أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر نتائج مختلفة هذه المرة، جعلت الرئيس عبدالمجيد تبون في موقع مريح نظرياً في تشكيل الحكومة القادمة، سواء أكانت حكومة توافقية أم حكومة أغلبية، أو حتى حكومة كفاءات، لكنه في الحقيقة في حرج للاختيار بين أحزاب الموالاة والإسلاميين، فمن سيتحالف مع مَن، وعلى حساب مَن؟
وليس بمقدور الرئيس تبون تشكيل حكومة تخضع له ويقودها وزير أول يعينه ما لم يضمن دعم 204 من نواب البرلمان على الأقل.
فهل يتحالف الإسلاميون مع أحزاب الموالاة؟ وهل يشكل المستقلون إلى جانب الإسلاميين طوق نجاة للرئيس تبون؟ وما احتمالات لجوء الرئيس إلى تشكيل حكومة كفاءات؟
أعلنت لجنة الانتخابات فوز "جبهة التحرير" بـ105 مقاعد، متبوعة بالمستقلين بـ78 مقعداً، فيما حصلت "حركة مجتمع السلم" على 64 مقعداً.
وحلّ "التجمع الوطني الديمقراطي" رابعاً بـ57 مقعداً، فيما حققت "جبهة المستقبل"، وهي حزب أنشأه منشقون من "جبهة التحرير" منذ عام 2012، الرتبة الخامسة بحصولها على 48 مقعداً.
ووفقاً للتعديلات التي مسّت الدستور الجزائري عام 2020، فإن الحكومة يجب أن تنبثق عن أغلبية برلمانية، إما متحالفة مع الرئيس أو معارضة له.
الرئيس في أريحية لتشكيل الحكومة ولكن..
تشكل جبهة التحرير الوطني والتجمع والمستقبل 210 مقاعد من مجموع 407 مقاعد، يضمها البرلمان، فضلاً عن 78 مقعداً للمستقلين، ما يتيح للرئيس تشكيل الحكومة دون الحاجة لمقاعد الإسلاميين.
لكنّ مراقبين يستبعدون لجوء الرئيس إلى الاستعانة بهذه التشكيلات السياسية.
وسيكون هذا السيناريو مسيئاً لصورة الرئيس، ويجعله نسخة مكررة عن الرئيس السابق، كما أن أحزاب السلطة تعتبر ورقة محروقة بعد تورط قياداتها في قضايا فساد.
فضلاً عن أن الحراك الشعبي طالب بحلها مراراً، ما يجعل من المستبعد أن يعتمد تبون على هذه الأحزاب، في ظل وجود بدائل أخرى كالإسلاميين والمستقلين وحزب المستقبل.
وحاول تبون منذ البداية النأي بنفسه عن الأحزاب المحسوبة على الرئيس السابق، بالمراهنة على المجتمع المدني في الانتخابات لتغيير المشهد السياسي، حتى إن الحكومة أخذت على عاتقها تمويل حملات المستقلين ممن تقل أعمارهم عن 40 عاماً.
الإسلاميون مستعدون للمشاركة، لكن في حكومة توافقية
باحتساب مقاعد الأحزاب الإسلامية، وهي حركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية، فقد بلغت 106 مقاعد، وبالتالي فهي بحاجة لتحالفات مع تشكيلات سياسية أخرى.
يظهر جلياً أن حركة مجتمع السلم والأحزاب الإسلامية عموماً لا ترغب في الدخول في تحالف مع أحزاب السلطة في الوقت الراهن، وتكرار تجربة التحالف الرئاسي سيئ الذكر، من خلال تجنب الخوض في مسألة التحالفات البرلمانية التي عادة ما يستند إليها في تشكيل الحكومة، في حال تعذر الحصول على الأغلبية.
كما أنها تسعى للحفاظ على وعائها الانتخابي وتوسيعه خلال الانتخابات البلدية.
فحركة حمس يمكنها المشاركة في الحكومة الجديدة، لكن وفق اشتراطات أعلنها رئيسها عبدالرزاق مقري، منها مدى توافقها مع برنامجهم الحزبي.
وقال مقري إن الحركة ستدرس عرض المشاركة في الحكومة، ومدى اقترابه من رؤيتهم، وجدّيته لإجراء حوار وطني استراتيجي لخدمة البلد، لكنها في المقابل ترفض أن تكون واجهة للنظام السياسي.
وأكد مقري أن حزبه سيذهب نحو حكومة توافقية، لأن "الوضع الاقتصادي خطير جداً، ويحتاج إلى توافقات كبرى وحزام سياسي واجتماعي عريض لمساندة الحكومة".
وأعلنت حركة البناء الوطني هي الأخرى دعمها تشكيل حكومة سياسية موسعة، تحت قيادة الرئيس عبدالمجيد تبون.
وقال رئيس الحركة عبدالقادر بن قرينة إن حركته "مع تشكيل كوموندوس (فريق عمل) سياسي تحت رعاية وقيادة الرئيس تبون، لإخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية".
وأوضح أن الحركة ترى أن تكون الحكومة المقبلة موسعة للطبقة السياسية، سواء التي شاركت في الانتخابات أو التي قاطعت.
ويفهم من كلام بن قرينة أنه يضم صوته إلى الأصوات القائلة بالذهاب نحو حكومة توافقية.
وتتبنَّى حركة البناء خيار المشاركة مع السلطة، وخطاباً داعماً لخيارات الرئيس الجزائري.
وتأسست حركة البناء الوطني عام 2013 من قِبل قياديين انشقوا قبل سنوات عن حركة مجتمع السلم.
يدفع الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المتأزم في البلاد باتجاه تشكيل حكومة توافقية، قوامها أغلبية الأحزاب الممثلة في البرلمان، وربما كفاءات أيضاً، لتكون حزاماً سياسياً حول الطاقم الحكومي، قصد مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
التحالف مع الأحرار
أعلنت القوائم المستقلة الفائزة بالتشريعيات في لقاء تشاوري قبل أيام، عن التفافها حول برنامج رئيس الجمهورية، مؤكدين إمكانية التحالف مع الأحزاب السياسية التي حصلت على مقاعد بالمجلس الشعبي الوطني.
وجاء هذا الإعلان المنبثق عن اللقاء التشاوري في شكل "ميثاق شرف" للمنتخبين الأحرار، من أجل الالتفاف حول برنامج رئيس الجمهورية، بما يضمن التكفل بانشغالات المواطنين على حد تعبيرهم.
وقال رئيس حزب "جبهة المستقبل" (48 نائباً)، عبدالعزيز بلعيد، في مؤتمر صحفي، إن حزبه "سيتحاور مع كافة التشكيلات السياسية للمساهمة إيجابياً في استقرار الجزائر والذهاب إلى حكومة متينة، والانطلاقة في إصلاحات حقيقية".
وفي حال تحالفت حركة مجتمع السلم (64 نائباً)، وجبهة المستقبل (48 نائباً)، وحركة البناء الوطني (40 نائباً)، والأحرار (78 نائباً)، فبإمكانهم تشكيل حكومة ائتلافية دون الحاجة لحزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
ويجعل هذا السيناريو تبون في وضع مريح، لكنه يبقى مرهوناً بقرار حركة حمس في المشاركة.
وضمن هذا السيناريو يمكن للنواب المستقلين أن يحصلوا على نصيب الأسد من الحقائب الوزارية، وقد تعود رئاسة الحكومة لأحد النواب الأحرار، لتفادي أن تكون الواجهة إسلامية.
لقد تعهد الرئيس عبدالمجيد تبون باحترام الدستور ونتائج الانتخابات التشريعية، وعليه يصبح من المستبعد اللجوء مرة أخرى إلى تعيين فريق وزاري من التكنوقراط، ما يعني أن الحكومة ستكون على الأغلب توافقية بشخصيات متحزبة وأخرى تكنوقراطية، لما يفرضه الوضع الحالي من تحديات اقتصادية واجتماعية.