تُمثل انتخابات الأقاليم في فرنسا الاختبار الأخير لقياس شعبية المرشحين الرئيسيين للرئاسة إيمانويل ماكرون وماريان لوبان، قبل نحو 10 أشهر من انتخابات الرئاسة، فكيف تبدو فرص اليمين المتطرف؟
وستجرى الانتخابات الإقليمية في فرنسا يوم 20 و27 يونيو/حزيران الجاري، في ظل مشهد سياسي يغلب عليه الانقسام والاستقطاب الشديد مع بداية عودة الحياة إلى أقرب ما يمكن لطبيعتها قبل تفشي وباء كورونا مطلع العام الماضي.
أمس الأربعاء 9 يونيو/حزيران، رفعت حكومة الرئيس ماكرون أغلب قيود الإغلاق التي تم فرضها بصورة شبه مستمرة لمدة 7 أشهر، حيث بدأت المطاعم والمقاهي والمحلات في استقبال المواطنين، وقبلها بيوم واحد بدأ ماكرون جولات له في أنحاء البلاد، قال إن هدفه منها "جس النبض والحديث مع المواطنين بشكل مباشر".
وتعرَّض ماكرون لموقف محرج عندما باغته أحد المواطنين بتوجيه "صفعة" له خلال جولة الرئيس. كان الشاب البالغ من العمر 28 عاما ضمن تجمع لمواطنين خارج مدرسة ثانوية في منطقة دروم جنوب شرق فرنسا، توجه إليهم ماكرون للحديث معهم فباغتته الصفعة، لكن حراسه سيطروا على الموقف سريعاً وألقوا القبض على المتهم.
تحالف ماكرون مع أحد أحزاب اليمين
الجولات التي قرر ماكرون القيام بها عرّضته لانتقادات منافسيه السياسيين الذين وصفوها بالدعاية الانتخابية، استعداداً لانتخابات الرئاسة المقررة في أبريل/نيسان العام المقبل، وهو ما ينفيه ماكرون ومعسكره.
وفي مطلع مايو/أيار الماضي، تحدثت تقارير إعلامية عن تحالف حزب ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" مع حزب "الجمهوريين"، بزعامة رونو موزيلييه، وهو سياسي يميني مخضرم.
ووقتها قال رئيس الوزراء جان كاستيكس إن حزب "الجمهورية إلى الأمام" سيسحب قائمة مرشحيه في مدينة مرسيليا الجنوبية والمناطق حولها، مضيفاً أن الحزب سيدعم موزيلييه في هذه المنطقة. ورفض كاستيكس الحديث عن احتمال الاتفاق مع أحزاب أخرى لمزيد من التحالفات الانتخابية.
وتمثل المنطقة التي قرر حزب ماكرون -وهو حزب وسطي- أن يتحالف فيها مع أحد أحزاب اليمين فرصة لحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، الذي تترأسه ماريان لوبان، لتحقيق مفاجأة من العيار الثقيل والفوز بها في الانتخابات الإقليمية.
ويرى كثير من المحللين أن سعي ماكرون للتحالف مع أحد أحزاب اليمين يمثل سلاحاً ذا حدين، إذ قد يؤدي ذلك إلى تفتيت أصوات اليمين في تلك المنطقة وحرمان "التجمع الوطني" من الفوز، لكن قد يحدث العكس ويفقد موزيلييه جانباً من الأصوات لصالح مرشحي حزب لوبان.
وقد أحدث تحالف موزيلييه مع حزب ماكرون انقساماً بالفعل بين الجمهوريين الداعمين لموزيلييه، وشجبت قيادتهم بسرعة هذا التحالف، الذي قالوا إنه قد يضعف الحزب في الانتخابات الإقليمية.
حزب ماريان لوبان يتصدر السباق
ومع اقتراب موعد انتخابات الأقاليم أظهرت استطلاعات الرأي أن حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف برئاسة لوبان في طريقه لتحقيق نتيجة تاريخية، وبالتحديد في منطقة "ألب كوت دازور" (جنوب شرق)، التي تقع الآن تحت سيطرة اليمين المعتدل.
وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد إبسوس/سوبرا لصالح إذاعة وتلفزيون فرنسا تقدم قائمة تييري مارياني من حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في منطقة "ألب كوت دازور"، في الدورتين الأولى والثانية للانتخابات الإقليمية خلال أسبوعين، بحسب تقرير لفرانس برس.
وأظهر الاستطلاع أن القائمة التي يرأسها وزير المواصلات السابق في حكومة فرانسوا فيون ستفوز في جميع الحالات، سواء انحصر الصراع في الجولة الثانية بين حزبين أو بين ثلاثة أحزاب.
وفي حال تمكن حزب لوبان من "الاستيلاء" على منطقة "ألب كوت دازور"، فستكون المرة الأولى في الجمهورية الخامسة التي يترأس فيها حزب يميني متطرف مجلساً إقليمياً في فرنسا.
وأظهر الاستطلاع أيضاً أن "التجمع الوطني" لماريان لوبان سيحصد 41% من الأصوات في الدورة الأولى ليتصدر بذلك الطليعة أمام منافسه المباشر حزب "الجمهوريون" 34%، والذي يقوده ميزولييه المتحالف مع الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام"، وحزب "وحدة الديمقراطيين المستقلين" فضلاً عن حزب "الحركة الديمقراطية" الذي يتزعمه وزير التربية السابق فرانسوا بايرو.
تراجع فرص اليسار في فرنسا
وفي حال تحولت هذه الاحتمالات إلى حقيقة، مساء الأحد 27 يونيو/حزيران، فهذا سيكون بمثابة زلزال سياسي صغير يضرب منطقة "ألب كوت دازور"، باعتبار أنها ستكون المرة الأولى في الجمهورية الخامسة التي يصل فيها حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى رئاسة مجلس إقليمي في فرنسا.
وربما يكون تراجع شعبية أحزاب اليسار في فرنسا من أبرز ظواهر المشهد السياسي في فرنسا حالياً، فقد أظهر استطلاع الرأي نفسه أن قائمة اليسار بقيادة المرشح جون لوران فليزيا تأتي في المرتبة الثالثة، حيث لن يحصل وفق الاستطلاع سوى على 15% من الأصوات.
وأوضح الاستطلاع أن 85% من الذين سيصوتون لصالح مرشح حزب اليمين المتطرف في الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية لن يغيروا اختيارهم، بل سيصوتون لصالح نفس المرشح في الجولة الثانية. بينما قال 69% من الذين سيصوتون لصالح القائمة المشتركة التي تضم "الجمهوريون" و"الجمهورية إلى الأمام" وحزبين آخرين، إنهم متأكدون من أنهم لن يبدلوا تصويتهم.
وفي حال بقيت ثلاثة أحزاب متنافسة فقائمة تييري مارياني ستحصل على 43% من الأصوات مقابل 36% لصالح قائمة مزولييه و21% لصالح قائمة جون لوران فليزيا المساند من قبل أحزاب اليسار.
لكن في حال قررت قائمة اليسار الانسحاب من الانتخابات في الجولة الثانية فهذا سيعطي الفوز لصالح حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بـ51% من الأصوات، مقابل 49% لصالح القائمة التي تضم الحزب الحاكم و"الجمهوريون" وحزبي "وحدة الديمقراطيين المستقلين"، و"الحركة الديمقراطية" لبايرو.
الأمن والهجرة والبطالة أبرز الملفات
ويحتل الملف الأمني طليعة اهتمامات الناخبين (49%) في هذه المنطقة. وربما يكون هذا الملف هو الدافع الأساسي الذي جعلهم ينوون التصويت بكثافة لصالح حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، الذي جعل من الملف الأمني أولويات حملته الانتخابية ووعد بتوفير كل الإمكانات للقضاء على تلك المشكلة.
ويأتي ملف الهجرة (37%) في المرتبة الثانية بعد ملف الأمن، وهو ملف يحظى بشكل تقليدي باهتمام بالغ من قبل حزب لوبان، فيما جاء ملف البطالة في المرتبة الثالثة (22%).
ويعد تييري مارياني من بين الوجوه البارزة في المشهد السياسي الفرنسي. انخرط للمرة الأولى في حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الذي أسسه الرئيس الراحل جاك شيراك، فيما تقلد مناصب وزارية عديدة كوزير النقل بين عام 2010 و2012 في حكومة فرانسوا فيون فضلاً عن انتخابه عدة مرات نائباً في الجمعية الوطنية باسم حزب "الجمهوريون".
لكنه غيّر انتماءه السياسي عام 2019، والتحق بحزب "التجمع الوطني" لماريان لوبان، حيث انتخب نائباً في البرلمان الأوروبي في السنة نفسها، ويعرف مارياني بتطرفه السياسي وبمساندته لبعض الأنظمة الدكتاتورية في العالم، إضافة إلى دعمه غير المشروط للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأظهر نفس الاستطلاع أن هناك إمكانية أن يفوز حزب ماريان لوبان بمجالس إقليمية أخرى، وهذا على ضوء النتائج المرتفعة التي قد يتحصل عليها في الدورتين حسب الاستطلاع. ففي منطقة "الشرق الكبير" هناك احتمال أن يتصدر حزب "التجمع الوطني" نتائج الانتخابات في حال انحصرت انتخابات الجولة الثانية بين أربعة أحزاب.
والأمر نفسه ينطبق على منطقة "أكيتان الجديدة" (جنوب غرب فرنسا)، فنتائج استطلاع الرأي تشير إلى احتلال ممثلة حزب "التجمع الوطني" إدويج دياز المرتبة الأولى بـ27% خلال الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية، لكن منافسها الاشتراكي آلان روسيه قد يتصدر النتائج في الدورة الثانية بـ36% من الأصوات، بفضل تحالفه مع أحزاب أخرى من اليسار واليمين الجمهوري.