بينما يراقب الأمريكيون ما يبدو أنَّها آخر أيام لأطول رئيس وزراء لإسرائيل بقاء في المنصب، بنيامين نتنياهو، يتساءل كثيرون كيف سيمنح خليفتاه المتوقعان، نفتالي بينيت ويائير لابيد، الأولوية لاستعادة الدعم الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل في واشنطن.
ويقول بن صامويلز، مراسل صحيفة Haaretz الإسرائيلية بالولايات المتحدة، إن علاقات بينيت ولابيد القائمة مسبقاً وخلفيتيهما الشخصية، وكذلك رغبتهما المشتركة في تحسين العلاقات والبناء عليها، كل ذلك يساعد على تقديم نظرة معمقة في الطريقة التي ستنتهجها الحكومة المقبلة تجاه ما تُسمَّى بـ"العلاقة الخاصة" مع أهم حلفائها الاستراتيجيين، الولايات المتحدة الأمريكية.
دوائر الضغط لبينيت ولابيد في واشنطن
ومن المقرر أن يتولى بينيت رئاسة الوزراء أولاً ضمن اتفاق التناوب، وسيحل لابيد محله في أغسطس/آب 2023، وسيتولى في غضون ذلك وزارة الخارجية، ولكليهما لغة إنجليزية ممتازة وفهم عميق للثقافة الأمريكية، وقد أقاما أيضاً علاقاتٍ على جانبي الخط السياسي في واشنطن على مر السنوات، كما تقول صحيفة هآرتس.
وزار كلاهما أمريكا عدة مرات أثناء شغلهما مناصب رسمية، فزارها بينيت مؤخراً حين كان وزيراً للدفاع في فبراير/شباط 2020، ولابيد باعتباره زعيماً للمعارضة في يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي حين ركَّزت غالبية زيارات لابيد السابقة للولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير على السياسة وبناء العلاقات مع المشرعين خلف الأبواب المغلقة، كانت زيارات بينيت مكرسة إلى حد كبير للظهور على وسائل الإعلام الدولية وشرح المواقف الإسرائيلية بشأن قضايا الساعة.
"الأمر أشبه ببيل كلينتون وإسحاق رابين"
أحد أبرز مستشاري لابيد هو المتخصص في مجال استطلاعات الرأي مارك ميلمان، مؤسس منظمة "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل"، وهي منظمة تسعى لتعزيز الدعم لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي وسرعان ما أصبحت قوة لوبي كبيرة داخل المؤسسة الداعمة لإسرائيل في واشنطن.
ومن المعروف أنَّ لابيد على علاقة جيدة مع النائب الديمقراطي تيد دويتش، المشرع اليهودي عن ولاية فلوريدا ورئيس اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومكافحة الإرهاب في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي.
والتقى لابيد، الصحفي والمذيع التلفزيوني السابق، الذي دخل الكنيست لأول مرة عام 2013، عدة مرات مع ديمقراطيين بارزين، بينهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس الشيوخ تشاك شومر، والسيناتور كوري بوكر، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب غريغوري ميكس، والنائبة جان شاكوفسكي، والتي تُعَد واحدة من أكثر الديمقراطيين اليهود تقدُّمية في الكونغرس.
والتقى كذلك مع مسؤولين جمهوريين مثل السيناتور ليندسي غراهام والسيناتور تيد كروز، فضلاً عن زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس النواب كيفن مكارثي.
والتقى لابيد أيضاً الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال تولي هذا الأخير منصب نائب الرئيس، والتقى كذلك المبعوث الخاص لإيران روبرت مالي، ومنسق شؤون الشرق الأوسط بالبيت الأبيض آنذاك ونائب مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس كامالا هاريس حالياً فيليب غوردون.
مهمة لابيد "الإجماع" على إسرائيل مجدداً في واشنطن
كان مايكل كوبلو من منتدى السياسة الإسرائيلية قد صرَّح لصحيفة Haaretz الإسرائيلية بأنَّ بايدن ولابيد يتفقان في الكثير من القضايا، قائلاً إنَّ "الأمر أشبه ببيل كلينتون وإسحاق رابين من حيث كونهما على نفس الموجة".
وقال مسؤول مقرب لإدارة بايدن من قبل لصحيفة Haaretz إنَّ لابيد "لديه علاقات جيدة مع الديمقراطيين، معظم السياسيين في إسرائيل لديهم علاقات جيدة مع الديمقراطيين. هناك مؤيدون لإسرائيل في الكونغرس وسيكونون سعداء بالتحدث إلى القادة الإسرائيليين، بصرف النظر عن الحزب، إلا حين يسعى (هؤلاء القادة) حثيثاً لإهانتهم"، حسب تعبيره.
وفي حديثه أمام مؤتمر معهد بروكنغز بالعاصمة واشنطن هذا العام، 2021، قال لابيد للمندوبين: "علينا العودة لجعل إسرائيل مقبولة من كلا جانبي الخط السياسي، للديمقراطيين والجمهوريين. سأبلي أفضل بكثير في التأكد من عودة إسرائيل لتكون مسألة يجمع عليها الحزبان في الولايات المتحدة".
العلاقات مع كبار مانحي الحزب الجمهوري
كان بينيت، على مدى العقد الذي أمضاه في الحياة السياسية، على علاقة دافئة للغاية مع الجمهوريين القدامى، بما في ذلك السيناتور الراحل جون ماكين، وكذلك السيناتور غراهام. وهو معروف بأنَّه مقرب من المانحين الكبار للحزب الجمهوري ميريام أديلسون، أرملة شيلدون أديلسون، ورجل الأعمال جورج رور.
ويرتبط أحد كبار مستشاري بينيت بشكل وثيق أيضاً بالحزب الجمهوري: جورج برنباوم، الذي عمل سابقاً مستشاراً بارزاً للسياسة الخارجية لدى نتنياهو في التسعينيات وأدار وأسدى النصح منذ ذلك الحين لعشرات الحملات السياسية الدولية.
وبرنباوم هو أحد المحسوبين على آرثر فينكلستاين، الذي أسدى المشورة للمرشحين الرئاسيين الجمهوريين طيلة عقود، وكان فينكلستاين قد عمل بمنصب كبير المخططين الاستراتيجيين لنتنياهو. لكن لا يُنظَر إلى بينيت وبرنباوم باعتبارهما يتشاطران رابطاً عقلياً بنفس الدرجة الموجودة بين لابيد وميلمان.
وفي حين أنَّ "بينيت يحظى بالتقدير بين قاعدته اليمينية في المؤسسة اليهودية الأمريكية، فإنَّه كثيراً ما يُهمَّش لصالح نتنياهو"، بحسب هآرتس. علاوة على ذلك، كثيراً ما تكون سياساته متعارضة تماماً مع سياسات اليسار اليهودي الأمريكي. وقد تحدث سابقاً أمام "لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية"، وهي أقوى منظمة داعمة لإسرائيل في واشنطن والتي تُتَّهم بالانجراف الشديد نحو الحزب الجمهوري.
ويتمتع كلٌّ من بينيت ولابيد بعلاقات قوية مع منظمات المؤسسة اليهودية الأمريكية مثل "مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى".
وعمل بينيت بشكل جيد مع دانيال شابيرو حين كان هذا الأخير سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل خلال سنوات أوباما، ويحتفظ كذلك بعلاقة مع عضو الكونغرس الديمقراطي السابق روبرت ويكسلر، الذي التقاه بالفعل بعد التوصل إلى اتفاق الحكومة الائتلافية. ومن المتوقع أن يستغل بينيت ويكسلر، الذي كان مؤخراً مرشحاً لتولي منصب السفير لدى إسرائيل، ليكون قناةً نحو الحزب الديمقراطي.
والتقى بينيت بالعديد من أعضاء الكونغرس (وحكام الولايات الذين انتهى بهم المطاف أعضاءً بمجلس الشيوخ) من الحزبين خلال زياراتهم لإسرائيل على مدار العقد المنصرم، ويتمتع بعلاقات شخصية تعود إلى أيام عمله في مجال الأعمال وعيشه في نيويورك مع أفراد العائلة الذين ما يزالون بالولايات المتحدة. (هاجر والداه اليهوديان الأمريكيان إلى إسرائيل قادمين من مدينة سان فرانسيسكو عام 1967).
مع ذلك، ستكون أولويته الفورية هي تعيين طاقم موظفيه ووضع أجندة للسياسة الحكومية قبل تحديد أي من هذه العلاقات القائمة مسبقاً في أمريكا يمكنه الاعتماد عليها.
انفتاح حذر على بينيت في واشنطن
وبينما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنَّ الولايات المتحدة ستعمل مع أي حكومة إسرائيلية تظهر، فإنَّ الإدارة بعثت برسالة مفادها أنَّ لابيد سيكون نقطة اتصالها مع الحكومة، لا سيما بعدما نجح بلينكن في إضافة لابيد إلى جدوله خلال زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط دون بينيت.
ومنذ التشكيل الناجح حتى اللحظة للائتلاف في إسرائيل الأسبوع الماضي، أدت لقطات قديمة لبينيت خلال ظهوره بمعهد بروكنغز إلى جانب السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك إلى إثارة الجدل، وأثارت المخاوف من أنَّ تؤدي مواقف بينيت المعلنة بشأن المستوطنات والضم والفلسطينيين إلى إثارة غضب الديمقراطيين. وكان قال سابقاً إنَّ حل الدولتين سيكون "انتحاراً" لإسرائيل، ودعا لضم 60% من الضفة الغربية.
لكن يبدو أن هناك انفتاحاً عاماً بواشنطن على بينيت وإن كان حذراً، لأنَّ نجاحه يعني إبقاء نتنياهو في المعارضة، ولأنَّ الائتلاف المُقتَرَح يضم أحزاباً يسارية وحزباً عربياً للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل.
من جانبه، تبنى بينيت خطاباً بشأن "تقليص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليكون بمثابة إشارة دبلوماسية بارزة للأمريكيين". ويُنظَر إلى هذا المسار باعتباره بديلاً لـ"حل" أو "إدارة" الصراع. ويسعى هذا المسار "لاحتواء الصراع من خلال تمكين الفلسطينيين دون المساس بالأمن الإسرائيلي"، كما تقول هآرتس.
وفي حين أنَّ بينيت يقول إنه سيتبنى "فلسفة دبلوماسية" في إشارة إلى أنَّه يعتزم عدم تجاهل رغبة إدارة بايدن في تحسين العلاقات على الأرض بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أنه يرى أنَّ "الفلسطينيين سيتعين عليهم أيضاً القيام بحركة مماثلة".
ومهما كانت الخلافات الأيديولوجية بين لابيد وبينيت، فإنَّهما يتشاركان نهجاً متشابهاً بصفة عامة تجاه العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي تجلى خلال حقبتهما في الحكومة معاً من 2013 إلى 2015. ويُعتَقَد أنَّ كليهما يتوقعان علاقات تعاونية إيجابية على هذا الصعيد من الآن فصاعداً من قبل إدارة بايدن.