الشيء الوحيد الذي جمع أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب العربية معاً في ائتلاف واحد هو الإطاحة ببنيامين نتنياهو، والسؤال هنا يتعلق بالفترة التي قد يستمر فيها هذا "الزواج المفاجئ" قبل أن يقع الطلاق.
فالائتلاف الغريب يضم 8 أحزاب هي: "هناك مستقبل" (وسط – 17 مقعداً من أصل 120 بالكنيست) و"يمينا" (يمين – 7 مقاعد) و"العمل" (يسار – 7 مقاعد) و"أمل جديد" (يمين – 6 مقاعد)، و"أزرق – أبيض" (وسط – 8 مقاعد)، و"ميرتس" (يسار – 6 مقاعد) والقائمة العربية الموحدة (4 مقاعد)، و"إسرائيل بيتنا" (يمين – 7 مقاعد).
والآن يستعد نفتالي بينيت، رئيس حزب "يمينا"، لتولي منصب رئيس الوزراء في إسرائيل خلفاً لبنيامين نتنياهو. ويشترك بينيت ونتنياهو في كراهية الفلسطينيين والتحريض عليهم، فكلاهما ينتمي لمعسكر اليمين المتطرف الرافض لحل الدولتين، فكيف إذاً سيعمل جنباً إلى جنب مع الأحزاب العربية التي تمثل فلسطينيي الداخل؟
صورة لا تعكس الواقع
ونشرت صحيفة The Telegraph البريطانية تقريراً رصد فرص نجاح الائتلاف الجديد في إسرائيل، انطلق من لقطة سياسية ظنها الجميع مستحيلة تماماً. تجمع اللقطة بين ثلاثة زعماء سياسيين، الأول وسطي والثاني يميني متطرف والثالث زعيم حزب عربي يجلسون معاً وأقلامهم في وضع الاستعداد لتوقيع اتفاقية تشكيل الحكومة الإسرائيلية التالية.
فعلى يسار الصورة يجلس يائير لابيد، الزعيم الوسطي لحزب "يش عتيد" (هناك مستقبل)، الذي أعلن مساء الأربعاء 2 يونيو/حزيران، عن تشكيل ائتلاف يمكن أن يطيح برئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بين عشية وضحاها.
ويظهر في الوسط نفتالي بينيت، وهو من رجال اليمين المتطرف الذي يحلم بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية وضم ما يصل إلى 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة. ومن المقرر أن يصبح بينيت رئيس وزراء التحالف لمدة عامين، قبل التناوب مع لابيد.
لكن الشخصية الأكثر إثارة للدهشة هي التي تجلس على يمين الصورة؛ وهو منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة الإسلامي، الذي يضم أحزاباً سياسية من فلسطينيي الداخل.
فقد دخل عباس التاريخ ليلة الأربعاء، 2 يونيو/حزيران، عندما أصبح أول سياسي فلسطيني يوافق على الانضمام إلى حكومة إسرائيلية- على عكس القادة السابقين الذين عرضوا فقط الدعم من الخارج للتحالفات الإسرائيلية.
وأشاد المعلقون الإسرائيليون بالصورة باعتبارها شعاراً يثلج الصدر للتعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهي بلا شك صورة قوية ورمزية.
زواج سياسي قد لا يستمر طويلاً
لكن هذا الزواج السياسي يمكن أن يتدهور بسرعة كبيرة بالفعل، إذ إنَّ أعضاءه مختلفون تماماً حول القضايا الأساسية التي تحدد سياسة إسرائيل. وهم في الحقيقة مجتمعون حول سياسة واحدة فقط؛ ألا وهي الإطاحة بنتنياهو بعد 12 عاماً في السلطة.
أولاً وقبل كل شيء، إنَّ طموحات بينيت لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية هي لعنة على القائمة العربية الموحدة، التي تمثل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
وبحسب تقارير، وقَّع عباس على الاتفاق بشرط أن يقدم بينيت في المحادثات اللاحقة تنازلات تعود بالفائدة على فلسطينيي الداخل، وهو ما قد يكون من الصعب جداً على اليمينيين في حزب "يمينا" تقبله.
ومن بين تلك المطالب، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، تعليق قانون تصاريح البناء غير القانونية التي يقول الفلسطينيون إنها تعرقل البناء في مجتمعاتهم. وقبل الانضمام إلى الائتلاف، وصف حزب الأمل الجديد اليميني هذا الطلب بأنه "مستحيل". ومع ذلك، يبدو أنه وُضِع شرطاً للمضي قدماً في تشكيل الحكومة الائتلافية.
يضاف إلى ذلك، التحدي المتمثل في الاتفاق على سياسة اقتصادية لائتلاف يوحد أنصار السوق الحرة مع اليساريين. وسيكون هذا ركيزة أساسية لما يسمى حكومة "التغيير"، التي قالت إنها ستعطي الأولوية لإعادة بناء الاقتصاد في أعقاب وباء فيروس كورونا المستجد.
وربما يكون التهديد الأكبر على الإطلاق هو نتانياهو نفسه، الذي يواصل النضال من أجل بقائه في منصب رئيس الوزراء، ويقال إنَّ حزبه اليميني "الليكود" يبحث في كل خيار متاح قد يُغرِق الائتلاف في الجولة الأخيرة.
ويمكن أن تشمل تلك الخيارات تحديات قانونية أمام التحالف أو إقناع بعض أعضائه بالانشقاق؛ مما قد يؤدي إلى تفكيك أغلبية ضئيلة بالفعل من 61 مقعداً، وبينما أُعلِن عن الائتلاف ليلة الأربعاء 2 يونيو/حزيران، فقد لا يؤدي اليمين الدستورية لمدة أسبوعين آخرين. وهذا يعطي نتنياهو، المايسترو السياسي الذي لا مثيل له في إسرائيل، متسعاً من الوقت للتخطيط بعناية لخطوته التالية.
ائتلاف هش ونتنياهو متحفز
وفي هذا الصدد، لفت خبراء دستوريون لصحيفة The New York Times الأمريكية إلى أنَّ رئيس البرلمان الإسرائيلي، ياريف ليفين، العضو في حزب "الليكود"، يمكنه استخدام الإجراءات البرلمانية لتأجيل التصويت على منح الائتلاف الثقة حتى 14 يونيو/حزيران.
وفي غضون ذلك، وعد حزب نتانياهو بتكثيف الضغط على الأعضاء المترددين في ائتلاف لابيد الهش، لكونه يضم أحزاباً يمينية متشددة ويساريين ووسطيين وإسلاميين فلسطينيين، في محاولة لإقناعهم بالتخلي عن الائتلاف. ويشعر الكثير منهم بالفعل بعدم الارتياح تجاه العمل مع بعضهم البعض وقد قدموا تنازلات صعبة لتوحيد الجهود لإخراج نتانياهو من منصبه.
وفي إشارة إلى الانشقاقات التي تنتظر الائتلاف، قالت القائمة العربية الموحدة إنها انضمت إلى الائتلاف بعد تلقي تأكيدات بشأن تحسينات على حقوق فلسطينيي الداخل في الأرض والسكن، التي يعتبرها العديد من الإسرائيليين اليمينيين غير مقبولة، بما في ذلك تسوية الأوضاع القانونية لثلاث مدن فلسطينية في صحراء النقب.
وقبل ساعة من إعلان الصفقة، غرَّد أحد نواب اليمين المتشدد، نير أورباخ، الذي قال زملاؤه في الحزب إنه لم يكن متأكداً بالضبط من الانضمام إلى الائتلاف: "لن نتخلى عن النقب. هذا أمر محسوم".
إن خروج هذه التوترات إلى السطح حتى قبل تشكيل الائتلاف رسمياً جعل العديد من الإسرائيليين يتساءلون عمّا إذا كان سيصمد لأكثر من بضعة أشهر، ناهيك عن إكمال مدته الكاملة، أي أربع سنوات.
وفي حالة انهيار هذا الائتلاف، يعتقد المحللون أنَّ لابيد قد يخرج بمزيد من المنافع أكثر من بينيت. فبينما ينال بينيت النصف الأول في ولاية رئاسة الوزراء، فإن قراره بالعمل مع الوسطيين واليساريين قد أثار غضب جانب من أتباعه وقاعدته الانتخابية اليمينية المتشددة.
ويمكن استدعاء تجربة مشابهة وليست بعيدة زمنياً. فعندما وافق بيني غانتس، زعيم حزب أزرق أبيض اليساري على الدخول في ائتلاف مع نتنياهو وشكلا معاً حكومة طوارئ العام الماضي في أعقاب الانتخابات الثالثة، لم يستمر الائتلاف سوى عدة أشهر؛ وهكذا أجريت الانتخابات الرابعة.
وخرج غانتس وحزبه أزرق أبيض خاسراً بشكل كبير في تلك الانتخابات. ففي الانتخابات الثالثة حصل حزب غانتس على 33 مقعداً في الكنيست، وحل ثانياً بعد ليكود نتنياهو (36 مقعداً)، لكن الانتخابات الأخيرة شهدت فقدان حزب غانتس أكثر من ثلاثة أرباع شعبيته، إذ حصد 8 مقاعد فقط، والسبب الرئيسي- بحسب مراقبين- هو موافقته على التحالف مع نتنياهو.
ويتوقع كثير من المحللين في إسرائيل- في حال حصول الائتلاف الحالي بالفعل على ثقة الكنيست- لهذا الزواج السياسي بين بينيت ولابيد وعباس أن يستمر طويلاً، رغم أن أسباب الطلاق قائمة ومتنوعة وأقوى وأكثر استدامة بكثير من السبب الوحيد للزواج، أي التخلص من نتنياهو.