انتخابات أقاليم فرنسا “بلا ناخبين”.. “صفعة” أخرى لماكرون ورسالة “شديدة اللهجة” للوبان

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/21 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/21 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - رويترز

أظهرت الجولة الأولى من انتخابات الأقاليم في فرنسا عدة مؤشرات أغلبها يمثل "صفعة" للرئيس إيمانويل ماكرون وحزبه، كما تعرض حزب ماريان لوبان زعيمة اليمين المتطرف لخيبة أمل أيضاً.

وأجريت الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية في فرنسا الأحد 20 يونيو/حزيران، وسط حالة من الترقب الشديد نظراً لأن تلك الانتخابات تعتبر المؤشر الأبرز على توجهات الناخبين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، والتي كان يبدو أنها ستكون محصورة بين ماكرون ولوبان، لكن النتائج الأولية لتلك الجولة جاءت على غير المتوقع بصورة كبيرة.

ماذا يعني العزوف عن التصويت في فرنسا؟

المؤشر المهم الذي يمثل العنوان الأبرز للجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية في فرنسا هو تدني نسبة إقبال الناخبين بصورة غير مسبوقة. فقد توقعت مؤسسة إيلابي لاستطلاعات الرأي أن تصل نسبة الامتناع عن التصويت إلى 68.5%، على الرغم من تزامن الانتخابات مع انتهاء نحو سبعة أشهر من القيود الصارمة على الحريات المدنية بسبب جائحة كورونا ووسط طقس مشمس، بحسب رويترز.

ومن المقرر أن تُجرى الجولة الثانية من الانتخابات الإقليمية يوم 27 يونيو/حزيران، وتعتبر هذه الانتخابات الإقليمية استطلاعاً لتوجهات الناخبين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/نيسان من العام المقبل، وقياساً جدياً لمدى شعبية الرئيس الحالي ماكرون ومنافسته الرئيسية لوبان زعيمة اليمين المتطرف.

هل وباء كورونا سبب عزوف الناخبين في فرنسا عن التصويت؟

وكان ماكرون قد بدأ جولات ميدانية عبر فرنسا قبل نحو أسبوعين، وصفها بأنها رغبة منه "في جس نبض البلاد" في أعقاب رفع قيود كورونا، لكن خصومه وصفوها بالجولات الانتخابية المبكرة.

وشهدت أولى تلك الجولات الميدانية تعرض ماكرون لموقف محرج، عندما "صفعه" مواطن فرنسي على وجهه. حدث ذلك خلال توجه ماكرون للحديث مع تجمع لمواطنين خارج مدرسة ثانوية في منطقة دروم جنوب شرق فرنسا، وتم القبض على الشاب والحكم عليه بالسجن لنحو عامين.

"صفعة" انتخابية لماكرون

وبعد ظهور النتائج الأولية للجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية، بدا أن الرئيس الفرنسي وحزبه "الجمهورية إلى الأمام" قد تلقى "صفعة" أخرى ربما تكون أكثر قسوة من تلك "الصفعة" الفعلية.

ومصطلح "الصفعة" هنا ليس مجازياً أو وصفاً إعلامياً، بل جاء على لسان أورو بيرغي وهو برلماني من حزب الرئيس ماكرون، حيث قال إن نتائج الانتخابات "صفعة ديمقراطية على الوجه"، مضيفاً: "لن أقلل من حجم ما حدث (في الانتخابات)"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إبسوس حصول حزب "الجمهورية" –يمين الوسط– على المركز الأول في الجولة الأولى من انتخابات الأقاليم بنسبة 27.2% من الأصوات على مستوى البلاد، بينما جاء حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بزعامة لوبان على المركز الثاني بنسبة 19.3%، وجاء حزب الخضر ثالثاً والحزب الاشتراكي رابعاً، بينما حل حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي ينتمي إليه ماكرون على المركز الخامس بنسبة 11.2%.

وبصورة عامة، تصدر المسؤولون المنتهية ولاياتهم نتائج الجولة الأولى، وهو توجه يعزز فرص حزب "الجمهوريون" و"الحزب الاشتراكي" بمواجهة "التجمع الوطني" وحزب "الجمهورية إلى الأمام" الرئاسي الذي لا يملك قاعدة محلية قوية، بحسب تقرير لفرانس 24.

وفشل أنصار البيئة أيضاً (حزب الخضر) في تسجيل نتائج جيدة بعدما حققوا أداء ممتازاً في المدن الكبرى خلال الانتخابات البلدية عام 2020. وتصدر مرشحو حزب "الجمهوريون" النتائج في العديد من الأقاليم. ففي منطقة "أو دو فرانس" (شمال)، تقدم رئيس المنطقة المنتهية ولايته غزافييه برتران المرشح منذ الآن للانتخابات الرئاسية عام 2022، بفارق كبير على مرشح التجمع الوطني (اليمين المتطرف) سيباستيان شونو (42.5% مقابل 24)، فيما كانت استطلاعات الرأي تتوقع منافسة شديدة بينهما.

ماكرون فرنسا
لحظة تلقي الرئيس الفرنسي لصفعة/ رويترز

وإثر إعلان عن نتائج الجولة الأولى، شكر غزافييه برتران كل الذين صوتوا لصالحه، مؤكداً أنه "سيواصل عمله بجهد كبير لكي يفوز بنتيجة كبيرة خلال الجولة الثانية".

وقال برتران "منذ 2006 نحن نقوم بواجبنا في هذا الإقليم وبذلنا جهوداً كبيرة من أجل تحسين ظروف معيشة الجميع دون استثناء وسنواصل في تحقيق ذلك"، مضيفاً: "اليمين المتطرف تراجع كثيراً في إقليمنا لأننا أظهرنا أن السياسة لم تمت بفضل العمل والمثابرة وبذل الجهود. لقد قمنا بكسر مخالب التجمع الوطني المتطرف"، داعياً كل سكان إقليم "أو دو فرانس" إلى التصويت لصالحه بكثافة في الجولة الثانية.

نفس الخطاب تقريباً ألقاه لوران فوكييه (الجمهوريون) الذي تصدر هو الآخر نتائج الدورة الأولى في إقليم "رون آلب" حيث تحصل على 45.80% من الأصوات مقابل مرشحة حزب الخضر فابيين غريبير التي تحصلت على 14.3% من الأصوات فيما جاءت وزيرة التربية السابقة في عهد فرانسوا هولاند نجاة فالو بلقاسم في المرتبة الرابعة (10.9%) وراء ممثل حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف أندريا كوتاراك الذي تحصل على 12% من الأصوات.

خيبة أمل "اليمين المتطرف"

إذا كان حزب الرئيس ماكرون قد تعرض لصفعة ديمقراطية من الناخبين بحصوله على المركز الخامس، فإن حزب ماريان لوبان اليميني المتطرف هو الآخر حقق أداء مخيباً للآمال، قياساً على توقعات ما قبل التصويت الفعلي.

فقد أظهرت استطلاعات الرأي السابقة على التصويت أن "التجمع الوطني" لماريان لوبان سيحصد 41% من الأصوات في الدورة الأولى ليتصدر بذلك الطليعة أمام منافسه المباشر حزب "الجمهوريون" 34%، والذي يقوده ميزولييه المتحالف مع الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام"، وحزب "وحدة الديمقراطيين المستقلين" فضلاً عن حزب "الحركة الديمقراطية" الذي يتزعمه وزير التربية السابق فرانسوا بايرو.

لكن النتائج جاءت مختلفة كثيراً عن تلك التوقعات، فقد حل الحزب اليميني المتطرف في المركز الثاني وحصد أقل من نصف ما كان متوقعاً من الأصوات (أكثر قليلاً من 19%)، وهو ما مثل خيبة أمل كبيرة لمسؤولي الحزب. وإن كانت الفرصة لا تزال قائمة أمام اليمين المتطرف لتحقيق انتصار غير مسبوق في أحد الأقاليم.

فقد أظهر استطلاعان للرأي بعد إدلاء الناخبين بأصواتهم في الجولة تفوق حزب "التجمع الوطني" في منطقة بروفانس ألب كوت دازور ولكن بهامش أقل من المتوقع على يمين الوسط بزعامة رينو موزيلييه الذي تحالف مع حزب ماكرون.

ماريان لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا

وكان استطلاع للرأي أجراه معهد إبسوس/سوبرا لصالح إذاعة وتلفزيون فرنسا قد أظهر –قبل أسبوع من التصويت- تقدم قائمة تييري مارياني في منطقة "ألب كوت دازور". وفي حال تمكن حزب لوبان من "الاستيلاء" على منطقة "ألب كوت دازور"، فستكون المرة الأولى في الجمهورية الخامسة التي يترأس فيها حزب يميني متطرف مجلساً إقليمياً في فرنسا.

وفي حال تحولت هذه الاحتمالات إلى حقيقة، مساء الأحد 27 يونيو/حزيران، فهذا سيكون بمثابة زلزال سياسي صغير يضرب منطقة "ألب كوت دازور"، باعتبار أنها ستكون المرة الأولى في الجمهورية الخامسة التي يصل فيها حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى رئاسة مجلس إقليمي في فرنسا.

وعبر حزب التجمع الوطني عن إحباطه من تدني نسبة الإقبال على التصويت لمستويات قياسية. وقال جوردان باديلا المرشح الرئيسي للوبان في منطقة باريس الكبرى: "فازت الحكومة هذا المساء؛ لأنها كانت تتطلع في الأسابيع القليلة الماضية إلى نسبة امتناع هائلة عن التصويت".

وكانت لوبان قد بذلت جهوداً مضنية لتحسين صورة حزبها واجتذاب أصوات من تيار اليمين الرئيسي باتباع نهج أخف حدة فيما يتعلق بالسياسات الشعبوية المتشككة في أوروبا والمناهضة للهجرة.

ولم يسبق لحزب لوبان أن سيطر على إحدى المناطق في الانتخابات. وإذا تحقق له الفوز في واحدة الأسبوع المقبل فسيكون ذلك بمثابة رسالة مفادها أنه لا يمكن استبعاد فوزها في انتخابات الرئاسة العام المقبل. وستؤدي نتائج الجولة الأولى اليوم إلى دخول الأحزاب في مفاوضات خلف الكواليس على مدى يومين لإبرام تحالفات قبيل انطلاق الجولة الثانية.

الخلاصة هنا هي أنه ما لم تشهد الجولة الثانية من انتخابات الأقاليم في فرنسا الأسبوع المقبل اختلافات كبرى عن الجولة الأولى، خصوصاً في نسبة الإقبال وتوجهات الناخبين، فقد تشهد فرنسا زلزالاً يتمثل في فوز اليمين المتطرف برئاسة أحد الأقاليم، وهو ما يعني أن فرص ماكرون في الفوز بفترة رئاسية ثانية تتضاءل كثيراً قبل نحو 10 أشهر من المعركة الانتخابية القادمة.

تحميل المزيد