تأتي زيارة وزير دفاع إسرائيل، بيني غانتس، للولايات المتحدة في توقيت غريب، فهل جاءت الزيارة بطلب من غانتس أم أنها أقرب إلى الاستدعاء وما علاقة إيران وغزة بالقصة؟
أنباء زيارة غانتس لواشنطن جاءت في بيان أصدره مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي مساء الثلاثاء 1 يونيو/ حزيران، وبحسب البيان يصل غانتس إلى الولايات المتحدة، الخميس، حيث يلتقي نظيره الأمريكي لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
وتتزامن الزيارة مع ساعات حاسمة تشهدها تل أبيب على المستوى السياسي، مع اقتراب خصوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من تشكيل "حكومة تغيير" قد تطيح أخيراً بنتنياهو وتُنهي حقبته التي امتدت لنحو عقدين من الزمان.
زيارة أم استدعاء؟
من الصعب التكهن بالطرف الذي أراد لهذه الزيارة أن تتم في هذا التوقيت بالتحديد، في ظل عدد من الحقائق التي تجعل الاحتمالين واردين بالدرجة نفسها تقريباً. فمن ناحية غانتس، الذي يتولى حالياً منصب وزير الدفاع في حكومة تسيير الأعمال برئاسة نتنياهو، نجد أنه -أي غانتس- قد وقَّع بالفعل اتفاقاً مع زعيم المعارضة يائير لابيد للانضمام إلى "حكومة التغيير"، يحتفظ بموجبه زعيم حزب "أزرق أبيض" بمنصبه وزيراً للدفاع في الحكومة الجديدة، في حال خرجت للنور فعلياً قبل انتهاء المهلة منتصف ليلة الأربعاء 2 يونيو/حزيران.
وفي هذا السياق كانت صحيفة The Times of Israel نشرت تقريراً يوم 29 مايو/أيار الجاري، بعنوان "غانتس يهاتف نظيره الأمريكي وقائد الجيش يخطط لزيارة واشنطن"، تناول مكالمة هاتفية بين غانتس ولويد أوستن، صدر عنها بيان من البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية).
بحسب البيان، عبَّر أوستن عن "الدعم الأمريكي الثابت لأمن إسرائيل"، وأشار إلى ضرورة العمل على تثبيت وقف إطلاق النار بين تل أبيب وحركة حماس في قطاع غزة، وكانت النقطة الثالثة بالبيان تتحدث عن الاتفاق النووي مع إيران وكيف أن ذلك سيكون في جدول أعمال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوهافي، خلال زيارة مرتقبة له للولايات المتحدة.
اللافت هنا أن التقرير المفصل للصحيفة الإسرائيلية بشأن ذلك الاتصال بين غانتس وأوستن، وكذلك تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للاتصال نفسه، لم يشر من قريب أو من بعيد، إلى زيارة غانتس لواشنطن، وهو ما يشير إلى أن قرار الزيارة أو الاستدعاء، إن جاز التعبير، قد تم اتخاذه بشكل مفاجئ.
ولا يستبعد بعض المراقبين أن تكون تصريحات نتنياهو، أمس الثلاثاء، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، والتي تعهد خلالها بالعمل على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، حتى لو كان لذلك تأثير على علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية، أحد أسباب زيارة غانتس أو استدعائه المفاجئ.
وقال نتنياهو: "إذا اضطررنا إلى الاختيار، وآمل ألا يحدث هذا، بين الاحتكاك مع صديقتنا الكبيرة الولايات المتحدة وإزالة التهديد الوجودي، فإن إزالة التهديد الوجودي تتغلب. هذه المهمة ملقاة في مقدمة الأمر على عاتقكم وعلى القيادة السياسية لدولة إسرائيل، فعليكم أن تفعلوا كل شيء لضمان عدم تزود إيران بأسلحة نووية في أي حال من الأحوال"، بحسب تقرير لـ"سي إن إن".
ولم يتأخر غانتس في الرد على نتنياهو، إذ وجَّه وزير الدفاع انتقادات حادة لرئيس الوزراء، حيث قال غانتس في تصريحات نقلتها قناة "كان" الرسمية: "الولايات المتحدة كانت -وستظل- الحليف الأهم لإسرائيل في الحفاظ على أمنها وتفوقها الأمني في المنطقة"، وأضاف: "إذا كانت هناك خلافات، فسيتم حلها عبر الخطاب المباشر في غرف مغلقة وليس خطاب تحدٍّ يمكن أن يضر بالأمن الإسرائيلي".
"حوار استراتيجي" يجريه غانتس في واشنطن
اللافت هنا أن أنباء زيارة غانتس للولايات المتحدة خرجت في بيان صادر عن مكتبه بعد قليل من ذلك الانتقاد الذي وجَّهه لتصريحات نتنياهو بشأن إيران "واحتمال الاحتكاك مع الولايات المتحدة".
فقد نشر موقع صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية "خبراً عاجلاً" عنوانه "غانتس يناقش اتفاق إيران وأمن إسرائيل في زيارة للولايات المتحدة"، نقل فيه بيان صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية قال إن غانتس سيتوجه مساء الأربعاء إلى الولايات المتحدة حيث يلتقي الخميس وزيرَ الدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان.
وبحسب البيان، ستشهد لقاءات غانتس التباحث بشأن الاتفاق النووي مع إيران وأمن إسرائيل والاستقرار بالشرق الأوسط "في حوار استراتيجي"، كما سيناقش غانتس أيضاً "خطة أعدَّها هو شخصياً في وزارة الدفاع؛ لضمان سلام طويل الأجل في قطاع غزة، وعودة مواطنين إسرائيليين وجثامين تحتجزهم حركة حماس في القطاع".
وتشير هذه المعطيات مجتمعةً إلى أن المشهد السياسي المتأزم في إسرائيل يمثل الدافع الأساسي وراء تلك الزيارة التي جاء الإعلان عنها مفاجئاً، فجهود تشكيل "حكومة تغيير"، قد تُنهي أخيراً قبضة نتنياهو على المشهد السياسي في إسرائيل، أوشكت على الوصول لمحطتها الأخيرة، وهو ما كان يحتم على غانتس أن يظل موجوداً ليكون في الصورة بجوار لابيد ونفتالي بينيت إذا ما نجح التحالف.
لكن توقيت الزيارة يعني أن غانتس سيكون في طريقه إلى واشنطن في تلك الساعات الحاسمة، حاملاً معه "أجندة سياسية وعسكرية شاملة" يراها بعض المراقبين خطوة هامة على طريق تقديم نفسه كبديل لنتنياهو لدى الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن، إذا ما نجح تشكيل الحكومة الجديدة بالفعل قبل نهاية المهلة منتصف الليلة.
إيران والقبة الحديدية
لكن بعيداً عن التكهنات بشأن الزيارة/الاستدعاء، قالت وسائل إعلام أمريكية إن غانتس سيناقش الاتفاق النووي الإيراني الذي تنوي إدارة جو بايدن العودة إليه، وسيطلب مليار دولار إضافياً كمساعدات عسكرية لإسرائيل تهدف إلى تقوية القبة الحديدية، في ظل ما كشفته حرب غزة من عدم قدرة ذلك الستار الصاروخي على التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة.
ففيما يتعلق بالاتفاق النووي، أعلن الاتحاد الأوروبي أن هناك اجتماعاً جديداً في فيينا الأربعاء، وقال دبلوماسيون لـ"رويترز"، إن الاجتماع سيُعقد لاختتام أحدث جولة محادثات من أجل إنعاش الاتفاق، وتأجيل المناقشات لمدة أسبوع على الأقل.
وقال كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي، إن العقبات التي تعترض طريق إحياء الاتفاق معقدة لكنها ليست مستعصية، وأضاف في تصريحات للتلفزيون الإيراني قبل الاجتماع: "بلغت الخلافات نقطة حيث يرى الجميع أنها ليست مستعصية على الحل"، وتابع مستدركاً: "لكن التفاصيل مهمة، ومن المهم مراعاة مواقف إيران الثابتة".
بينما نشر موقع Axios الأمريكي تقريراً بعنوان "إسرائيل ستطلب مليار دولار من الولايات المتحدة في صورة مساعدة عسكرية عاجلة"، وهو ما قاله بالفعل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام عبر شبكة Fox اليمينية وأكدته للموقع الأمريكي مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وقال مسؤولون إسرائيليون للموقع إنهم يحتاجون المساعدات لتقوية القبة الحديدية -نظام الدفاع الصاروخي- ولشراء ذخائر لسلاح الجو الإسرائيلي، لكن كثيراً من أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين يعارضون ذلك بشدة ويضغطون على إدارة بايدن للتوقف عن تقديم أسلحة أمريكية تستخدمها إسرائيل في تهديم المنازل وقتل المدنيين في قطاع غزة.
الخلاصة هنا أن وصول غانتس إلى واشنطن -سواء كانت زيارة تمت بناء على طلبه أو استدعاء من نظيره الأمريكي- على الأرجح يأتي في سياقات متعددة، أحدها شخصي يتعلق بتقديم غانتس أوراق اعتماده لواشنطن بديلاً عن نتنياهو، والآخر يصبُّ في مسار الحصول على مساعدات عسكرية ضخمة ربما في مقابل التماشي مع رؤية الإدارة الأمريكية بشأن الاتفاق النووي مع إيران.