من إشعال الأزمة في القدس التي أفضت إلى حرب مع غزة، وصولاً للتهديد بتخريب العلاقات مع الولايات المتحدة بسبب الملف النووي الإيراني، يفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل شيء للبقاء في السلطة، ولكن هل يصل الأمر إلى تكرار نتنياهو لاقتحام الكونغرس في إسرائيل.
فهناك مخاوف من تدبير نتنياهو عمليةً ممنهجة لإفساد تسليم السلطة، تصبح النسخة الإسرائيلية من اقتحام الكونغرس الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
التشابه بين ترامب ونتنياهو
تناول الكثيرون بالكلمات، والشروحات، والتحليل أوجه التشابه بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وهما رجلان مختلفان، بخلفياتٍ مختلفة، وتجارب مختلفة، وأفكار شديدة الاختلاف.
لكن تقرير صحيفة Haaretz يرى أن نتنياهو وترامب يتشابهان بشكل مذهل يُسلّط في إحساسهما العميق بالاستحقاق، والعظمة الذاتية، وإجلال الذات، وعقلية لويس الرابع عشر المشتركة بينهما: الدولة أنا، وأنا الدولة.
إذ يمتلك كلاهما شخصيةً نرجسية، وسلوكيات سياسية يشوبها جنون العظمة، وكراهية حارقة للنخب السياسية، وخوف دائم من "الدولة العميقة" أو العصابة السياسية الضخمة التي تترصد لهما، مع السخرية الممزوجة بالخوف من منافسيهما السياسيين. كما يتشاركان خطاباً شعبوياً متطابقاً وديماغوغياً في بعض الأحيان، إلى جانب إحساسٍ دائم بعيش دور الضحية، وشكاوى لا تنتهي، ونزعة فطرية للكذب، ومضاعفة للأكاذيب، وإسقاط الاتهامات الموجهة لهما على الآخرين سواء أكانت صحيحة أم خاطئة.
ومع خروج رفيقه ترامب من السلطة، وتفرغه للصراخ بشأن الانتخابات التي سُلِبَت منه على يد الديمقراطيين ووسائل الإعلام؛ لم يعُد أمام نتنياهو سوى صفحة واحدة ليقتبسها من كُتيّب ترامب: صناعة أحداث "السادس من يناير/كانون الثاني" (اقتحام الكونغرس) الخاصة به.
موقفه من أحداث الكابيتول الأمريكي
كان نتنياهو قد أدان اقتحام الكونغرس، ولكن اللافت والذي أثار بعض القلق في إسرائيل هو ظهور صورة لعلم إسرائيلي يحمله أحد المقتحمين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد الاقتحام أذيع خبر غير دقيق عن تخطي محتجون لحاجز أمني أمام مجلس الوزراء الإسرائيلي.
ويرى موقع moment اليهودي الأمريكي أنه سواء أكان هذا التلاعب الإعلامي من بنات أفكار رئيس الوزراء أم لا، المعروف عنه الميكافيلية، حيث يمكن أن يكون قد أراد عبر هذا محاولة قلب الطاولة على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في إسرائيل.
ويضيف الموقع "ولكن نتنياهو يفضل أن يربط بين المتظاهرين ضده وبين متظاهري حركة أنتيفا اليسارية التي وصفها ترامب بالمتطرفة.
ولكن اليوم يبدو نتنياهو في وضع مشابه لوضع ترامب إبان أحداث اقتحام الكونغرس، حسب صحيفة Haaretz.
ما احتمالات تكرار نتنياهو لاقتحام الكونغرس في إسرائيل؟
ففي ظل تفاوض خصومه على تشكيل ائتلافٍ حاكم جديد؛ يجد نتنياهو أمامه فرصةً لنزع الشرعية عن الانتخابات التي فشل في الفوز بها، ونزع الصفة الإنسانية عن أولئك الذين يُحاولون خلافته، وتقويض الحكومة الجديدة المحتملة، والتحريض بصوتٍ عالٍ وقوةٍ كافية لتسهيل تنفيذ نسخةٍ إسرائيلية من تمرد الكابيتول سيئ السمعة.
إذ فشل نتنياهو في الفوز بأربعة انتخابات متتالية على مدار العامين الماضيين (ولم يخسرها أيضاً). كما فشل في تشكيل حكومة قبل شهرٍ واحد، لذا جرى تكليف زعيم المعارضة يائير لابيد بتشكيل حكومةٍ بدلاً منه. بينما يشن نتنياهو حملةً صليبية عالية الصوت ومعادية للديمقراطية، في محاولةٍ لإفشال أي تحالف لا يشمله.
كما بدأ نتنياهو ينفصل عن الواقع في مواجهة محاكمته بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، إلى جانب شعوره بأنّه على وشك خسارة شيء يعتقد أنّه يملكه بسلطةٍ وتدخلٍ إلهي. حيث تحوّل نفتالي بينيت، الذي عرض عليه نتنياهو رئاسة الوزراء في صفقة تناوب عجيبة إلى محتال وخائن ومبتدئ لا يُعتمد عليه ولا يمكن الثقة فيه لحماية إسرائيل، وهو الأمر الذي يبدو أنّ نتنياهو هو الوحيد الذي يستطيع فعله منذ 70 عاماً على الأقل، أو هكذا يعتقد.
ونتيجةً للتحريض والمعلومات المضللة، بدأ القضاة والمدعون وزعماء المعارضة في الحصول على تأمينٍ إضافي الآن بعد أن هدّد أنصار نتنياهو حياتهم، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
مؤامرة ضد الشرعية
ويرى نتنياهو أنّ الحكومة الجديدة، التي قد تتشكل خلال أيام بدونه وتصفها وسائل الإعلام بـ"كتلة التغيير"، هي حكومةٌ تفتقر إلى الشرعية. كما قال إنّها تُعارض إرادة "مليوني شخص" صوّتوا له، رغم أنّ حزب الليكود الذي يتبعه نتنياهو حصد 1,066,892 صوتاً فقط في الانتخابات الأخيرة (24.19% من إجمالي الأصوات). وهذه ليست أغلبية. ولو كان يمتلك أغلبية 61 مشرعاً يُساندونه، فلماذا فشل في تشكيل حكومةٍ تلو الأخرى منذ عام 2019؟
والإجابة بسيطة، وفقاً لروايته الملتوية والساخرة: النخب، واليسار، ووسائل الإعلام، والقضاء، والديمقراطيون في أمريكا. جميعهم يكرهونه بشدة لدرجة أنّهم منعوه من تشكيل الحكومة. وبالتالي فإنّ أي حكومة بديلة يقودها شخصٌ آخر سوف تمثل انقلاباً غير شرعي على السلطة.
ويتحدث نتنياهو عن "ائتلاف التغيير" باعتباره عصبةً خطيرة ويسارية وضعيفة من الساسة المتهورين والمتعطشين للسلطة.
وحسب خطابات نتنياهو، يحاول أولئك الزعماء السياسيون عكس مسار التاريخ والواجب الأخلاقي: وهو أن يظل نتنياهو رئيساً للوزراء.
وفي الأسبوع الماضي، ضغط نتنياهو وحلفاؤه بيأس وهددوا أعضاء الأحزاب اليمينية التي تستعد للانضمام إلى الحكومة الجديدة. وها هو يُكرّر من جديد تعويذة ترامب في السادس من يناير/كانون الثاني: هذه حكومةٌ تفتقر إلى الشرعية، وبالتالي فإنّ كافة السبل لمنع تشكيلها مبررة.
بعد فشله مع حماس يتحول إلى إيران ويعادي الولايات المتحدة
ووسط يأسه، ومنذ انتهاء المعركة في غزة مع حماس قبل أسبوعين بدون أن تفضي الحرب إلى تدمير فكرة تشكيل الحكومة الجديدة، بدأ نتنياهو الآن في العودة إلى موضوعه المفضل: إيران.
وفي سلسلةٍ من التصريحات، تعهّد بمنع إيران من الحصول على قوةٍ نووية عسكرية، وقال إنّ مواجهة الولايات المتحدة بسبب هذه المشكلة هي أمرٌ محتمل. كما قدم الخيارين الكاذبين المفترضين أمام إسرائيل: إيقاف إيران أو مواجهة مع إدارة بايدن.
وترى Haaretz أنه حين يقرر رئيس وزراء الإسرائيلي، الذي قد يُواجه واقع تشكيل حكومة مختلفة جديدة خلال أيام، أن يُثير مسألة إيران مع بعض المصطلحات السياسية القديمة، مثل "عدم الشرعية"، فلا شكّ أن هناك ما يكفي من المبررات للشك في احتمالية تكشّف سيناريو مشابه لما حدث في السادس من يناير/كانون الثاني.