بايدن قليل الحيلة! كيف وضع نتنياهو الرئيس الأمريكي في مأزق بسبب التصعيد بغزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/19 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/19 الساعة 10:49 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن/ رويترز

رغم أن دعم الرئيس الأمريكي لإسرائيل في عدوانها المستمر على قطاع غزة أمر مفروغ منه، فإن إصرار بنيامين نتنياهو على مواصلة التصعيد يضع ساكن البيت الأبيض في مأزق.

واليوم الأربعاء 19 مايو/أيار، يواصل جيش الاحتلال هجماته جواً وبراً وبحراً على قطاع غزة، مستهدفاً الأبراج والمباني السكنية والتسبب في سقوط أعداد كبيرة من المدنيين، في محاولة لكسر إرادة المقاومة الفلسطينية التي تواصل إطلاق الصواريخ رداً على ذلك العدوان، في ظل تنامي الانتقادات الموجهة إلى تل أبيب وتغيّر قواعد الصراع بصورة غير مسبوقة.

وقبل الدخول إلى تفاصيل المأزق الذي فاجأ بايدن وإدارته من المهم رصد أسباب إطلاق أول رشقة صواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل، وهذه النقطة بالتحديد تناولها تقرير لموقع The Intercept الأمريكي، بعنوان "ولكن ماذا عن صواريخ حماس؟"، جاءت مقدمته نصاً: "لا بد أن نكون واضحين: ما بدأ هذا الرعب الحالي كان تصعيد إسرائيل حملة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية".

إسرائيل غزة حماس
الاحتلال الإسرائيلي يعتدي على المصلين في المسجد الأقصى/ رويترز

فإسرائيل لم تبدأ عدوانها هذه المرة يوم 10 مايو/أيار الماضي، عندما أطلقت العنان لترسانتها العسكرية لتجلب مزيداً من الدمار لقطاع غزة وتسقط المئات من الشهداء وتهدم المنازل على رؤوس سكانها الأبرياء لتدفن أسراً بأكملها، على أمل سحق المقاومة الفلسطينية في القطاع والقضاء نهائياً على التهديد العسكري الوحيد القادر على نسف مخططاتها للقضاء على الفلسطينيين للأبد، بل كان ذلك التصعيد هو ما يخطط له بنيامين نتنياهو منذ أعطى الضوء الأخضر لتهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح.

الصراع في فلسطين ليس على رادار بايدن

بايدن، شأنه شأن جميع الرؤساء الأمريكيين منذ نشأة إسرائيل، يقدم الدعم السياسي والمالي والعسكري لتل أبيب دون شروط، ويتبنى الرواية الإسرائيلية بشأن الصراع مع الفلسطينيين. هذه حقيقة ثابتة لا تشكك فيها أو تضعفها الحسابات السياسية.

تولى بايدن منصبه خلفاً للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي قدم لصديقه نتنياهو ما لم يقدم عليه أي رئيس أمريكي آخر. قرر ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والسياسة الخارجية الأمريكية، فالقدس أرض فلسطينية تحتلها إسرائيل. ترامب أيضاً قرر الاعتراف بضم أغلب أراضي الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، واتخذ قرارات أخرى كثيرة بموجب ما سمّاها "صفقة القرن"، التي بناها صانعوها على أساس مادي بحت -على رأسهم ترامب رجل الأعمال- قائم على تصور أن الفلسطينيين يريدون أن يعيشوا في أوضاع اقتصادية ميسورة، بغض النظر عن إقامة دولتهم وتحرير أرضهم أو أين يعيشون من الأصل.

وفي هذا السياق غادر ترامب البيت الأبيض بعد هزيمته في الانتخابات، وجاء بايدن. خالف بايدن العرف السياسي الأمريكي، ولم يجرِ اتصاله الأول برئيس وزراء إسرائيل إلا بعد نحو شهر كامل، ما فتح الباب أمام التكهنات بتغيير جذري في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

مظاهرة ضد العدوان الإسرائيلي وسط لندن – رويترز.

لكن الأحداث التي وقعت منذ تولي الرئيس الأمريكي منصبه في يناير/كانون الثاني، كشفت واقعاً مغايراً. تغيّرت أولويات السياسة الأمريكية بشكل كامل وتراجعت قضايا الشرق الأوسط -منطقة نفوذ أمريكا تاريخياً- في ترتيب أولويات السياسة الخارجية، وبات واضحاً أن الملف الوحيد الذي توليه إدارة بايدن جزءاً من اهتمامها هو إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، الذي كان ترامب قد انسحب منه.

ويسعى بايدن لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران لسببين رئيسيين، الأول أن الاتفاق كان قد تم التوصل إليه أثناء إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015، وكان بايدن نائباً للرئيس وقتها، وبالتالي يعتبره إرثاً ديمقراطياً يسعى للحفاظ عليه بعد أن هدمه ترامب، والثاني أن إعادة إحياء الاتفاق كان وعداً انتخابياً قطعه التزم به بايدن أمام ناخبيه.

أما فيما يخص إسرائيل والفلسطينيين، فالواضح أن الملف لم يكن على رادار إدارة بايدن من الأساس، وهذه الحقيقة تؤكدها عدة مؤشرات، أبرزها عدم تعيين المناصب المرتبطة بالملف كسفير جديد في إسرائيل ومبعوث خاص "للسلام في الشرق الأوسط"، كما جاء الخطاب الرئيسي الأوحد لبايدن حتى الآن بمناسبة مرور 100 يوم على رئاسته خالياً تماماً من أي إشارة لإسرائيل أو فلسطين من الأساس.

مفاجأة غزة التي لم تتوقعها إدارة بايدن

وفي هذا السياق، لم تُعر إدارة بايدن اهتماماً لما يجري في الداخل الإسرائيلي من جمود سياسي عمقته نتائج الانتخابات الرابعة في أقل من عامين، والتي أجريت في مارس/آذار الماضي، وفشل خلالها نتنياهو مرة رابعة في الحصول على الدعم الكافي، كي يظل في منصبه ويتفادى الإدانة في محاكمته الجارية بتهم الفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة.

قرر نتنياهو المضي قدماً في تهجير عائلات فلسطينية من #حي_الشيخ_جراح في القدس الشرقية لصالح المستوطنين المتطرفين، الذين باتوا يمثلون قاعدته الانتخابية الأساسية وأمله في التشبث بالمنصب، وتسبب هذا القرار في بداية حريق ظل يشتعل وتغذيه إجراءات متتالية أقدم عليها معسكر نتنياهو، متشجعاً بموقف فلسطيني بدا ممزقاً ولا مبالياً، وموقف عربي عنوانه "التطبيع المجاني والهرولة نحو تل أبيب"، وموقف دولي صامت وغير مهتم.

إسرائيل غزة فلسطين
إسرائيل شردت آلاف الفلسطينيين/رويترز

ولكن ما لم يحسب أحد حسابه هو أن الفلسطينيين -داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة في القدس والضفة وفي قطاع غزة وفي الشتات حول العالم- قد استنفرتهم إجراءات نتنياهو ومستوطنيه اليمينيين، ووصل هذا الاستنفار لذروته عندما وصلت العربدة إلى المسجد الأقصى (رمز النضال الفلسطيني الذي يتوحد حوله الجميع في الداخل والخارج)، وهنا لم يكن هناك مفر من تلك الهبة، وانطلقت صواريخ المقاومة من غزة نحو إسرائيل.

وكما هو متوقع انتفضت إدارة بايدن -البيت الأبيض والخارجية- مطالبة بوقف إطلاق الصواريخ فوراً، ومعلنة دعمها المطلق "لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لكن كان القطار قد غادر المحطة بالفعل، ولم يكن من الممكن إيقافه، وهذا ما تكشف عنه تفاصيل الأيام التي بدأت الإثنين 10 مايو/أيار، أي بداية العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة.

نتنياهو يريد نصراً مستحيلاً

وجد بايدن نفسه في مواجهة مشهد أمريكي لم يكن موجوداً بهذا الوضوح من قبل. يطالب أعضاء في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ بوقف الحرب على غزة فوراً، أبرزهم بالطبع بيرني ساندرز (ديمقراطي)، ورشيدة طليب (نائبة ديمقراطية من أصول فلسطينية). الحديث بشأن إسرائيل والفلسطينيين في الدوائر السياسية والإعلامية لم يعد صوتاً واحداً داعماً بشكل مطلق لإسرائيل.

الانتفاضة الفلسطينية والتوحد المطلق خلف العلم الفلسطيني -داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة- والإضراب العام يوم الثلاثاء 18 مايو/أيار أمر لم يتوقعه أحد، لا نتنياهو الذي أشعل الحرب لأسباب خاصة بمستقبله السياسي، ولا بايدن بالطبع الذي لم يكن الملف على مكتبه من الأساس، ولا الأنظمة العربية التي راهنت على أن القضية الفلسطينية قد انتهت، وأن الوقت قد حان للتطبيع مع إسرائيل (وعلى رأسهم الإمارات).

وتحقق النصر السياسي بالفعل للفلسطينيين جميعاً، بعد أن عادت قضيتهم للواجهة، وأصبح حل الدولتين محور الحديث في أي نقاش يدور حالياً، من البيت الأبيض إلى أوروبا، إلى الصين وروسيا، إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وتوارى المطبّعون الجدد عن المشهد تماماً.

حتى نتنياهو، الذي ربما يكون قد حقق ولو جزءاً يسيراً مما كان يريده بعد أن اختفى حديث منافسيه عن "حكومة التغيير"، ولو مؤقتاً، يجد نفسه الآن في موقف لم يحسب حسابه، إذ إن وقف العدوان الغاشم على قطاع غزة دون أن "تحقق العملية العسكرية أهدافها" أمر يقول إنه مستبعد.

من المواجهات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في مدينة اللد – الأناضول

والسؤال هنا: ما أهداف تلك العملية العسكرية؟ الإجابة -بإجماع الآراء داخل وخارج إسرائيل وحتى بين قيادات جيش الاحتلال- هي "لا توجد استراتيجية لإنهاء الحرب"، والسبب واضح، وهو أن نتنياهو ذهب إلى هذه النقطة من التصعيد دون أن يمتلك استراتيجية أو خطة أو حتى هدفاً يسعى لتحقيقه.

الآن يريد نتنياهو أن يقضي تماماً على القدرات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وخصوصاً حماس، حتى وإن كان ذلك يعني هدم جميع مباني غزة بالكامل على رؤوس سكانها، البالغ عددهم أكثر من مليوني فلسطيني، فهل يستطيع؟ فعلى المستوى العسكري لا يوجد وجه للمقارنة بين جيش الاحتلال الذي يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة وفّرتها له الولايات المتحدة والغرب والشرق -تضم قنابل نووية- وبين فصائل المقاومة في قطاع غزة، التي تعيش تحت حصار كامل منذ أكثر من 15 عاماً. ورغم ذلك لا يمكن أن يحقق نتنياهو انتصاراً عسكرياً إلا بالهجوم البري على القطاع، بحسب العسكريين الإسرائيليين أنفسهم.

مأزق بايدن "قليل الحيلة"

في هذه الأجواء، أجرى بايدن ثلاثة اتصالات هاتفية مع نتنياهو، عبر خلالها جميعاً عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لكن الاتصال الأخير مساء الإثنين 16 مايو/أيار، يحمل دلالة على عدم امتلاك ساكن البيت الأبيض أية حلول أو حتى أوراق ضغط يستغلها في الأزمة الحالية.

فقد أعرب الرئيس الأمريكي عن رغبته بوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، فيما أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استمرار العملية العسكرية في القطاع.

وقال البيت الأبيض إن بايدن أجرى اتصالاً هاتفياً بنتنياهو، وأعرب عن رغبته في التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع غزة، وأضاف أن بايدن ناقش مع نتنياهو مساعي كل من الولايات المتحدة ومصر ودول أخرى لإنهاء القتال.

فيما أشاد نتنياهو "بدعم الرئيس الأمريكي المستمر لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وفق بيان لمكتب نتنياهو، وأضاف البيان أن نتنياهو أبلغ بايدن بأنه "مصمم على استكمال الهدف من العملية (العسكرية) لإعادة الأمن لمواطني إسرائيل"، حسب زعم البيان.

ومساء الثلاثاء 18 مايو/أيار، قال رئيس مجلس الأمن الدولي السفير الصيني تشانغ جيون، إنه يأمل في "نتائج طيبة" من إعلان بايدن أنه يدعم وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.

رشيدة طليب
رشيدة طليب

وقال السفير الصيني في تصريحاته للصحفيين "يحدونا الأمل في التوصل لنتائج طيبة بعد سماع الرئيس بايدن يعلن دعمه لوقف إطلاق النار بين الفلسطينيين وإسرائيل"، وأضاف "هذا بالضبط هو ما يتفق مع ما نقترحه في مجلس الأمن منذ أيام ".

نعم يسعى بايدن الآن لوقف إطلاق النار، لكنه يبدو عاجزاً تماماً عن تحقيق ما يعسى إليه، وينتظر أن تنجح جهود الوساطة التي تقودها مصر وقطر، لكن يظل السؤال متعلقاً بالجانب الآخر من الأساس، أي إسرائيل، فنتنياهو أشعل الحريق دون أن تكون لديه خطة لإطفائه.

وفي موقف ذي دلالة، وجه بايدن رسالة للنائبة الأمريكية رشيدة طليب قائلاً لها: "أنا معجب بذكائك وشغفك وتعاطفك واهتمامك بالآخرين"، مضيفاً: "أدعو الله أن تكون جدتك وعائلتك بخير في الضفة الغربية، سأعمل لسلامة أهلك بالضفة الغربية أنت محاربة، وأشكر الله على ذلك".

كان بايدن يردّ على طليب، التي شنت هجوماً عنيفاً على إدارته لدعمها نتنياهو وإسرائيل، وقالت طليب: "كفى يا سيد بايدن.. لن تفعل هذا على مرأى منا"، مطالبة إياه بالحديث علانية ضد العدوان الإسرائيلي لمحاسبة نتنياهو وقيادة إسرائيل.

تحميل المزيد