تشهد قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لاعباً رئيسياً يمثل "الغائب الحاضر" في جنيف، والحديث هنا عن الصين ورئيسها شي جين بينغ.
القمة الأمريكية – الروسية التي تنعقد الأربعاء 16 يونيو/حزيران في جنيف بسويسرا هي اللقاء الأول بين بايدن وبوتين منذ تولى الأول منصبه في يناير/كانون الثاني، وتأتي في وقت وصلت فيه علاقات موسكو وواشنطن إلى الحضيض حرفياً، وبالتالي لا تنقصها المنغصات أو أسباب القلق والتوتر.
لكن تركيز الإدارة الأمريكية على الصين، التي أصبحت تمثل المنافس الأبرز لواشنطن على الساحة الدولية، يمثل عنصراً رئيسياً من عناصر قلق الرئيس الأمريكي خلال لقائه المتوتر مع نظيره الروسي، بحسب وسائل الإعلام الأمريكية.
فالعلاقات الأمريكية الصينية هي الأخرى تشهد توتراً غير مسبوق، وإن كان ذلك التوتر قد بدأ في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد تفشي وباء كورونا على الأراضي الأمريكية، ووصف ترامب له بأنه "فيروس صيني"، لتتحول الحرب التجارية بين البلدين إلى توتر جيوسياسي وصراع مفتوح ازدادت حدته مع تولي بايدن المسؤولية وإقرار إدارته أن ملف الصين يكاد يكون الملف الوحيد الذي تتفق فيه تلك الإدارة مع إدارة ترامب.
قلق بايدن من الصين
وسلط تقرير لمجلة Politico الأمريكية الضوء على مخاوف بايدن مما قد ينتج عن "علاقة الصداقة بين بوتين وشي" إذا ما حدث تحالف كامل بين بكين وموسكو، ورصد كيف أن مستشاري بايدن قدموا له تقارير استخباراتية تفصيلية حول طبيعة العلاقة بين روسيا والصين، كجزء من الاستعداد لقمة جنيف مع بوتين.
وفي هذا السياق، حلت مطلع يونيو/حزيران الجاري الذكرى العشرين لتوقيع موسكو وبكين "اتفاقية الجيرة الجيدة والصداقة والتعاون"، وهي الاتفاقية التي وضعت العلاقة بين البلدين الشيوعيين على مسارات تقارب شهدت نمواً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية.
وبتلك المناسبة، عبّر وزير خارجية الصين وانغ يي عن استعداد بلاده لأخذ العلاقات مع موسكو إلى مستويات أكثر عمقاً وأكثر شمولاً في الفترة المقبلة، كما رد نظيره الروسي سيرغي لافروف بالتأكيد على أن "موسكو وبكين مساندان دائمان لتشكيل نظام عالمي أكثر عدالة وديمقراطية وبالتالي أكثر استقراراً وتعددية من النظام الحالي".
وعلى الرغم من أنه من الصعب تخيل قيام تحالف كامل بين موسكو وبكين بالفعل، بسبب التاريخ المعقد بينهما والتنافس الأيديولوجي بين الحزبين الشيوعيين هنا وهناك، فإن إدارة بايدن لا يمكنها أن تتجاهل لغة "الغزل المتبادل" بين الصين وروسيا في هذا التوقيت بالتحديد، بحسب مسؤولين ومحللين أمريكيين.
وتكشف استعدادات إدارة بايدن للقمة مع بوتين عن مدى القلق الذي ينتاب الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين حالياً من التقارب بين موسكو وبكين، وكيف يمكن للإدارة الأمريكية أن تزن تلك العلاقة بينهما عند وضع السياسة الخارجية لواشنطن والتي تهدف بالأساس إلى مواجهة الصعود الصاروخي للتنين.
صداقة بوتين وشي
وتمثل العلاقة البراجماتية الخاصة التي تجمع بين بوتين وشي حجر الزاوية في القلق الأمريكي من حدوث مزيد من التقارب بين موسكو وبكين قد يتحول إلى تحالف استراتيجي على جميع الأصعدة.
وشهدت التقارير التي تم عرضها على بايدن من جانب مستشاريه اللقاء الذي جمع بوتين وشي في موسكو قبل نحو عامين، وشهد وصف الرئيس الصيني لنظيره الروسي بأنه "أعز أصدقائي".
وقال شي وقتها: "خلال السنوات الست الماضية تقابلنا نحو 30 مرة. روسيا هي الدولة التي زرتها أكبر عدد من المرات والرئيس بوتين أعز أصدقائي وزملائي. سوف نقوي دعمنا المشترك للقضايا الرئيسية".
وكان ذلك التقارب و"الغزل"، إن جاز التعبير، متزامناً مع تدهور العلاقات بين بكين وواشنطن بفعل الحرب التجارية التي شنها دونالد ترامب، وإن كانت علاقة ترامب مع بوتين كانت أفضل كثيراً من علاقة بوتين الحالية مع بايدن.
وهذه الصورة تمثل ركناً أساسياً من أركان الخطوط العامة التي كان على فريق بايدن أن يرسمها استعداداً لقمة جنيف الملتهبة. وبمعنى آخر، كان على فريق بايدن أن يمشي على حبل مشدود خلال تلك القمة، حتى لا يؤدي الضغط غير المحسوب ببوتين إلى الارتماء أكثر في أحضان شي، وهو أمر لا تريده إدارة بايدن بالتأكيد.
وقد عبر مسؤول رفيع في إدارة بايدن عن هذه النقطة لمجلة Politico بقوله إنه على مدى سنوات كثيرة اتسمت العلاقة بين الصين وروسيا بالتعاون التكتيكي المحدود أو الشراكة المؤقتة بغرض المصلحة، لكن مؤخراً يبدو أن تلك العلاقة تتحول إلى نوع أكثر استراتيجية وأكثر استدامة.
وأضاف المسؤول الأمريكي، الذي تحفظ على ذكر اسمه: "ما شاهدناه خلال العقد الأخير هو أمر أكثر عمقاً وبصراحة يسبب لنا كثير من القلق. أعتقد أنه على مستوى ما لابد من الاعتراف أن العلاقة بينهما (موسكو وبكين) باتت أقرب للتحالف".
تركيز على علاقات موسكو وبكين
وفي هذا السياق، تم إطلاع بايدن على تقارير مكثفة حول العلاقات بين الصين وروسيا شملت أيضاً تقارير استخباراتية سرية، كما طلب وزير الخارجية أنتوني بلينكن تقارير مشابهة أيضاً استعداداً لقمة جنيف.
وقال المسؤول البارز للمجلة الأمريكية إنه "في هذا الوقت المبكر من رئاسة بايدن وعدم إكمال التعيينات في بعض المناصب، الأمر أكثر صعوبة للتوصل إلى آليات ناجحة لمراقبة تطور العلاقات بين الصين وروسيا بالدقة المطلوبة. "سيكون علينا أن نقرر أي استراتيجية شاملة سوف نتبنى. هل يكون الاحتواء والاشتباك مع كل منهما بصورة سلبية؟ أم هل نتعامل بشكل مختلف مع كل منهما على حدة؟ كل هذه أمور صعبة ولا تزال قيد التشكل".
ويرى كثير من المحللين أن قرار بايدن عقد هذه القمة في جنيف مع بوتين في هذا الوقت المبكر من رئاسة الرئيس الأمريكي وخلال جولته الخارجية الأولى يرجع بصورة جزئية إلى رغبة واشنطن في وقف التدهور في العلاقات مع موسكو قبل فوات الأوان وحدوث هذا التحالف بين موسكو وبكين بالفعل.
وفي هذا الصدد، كتب توماس غراهام وروبرت ليغفولد تقريراً في مجلة بوليتيكو مطلع العام الجاري ألقى الضوء على خطورة التقارب بين بكين وموسكو، في صورة تحذير لبايدن قبل أن يتولى منصبه: "التعاون (بين الصين وروسيا) يتطور سريعاً في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والدفاع والدبلوماسية، ويتخطى تعاونهما في كل مجال من هذه المجالات عتبات جديدة كل يوم. ولا شك أن وزنهما معاً في شرق آسيا وعبر وسط أوروبا وآسيا يمثل تحدياً بالغاً، لا يمكن أن يمثله أي منهما منفرداً".
وربما يكون ملف التسلح النووي أحد الملفات التي يمكن أن يستغلها بايدن خلال قمته مع بوتين فيما يتعلق بالصين. والمقصود هنا أن بكين دائماً ما ترفض المشاركة في أي اتفاقيات تخص الأسلحة النووية، على أساس أن ترسانتها لا تقارن بحجم الترسانة النووية لدى موسكو وواشنطن.
وهذا ما عبرت عنه روز غوتيمولار، أحد المفاوضين النووين الأمريكيين، بقولها في مقال نشرته Politico إن ملف الحد من التسلح من النووي بين بايدن وبوتين أمر يجب أن يشهد اتفاقاً بينهما على أن تكون الصين ضمن هذا النقاش، رغم الرفض الصيني المتكرر لأن تكون بكين جزءاً من هذا النقاش من الأساس. فقد ألمح بوتين مؤخراً عن "جاهزية روسيا للعمل على إرساء الاستقرار في آسيا"، وردت وزارة الخارجية الصينية عن استعدادها للتعاون.
الخلاصة هنا هي أن قمة بوتين وبايدن على الأرجح تشهد حضوراً مكثفاً للصين ورئيسها شي جين بينغ، ما يجعل الأخير الغائب الحاضر عن القمة المشتعلة في جنيف.