الأضخم بين دولة عربية وإسرائيل وبتكلفة ملياري دولار.. ما مشروع “قناة البحرين” الذي تخلى الأردن عنه؟

تم النشر: 2021/06/19 الساعة 09:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/15 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
البحر الميت من جهة الأراضي المحتلة، أرشيفية/ Istock

قالت هيئة البث الإسرائيلية "كان"، يوم الخميس 17 يونيو/حزيران إن الأردن قرر الانسحاب نهائياً من مشروع "قناة البحرين" (البحر الأحمر – البحر الميت" (RSDSC) بعد تعثر لسنوات وخلافات بين عمّان وتل أبيب. فما هو هذا المشروع؟ وماذا كانت أهداف إسرائيل والأردن منه؟ وما خيارات الأردن البديلة له في ظل معاناته من شح المياه؟

"قناة البحرين" كان أكبر مشروع بين إسرائيل ودولة عربية

يتصوَّر مشروع ربط البحر الأحمر بالبحر الميت، الذي ظهرت فكرته في العقد الأول من الألفية الجديدة، مدَّ خط أنابيب يصل ميناء العقبة المُطِل على البحر الأحمر إلى منطقةٍ تقع على الساحل الجنوبي الشرقي للبحر الميت، وكلاهما داخل الأراضي الأردنية. سيُوفِّر المشروع مياه الشرب للأردن الذي يعاني من الجفاف. وسيتمكَّن الفلسطينيون من شراء المياه المحلاة من الأردنيين.

وتشير صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية إلى أن مشروع قناة البحرين كان أحد الخيارات العديدة التي تطلعت إليها إسرائيل لإنتاج الطاقة الكهرومائية، وتحلية مياه البحر لمكافحة مشكلة نقص مياه الشرب في المنطقة، وتجديد منسوب مياه البحر الميت الآخذ في الانكماش.

وبحسب الصحيفة، فإن هدف المشروع كان نقل المياه من خليج العقبة في البحر الأحمر إلى البحر الميت، والتي ستُستخدم بدورها في توليد طاقة كافية لتحلية المياه للمناطق التي تعاني نقصاً مزمناً في المياه العذبة في الأردن والأراضي المحتلة وإسرائيل.

خارطة توضح مشروع قناة البحرين، أرشيفية/ أ ف ب

يستند المشروع إلى أن البحر الميت لديه أدنى ارتفاع في منسوب مياه البحار عن سطح الأرض، ومن ثم فإن تدفق المياه عبر قناة تربط البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت يمكن استخدامه لتوليد الكهرباء عن طريق محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، والتي يمكن استخدامها أيضاً لتحلية مياه الشرب أو أغراض الري، وفي الوقت نفسه فإن المحلول الملحي المتبقي من هذه العملية سيملأ البحر الميت ويعيد التوازن إلى مستوى المياه فيه، وذلك بحسب ملخص قدَّمه صندوق Global National Fund GNF  في دراسة لجدوى المشروع أجراها البنك الدولي في عام 2012.

كما أشارت دراسة أخرى للمشروع أجراها "معهد وادي عربة للدراسات البيئية" الإسرائيلي في عام 2013، إلى أن هذا المشروع يمكن أن يوفر مياه الشرب والري للمنطقة الصحراوية القريبة، ووظائف جديدة، وإمكانية تعزيز السياحة على شواطئ البحر الميت، وإنشاء احتياطي للطاقة، وتقديم مصدرٍ جديد للطاقة النظيفة والمتجددة لإسرائيل.

التكلفة مليارا دولار

وفقاً لتقرير سابق نشرته وكالة Bloomberg الأمريكية، كانت إسرائيل والأردن تعهدا بتقديم 40 مليون دولار سنوياً ولمدة 25 سنة، وذلك لتمويل المشروع الذي يكلِّف نحو ملياري دولار.

وكان المشروع قد تأخَّر لسنواتٍ بسبب التوتُّرات السياسية بين البلدين، خاصةً في 2017 حين قَتَلَ حارس أمني إسرائيلي شخصين أردنيين في سفارة إسرائيل بعمَّان.

وبعد إلغائه الآن، يقول مؤيدو المشروع في إسرائيل، إنه كان ذا أهمية كبيرة لإسرائيل، حيث تنبع أهميته من افتقار منطقة وادي عربة لموارد المياه العذبة الطبيعية، والانخفاض السريع في منسوب البحر الميت. وقد أوضحت الدراسة التي أجراها صندوق GNF الألماني أن المياه العذبة التي كانت تجري في نهر الأردن والجداول الأخرى، التي تغذي البحر الميت، استنزفت استنزافاً كبيراً بعد تحويلها للأغراض الزراعية والشرب من قبل إسرائيل، كما أصبحت ملوثة بمياه الصرف الصحي.

قلَّص سد "دغانيا" الإسرائيلي الواقع في الطرف الجنوبي من بحيرة طبريا كثيراً من تدفق المياه القادمة من نهر الأردن، سعياً وراء الحفاظ على بحيرة طبريا كخزان لمياه الشرب، كما هدد الجفاف وتحويل المياه للأغراض الزراعية في شمال إسرائيل مستوى المياه في البحيرة أيضاً.

ولفتت دراسة نشرتها مجلة National Geographic في عام 2018 إلى أن الاستغلال المفرط للمعادن بواسطة شركات مثل شركة "البوتاس العربية"، و"مصانع البحر الميت" Dead Sea Works الإسرائيلية، أدى إلى مزيد من الانخفاض في مستوى المياه بالبحر الميت عن طريق زيادة معدل التبخر، حيث تُستخرج المعادن بالاعتماد على أحواض التبخر الشمسي.

انخفاض مستوى البحر الميت وصل لأدنى درجاته

أفضت هذه العوامل إلى انخفاض مستوى المياه في البحر الميت من -390 متراً تحت مستوى سطح البحر في عام 1930 إلى -435.55 متر تحت مستوى سطح البحر في عام 2021، بحسب بيانات أصدرتها هيئة إدارة المياه الإسرائيلية في مايو/أيار. وأشارت صحيفة The Los Angeles Times في تقرير سابق، إلى أن أي منسوب من المياه العذبة التي تصل إلى البحر الميت يختلط بمياهه المالحة، ما يفاقم من إذابة طبقات الملح الجوفية ويتسبب في مزيد من الانهيارات الأرضية.

البحر الميت من جهة الأردن، حيث وصل إلى أدنى مستوياته تاريخياً/ Istock

وطرح ضباطٌ في البحرية البريطانية مشروع قناةٍ تربط البحر الأحمر بالبحر الميت لأول مرة في القرن التاسع عشر، غير أن الفكرة نُبذت بعد إنشاء قناة السويس في عام 1869. لكن بعدها بفترة وجيزة، التقطها رئيس المنظمة الصهيونية، تيودور هرتزل، واقترح مشروعاً لشق قناة تنقل المياه من البحر المتوسط إلى البحر الميت  (MSDSC) وإنشاء محطة لتوليد الطاقة تسهم في ازدهار الصناعة في وادي الأردن.

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عاد الاهتمام بمشروع قناة (البحر المتوسط – البحر الميت) قبل أن يُنبذ مرة أخرى مع تحول إسرائيل والأردن في عام 2002 إلى التفكير في مشروع قناةٍ تربط بين البحر الميت والبحر الأحمر لتوفير المياه العذبة وإحياء البحر الميت، وبناء على ذلك أجرى البنك الدولي دراسات مكثفة لخطة المشروع.

دراسات أخرى: المشروع غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية

من جهة أخرى، أشارت الدراسات إلى أن هذه القناة، وإن كان لها فوائد كبيرة، فإن لها أضراراً اقتصادية وبيئية يجب معالجتها، ومنها على وجه التحديد أن مشروع القناة كان من المفترض أن تُضخ فيه المياه بطول 220 كيلومتراً من خليج العقبة، في حين أن أطول طريق مقترح كان بطول 174 كيلومتراً، كما أن التكلفة التقديرية للمشروع بلغت أكثر من 11 مليار دولار، وصيانته نحو 400 مليون دولار سنوياً، بحسب GNF.

كما أشارت دراسة للبنك الدولي إلى أن مسار القناة سيجتاز قناة معرضة للنشاط الزلزالي، ما يتطلب نفقات إضافية لضمان تماسكها، ومع ذلك فإن أي تضرر من الزلازل، قد يشكِّل خطراً بحدوث تسرب لمياه مالحة قد تلوث المياه الجوفية القريبة. وأضافت دراسة GNF أن ضخ المياه قد يكون له تداعيات ضارة على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر.

الأردن يعاني من شح مياه وتناقص في حصص الأفراد سنوياً، (خط حوض مياه الديسي)

وحذَّرت دراسة لوزارة الخارجية الإسرائيلية من أن أي مسار للقناة قد يؤثر في التركيب الكيميائي للبحر الميت وجودة المياه فيه، ومن ثم قد يضر بصناعة استخراج المعادن. كما حذر البنك الدولي من أن بناء القناة ستكون له تداعيات بيئية بارزة في المنطقة، علاوة على المتطلبات الضخمة من الصيانة وتكاليفها لاستمرار تشغيل المشروع.

وفي تصريحات لصحيفة The Jerusalem Post، لخص البروفيسور ستيف برينر، من قسم الجغرافيا والبيئة في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، رؤيته للمشروع بالقول: "على مدار الأربعين عاماً الماضية، أُجريت العديد من دراسات الجدوى التفصيلية التي خلصت في المقام الأول إلى أن المشروع غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية".

بالإضافة إلى ذلك، أكد برينر أن "التقدم الكبير الذي حدث أخيراً في مجالات إنتاج الطاقة وتحلية المياه يستدعي إعادة تقييم شاملة قبل الإقدام على أي خطوات" في هذا المشروع.

ما خيارات الأردن بعد التخلي عن هذا المشروع؟

بحسب مصادر لهيئة البث الإسرائيلية، ستركز المملكة على الترويج لمشروع "الناقل الوطني"، وهو الناقل للمياه من البحر الأحمر (مشروع العقبة – عمان لتحلية ونقل المياه)، الذي لا يشارك فيه أي طرف، في محاولة للتعامل مع النقص الحاد في المياه في المملكة.

وبحسب المصادر لم تكن هناك رغبة حقيقية لدى الجانب الإسرائيلي في تنفيذ "قناة البحرين" التي واجهت التسويف، وعليه فقد قررت عمّان التخلي نهائياً عن المشروع.

وأضافت المصادر الأردنية أن التخلي عن المشروع "يمثل خسارة استراتيجية لإسرائيل أيضا ولا يشكل خطاً مشجعاً لتحركات مستقبلية بين الطرفين".

وكان وزير المياه الأردني محمد النجار قد قال قبل أيام، إنه في "ظل الخلافات بين الطرفين أصبح مشروع القناة البحرين شيئاً من الماضي". وقال النجار في تصريح لقناة المملكة إن "المشروع انتهى وإن جهود الأردن تنصب على تنفيذ مشروع وطني لنقل المياه بدون مشاركة أي طرف".

مضيفاً أن "كميات المياه التي كانت منتظرة من مشروع ناقل البحرين لا تكفي احتياجات الأردن بأي شكل من الأشكال".

تحميل المزيد