لم تظهر دلائل واضحة على ذوبان الجليد بين موسكو وواشطن قبيل القمة الأمريكية الروسية المقررة غداً الأربعاء، 16 يونيو/حزيران، في جنيف بسويسرا.
على التلفزيون الروسي الحكومي، حرص المقدمون على تملق قيادة البلاد من جميع الزوايا: تصوير بايدن على أنه جد خَرِف، ثم رجل دولة عجوز يرضخ للحاجة إلى لقاء بوتين، ثم طالب مدرسة يخشى صدامه القادم مع الرئيس الروسي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وسخر مضيف برنامج "60Minutes"، من الملاحظات التي أدلى بها البيت الأبيض حول استعدادات بايدن القمة الأمريكية الروسية قائلاً: "فقير وغير سعيد".
القمة الأمريكية الروسية يمكنها بناء حوار استراتيجي روتيني
في حين يصر البيت الأبيض على أنَّ الرئيس ليس لديه أوهام بشأن "إعادة ضبط الوضع الروسي"، لكن بايدن يجادل بأنَّ هناك بعض القضايا- مثل الحد من التسلح وربما حالة الطوارئ المناخية- التي يتعين على الزعيمين مناقشتها، ويضغط من أجل إعادة إنشاء حوار استراتيجي روتيني بين المسؤولين الأمريكيين والروس.
وتعهّد جو بايدن، الإثنين 14 يونيو/حزيران 2021، بأن يحدّد للرئيس الروسي، خلال القمة الأمريكية الروسية، ما هي "خطوطه الحمراء"، مشيراً إلى أنه انضم لقادة حلف الأطلسي "الناتو" لبحث التصدي لـ"العدوان الروسي".
وقال الرئيس الأمريكي يوم الأحد 13 يونيو/حزيران: "لا نبحث عن صراع؛ بل نتطلع إلى حل تلك التحركات التي نعتقد أنها غير متوافقة مع المعايير الدولية، هذا أولاً. وثانياً، في المواطن التي يمكننا العمل معاً، قد نكون قادرين على فعل ذلك، أي التوصل لعقيدة استراتيجية. نحن على استعداد لفعل ذلك".
وفي لقاء مع NBC News أذيع يوم الإثنين 14 يونيو/حزيران، قال الرئيس الروسي إنه قد يفكر في إنشاء مثل هذا الحوار، اعتماداً على سير قمة يوم الأربعاء.
لكن في العالم الواقعي، لم يقدم الأسبوع الماضي سوى القليل من الدلائل على انفراجة قادمة في العلاقات. فمن شأن قرار محكمة روسية، مساء الخميس، بحظر منظمة أليكسي نافالني بصفتها "متطرفة"، إعادة التأكيد على قضية حقوق الإنسان في روسيا على جدول أعمال القمة.
المشكلة الكبرى في أوكرانيا وبيلاروسيا
كما أنَّ دعم روسيا لألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا، سيؤدي أيضاً إلى معركة حول ما تدّعي موسكو أنه مجال نفوذ في بيلاروسيا وأوكرانيا، على الرغم من تفكك الاتحاد السوفييتي قبل أكثر من 30 عاماً، حسب تقرير صحيفة The Guardian.
وقالت ميليندا هارينغ، من المجلس الأطلسي خلال المائدة المستديرة الأخيرة التي استضافها مركز المصلحة الوطنية، وهو مركز أبحاث بواشنطن: "أوكرانيا وبيلاروسيا، والسياسة الداخلية لروسيا، وتوسع الناتو، كلها تدور حول من يملك ماذا. هل يقرر البيلاروسيون مستقبلهم، هل يقرر الأوكرانيون مستقبلهم، أم هل يقرر بوتين مستقبلهم؟ أعتقد أنها مشكلة لا يمكن التغلب عليها".
واقترح المحللون أنَّ القمة المقبلة ستكون "مملة وباعثة على النوم" وتحت سيطرة حذرة مع محاولة الجانبين ما يشبه إعادة التشغيل بعد اجتماع كارثي بين بوتين ودونالد ترامب في هلسنكي في عام 2017، الذي أصر ترامب على عقده دون أي مساعدين. وقالت إحدى المستشارين في وقت لاحق إنها فكرت في تزوير حالة طبية طارئة لإنهاء المؤتمر الصحفي التالي للاجتماع.
وفي تصريح يوم الخميس 10 يونيو/حزيران، كرر ترامب أنه يثق ببوتين أكثر من ثقته في الولايات المتحدة، وطلب من بايدن إرسال "أحر تحياته" إلى الرئيس الروسي. وفي مقابلته مع شبكة NBC، رد بوتين المجاملة، ووصف ترامب بأنه "فرد غير عادي وموهوب".
البيت الأبيض لا يريد مؤتمراً صحفياً
لكن هذه المرة، لا يريد البيت الأبيض عقد مؤتمر صحفي مشترك. وقال بايدن للصحفيين: "هذه ليست مسابقة حول من سيكون أداؤه أفضل في مؤتمر صحفي لمحاولة إحراج بعضنا البعض".
وبخلاف محاولة تجنب أية فضيحة، يبدو أنَّ هناك القليل الذي يمكن أن تتفق عليه موسكو وواشنطن؛ إذ تمر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بأسوأ حالاتها في ذاكرة التاريخ الحديثة، مع ما يشوبها من صراعات حول الموقف الروسي إزاء أوكرانيا، والتدخل المزعوم في الانتخابات الأمريكية، والهجمات السيبرانية.
من جانبها، اتهمت روسيا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتدخل في دول مجاورة في شرق أوروبا، بينما سعى بوتين إلى تشبيه مؤيدي ترامب الذين اقتحموا الكونغرس الأمريكي في يناير/كانون الثاني بقمع الاحتجاجات في الشوارع الروسية.
وإذا كان هناك مجال للاتفاق، فمن المحتمل أن يرتبط بإنقاذ بنية التحكم في الأسلحة النووية المتبقية، التي شهدت مزيداً من التفكك خلال إدارة ترامب حين رفضت الولايات المتحدة مناقشة تجديد معاهدة ستارت الجديدة، وانسحبت من معاهدة الأجواء المفتوحة، وهي خطوة جعلتها روسيا رسمية هذا الشهر.
لكن بخلاف ذلك، من الصعب التعرف على ملامح الطريق الذي ينتظر العلاقات بين البلدين بعد القمة الأمريكية الروسية.
اجتماع لمنع تحول العلاقة إلى كارثة
وقال أندري سوشينتسوف، من نادي فالداي للحوار الروسي: "أعتقد أنهم يجتمعون لمحاولة معرفة سبب حاجتهم إلى علاقات ثنائية بين روسيا والولايات المتحدة"، حسبما نقلت عنه The Guardian.
وأضاف أنَّ تغيُّرَ الإدارة في البيت الأبيض، وتبني إدارة بايدن هدف إقامة علاقات "مستقرة ويمكن التنبؤ بها" مع موسكو، يمكن أن يُنتِجا ديناميكية إيجابية، وهي أجندة عملية مقصودة قال إنها تعكس السياسة الخارجية لروسيا.
وأشار سوشينتسوف إلى أنَّ الاجتماع يمكن أن يسمح للجانبين بإجراء "صيانة" لمنع المنافسة من التحول إلى مرحلة أخطر.