بات من الواضح بعد القمة الأمريكية التركية الأخيرة التي عُقدت على هامش اجتماعات الناتو بأن صفقة شراء تركيا صواريخ إس 400 الروسية تمثل أكبر عائق أمام ترميم علاقة البلدين، فلماذا عقدت تركيا هذه الصفقة المثيرة للجدل، وما سيناريوهات حل هذا الخلاف بين البلدين؟
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أول اجتماع له مع نظيره الأمريكي جو بايدن، الإثنين 14 يونيو/حزيران 2021، إن الاجتماع كان بنّاءً وصادقاً، وإنه لا توجد مشاكل بين البلدين لا يمكن حلها. فيما وصف بايدن هذا اللقاء بأنه كان "جيداً للغاية".
كما أشار إلى أن لقاء بايدن كان إيجابياً على صعيد استمرار العلاقات بين الدولتين، وقال: "حين دعوته إلى زيارة تركيا أكد أنه قد يأتي"، موضحاً أنهم ناقشوا نهج بناء فرص التعاون في المجالات ذات المصالح المشتركة.
وتجادل الولايات المتحدة بأن النظام يمكن أن تستخدمه روسيا للحصول سراً على تفاصيل سرية عن طائرات لوكهيد مارتن إف 35، وأنه غير متوافق مع أنظمة الناتو. ومع ذلك، تصر تركيا على أن S-400 لن يتم دمجها في أنظمة الناتو ولن تشكل تهديداً للحلف.
وتشير تركيا إلى أنه تم بيع نظام S-300 الروسي الصنع (النسخة الأقدم من إس 400) إلى 20 دولة، من ضمنها الدول الأعضاء في الناتو مثل بلغاريا واليونان وسلوفاكيا.
لماذا تجاهل الغرب حاجة تركيا لنظام دفاعي لثلاثة عقود؟
كان تزويد تركيا بالدفاعات الجوية والصاروخية مسألة حساسة بالنسبة لتركيا والناتو على السواء بالنظر إلى أنه على مدار الأعوام الثلاثين الماضية، كانت تركيا العضوَ الوحيد في الناتو الذي يوجد بالمنطقة الأكثر سخونة في العالم وهي الشرق الأوسط، المنطقة التي خاضت أمريكا فيها حروباً عدة، وبالتالي هي الأشد حاجة لنظام دفاعي جوي.
ومنذ الغزو العراقي للكويت وحرب الخليج التي ترتبت عليها في مطلع تسعينيات القرن العشرين، طلبت تركيا من الناتو لأول مرة، إرسال دفاعات جوية؛ لحمايتها من أي ضربات صاروخية انتقامية محتملة من صدام حسين بالنظر إلى دورها في مساندة القوات الأمريكية في الحرب.
استجابت الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا للدعوة، حيث نشرت كل منها أنظمة صواريخ باتريوت تحت علم الناتو. وهو النظام الذي اكتسب شهرة خلال حرب الخليج كنظام دفاع صاروخي ضد صواريخ سكود العراقية.
ولكن اللافت أن تركيا خلال هذه السنوات لم تحصل على هذه الصواريخ كملكية خاصة، فيما باعتها أمريكا لدول الخليج وإسرائيل رغم أنهم ليسوا أعضاء بالناتو، علماً أنه في هذه الفترة لم يكن حزب العدالة والتنمية يحكم البلاد، كما أنه حتى خلال الغزو الأمريكي للعراق لم تبع وشنطن لأنقرة هذه الصواريخ.
واكتفت الولايات المتحدة والناتو بالاستجابة لنشر أنظمة باتريوت الخاصة بهم في تركيا إذا طلبتها أنقرة كلما اشتد سخونة الأحداث بالمنطقة، وكان آخرها في عام 2013 أثناء القتال بسوريا، عندما نشر بعض أعضاء الناتو صواريخ باتريوت أو أنظمة الدفاع الصاروخي Eurosam SAMP / T على الحدود التركية.
ولكن تركيا تشككت في وجود التزام حقيقي من قِبل أمريكا والناتو تجاه مصالحها الأمنية، فبينما تمتلك دول أعضاء في الناتو لا تواجه تهديداً حقيقياً مثل إسبانيا وهولندا صواريخ باتريوت، لم تحصل تركيا عليها، وهي التي تقع في منطقة مضطربة تعج بالحروب.
وبدأت تركيا تنظر إلى طلباتها الخاصة بالدفاع الصاروخي على أنها اختبار أساسي لمدى اهتمام الناتو بتركيا، حسب منصة warontherocks الأمريكية المتخصصة في تحليلات الأمن القومي والسياسة الخارجية.
بمرور الوقت، بدأت تركيا في البحث عن طرق لشراء نظام دفاع صاروخي خاص بها وأيضاً لاستخدام هذه المشتريات في بناء قدرتها الخاصة لتصنيع وبيع نظام دفاع جوي وصاروخي.
أصبحت تركيا جادة في الحصول على نظام دفاع صاروخي في وقت مبكر من عهد إدارة أوباما الأولى، عندما فتحت منافسة بين أنظمة Raytheon Patriot PAC 2 وأنظمة أخرى من أوروبا وروسيا وحتى الصين.
وعندما حاولت تركيا شراء أنظمة صواريخ دفاعية من الصين عام 2013، وضمن ذلك تصنيع أجزاء محلياً، جوبهت بضغوط شديدة من قِبل أوروبا وأمريكا، اللتين لوَّحتا بإمكانية تزويد أنقرة بصواريخ باتريوت الأمريكية و"أستير" الأوروبية، علماً أن الجانبين لم يرفضا يوماً بشكل صريح، تزويد تركيا بالصواريخ، ولكنَّ أياً من المحادثات لم تدخل قط مرحلة جدية.
تركيا وأمريكا كادتا تتفقان على صفقة باتريوت
الأتراك معروفون بمساوماتهم الصعبة، إضافة إلى رغبتهم في السعر المنخفض، كما أرادت أنقرة تصنيع أجزاء من النظام والحصول على التكنولوجيا الحساسة لبناء أنظمة خاصة بها في نهاية المطاف.
فلقد كان بناء وتطوير صناعة الدفاع التركية هدفاً مُهماً لحكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة ومختلف الحكومات السابقة، ولكن في حالة باتريوت تحديداً، كان هناك أشخاص في حكومة الولايات المتحدة يرفضون التوجه التركي الذي يشترط نقل التكنولوجيا لأنقرة.
فهماً لأهمية العلاقة الدفاعية الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا (إضافة إلى تأمين الجناح الجنوبي لحلف الناتو)، وضعت شركة Raytheon ووزارة الدفاع الأمريكية معاً سلسلة من حزم المبيعات بين عامي 2009 و2018 والتي اقتربت بمرور الوقت، من تلبية نقل التكنولوجيا التركية ومطالبها في حصة صناعية.
مع اقتراب الطرفين من التوصل إلى اتفاق في عام 2013، حدث شيئان: أصبح رئيس الوزراء آنذاك (الرئيس لاحقاً) رجب طيب أردوغان أكثر انخراطاً شخصياً في المفاوضات، وغرقت المحادثات في المنافسة الجيوسياسية عالية المخاطر التي جلبها الصراع السوري.
إلى أن جاء الروس لسوريا وتعاون الأمريكيون مع الأكراد
في عام 2015، نزل لاعب جديد بالمظلة إلى ساحة المعركة الجيوسياسية المعقدة في سوريا عندما وصلت القوات الروسية لدعم حليفها المترنح، بشار الأسد.
لم تتفق الولايات المتحدة وتركيا على كيفية معالجة التدخل الروسي. والأسوأ من ذلك، أن الولايات المتحدة بدأت العمل مع المسلحين الأكراد السوريين على طول الحدود السورية التركية، لمحاربة "الدولة الإسلامية" داعش.
ومن بين جميع القوات السورية الأصلية، أثبت أكراد سوريا أنهم المقاتلون الأكثر فاعلية ضد داعش، لكن علاقاتهم التنظيمية مع حزب العمال الكردستاني، وهو منظمة مصنفةٌ إرهابية في تركيا والغرب والتي تشن تمرداً شرساً في جنوب شرقي تركيا، أثارت غضب أنقرة.
وسرعان ما وقعت مشادات بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن ما إذا كانت القوات الأمريكية تدرب وتسلح جماعة إرهابية، وشعرت أنقرة بأن واشنطن تجاهلت مخاوف تركيا الأمنية المشروعة، وفقاً لمنصة warontherocks الأمريكية.
وتوترت العلاقات الأمريكية التركية بشكل أكبر عندما أعلنت الولايات المتحدة أن صواريخ باتريوت التي نشرتها الولايات المتحدة في تركيا عام 2013 كجزء من مهمة الناتو، بحاجة إلى العودة لألمانيا للصيانة والتدريب، فقد رأت أنقرة أن هذا الأمر أكثر دليل على أن أمريكا لا يمكن الوثوق بها، وتبع ذلك سحب عدة دول أوروبية أخرى صواريخ باتريوت من تركيا، في ظل توتر متصاعد بسوريا المجاورة.
إلى أن وقعت الحادثة التي أظهرت أن تركيا لديها الحق في عدم الوثوق بأمريكا والغرب.
كان التدخل التركي بسوريا في أغلب تفاصيله، بالاتفاق مع الغرب ودول الخليج التي دعمت المعارضة السورية، ولكن بعد تدهور الأوضاع في سوريا، وتفاقم التدخل الإيراني ثم قدوم الروس، بدأ الغرب يترك تركيا وحدها في مواجهة الأزمة السورية، ووصلت ذروة التخلي الغربي عن تركيا بعد التدخل الروسي في سوريا، الذي أعقبته اختراقات جوية روسية لأجواء تركيا التي هي دولة عضو في الناتو.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بدت المنطقة مهددة بالانفجار، فبعد اختراقات روسية متعددة لأجواء تركيا، أسقطت أنقرة طائرة روسية كانت قد اخترقت المجال الجوي التركي.
بدا أن تركيا أصبحت وحدها في مواجهة روسيا، دون دعم يُذكر من الناتو أو الولايات المتحدة في سوريا.
وفي هذه اللحظة بدأت تركيا وروسيا على السواء تغيران سياستهما، سواء بسوريا أو في غيرها، وبعدما كادتا تدخلان في مواجهة قرر البلدان التعاون في ساحات عدة بدءاً من سوريا.
بالنسبة لبوتين، كان التعاون مع تركيا فيه تقليل لتكلفة الحرب في سوريا، وإعادة تنظيم الوضع بسرعةٍ أكبر لتعزيز انتصاره السوري، وتهميش للإيرانيين، والأهم الفوز بصداقة تركيا بموقعها الاستراتيجي الهام ودورها كثاني أكبر عضو في الناتو.
بالنسبة لتركيا كان التعاون مع روسيا لتقليل خسائرها وخسائر حلفائها في سوريا، وضمان أمن حدودها والحصول على مقعد جيد في طاولة التفاوض حول سوريا، وفعلياً حصلت على المقعد الثاني في المفاوضات، متفوقة على إيران التي جر تهميشها بشكل كبير.
كما أن تركيا ثبت لها أنه لا يمكن الاعتماد على الغرب الذي شجَّعها على دعم المعارضة في سوريا، ثم ساند خصومها الأكراد، وتركها في مشكلة مع الإيرانيين ثم مع الروس وحتى أمام تدفق اللاجئين.
في يوليو/تموز 2016، حاولت عناصر من الجيش التركي الانقلاب على الحكومة التركية، وقالت أنقرة إن الانقلاب نظمته مجموعة تابعة لرجل الدين التركي فتح الله غولن، الذي يعيش في المنفى بالولايات المتحدة.
لم يمضِ وقت طويل حتى أدرك أردوغان ومسؤولوه أن الولايات المتحدة كانت متواطئة في الانقلاب أيضاً، حسب منصة warontherocks الأمريكية.
وكان رد الفعل الروسي برفض الانقلاب أوضح وأسرع تماماً من الغرب، الذي بدا موقفه كأنه تأييد غير معلن للانقلاب.
أدى هذا المزيج من العوامل، وتضاؤل الثقة بحلف شمال الأطلسي، وتزايد انعدام ثقة تركيا بالولايات المتحدة بسبب علاقاتها مع الأكراد السوريين ودورها المشتبه به في الانقلاب، إلى تدهور العلاقات إلى أدنى مستوياتها.
وفي الوقت ذاته ظلت مشكلة الدفاع الصاروخي المضاد للطائرات والصواريخ الباليستية ثغرة كبيرة في الأمن القومي التركي.
الدولة الأقوى عسكرياً بالمنطقة ليس لديها نظام دفاعي جوي!
تركيا التي يمكن اعتبارها القوة الأولى أو الثانية عسكرياً في الشرق الأوسط، هي إحدى الدولة القليلة بالمنطقة التي لا تمتلك نظاماً دفاعياً صاروخياً رئيسياً متطوراً.
إذ تمتلك معظم دول الخليج أنظمة باتريوت وإسرائيل لديها باتريوت والقبة الحديدية، ومصر اشترت نظام إس 300 من روسيا، وحتى إيران المحاصرة أصبح لديها إس 300.
واليونان غريمة تركيا وعضو الناتو، لديها نظام إس 300 الروسي أيضاً ولم تعترض عليها واشنطن، في مظهر واضح لازدواجية المعايير الغربية، علماً بأن هذا النظام كانت قد اشترته قبرص ولكن تم نقله لليونان بعد تهديدات تركية بقصفه.
وفي مواجهة استمرار المماطلة الأمريكية في توفير نظام دفاعي صاروخي وفي إطار العلاقة الجديدة مع روسيا، أبرمت تركيا عقداً لشراء نظام صواريخ إس 400 من موسكو في عام 2017، رغم التحذيرات الأمريكية.
ويعلق موقع Defenseone على هذه الصفقة المثيرة للجدل قائلاً"ما أبعد تركيا عن حلفائها الغربيين في مسألة أنظمة الدفاع الجوي لم يكن السعر أو الأداء؛ بل كان المعاييرَ المزدوجة التي تصورتها أنقرة في كيفية تعامل الحلفاء مع المصالح المشروعة لتركيا".
ترامب يلوم أوباما على صفقة صواريخ إس 400 الروسية
في اجتماعه مع أردوغان على هامش قمة مجموعة العشرين في صيف 2019، انتقد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عزوف إدارة أوباما عن بيع صواريخ باتريوت إلى تركيا في عام 2013، قائلاً إن تركيا لم تعامَل معاملة عادلة بصفتها عضواً في الناتو. "لذلك يجب أن أخبركم بأن أردوغان عضو في حلف شمال الأطلسي وهو صديق؛ وبالتالي عليك أن تعامله بنزاهة".
وأضاف ترامب: "إن إدارة أوباما لم تسمح لتركيا بشراء الصواريخ التي أرادوا شراءها وهي باتريوت. وبعد أن اتجهت تركيا للبديل، يقولون الآن إننا سنبيعك باتريوت!".
ويُعتقد أن موقف ترامب الذي بدا متفهماً لوجهة نظر تركيا، قد شجَّع أردوغان على المضي قدماً في صفقة صواريخ إس 400 الروسية.
ولكن هناك عامل آخر، قد يكون سبب إقدام تركيا على هذه الصفقة إضافة إلى حاجتها العسكرية إليها، وهي أن الأتراك بدوا قبل سنوات، أنهم أصبحوا أقل تحمساً في الاستمرار في برنامج إف 35، لاسيما عمليات شراء هذه الطائرة.
ومن الواضح أن هذا جعل الأتراك أقل قلقاً من التهديدات الأمريكية بشأن برنامج إف 35، وجعلهم يمضون قدماً في صفقة شراء إس 400 الروسية.
فقد ذكرت صحيفة يني شفق المؤيدة للحكومة التركية، قبل عامين، أن مصادر في وزارة الدفاع التركية قالت إنه نظراً إلى المشاكل الفنية وزيادة النفقات، تعيد تركيا النظر في قرارها شراء طائرات من طراز F-35.
وتعتقد السلطات التركية أيضاً أن طائرات F-35 ستجعل تركيا تعتمد على واشنطن، وأنه فيما يتعلق بالخدمات اللوجيستية وإذا استمرت التوترات بين البلدين، فقد تكون هناك مشاكل في الصيانة بسبب العقوبات الأمريكية المحتملة.
عقوبات أمريكية مخففة وتركيا تختبر النظام الصاروخي
اللافت أيضاً أن العقوبات الأمريكية على تركيا والتي أُقِرت في نهاية عهد ترامب، كانت محدودة واستهدفت بالأساس رئاسة مشتريات الدفاع التركية، علماً بأنه فعلياً الولايات المتحدة أوقفت إبرام أي صفقات عسكرية جديدة مع تركيا، فيما أصبحت الأخيرة أكثر اعتماداً على الذات.
ورغم التهديدات الأمريكية، اختبرت تركيا نظام إس 400، مطلع هذا العام، مستغلةً انشغال الولايات المتحدة بأزمة الانتخابات الرئاسية.
وأوضح المحلل التركي الدكتور شاجلار كورتش أنه من الناحية الفنية، بإمكان تركيا استخدام نظام S-400 إذا رغبت في ذلك، هذا يعتمد كلياً على صناع القرار بتركيا، لأنه لا توجد عقبة فنية أمام استخدام النظام، حيث تم اختباره.
بايدن من الوعيد إلى التفاؤل
عكس التحليلات الإعلامية المتعددة، لم يستهل بايدن عهده بالتصعيد مع تركيا، وحتى عندما أغضب الأتراكَ بقراره الاعتراف بمذابح الأرمن، فلقد أبلغ أردوغانَ بذلك، وأكد أن القرار ليس موجهاً ضد أحد.
وفي وقت تريد الإدارة الأمريكية التركيز على مواجهة نفوذ روسيا والصين، يبدو أنها تحتاج أنقرة بشدة، التي رغم تعاونها الواسع النطاق مع روسيا فهي منافِستها الاستراتيجية في ساحات عدة؛ بل تكاد تكون القوةَ الوحيدة التي تتصدى لنفوذها في سوريا وليبيا والقوقاز على سبيل المثال.
وتركيا هي إحدى أعضاء الناتو القلائل الذين يقدمون دعماً فعلياً لأوكرانيا عبر تصديرها طائرات مسيَّرة إلى كييف، وهناك مشروعات تعاون عسكري بين البلدين في مجالات الصواريخ والسفن، وهي مجالات تعاني أوكرانيا من مشكلات فيها.
ومؤخراً، زار زعماء جورجيا وبولندا وأوكرانيا- وكلهم على خلاف مع روسيا- تركيا في تتابُع قصير منذ أبريل/نيسان 2021. خلال تلك الزيارات، تعهد أردوغان بالدعم الكامل لمحاولة جورجيا الانضمام إلى الناتو، وأبرم عقد طائرة بدون طيار مع بولندا، وألقى بثقله وراء أوكرانيا في مواجهتها مع روسيا. كما شاركت تركيا بشكل نشط في مناورات Steadfast Defender التي أجراها الناتو في رومانيا مؤخراً.
ومن هنا بدا واضحاً أن إدارة بايدن تريد فتح صفحة جديدة مع تركيا، لأنها تحتاج إليها في الشرق الأوسط وفي مواجهة روسيا، كما أن تركيا تريد ترميم علاقتها مع واشنطن.
المشكلة أن تركيا لا تريد أن تكون مجرد حارس خيمة الناتو أو الغرب بينما لا يُسمح لها بالجلوس في الخيمة، حسب وصف موقع Defenseone.
وبينما بدا أن هناك توافقاً بين بايدن وأردوغان في العديد من القضايا أو على الأقل يمكن حل الخلافات في كثير منها، يظل إيجاد حل يحفظ ماء وجه الطرفين لأزمة صواريخ إس 400، من أصعب المعضلات في العلاقات التركية الأمريكية.
حلول محتملة لأزمة صواريخ إس 400
سبق أن عرضت تركيا مراراً تشكيل لجان فنية لفحص حقيقة ما تقوله أمريكا من أن نظام إس 400 يهدد أمن الـ"إف 35″، علماً بأن أنقرة أشارت إلى أن هذه الطائرات توجد بالقرب من صواريخ إس 300 الروسية في كثير من المناطق، منها حدود الناتو مع روسيا أو داخل اليونان نفسها وغيرها من دول الناتو المشغلة لـ"إس 300″.
واقترحت تركيا تشغيل نظام إس 400 مع عزله عن أنظمة الناتو.
وكان هناك حديث عن احتمال بيع النظام إلى دولة صديقة لتركيا مثل أذربيجان، ولكن أنقرة تؤكد دوماً أنها ستحتفظ بالنظام، كما رفضت اقتراحاً من عضو بالكونغرس يقضي بأن تبيعه لأمريكا؛ للتعرف على أسرار هذا النظام، واعتبرته اقتراحاً غير لائق.
الحل اليوناني
قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في إشارة إلى استخدام اليونان نظام الصواريخ الروسي S-300 على الرغم من عضويتها في الناتو: "سنفتح مفاوضات بشأن نموذج استخدام اليونان لصواريخ إس-300 في جزيرة كريت".
وأضاف أيضاً أن العديد من أعضاء الناتو، الذين كانوا جزءاً من حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي، يواصلون استخدام أنظمة الدفاع والأسلحة السوفييتية الصنع.
وقال خلوصي أكار في مقابلة مع صحيفة "حرييت": "نحن منفتحون على التفاوض بشأن نموذج مشابه لذلك المعمول به بالنسبة إلى صواريخ إس 300 الموجودة في جزيرة كريت باليونان".
ورداً على سؤال يذكّر بالوضع "غير العملاني" للصواريخ الموجودة في كريت، قال الوزير التركي بشأن "إس 400″، إن بلاده "ليست مضطرة إلى استخدامها طوال الوقت"، وأضاف: "هذه الأنظمة تستعمل في حالة التهديد".
وقبل القمة الأمريكية التركية، أُفيد بأن أردوغان قد يقترح صيغة جديدة على بايدن، لنشر صواريخ إس 400 في قاعدة إنجرليك الجوية بجنوب تركيا التي يوجد بها الأمريكيون، دون أي مشاركة روسية في تشغيلها وصيانتها.
واكتسبت الفكرة زخماً في أواخر مايو/أيار 2021، بعد أن أعلنت أنقرة أنها ستعيد خبراء الصواريخ الروس الذين يشرفون على أنظمة إس 400 إلى بلادهم.
وشدد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، على أن أنقرة ستكون لها "سيطرة بنسبة 100%" على أنظمة إس 400، ولن يكون هناك خبراء عسكريون روس في تركيا.
وقال المحلل التركي أردا مولود أوغلو: "هناك مناقشات مثل نموذج كريت أو نشر نظام S-400 في مواقع مختلفة أو الاحتفاظ بها في صناديقها".
وأضاف: "في الواقع، فإن اتفاق الولايات المتحدة وتركيا على هذه القضايا وإجراء صفقة سيكونان نتيجة لمفاوضات سياسية، وليس عسكرية أو فنية. نظراً إلى أن نظام S-400 عبارة عن نظام متحرك تماماً، فهو نظام مُثبَّت على شاحنة يمكن نشره بأماكن مختلفة في أي وقت. في هذا الصدد، لا فرق فنياً بين تفعيله في أنقرة وتفعيله في مكان آخر.
ولكن في حال إبقاء نظام إس 400 نشطاً لفترة طويلة، يحتاج الأمر إلى احتفاظ الأتراك بعلاقات وثيقة مع روسيا.
ولكن أردوغان قال بعد القمة، إنه أبلغ بايدن قائلاً: 'لا تتوقعوا منا أن نتخذ خطوة مختلفة سواء بشأن إف 35 أو إس 400، لأننا قمنا بدورنا في F-35 ودفعنا ما كان علينا من الناحية المالية، وفيما يتعلق بإس 400، طلبنا منك باتريوت، لكنك لم تفعل؛ على العكس، لقد أخذتَ الصواريخ التي كانت موجودة في قواعدنا. إذن ماذا سنفعل؟ سوف نعتني بأنفسنا".
والملاحظ أنه بالتزامن مع إصرار أردوغان بعد القمة على موقفه، أكد أنه ليست هناك مشكلات بين البلدين لا يمكن حلها، في المقابل بدا أن هناك إشادة بنتائج القمة من قِبل بايدن، وعدم تصعيد من الجانب الأمريكي، مما قد يشير إلى أن الطرفين قد يكونان يتفاوضان على حل نهائي للأزمة أو تهميش تأثيرها على العلاقة بين البلدين.