أن توقع حكومة المعتدلين الاتفاق وليس رئيسي
وهناك نظرية في واشنطن، هي أن آية الله خامنئي كان يدير المسرح، ليس فقط الانتخابات، ولكن المفاوضات النووية، ولا يريد أن يتخلى عن أفضل أمل له في تخليص إيران من العقوبات التي أبقت نفطها خارج السوق الدولية، وخنقت اقتصاد البلاد.
لذا فإن المؤشرات داخل المفاوضات تشير إلى أن القرار النهائي للمضي قدماً في الصفقة يمكن أن يأتي في الأسابيع القليلة المقبلة، قبل تنصيب رئيسي، وبينما لا تزال الحكومة الإيرانية الإصلاحية في السلطة، حسب تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.
وهذا يعني أن المعتدلين في إيران سيتم إعدادهم لتحمل اللوم على الاستسلام للغرب، وتحمّل وطأة الغضب الشعبي داخل إيران إذا لم ينقذ تخفيف العقوبات جراء إحياء الاتفاق النووي الإيراني اقتصاد البلاد المتضرر.
ولكن إذا تمت الصفقة وانتعش الاقتصاد الإيراني فيمكن للحكومة المحافظة الجديدة، بقيادة السيد رئيسي، أن تأخذ الفضل في حدوث هذا الانتعاش الاقتصادي، ما يُعزز رؤيته بأن الأمر يتطلب حكومةً قومية متشددة للوقوف في وجه واشنطن وإعادة مكانة البلاد.
ويزعم بعض الدبلوماسيين الغربيين أن إيران كانت تماطل في المحادثات التي استمرت لأشهر، لضمان عدم تمكن الحكومة الإصلاحية المنتهية ولايتها من ادعاء الفضل في استعادة الاتفاق ورفع العقوبات الأمريكية قبل الانتخابات.
يزعم هؤلاء الدبلوماسيون أنه مع هزيمة الإصلاحيين داخل إيران يمكن الاتفاق على الصفقة التي تم إحياؤها بسرعة.
في الواقع، تم وضع الصياغة التفصيلية للاتفاقية التي أعيد إحياؤها قبل أسابيع في فيينا، كما تنقل صحيفة نيويورك تايمز عن كبار المسؤولين الأمريكيين.
ومنذ ذلك الحين، بقيت الاتفاقية التي تم إحياؤها، دون أن تُمس إلى حد كبير، في انتظار الانتخابات الإيرانية التي بدا أن نتيجتها من تصميم آية الله خامنئي، نظراً لأن الفائز بها إبراهيم رئيسي هو الرجل الذي يعتقد الكثيرون أنه المرشح الأبرز ليصبح المرشد الأعلى المقبل لإيران بعد خامنئي، البالغ من العمر الآن 82 عاماً.
إذا نجح رهان بايدن، وكانت الحكومة المتشددة هي السبيل للوفاء بوعد حملته الانتخابية باستعادة الصفقة التي كانت ناجحة إلى حد كبير حتى ألغاها ترامب، فسيكون ذلك فقط حدثاً غريباً.
ما الذي تم التوافق عليه؟
تخرج مؤشرات من هنا وهناك تشير إلى ما تم التوصل إليه من نقاط اتفاق، والخلافات التي مازالت تعرقل إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
في تصريحات صحفية أدلى بها، عقب انتهاء الاجتماع الأخير، قال المفاوض الأوروبي إنريكي مورا إنه تم الاتفاق على رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، وامتثال الأخيرة للاتفاق النووي المبرم سابقاً. وأكد مورا إحراز تقدّم في الجولة الأخيرة من المفاوضات.
ولقد أعلن رئيسي في أول خطاب له بعد فوزه أنه لن يكون هناك مساس ببرنامج إيران الصاروخي، ولم يخرج رد فعل من الجانب الغربي، ومن الواضح أن ذلك يؤشر إلى أن إيران قد نالت غرضها بعدم المساس بالبرنامج الصاروخي، وهو أمر كانت تريده إسرائيل والسعودية بشدة.
كما أصر رئيسي ومرشحون آخرون خلال الحملة، أنهم لن يوافقوا على أي قيود على دعمهم للرئيس السوري بشار الأسد، أو الميليشيات الشيعية في العراق، أو حماس والجهاد.
ويقول الإيرانيون إنهم لن يقبلوا تغيير شروط الاتفاق بطرق من شأنها أن تحد من إنتاجهم لليورانيوم بشكل أكبر.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رداً على سؤال من صحيفة نيويورك تايمز "ليس لدينا التزامات جديدة، المفاوضات الجديدة ليست جزءاً من صلاحيتنا، نحن نركز على مواصلة "صفقة 2015″، "ليس أكثر وليس أقل".
وإذا حدث كل ما سبق فهذا سيكون في غير صالح بايدن، فاستعادة الصفقة القديمة مع الفشل في الحصول على المزيد من التنازلات من قبل طهران، سوف يفتح الباب على انتقادات من داخل أمريكا بأنه أعاد تنفيذ الاتفاق القديم الذي لم يحل المشاكل الشائكة مع إيران.
نقاط الاختلاف
من الصعوبات التي تواجه إحياء الاتفاق النووي الإيراني كيف سيتم التعامل مع المعرفة والأصول التي طوّرتها إيران أثناء انتهاكها لشروط الصفقة، وكم من الوقت يمكن للبرلمان الإيراني المتشدد تأجيل امتثال إيران لشروط الاتفاق حتى ترضى طهران بالعقوبات التي سترفعها أمريكا، وأخيراً سلة العقوبات الأمريكية المحددة التي سيتم رفعها، حسب The Guardian.
ورفعت الولايات المتحدة مؤخراً بعض العقوبات للسماح للأغذية والأدوية الإنسانية بالوصول إلى إيران.
ولكن وزير الخارجية الأمريكي قال إن الولايات المتحدة ستبقي "مئات العقوبات" على إيران، حتى لو توصل البلدان إلى تسوية لإنقاذ الاتفاق حول الملف النووي الإيراني.
وأضاف بلينكن خلال جلسة استماع برلمانية في واشنطن، نُشرت في 8 يونيو/حزيران 2021 "في حال التوصل إلى تسوية في ختام المحادثات غير المباشرة المتواصلة منذ شهرين في فيينا سيقع على عاتقنا رفع العقوبات التي تخالف أحكام الاتفاق المبرم العام 2015 حول الملف النووي".
واستدرك قائلاً "إن إدارة بايدن ستبقي عقوبات لا تخالف هذا الاتفاق، وتشمل الكثير من سلوك إيران المضر في سلسلة من المجالات".
العائق الأكبر أمام إحياء الاتفاق النووي الإيراني.. ماذا لو جاء ترامب مجدداً؟
لكن أبرز نقاط الخلاف مطلب إيران بضرورة التزام أمريكا بعدم الخروج من الاتفاق مجدداً.
يقول الإيرانيون "إذا كان بإمكان السيد ترامب الانسحاب من الصفقة في 2018، فما الذي يمنع الرئيس الجديد من فعل الشيء نفسه في 2025 مثلاً؟".
فالمتنافسون الجمهوريين المحتملون على الرئاسة في عام 2024: "نيكي هيلي أو مايك بومبيو يمكن أن يعودوا ويلغوا كل شيء".
طالب الإيرانيون بالتزام كتابي بعدم تمكن أي حكومة أمريكية مستقبلية من إلغاء الصفقة كما فعل ترامب، حسبما تنقل نيويورك تايمز عن أشخاص داخل المفاوضات.
يبدو "مطلباً معقولاً"، على حد تعبير أحد كبار المسؤولين الأمريكيين، لكن هذا "أمر لا يمكن لأي ديمقراطية حقيقية أن تصنعه".
فالاتفاق النووي الإيراني، بعد كل شيء، ليس معاهدة، لأن الرئيس جو بايدن، مثل سلفه باراك أوباما من قبله، لم يكن من الممكن أن يحصل على موافقة ثلثي مجلس الشيوخ الأمريكي، لذلك يطلق عليه "اتفاقية تنفيذية" يمكن لأي رئيس مستقبلي فسخها، تماماً كما فعل ترامب.
مطلب أمريكا.. عليكم الالتزام بإجراء مفاوضات جديدة
لكن إدارة بايدن، التي تدرك تماماً أوجه القصور في صفقة 2015 الأصلية، لديها مطلب حازم أيضاً، إنها تريد أن توافق إيران كتابياً على العودة إلى طاولة المفاوضات، بمجرد استعادة الاتفاق النووي القديم والبدء في صياغة شروط اتفاقية أكبر، أو على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين اتفاق "أطول وأقوى".
تعترف عبارة بلينكين بأن منتقدي الاتفاق النووي الإيراني الذي أُبرم قبل 6 سنوات لديهم حق في مهاجمته، لأن مفعوله سينتهي في الأساس خلال 9 سنوات.
فبموجب الشروط الحالية، ستكون إيران في عام 2030 حرة في إنتاج ما تريده من الوقود النووي، ما يعني أنه حتى لو لم تصنع قنبلة فسيكون لديها مخزون من الوقود لإنتاج واحدة بسرعة إلى حد ما.
كتب الباحث والمؤرخ مايكل ماندلباوم، في مارس/آذار 2021: "تأمل الإدارة الأمريكية أن تستخدم الصفقة القديمة كنقطة انطلاق للتفاوض على صفقة أحدث وأقوى بكثير.
هل تقبل إيران باتفاق جديد؟
البعض يرى أن التوصل إلى اتفاق أقوى هو سيناريو غير محتمل، لأنه بمجرد أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات التي أضرت إيران بشدة فإنها ستفقد أدوات الضغط عليها.
ولكن يختلف بعض كبار مسؤولي الإدارة عن هذا الرأي.
إذ يقولون إنه خلال المفاوضات في الأشهر الأخيرة، أوضح الإيرانيون أنهم يعتقدون أن تخفيف العقوبات الذي حصلت عليه طهران في عام 2015 لم يكن كافياً، إذ لم يسمح لإيران على سبيل المثال بإجراء مجموعة من المعاملات المالية الدولية، بما في ذلك من خلال نظام SWIFT، وهو نظام مراسلة معقد وآمن تستخدمه المؤسسات المالية لتسوية الديون الدولية.
لذا فإن رهان بايدن هو أنه سيكون لديه بعض أوراق الضغط المتبقية على إيران، وقد يكون ذلك كافياً لتمديد طول القيود المفروضة على إنتاج طهران للوقود النووي إلى ما بعد عام 2030، ووضع قيود على أبحاثها وتطويرها لأجهزة الطرد المركزي النووية الجديدة.