تستعد روسيا لتزويد إيران بقمر صناعي متطور. تصنيف جماعة المعارض نافالني "شبكة متطرفة". ماذا تقول هذه الرسائل التي يبعث بها فلاديمير بوتين لنظيره الأمريكي جو بايدن قبل قمتهما الملتهبة؟
بدأت قصة التدهور في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة قبل تنصيب بايدن رسميا في يناير/كانون الثاني، على خلفية قضيتين رئيستين: الأولى قضية المعارض أليكسي نافالني والثانية الهجوم السيبراني الضخم لهيئات فيدرالية وشركات أمريكية والذي اتهمت واشنطن موسكو بالوقوف خلفه.
ووصلت الأمور لدرجة خطيرة من التصعيد بعد وصف بايدن لبوتين "بالقاتل" وسحب موسكو سفيرها لدى واشنطن، والصورة الأكبر في هذا الصراع تتلخص في رغبة إدارة بايدن في إعادة بناء التحالف الغربي للتصدي لروسيا والصين، انطلاقاً من قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
روسيا تصنف جماعة نافالني "متطرفة"
وفي هذه الأجواء الملبدة بأسباب الصراع، سيلتقي بوتين وبايدن وجهاً لوجه في سويسرا يوم 16 يونيو/حزيران الجاري، واستبقت موسكو القمة بتشديد موقفها في القضية الخلافية الأبرز بين الطرفين.
وتناول تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية تصنيف محكمة روسيا الأربعاء 9 يونيو/حزيران للحركة السياسية لأليكسي نافالني على أنها شبكةٌ متطرِّفة، وهي خطوةٌ رأتها الصحيفة تأتي كرسالة إلى بايدن قبل قمته مع بوتين مفادها أن الشؤون الداخلية لروسيا ليست مطروحةً للنقاش.
من المؤكَّد أن قرار المحكمة- الذي اتُّخِذَ بمباركة بوتين- لا بد أن يدفع بالحركة إلى مزيدٍ من السرية بعد عدة أشهر دخلت فيها جهود الكرملين التي استمرَّت سنوات لقمع المعارضة مرحلةً أكثر عدوانية. وبموجب القانون، يمكن الآن مقاضاة حركة نافالني أو المانحين لها أو حتى مؤيِّدي رسائلها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يواجه هؤلاء عقوبة السجن.
ويضع هذا الحكم قمة جنيف على المحك بالنسبة لبايدن، الذي وعد بالردِّ على انتهاكات بوتين للمعايير الدولية. لكن الرئيس الروسي قال إنه بينما هو مستعدٌّ لمناقشة قضايا الفضاء الإلكتروني والقضايا الجيوسياسية مع بايدن، فإنه لن يشارك في محادثةٍ حول الطريقة التي يدير بها بلده. السؤال الآن هو إلى أيِّ مدى يقبل بايدن ذلك؟
قال بوتين لرؤساء وكالات الأنباء الدولية الأسبوع الماضي: "قد تختلف الآراء حول نظامنا السياسي في روسيا. فقط أعطنا الحق، إذا سمحت، في تحديد كيفية تنظيم هذا الجزء من حياتنا".
تحدي بوتين يضع بايدن في مأزق
قمة جنيف تأتي إذاً بعد أشهرٍ فكَّكَ خلالها بوتين ما تبقَّى من التعدُّدية السياسية في بلده، وأوضح أنه سيتجاهل الانتقادات الغربية. أُلقِيَ القبض على نافالني في يناير/كانون الثاني الماضي بعد عودته إلى موسكو، في أعقاب تعافيه من تسمُّمٍ تعرَّض له العام الماضي يقول عنه مسؤولون غربيون إن عملاء روساً هم من نفَّذوه. ومنذ ذلك الحين، اعتُقِلَ آلاف الروس في الاحتجاجات، وسُجِنَ سياسيون معارضون بارزون أو أُجبِروا على النفي، ووُصِفَت وسائل الإعلام على الإنترنت بأنها "عميلة"، وصارت منصة تويتر وغيرها من الشبكات الاجتماعية تحت ضغط الحكومة.
وفي تغريدةٍ على تويتر توقَّعت صدور الحكم، قالت مؤسَّسة مكافحة الفساد التابعة لنافالني، وهي إحدى الجماعات التي صُنِّفَت بأنها جماعةٌ متطرِّفة أمس الأربعاء: "قرَّرَت الدولة محاربة أيِّ منظَّماتٍ مستقلة بقصفٍ شامل".
ينفي الكرملين الاضطلاع بأيِّ دورٍ في الحملة ضد نافالني وحركته، ويصرُّ على أن القضاء الروسي مستقل. لكن محلِّلين ومحامين يرون على نطاقٍ واسع أن المحاكم تابعة للكرملين والأجهزة الأمنية، لا سيما في القضايا الحسَّاسة سياسياً.
وكان بوتين قد أشار بالفعل إلى أنه سيرفض أيَّ انتقادٍ لطريقة تعامل الكرملين مع قضية نافالني من خلال الإدلاء بأن الولايات المتحدة ليس لها مكانة لإلقاء المحاضرات على الآخرين. وفي المؤتمر الاقتصادي السنوي البارز لروسيا في سان بطرسبورغ الأسبوع الماضي، تذرَّع بوتين مراراً باعتقالات مثيري الشغب في الكابيتول هيل في واشنطن في يناير/كانون الثاني، حينما انتُقِدَ القمع في روسيا أو حليفتها بيلاروسيا.
وقال بوتين: "انظروا إلى الأحداث المؤسِفة في الولايات المتحدة، حيث رَفَضَ الناس قبول نتائج الانتخابات واقتحموا الكونغرس". وأضاف: "لماذا تهتمون فقط بمعارضتنا غير النظامية؟".
و"المعارضة غير النظامية" هي المصطلح الروسي للجماعات السياسية غير المُمَثَّلة في البرلمان، والتي تطالب علانيةً بإقالة بوتين من منصبه. لسنواتٍ من الزمن، كان هناك تسامحٌ معهم، حتى عندما كانوا يُراقَبون عن كثب ويُضطهَدون في كثيرٍ من الأحيان. وأشار حكم المحكمة الأخير إلى أن عصر التسامح هذا يقترب من نهايته.
كان المُدَّعون يلاحقون نافالني وشخصياتٍ معارضة أخرى، ولكن عادةً ما كان ذلك يجري تحت ذرائع مثل انتهاك القواعد الخاصة بالتجمُّعات العامة، أو خرق القوانين غير المتعلِّقة بأنشطتهم السياسية، أو مؤخَّراً انتهاك اللوائح ضد التجمُّعات للحدِّ من تفشي فيروس كوفيد-19.
أجواء الحرب الباردة
أما وراء الكواليس، فوفقاً للحكومات الغربية والجماعات الحقوقية، ذهب الكرملين إلى أبعد من ذلك، حيث حاول اغتيال صحفيين ومعارضين وزعماء قوى معارضة أو دفعهم إلى المنفى. ونجا نافالني بصعوبةٍ من محاولة اغتيال بالتسميم الصيف الماضي، وفي عام 2015 قُتِلَ زعيمٌ معارضٌ آخر، وكان نائباً أول سابقاً لرئيس الوزراء الروسي، وهو بوريس نيتسموف، برصاصةٍ من مسدس، لكن المسؤولين نفوا أيَّ دورٍ في تلك الأعمال.
كان تفكيك شبكة نافالني في أرجاء البلاد بمثابة مرحلةٍ جديدة من حملة قمع المعارضة من خلال عملية قانونية رسمية لحلِّ المنظمات المعارضة، رغم أن دستور البلاد لعام 1993 يضمن حرية التعبير.
واشتدَّت حملة الكرملين ضد المعارضة بعد عودة نافالني في يناير/كانون الثاني من ألمانيا، حيث كان يتلقَّى العلاج بعد محاولة تسميمه بمادة تؤثِّر على الأعصاب. وألقت الشرطة الروسية القبض على نافالني في المطار وحكمت عليه محكمةٌ بالسجن لمدة عامين ونصف العام، لخرق الإفراج المشروط لإدانته في قضية اختلاس قالت جماعة حقوقية إنها ذات دوافع سياسية.
وجاء التضييقات من جانب بوتين، الذي يعتلي السلطة منذ عام 1999 إما كرئيس للوزراء وإما كرئيس، على المعارضة والمنشقين تدريجياً. خلال فترةٍ طويلة من ديمقراطية ما بعد الاتحاد السوفييتي، أُجرِيَت الانتخابات وظلَّ الإنترنت في الغالب حراً وكان هناك تسامحٌ مع معارضةٍ محدودة. وأُطلِقَ على نظامه اسمه "الاستبداد الناعم".
لكن المُدَّعين العامين طلبوا، ربيع العام الجاري، أن تحظر المحكمة حركة نافالني السياسية، باستخدام تصنيف أعضائها بأنهم إرهابيون، دون تحمُّل عناء تصدير القضية باعتبارها قضية عامة مفادها أن الجماعات غير الربحية هي منظمات مثيرة للفتنة. وفُرِزَت الأدلة وجرت جلسات الاستماع الخاصة بالقضية خلف أبوابٍ مُغلَقة في قاعة محكمةٍ في موسكو.
وقال المحامي إيفان بافلوف، الذي يمثِّل المنظمات، والذي كان له حق الوصول إلى الأدلة ولكن ليس لديه سلطة الكشف عنها، بعد جلسة استماعٍ أوَّلية، إنها كانت جلسةً غير مقنعة، وإنه سيعلن أموراً بقدر ما يسمح به القانون. وفي غضون أيامٍ قليلة، احتجزت الشرطة بافلوف بتهمة الكشف عن أدلةٍ سرية في قضيةٍ أخرى لا علاقة لها بنافالني، فيما بدا أنه تحذيرٌ لتجنُّب الدفاع بقوة عن حركة نافالني. ويواجه المحامي عقوبةً بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات.
ويقول خبراءٌ قانونيون روس إن قانون مكافحة التطرُّف يقدِّم مجالاً واسعاً لحملةٍ شاسعة على المعارضة في الأيام أو الأشهر المقبلة، لكن لا يزال من غير الواضح كيف سيجري ذلك.
وبموجب القانون، قد يواجه منظِّمو الحركة أحكاماً تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات إذا واصلوا نشاطهم. وقد يُسجَن أيُّ شخصٍ يتبرَّع بالمال لمدة تصل إلى 8 سنوات. وقد تكون هناك محاكمات على التعليقات العامة، مثلما في المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لصالح حركة نافالني، باعتبارها دعماً للمتطرِّفين.
بيع قمر صناعي متطور إلى إيران
وبالتزامن مع رسالة نافالني، كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الخميس 10 يونيو/حزيران أن روسيا تستعد لتزويد إيران بقمر صناعي متطور سيمكنها من تعقب أهداف عسكرية محتملة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
وأضافت الصحيفة أن الخطة ستقضي بتسليم قمر صناعي روسي الصنع من طراز كانوبوس-في ومزود بكاميرا ذات دقة عالية ويمكن إطلاقه من روسيا في غضون شهور.
ونقلت الصحفية عن مصادر لم تذكرها بالاسم أن القمر الصناعي "سيسمح بمراقبة مستمرة للمنشآت من المصافي النفطية في الخليج الفارسي والقواعد العسكرية الإسرائيلية إلى الثكنات العراقية التي تستضيف قوات أمريكية". وقالت إن المصادر هي مسؤول أمريكي حالي وآخر سابق ومسؤول حكومي بارز في الشرق الأوسط تلقى إفادة مقتضبة عن الصفقة.
وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من أن الدعاية للقمر الصناعي كانوبوس-في تشير إلى أنه مخصص للاستخدامات السلمية، فإن قادة الحرس الثوري الإيراني أجروا عدة زيارات لروسيا منذ عام 2018 للمساعدة في التفاوض بشأن الاتفاق. وأضافت أن خبراء من روسيا سافروا إلى إيران خلال الربيع للمساعدة في تدريب الطواقم التي ستشغل القمر الصناعي من منشأة مبنية حديثاً قرب كرج إلى الغرب من طهران.
وقالت واشنطن بوست إن القمر الصناعي مزود بأجهزة روسية "من بينها كاميرا بدقة 1.2 متر، وهو ما يمثل تحسناً كبيراً بالمقارنة بقدرات إيران الحالية لكنه لا يزال بعيداً جداً عن جودة أقمار التجسس الأمريكية". وقال الحرس الثوري في أبريل/نيسان 2020 إنه نجح في وضع أول قمر صناعي عسكري إيراني في مداره.
الخلاصة هنا هي أن رغبة بايدن في مواجهة روسيا من منطلق "موقف غربي قوي ومتماسك" تقابلها صرامة روسية وإصرار على مواصلة التصعيد، مما يشير إلى أن القمة بين بوتين وبايدن ربما تكون أكثر اشتعالاً مما توقعه البعض.