باتت مشكلة تدني نسبة الإقبال في الانتخابات الجزائرية البرلمانية معضلة تواجه النظام في البلاد حتى قبل صدور النتيجة.
باعتراف السلطات الجزائرية نفسها، فإن الإقبال في الانتخابات الجزائرية البرلمانية كان ضعيفاً، وتعتبر تلك الانتخابات، الأولى من نوعها، منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في البلاد، في 22 شباط/فبراير عام 2019، وهي الاحتجاجات التي بدأت بمظاهرات ترفض ترشح الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، لفترة خامسة في منصب الرئاسة، أو "العهدة الخامسة" كما كان يطلق عليها في الجزائر، ثم اتسع نطاقها للمطالبة بإصلاحات سياسية أوسع نطاقاً.
وكشف رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، في الجزائر مساء أمس السبت 12 يونيو/حزيران 2021 عن تسجيل 30.20% كنسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية.
وتُعدّ النسبة التي أُعلن عنها هي الأقل في تاريخ الانتخابات البرلمانية الجزائرية منذ 20 سنة، وبلغت نسبة المشاركة في التشريعيات السابقة سنة 2017 أكثر من 35%، في حين سجلت انتخابات عام 2012 نسبة مشاركة بلغت 42.90 %.
ويبدو أن معرفة نتيجة تلك الانتخابات، سيستغرق بعض الوقت، إذ قال رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر، إن عملية فرز الأصوات، تتطلب وقتاً كبيراً قد يصل إلى 4 أيام، بسبب تعقيد العملية الانتخابية، جراء تعدد القوائم، مقارنة بالانتخابات السابقة، على حد قوله، وفي وقت ينتظر فيه أن تستمر عملية الفرز لأيام، تبرز إلى الواجهة الحقيقة الواقعة، بأن تلك الانتخابات، شهدت إقبالاً دون المستوى، من قبل الجزائريين، وهو ما يضع علامات استفهام، حول ما إذا كانت نتائجها، تعكس الرأي الحقيقي لعموم الجزائريين، بكافة اتجاهاتهم في أنحاء البلاد، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
واشتكت بعض الأحزاب من تجاوزات كبيرة شابت العملية الانتخابية، بينما يرى المقاطعون أن نسبة الإقبال في الانتخابات الجزائرية المعلنة، مضخمة ولا تعكس الواقع، خاصة أن السلطة كانت قد أعلنت في حدود الساعة الرابعة مساءً أن النسبة كانت 14% لتصبح 30% بعد أربع ساعات فقط.
وتسود توقعات بفوز كبير للأحزاب ذات التوجه الإسلامي، والقائمة بموافقة من السلطة، باعتبار أنها الأكثر تنظيماً، وحضوراً في الشارع، وعلى رأسها حزب حركة مجتمع السلم، والذي يعد أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، إلا أنه وفي ظل الاختلاف الواضح في الخط السياسي فيما بين تلك الأحزاب، وفي ظل قرب بعضها من السلطة وبعد الآخر، فإن المراقبين يستبعدون تماماً، فكرة أن تدخل تلك الأحزاب في ائتلاف يسمح لها بتشكيل الحكومة المقبلة.
وسُجِّلَ ما لا يقل عن 1080 مُرشَّحاً حزبياً، و1208 مُرشَّحين مستقلين في جميع أنحاء البلاد الشاسعة في هذه الانتخابات، التي ستختار 407 أعضاء جدد في الجمعية الوطنية الشعبية (مجلس النواب الجزائري) لولايةٍ مدتها خمس سنوات.
المقاطعة إرث عائلي
وفي شوارع وسط الجزائر، تعرض متاجر الملابس مجموعاتها الجديدة، وتكتظ شرفات المقاهي بالناس، تظهر لوحاتٌ إعلانية ومُلصَقاتٌ انتخابية تصطف على الجدران، يلقي بعض المارة نظرةً سريعةً على المُلصَقات، وربما تلفت انتباههم شعاراتٌ مثل "فرصة التغيير"، و"من أجل جزائر عادلة"، و"اختر الجزائر"، و"صوتك، مستقبلك"، إلخ.
قال حكيم، وهو رجلٌ جزائري في الأربعينيات من عمره، إنه "لم يكن له أيُّ مصلحة" في الانتخابات. وأضاف في حديثه إلى موقع Middle East Eye البريطاني، بشيءٍ من الفخر: "لطالما قاطعت عائلتي الانتخابات. هذا الشبل من ذاك الأسد".
وتابع قائلاً: "لكن هذا شيءٌ يمكن أن يتغيَّر. للمرة الأولى أتابع الحملات الانتخابية. أتابع بعض المرشَّحين على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصةً الأصغر سناً منهم. البرامج ممتعة، وأنا أفكِّر في المُرشَّح الذي اخترته"، لكنه لم يكشف عن ذلك المُرشَّح.
لم تحظ الانتخابات في المرتين السابقتين بإقبالٍ لافت، إذ شارك في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2019 ما نسبته 39.83% مِن إجمالي مَن يحقُّ لهم التصويت، ونسبة 23.70% في الاستفتاء على إصلاح الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
أسباب تدني نسبة الإقبال في الانتخابات الجزائرية البرلمانية
عند سؤاله عمَّا إذا كان ينوي التصويت في الانتخابات، أجاب رجلٌ في منتصف العمر بالقرب من مسجد الرحمة بالجزائر العاصمة، بالنفي القاطع.
وقال: "التصويت من أجل التغيير، وأنا لم أعد أعتقد أن أيَّ تغييرٍ يمكن أن يحدث. انظروا إلى هذه الخيمة"، وأشار إلى خيمةٍ بالجوار، وأضاف: "لقد نُصِبَت خارج هذا المبنى لسنوات. إنها تضم إما عائلاتٍ وإما شباباً بلا مأوى. كل صباح عندما أغادر المنزل، أرى هذا المشهد. إنه مشهدٌ يطحنك تماماً. لذا، لن أصوِّت لأنني لم أعد أؤمن بالتغيير، والدليل على ذلك أمامي مباشرةً".
في حيِّ باب الواد، وهو حيٌّ لأبناء الطبقة العاملة في العاصمة، تستنكر رشيدة، البالغة من العمر 50 عاماً، التفاوت بين الشعب والنخبة الحاكمة. وتقول بمرارة: "هؤلاء السياسيون يعيشون على بُعدِ مليون ميل من مشاكلنا! إنهم يعدوننا بالقمر بينما نحن نعيش تحت الأرض".
أزمة مياه تتزامن مع الانتخابات
وأشارت رشيدة إلى مشكلات وسائل النقل العام والمياه في الصنابير، فمنذ عدة أسابيع تعرَّضَت إمدادات المياه لانقطاعاتٍ كثيرة. والسبب في ذلك، بحسب تقارير إعلامية، هو نقص المياه في السدود التي تغذي المدينة، بسبب ندرة هطول الأمطار، وصعوباتٍ تشغيلية مختلفة في محطة تحلية المياه.
تسبَّبَت الأخطاء الفادحة في الاتصالات بين وزارة الموارد المائية وشركة المياه الجزائرية، المسؤولة عن توزيع الانقطاعات في خدمة المياه، في إثارة القلق بين سكَّان العاصمة.
أضافت رشيدة بغضب: "لقد تعرَّضنا لانقطاعٍ في إمدادات المياه لدينا لعدة أيام، ولم يعمل المترو لمدة عام، وهناك العديد من المشكلات الأخرى التي تجعل حياتنا اليومية أصعب، وما مِن تفسيرٍ يقدِّمه أحد. كيف تعتقد أنه سيكون لدينا ثقة مرةً أخرى (في النظام السياسي)؟ لا، لن أصوِّت".
في معظم الحالات، يبرِّر المواطنون تدني نسبة الإقبال في الانتخابات الجزائرية البرلمانية، لأسباب تتعلق بالإخفاقات الاجتماعية، ويعتقد البعض أن هذا أعاق الحوار مع السلطات العامة لسنوات.
اعتقالات في أوساط الحراك
شهدت الأسابيع القليلة الماضية توتُّراتٍ بين المحتجين وقوات الأمن خلال احتجاجات أيام الجمعة، التي أطلقها الحراك الشعبي، والتي أدَّت إلى إقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وبحسب اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين، التي تحتفظ بقائمة الاعتقالات والمحاكمات للمتظاهرين في عدة مدن جزائرية وتعمل على تحديثها، فإن أكثر من مئتيّ شخصٍ مُحتجزون حالياً.
تعرب مريم، 36 عاماً، عن أسفها إزاء الوضع القائم، وتقول: "يمكنك تجاهل بعض الأمور التي تمنعنا من الخروج للتصويت، مثل الافتقار إلى الشفافية، أو ربما البرامج الانتخابية التي لا علاقة لها بواقعنا اليومي. لكن في الأجواء الحالية، من الصعب الخروج للتصويت في وقتٍ توجد فيه أحكامٌ وإدانات".
وبالنسبة لفريد، وهو رجلٌ متقاعد، فإن "انتهاك الحريات السياسية سببٌ كافٍ لمقاطعة التصويت".
قال فريد: "لن أصوِّت. لا أعرف شيئاً على الإطلاق عن أيٍّ من المُرشَّحين في منطقتي. وفيما يتعلَّق بالقمع الشرطي والقضائي، ربما كنت مهتماً أكثر بالشخصيات السياسية الذين خرجوا لمعارضة انتهاك الحريات. لكن هذه الشخصيات تنتمي إلى أحزابٍ وحركاتٍ تقاطع هذه الانتخابات. لذا فهو مأزقٌ تام".
وأضاف: "لا أشارك في أيِّ نقاشٍ يحرِّض على التصويت ضد المقاطعة. ورغم أن من الصحيح أن العديد من الأطراف تتغاضى عن القمع، وبالتالي فهي تتعارض مع مبادئي السياسية، لا أعتقد أنه يجب أن ننظر إلى الأفراد الذين سيذهبون للتصويت باعتبارهم أعداءً".
وتابع قائلاً: "من بينهم أشخاصٌ يعتقدون أنهم ربما يستطيعون دفع التغيير من الداخل، بصرف النظر أن هذا مجرد وهم. لكن الشيء المهم هنا هو عدم رسم صورة قاتمة للمستقبلة وأن تظل منفتحاً على التغيير".