قد تكون الانتخابات الإثيوبية المقررة الإثنين 21 يونيو/حزيران 2021، نقطة فارقة في مسعى رئيس الوزراء آبي أحمد تعزيز سيطرته على البلاد، وقد تكون أيضاً كاشفة لمقدار التأييد الحقيقي له.
آبي أحمد، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام قبل عامين بعد إبرامه اتفاق سلام مع إريتريا المجاورة، يواجه في هذه الانتخابات صناديق الاقتراع لأول مرة منذ توليه الحكم في ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان.
ويُتوقع أن يصوت فيها عشرات الملايين من الإثيوبيين، غير أنها ربما توفر أيضاً قاعدة انطلاق جديدة لرئيس الوزراء الإثيوبي المثير للجدل، آبي أحمد، لتعزيز حكمه الاستبدادي المتنامي في البلاد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
الانتخابات لن تعقد في تيغراي
ما يزيد قليلاً على خُمس الدوائر الانتخابية البرلمانية، البالغ عددها 500 دائرة انتخابية، لا تستطيع التصويت بسبب مشكلات لوجستية أو العنف أو الحرب في تيغراي.
اندلع الصراع في المنطقة الشمالية من البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن هاجم موالون لـ"جبهة تحرير شعب تيغراي"، الحزب الحاكم في المنطقة آنذاك، قواعد عسكرية حكومية.
أجبرت القوات الفيدرالية جبهةَ تحرير تيغراي على التخلي عن معقلها في ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي، بعد 6 أسابيع من القتال، لكنها كابدت الأمرَّين خلال محاولتها إنهاء حالة التمرد المستمرة.
تستمد المواجهة جذورها من الصراع طويل الأمد على السلطة في البلاد. فقد هيمنت جبهة تحرير تيغراي على الحكم لعقود قبل أن يصل آبي أحمد إلى الحكم بتعيين من الائتلاف الحاكم في 2018. ويقول مراقبون إنه لم يتضح بعد ما إذا كانت الحرب الأخيرة وتداعياتها ستكون في صالح آبي أحمد في صناديق الاقتراع أم لا.
يقول يوهانس ولد مريم، وهو خبير مستقل في الشؤون الإثيوبية ومقيم في الولايات المتحدة،:"في البداية كانت الحرب في صالح آبي أحمد. فقد كانت جبهة تحرير تيغراي في السلطة منذ فترة طويلة، وارتكبت كثيراً من الجرائم، ومن ثم لم تكن تحظى بشعبية كبيرة. لكن الآن، تحول الأمر إلى أزمة باهظة التكلفة، تطرح مشكلة أعقد بكثير لـ(آبي)".
تعهدات آبي أحمد قبيل الانتخابات الإثيوبية
ومع ذلك، يأمل أنصار آبي أحمد في أن تؤدي الانتخابات الإثيوبية إلى تقوية حزبه الجديد "حزب الازدهار الإثيوبي". وكان من المقرر في الأصل إجراء الانتخابات في أغسطس/آب 2020، غير أنها تأجلت وألقى المسؤولون باللوم على جائحة كورونا في ذلك.
تأجيل الانتخابات العامة من 29 أغسطس/آب 2020، إلى مايو/أيار أو يونيو/حزيران 2021، كما اقترحت السلطات الإثيوبية، كان أحد الأسباب الرئيسية لتمرد قادة جبهة تيغراي.
ومن المقرر أن تشمل قائمة الترشيحات في الانتخابات الإثيوبية أكثر من 40 حزباً.
كانت حملة الانتخابات الإثيوبية قصيرة. فقد خرج آبي أحمد، وهو مسؤول سابق في الاستخبارات العسكرية، على حشد من عشرات الآلاف من مؤيديه الأسبوع الماضي قائلاً إن إثيوبيا ستُظهر للعالم المتشكك قدرتها على توحيد البلاد المنقسمة.
وقال آبي أحمد في الاستاد المزدحم بمؤيديه في مدينة جيما الغربية: "العالم كله يقول إننا يقاتل [بعضنا بعضاً]، ولكننا سنثبت لهم أن الأمر ليس كذلك. والقوات التي أنقذت إثيوبيا من الانهيار، ستحول القرن الإفريقي إلى مركز قوة في إفريقيا".
الوضع أصبح أكثر استبداداً مما سبق
كان العنف قد تصاعد في إثيوبيا، التي تعد خليطاً من مجموعات عرقية ولغوية يوحدها نظام فيدرالي نظرياً، منذ أن تولى آبي أحمد السلطة ونفَّذ سلسلة من الإصلاحات واسعة النطاق.
في أول 18 شهراً له في السلطة، أطلق آبي أحمد سراح أكثر من 40 ألف سجين سياسي، واستعان بالعديد من النساء في مناصب عليا، ورفع الحظر الذي كان مفروضاً على الأحزاب السياسية، وسمح لوسائل الإعلام بمزيدٍ من الحرية، وفتح قطاعات من اقتصاد البلاد. لكن الآن، عادت السجون إلى التكدس بالمعتقلين مرة أخرى، وورد أن آلافاً منهم محتجزون في معسكرات تابعة للجيش، كما اعتُقل أكثر من 20 صحفياً العام الماضي.
وقالت فيسيها تكلي، من منظمة العفو الدولية: "إن الوضع الآن في إثيوبيا مأساوى كما كان من قبل، إن لم يكن أكثر".
أكبر منطقة في البلاد تقاطع الانتخابات
وتُقاطع أغلب الأحزاب في منطقة أوروميا، وهي المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد، الانتخابات الإثيوبية؛ بدعوى أن الحكومة تشنُّ حملات ترهيب على المعارضين لها.
لكن مهما كانت نتائج انتخابات هذا الأسبوع- ولا يُتوقع أن يخسر آبي أحمد فيها- فإنه سيتعين عليه التعامل مع أزمة اقتصادية تلوح في الأفق، لا سيما أن الدولة تعاني نقصاً حاداً في العملة الأجنبية وقد سعت بلا جدوى لتأجيل سدادِ مجموعة من الديون المستحقة عليها.
في المقابل، وصفت المتحدثة باسم رئيس الوزراء، بيلين سيوم، الانتخابات بأنها فرصة للمواطنين "لممارسة حقوقهم الديمقراطية"، واتهمت وسائل الإعلام الدولية بشن حملات "(اغتيال شخصية) بحق رئيس الوزراء"، ترمي بها إلى تدمير مصداقيته والإساءة إلى سمعته.
ملايين يعيشون في مجاعة في تيغراي
ومع ذلك، يقول دبلوماسيون غربيون ووكالات إنسانية إن أكثر من 350 ألف شخص في تيغراي يعيشون الآن في مجاعة، إلى جانب ملايين آخرين مهددين بالمجاعات بسبب النقص الحاد في إمدادات الغذاء.
وحذَّر دبلوماسيون من أن الانتخابات إذا لم يتبعها الوفاء بالوعود المبذولة بشأن سدِّ احتياجات الناس، فإن الضغوط الدولية الجماعية ستتزايد، وشددوا على أن "أي شيء بخلاف ذلك، يعني أنها مجاعة من صنع الإنسان بالكامل". لكنهم قالوا إنهم تلقوا بالفعل تأكيدات خاصة من كبار الوزراء الإثيوبيين بأن القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق المجاعة يُمكن تخفيفها بمجرد انتهاء الانتخابات.
وعلى النحو نفسه، كانت مبعوثة بريطانيا في الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، قد حذَّرت بالفعل: "ليس الجفاف أو الجراد هو الذي يسبب هذه المجاعة، إنها قرارات من هم في السلطة".
يأتي ذلك فيما تجاهلت إثيوبيا حتى الآن عدة تحذيرات دبلوماسية تقليدية: شملت بيانين متتاليين لمجموعة الدول السبع الكبرى، وسحب تمويل الاتحاد الأوروبي من الحكومة الإثيوبية، وفرض الولايات المتحدة عقوبات على تأشيرات بعض المسؤولين الإثيوبيين.
يُذكر أن صحفاً عدة، منها The Observer وThe Guardian، ووسائل إعلام أخرى كانت قد أفادت بوقوع سلسلة من المذابح على مدى الأشهر الستة الماضية، كان آخرها قبل أسابيع قليلة.
ولا أحد يعلم لماذا يُبقي القوات الإريترية هناك؟
وتتوجه أصابع الاتهام في تلك المذابح إلى القوات الإثيوبية والقوات الإريترية، التي دخلت منطقة تيغراي لدعم الحكومة، وفي غضون ذلك، اتُّهمت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بارتكاب مذبحة واحدة على الأقل.
أمضت إريتريا شهوراً وهي تنكر وجود أي قوات لها في تيغراي، غير أنها منذ اعترفت بوجودها هناك نفت مراراً أي اتهامات بارتكاب مذابح. وعلى الرغم من أن مسؤولين إثيوبيين قالوا مراراً إن القوات الإريترية ستنسحب، فإن ذلك لم يرافقه أي تغيير للأوضاع على الأرض.
يقول خبراء إنه من غير الواضح بعد ما إذا كان آبي أحمد يريد الإبقاء على القوات الإريترية لدعمِه في محاربة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، أم أنه عاجز عن إجبار أسياس أفورقي، الديكتاتور المتمرس الذي يقود إريتريا منذ استقلالها في عام 1993، على سحب قواته من إثيوبيا. وهو ما جعل ولد مريم، الخبير في الشؤون الإثيوبية، يقول إن الأمر تحول إلى "صراع بقاء لهم جميعاً، وكلهم يريدون البقاء على حساب أي أحد آخر. إنها مأساة".
كان خطاب آبي أحمد الأخير في افتتاح أحد مصانع السكر في منطقة أمهرة الشمالية في 6 يونيو/حزيران خطاباً متشدداً، وفيه أخبر أنصاره أن الإثيوبيين يواجهون تحديين بارزين: "خونة الداخل وأعداء الخارج"، وقال: "المتوقع من أي أحد في هذه الظروف أن يعمد إلى تطهير الخونة أولاً، ثم التصدي لأعدائه".