بايدن يحشد حلفاءه لخوض حرب باردة جديدة ضد الصين، ولكن لماذا تبدو فرص انتصار الغرب أقل هذه المرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/09 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/09 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل/رويترز

 تبدو جولة بايدن الأوروبية ليست مجرد محاولة لإعادة الدفء إلى العلاقات الأمريكية الأوروبية، بل هي بمثابة محاولة لإقناع الأوروبيين وغيرهم من الحلفاء بالانضمام بشكل فعال للولايات المتحدة في الحرب الباردة الجديدة التي تنوي خوضها.

ولكن الحرب الباردة القديمة كانت ضد عدو واحد هو الاتحاد السوفييتي، فإن الحرب الباردة الجديدة التي يستعد لها الرئيس الأمريكي ستكون مع عدوين: الصين، وبصورة أقل روسيا.

الغرض المعلن من جولة بايدن الأوروبية هو تعزيز هذا الأمر. في مقال نُشر في صحيفة واشنطن بوست عشية رحلته، تحدث الرئيس عن التزام "متجدد" و"ثابت" بالعلاقة عبر الأطلسي، تقوم على "القيم الديمقراطية المشتركة".

جولة بايدن الأوروبية تبدأ بالحلفاء وتنتهي بلقاء الخصوم

يبدأ خط سير جولة بايدن الأوروبية في كورنوال مع تجمع لقادة مجموعة السبع. ثم تأتي بروكسل لحضور قمة الناتو، بالإضافة إلى اجتماعات مع رؤساء المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، قبل المحطة الأخيرة في جنيف، حيث يجلس مع فلاديمير بوتين.

إن إعادة تمثيل تصميم الأحداث بشكل يشابه الحرب الباردة من شأنه أن يناسب بوتين من خلال إرضاء ادعائه بأن روسيا لا تزال قوة عظمى، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

 في الواقع، ترى واشنطن أن موسكو قوة متراجعة تعوض عن نفوذها المتقلص من خلال توجيه الضربات حيثما أمكن، والتسبب في الأذى وبث الفتنة. يُنظر إلى بوتين على أنه مصدر إزعاج وليس منافساً.

هدفه الرئيسي تأسيس تحالف ضد الصين

هذا في تناقض ملحوظ مع وجهة نظر الصين كقوة عظمى فعلية، والقطب الشرقي الذي يفكر فيه بايدن عندما يتحدث عن إحياء تحالف الديمقراطيات الغربية.

في هذا الصدد، قد يكون التنصل من خطاب التدمير الترامبي مضللاً. هكذا يبدو الأمر للآذان الأوروبية، إذ يأتي بايدن ليطلب من أوروبا أن تتعاون في السباق القادم للسيطرة على العالم مع بكين.

ولا ينظر الأوروبيون إلى الصين باعتبارها المنافس الند مثلما تنظر إليها واشنطن، ولا يزالون أكثر اعتماداً على الصين وروسيا في التجارة والطاقة، مقارنةً بالولايات المتحدة. ويشعر البعض بالقلق من أنَّ مسعى بايدن لتعريف العالم باعتبارها منافسة بين الديمقراطية والسلطوية، هو نظرة ترى العالم من منظور أبيض وأسود أكثر من اللازم، حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.

جولة بايدن الأوروبية
الأوروبيون لا ينظرون للصين بنفس نظرة واشنطن/رويترز

تعلق صحيفة الغارديان قائلة "لا ينبغي للدول الأوروبية أن تتوقف لفترة طويلة إذا كان الخيار هو الانحياز إلى واشنطن أو بكين. من السهل حشد الاستياء من التبجح العالمي للولايات المتحدة والإشارة إلى النفاق في ادعائها بأنها منارة للحرية السياسية، لكن البديل هو دولة استبدادية توسعية تناضل ضد الديمقراطية، وتشارك حالياً في إبادة جماعية ضد الإيغور".

لو كانت الصين دولة فقيرة لكانت مهمة بايدن أسهل، لكن الفجوة الاقتصادية بين القوة العظمى القائمة والمنافس تتضاءل. بالنسبة للفرد لا يزال الأمريكيون في وضع أفضل بكثير، لكن الصين يمكن أن تتفوق على الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية هذا العقد.

مع هذا الثقل الاقتصادي تأتي القدرة التكنولوجية الرائدة عالمياً عبر التطبيقات العسكرية المتقاطعة مع الحياة المدنية التي لا تجعل البنتاغون لا ينام.

بكين تحطم نظرية ارتباط التقدم بالديمقراطية

خلال الحرب الباردة، حافظ الكرملين على منافسة عسكرية ذات مصداقية مع الغرب، لكن الاتحاد السوفييتي لم يكن منافساً اقتصادياً لفترة طويلة للولايات المتحدة.

بدا أن انهيار النموذج السوفييتي يثبت أن الحرية السياسية والازدهار جاءا كحزمة واحدة. لا يمكن أن يكون هناك مشروع بدون أسواق، ولا أسواق بدون قواعد عادلة، ولا قواعد قابلة للتنفيذ بدون ديمقراطية. يبدو أن النموذج الهجين للرأسمالية الاستبدادية للحزب الشيوعي الصيني قد دحض هذه النظرية، حسب وصف الغارديان.

عندما تم إنشاء مجموعة السبع في السبعينيات، كانت عضويتها مجتمعة -الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان- تمثل بشكل مريح حصة كبيرة من الثروة العالمية. كان هناك ارتباط طبيعي للمؤسسات الديمقراطية الليبرالية والنجاح الاقتصادي. اليوم انخفض الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول السبع مجتمعة إلى 40% من الإجمالي العالمي. لا يزال الغرب ثرياً، لكنه لم يكن القائد الوحيد.

أوروبا غير متحمسة للدخول في معركة مع بكين

تمنح الأموال الصينية أوروبا حوافز تجارية تتنافس مع خطابها الراقي بشأن القيم الديمقراطية. الصين هي أكبر سوق تصدير لألمانيا. رحب أعضاء الاتحاد الأوروبي الأصغر بالاستثمار الصيني في البنية التحتية والشركات، على الرغم من أن المخاوف تتزايد باطراد بشأن الخيوط السياسية الداخلية والأبواب الأمنية. تم تجميد اتفاق تجاري ضخم بين بروكسل وبكين، تم توقيعه العام الماضي (الأمر الذي أثار استياء واشنطن)، في الوقت الحالي، كجزء من نزاع متبادل بشأن الانتقادات الأوروبية لانتهاكات حقوق الإنسان في الصين.

لكن حكومات الاتحاد الأوروبي ببساطة لا تشعر بأن الولايات المتحدة ملحة لاحتواء الصين. تعد الجغرافيا عاملاً، فالولايات المتحدة لديها ساحل على المحيط الهادئ والتزامات استراتيجية تجاه تايوان، حيث إن بريطانيا وفرنسا، على الرغم من أنشطتهما البحرية، ليستا أكثر من مجرد متفرج.

هناك اختلاف مفاهيمي أيضاً. على حد تعبير أحد الدبلوماسيين فإن أوروبا لا تحب ما تفعله الصين، لكن الولايات المتحدة لا تحب ما أصبحت عليه الصين، ففكرة استبدال الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى في القرن الحالي هي فكرة مروعة من الناحية الوجودية لواشنطن.

الخوف من الظاهرة الترامبية مازال قائماً

تُضاعف ظاهرة دونالد ترامب القلق في الغرب، وتلقي بظلالها على جولة بايدن الأوروبية حتى بعد خروج ترامب من البيت الأبيض.

لقد كانت تجربة ترامب قريبة من الموت للنظام الدستوري في أمريكا، تلميح للوفاة لنموذج سياسي واقتصادي بدا وكأنه لا يُقهر في فجر القرن الحادي والعشرين.

يقول توماس كلاين-بروكهوف، نائب رئيس مركز "صندوق مارشال الألماني"، إنَّهم يخشون من إمكانية تكرر الأمر، ومن أنَّ أمريكا تغيَّرت، ومن أنَّ بايدن هو مجرد "فاصل" بين رئيسين أكثر شعبوية وقومية، حسبما ورد في تقرير The New York Times.

ويضيف أنَّهم يعلمون أنَّ سياسات بايدن ستكون مُرفَقة سراً بفواتير للدفع. وهم ليسوا متأكدين، على سبيل المثال، من مدى اختلاف التزامه بـ"سياسة خارجية لأجل الطبقة الوسطى" عن سياسة ترامب "أمريكا أولاً".

وأشار مختصون في السياسات الخارجية إلى أنَّ عقيدة بايدن الناشئة عن وضع حد "للحروب اللانهائية" وحماية العمال الأمريكيين من المنافسة الصينية ستتطلب التزامات اقتصادية وعسكرية جماعية من دول الاتحاد الأوروبي.

جولة بايدن الأوروبية، سيحث الرئيس الأمريكي زملاءه القادة الغربيين على إظهار القوة في التضامن لأن احتمالية الانقسام والتراجع وتشويه سمعة الديمقراطية أصبحت أكثر واقعية مما كانت عليه في أي وقت في حياته المهنية التي استمرت خمسة عقود في واشنطن.

وقالت ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية الإيطالي: "التواصل مع الحلفاء قبل قمة بوتين مهم ويتجاوز الرمزية، لكنَّ الأوروبيين يوهمون أنفسهم بأنَّ الأمور يمكن أن تعود إلى النحو الذي كانت عليه".

وأضافت أنَّ الأوروبيين عليهم تحمل المسؤولية والعمل مع بايدن للتوصل إلى اتفاقات بشأن القضايا الرئيسية مثل المناخ واللقاحات والتجارة، "والتي يمكن أن تخلق كتلة حرجة غربية تتمدد لتصبح اتفاقاً عالمياً أوسع متعدد الأطراف".

وقالت إنَّ هذا هو السبيل الوحيد لإظهار أنَّ "الديمقراطية تفي بوعودها".

نجح بايدن بالصبر والدبلوماسية والحديث اللطيف في أن يكتسب جمهوراً ممتناً في أوروبا، ولكن هذا لا يعني أنه نجح في تحقيق هدفه، إنه لا يطير عبر المحيط الأطلسي لينغمس في الحنين إلى التحالفات التي انتصرت في الحرب الباردة الأولى، إنه يقوم بتجنيد المجندين للحرب الباردة الجديدة.

تحميل المزيد