برز الموقف المصري في الحرب الدائرة على غزة مغايراً هذه المرة عن الحرب السابقة التي وقعت في عام 2014، رغم وجود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في سدة السلطة في هاتين الحربين.
ففي حرب 2021 تلعب مصر دور الوسيط لوقف الحرب على القطاع من الناحية السياسية، لكن من نواحٍ جديدة برزت القاهرة على الساحة ففي الوقت الذي اشتد فيه القصف فتحت مصر معبر رفح الحدودي، واستقبلت عدداً من الجرحى الفلسطينيين في مستشفياتها في العريس.
والثلاثاء 18 مايو/أيار، أعلنت مصر تقديمها منحة بنحو 500 مليون دولار ومن أجل الإعمار في القطاع، بالإضافة إلى مساهمة شركات مصرية في عملية الإعمار.
هذه المواقف التي تبدو إيجابية من قبل مصر للوضع في غزة فتحت الباب للتساؤل عن السبب وراء تغير الموقف المصري من الوضع في غزة، وحركة حماس بالتحديد، التي تربطها القاهرة بجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها مصر بأنها حركة "إرهابية".
الموقف من الإمارات وإسرائيل
لا يخفى على متابع للأحداث حالة الفتور التي تعاني منها العلاقة بين الإمارات ومصر بسبب العديد من الملفات الإقليمية، أهما موقف أبوظبي الداعم لسد النهضة الإثيوبي والتقارب الجاري بين القاهرة وأنقرة.
فوفقاً لمصادر دبلوماسية مصرية كشفت لعربي بوست، فإن هذا التغير يرجع لعدة أسباب
مراجعات للسياسة الخارجية تجاه بعض الدول العربية التي وقعت اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، وعلى رأسها الإمارات، حيث ترى مصر أن هذه الدول تظهر لمصر الولاء، لكنها تبطن العداء لها.
أيضاً التقارب الجاري بين مصر مع تركيا وقطر في الآونة الآخيرة يصب في اتجاه هذه المراجعات التي تقودها الأجهزة الاستخباراتية المصرية كما تقول المصادر الدبلوماسية.
سد النهضة والتعنت الإسرائيلي
أما السبب الثاني وراء تغير الموقف المصري فهو الضغط على إسرائيل، بسبب تأييدها إثيوبيا في سد النهضة، الذي بات يمثل أزمة كبيرة للنظام السياسي المصري في الفترة الأخيرة، وتسعى القاهرة بكل الطرق إلى تعظيم موقفها في المفاوضات الجارية حول الملء الثاني للسد.
السبب الثالث بحسب المصادر الدبلوماسية يعود إلى تعنت إسرائيل في قبول التهدئة ولو مؤقتاً، مع بداية التصعيد العسكري بين إسرائيل وغزة، لذا فقد وجدت مصر أن هذا العدوان الإسرائيلي على غزة يمثل تهديداً لأمن مصر القومي، ومن ثم ضرورة لعب دور أكثر فاعلية في هذا الأمر.
السبب الرابع هو عدم ظهور مصر من الناحية الشعبية والسياسية بأنها غير مبالية بالتصعيد العنيف ضد المدنيين في غزة، لذا تغير التناول الإعلامي في الأيام الأخيرة بداية من الجمعة الماضية بخطبة د. أحمد عمر هاشم في الجامع الأزهر.
وبحسب تقرير لصحيفة The Times of Israel الإسرائيلية، فإن مصر تسعى لاستعادة نفوذها الإقليمي من خلال التوسط بين إسرائيل وحماس لإخماد الصراع المشتعل منذ أسبوع في قطاع غزة، وحصد أكثر من 200 روح.
وفي الصراع الأخير، الذي دخل أسبوعه الثاني يوم الإثنين 17 مايو/أيار، أودت الضربات الجوية الإسرائيلية والصواريخ المنطلقة من غزة بأرواح أكثر من 200 فلسطيني و10 أشخاص في إسرائيل، بحسب مسؤولين من الجانبين. وأصيب مئات آخرون.
وأحرج التصعيد دولتي الخليج، الإمارات والبحرين، اللتين طبعتا العلاقات مع إسرائيل في العام الماضي؛ ما وضع القاهرة في مقعد القيادة الدبلوماسي.
وقال طارق باكوني، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية: "في منطقة تعمل فيها الدول المُطبِّعة على توسيع علاقاتها مع إسرائيل، فإنَّ مصر لديها مصلحة راسخة في الاستفادة من قربها الجغرافي من غزة لتعزيز قوتها الدبلوماسية".
وأفادت تقارير بأنَّ وفداً استخباراتياً مصرياً يعمل على الأرض في إسرائيل وفلسطين، عزَّز مكانة مصر باعتبارها وسيط سلام.
وقال خالد عكاشة، عضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب في مصر، لوكالة Agence France-Presse، إنَّ "الوفد يتألف من مسؤولين في المخابرات وكان هناك منذ عدة أيام للتفاوض على وقف إطلاق النار".
وأعرب عكاشة، مدير المركز المصري للدراسات الاستراتيجية التابع للدولة، عن تفاؤله بشأن حدوث انفراجة.
وقف إطلاق النار عبر القاهرة
قال مايكل حنا، زميل قديم في معهد The Century Foundation البحثي في نيويورك: "لا بد أن تتدخل مصر، لا مجال لتجنب ذلك حرفياً وفعلياً".
ووجَّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي السلطات في الأسبوع الماضي بفتح الممر للسماح للجرحى من غزة بتلقي العلاج في المستشفيات المصرية وتوصيل المساعدات.
وقال حنا: "هذه فرصة للقول ليس فقط للولايات المتحدة، لكن للأطراف الإقليمية الأخرى، إنَّ مصر لا تزال مهمة، وإنها لاعب دبلوماسي ضروري وإنَّ اتفاق وقف إطلاق النار سيمر عبر القاهرة".
وأشار إلى أنَّ الدعم الشعبي للفلسطينيين في شوارع القاهرة شجَّع القيادة المصرية على تبني خط "أكثر صرامة وصراحة" ضد إسرائيل، على الرغم من معاهدة السلام لعام 1979.
وقال المحلل طارق باكوني إن: "مصر ليس لديها ضغط كافٍ على إسرائيل. فالعلاقة بينهما هي تحالف تحدد فيه إسرائيل ملامح الاستراتيجية العسكرية التي تعتقد أنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار".
وأضاف باكوني، الذي ألّف كتاباً عن حماس، أنَّ القاهرة تحقق توازناً بين التنسيق الاستخباري مع حماس وازدرائها لجماعة الإخوان المسلمين، التي أنجبت الحركة التي تتخذ من غزة مقراً لها.
وأوضح باكوني: "في عام 2021، لا ينظر نظام السيسي بالضرورة إلى حماس من المنظور نفسه، أي باعتبارها تهديداً لاستقراره".
وأشار إلى أنَّ الدوافع الجيوسياسية قادت مصر إلى تأجيل مؤقت لفتح حدودها مع غزة.
وقال: "استراتيجيتها شبيهة بالاستراتيجية الإسرائيلية"؛ وهي منع الانهيار التام "مع ضمان عدم ازدهار غزة وبقاء حماس محتواة فيها".