كيف فاجأ عدوان إسرائيل على الفلسطينيين بايدن الذي ركز جهوده على إحياء الاتفاق النووي؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/14 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/15 الساعة 19:03 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن - رويترز

الدعم الأمريكي لإسرائيل ليس محل خلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا، لكن هناك تباينات حادة في الموقف الأمريكي بشأن ما تشهده فلسطين حالياً من صراع دامٍ.

وعلى الرغم من صمت إدارة الرئيس جو بايدن على الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، وبخاصة في حي الشيخ جراح وباب العامود والمسجد الأقصى وهو ما نتج عنه إطلاق المقاومة صواريخها من غزة بعد تحذيرات متكررة، فإن مسؤولين سابقين في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وجهوا انتقادات عنيفة لإدارة بايدن.

آخر التطورات الميدانية

وتناول تقرير لمجلة Politico الأمريكية بعنوان "عالم ترامب يهاجم بايدن بينما ينتشر العنف في الشرق الأوسط"، تبادل الاتهامات بين معسكر ترامب ومعسكر بايدن بشأن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية بشكل عام، والموقف الأمريكي من دعم إسرائيل بشكل خاص.

وقبل أن نتوجه إلى واشنطن لرصد مواقف الأطراف المختلفة، نتوقف قليلاً مع آخر التطورات على الأرض، فنجد أن عدد الشهداء في قطاع غزة المحاصر قد ارتفع إلى 109 شهداء، بينهم 28 طفلاً، و15 سيدة، و621 مصاباً بعضهم بحالة الخطر، وذلك بحسب آخر إحصاء الجمعة 14 مايو/أيار، منذ بدأ العدوان الإسرائيلي على القطاع مساء الإثنين الماضي.

غزة مجزة إسرائيلية
مجزرة إسرائيلية جديدة في قطاع غزة/ الأناضول

وعلى الجانب الآخر، عاشت مدينة عسقلان ليلة استثنائية في تاريخ إسرائيل بعد تعرضها لهجمة صاروخية "هائلة" أطلقتها المقاومة الفلسطينية أسفرت عن وقوع إصابات مباشرة في المباني والمستوطنين، وحولت المدينة إلى ظلام بعد أن تسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء من المدينة.

الهجمات الصاروخية الهائلة التي أطلقتها كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس – جاءت رداً على القصف المدفعي غير المسبوق على منازل المواطنين شمال قطاع غزة ليلة الخميس، حيث قالت كتائب "القسام" إنها وجهت "ضربة صاروخية كبيرة بـ100 صاروخ لعسقلان المحتلة"، قرابة الساعة الثانية والنصف فجراً، وذلك "رداً على استهداف المدنيين الآمنين وقصف البنية التحتية والمنشآت المدنية".

معسكر ترامب ينتقد معسكر بايدن

وفي ضوء تصاعد الأحداث وتكثيف إسرائيل عدوانها على غزة والفلسطينيين في جميع الأنحاء وتكثيف الفصائل هجماتها الصاروخية التي تتسبب في أضرار غير مسبوقة لإسرائيل، يتبادل معسكرا ترامب وبايدن الاتهامات بشأن المتسبب – منهما – في خلق الظروف التي أدت لاندلاع الجولة الحالية من الصراع الدموي.

معسكر ترامب، من جانبه، يقول إن إدارة بايدن لا تقدم دعماً قوياً بما يكفي لتل أبيب وأن الإدارة قد اتبعت سياسة مبهمة وغير مفيدة في ملف الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بشكل عام.

وعبرت فيكتوريا كوتس مسؤولة سابقة في فريق الأمن القومي في إدارة ترامب عن ذلك بقولها لمجلة بوليتيكو إن "الإدارة الجديدة بالتأكيد لم تفعل شيئاً لمنع التصعيد والانطباع السائد الآن أنهم (إدارة بايدن) لا يتدخلون بجدية لوقف التصعيد. ولسوء الحظ، تمثل هذه (السياسة المبهمة) وصفة لمزيد من العنف".

ترامب يعاقب نائب جمهوري
الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب – رويترز

أما معسكر بايدن فيرد على تلك الاتهامات بالقول إن سياسات ترامب المتشددة في تقديم دعم أمريكي غير مشروط لإسرائيل أدى إلى تراكم الغضب وهو ما انفجر الآن بالصورة التي نراها.

وهذا ما عبر عنه مسؤول رفيع في إدارة بايدن للمجلة بقوله إن "أحداث الأسبوع الدرامية نتجت عن التوترات المتراكمة على مدى السنوات الماضية، وهو ما يجب أن يكون دليلاً قاطعاً على أن إدارة ترامب قد قامت بأي شيء على الإطلاق لتحسين الأمن والاستقرار في إسرائيل".

بيرني ساندرز ينتقد إسرائيل وبايدن

لكن الموقف الأمريكي الداعم بشكل عام لإسرائيل لا يمكن اختزاله حالياً في معسكري ترامب وبايدن، حيث من الصعب تصنيف المرشح الديمقراطي السابق وعضو مجلس الشيوخ الحالي بيرني ساندرز، على سبيل المثال، ضمن أي من المعسكرين.

صحيح أن ساندرز قطعياً لا يقع ضمن معسكر ترامب، لكنه أيضاً يوجه انتقادات حادة لإدارة بايدن الديمقراطية بسبب ما يقول إنه "دعم غير مشروط تقدمه واشنطن لحكومة يمينية في إسرائيل"، والإشارة هنا لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي يعتبر ساندرز واحداً من كثيرين يتهمون تلك الحكومة بالتسبب عمداً فيما وصلت إليه الأمور لأسباب سياسية لنتنياهو.

وقال ساندرز في تغريدة له عبر تويتر إن "الولايات المتحدة تدعم حكومة إسرائيلية يمينية، وإن دورها الحقيقي يجب أن يكون التقريب بين شعوب المنطقة، وليس ما تفعله الآن" من موقف منحاز تجاه الحرب في غزة، داعياً بايدن إلى التفكير في اختيار سفير أمريكي في إسرائيل يمكنه التعامل مع الفلسطينيين أيضًا وليس الإسرائيليين فقط.

وكان سفير ترامب في تل أبيب ديفيد فريدمان حليفاً لنتنياهو وصديقاً له ويعتبره الفلسطينيون إسرائيلياً أكثر منه أمريكياً، لذلك من الطبيعي أن يقول فريدمان الآن إن بايدن لا يقدم دعماً كافياً لإسرائيل، رغم أن إدارة بايدن التزمت الصمت التام منذ بدأ المستوطنون المتطرفون والشرطة الإسرائيلية – بتشجيع من نتنياهو – اعتداءات متكررة على الفلسطينيين في القدس المحتلة والمسجد الأقصى، ولم يصدر عن واشنطن أي بيانات بشأن تلك الاعتداءات التي وصفتها منظمات أممية بأنها ترقى لجرائم حرب.

وما أن بدأت الفصائل الفلسطينية في إطلاق الصواريخ من غزة رداً على العدوان الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى وتهديد أكثر من 30 ألف مستوطن باقتحام الأقصى، أصدرت واشنطن على الفور بيانات من البيت الأبيض والخارجية تندد بإطلاق الصواريخ وتؤكد ما سمّته "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، مثيرة انتقادات من بعض أعضاء الكونغرس وجميع المنظمات الحقوقية.

سياسة بايدن الغامضة وغير المجدية لأي طرف

لكن بشكل عام يبدو أن هناك ما يشبه الإجماع على أن إدارة بايدن على الأرجح كانت الطرف الوحيد الذي فوجئ بالحريق الذي أشعله نتنياهو أملاً في البقاء في منصبه، ويرجع عنصر المفاجأة بالأساس إلى تجاهل بايدن التام للقضية الأساسية في قلب صراعات الشرق الأوسط وهي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، مقابل تركيز ساكن البيت الأبيض الجديد على إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران.

وقد كان واضحاً منذ تولى بايدن منصبه خلفاً لترامب في يناير/كانون الثاني الماضي أن اهتمام الإدارة الجديدة مُنصب بشكل جوهري على الأوضاع الداخلية شبه المنهارة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وأن أي ملف في السياسة الخارجية لا ترى الإدارة أنه يصب بشكل مباشر في صالح أحد الملفات الداخلية ليس على رادار الإدارة على الأقل في عامها الأول.

وبالتالي وجد بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان أنفسهم في موقف أقرب إلى موقف المتفرج مما يجري على الأرض، وربما تكون تلك هي المرة الأولى التي تجد واشنطن نفسها فيها مضطرة لأن تطلب من حكومات المنطقة التدخل لتهدئة الأمور بعد أن بدا أن الولايات المتحدة قد فقدت نفوذها التقليدي بصورة واضحة في الملف الأهم في الشرق الأوسط.

حيفا عائلة فلسطينية
عناصر من القوات الإسرائيلية/رويترز

وقد تكون الدلالة الأبرز في هذا السياق ما صدر عن بلينكن عندما قال إن "العنف الحالي يجعل حل الدولتين أكثر صعوبة"، حيث إن مصطلح "حل الدولتين" الذي كان أحد أركان السياسة الخارجية الأمريكية الراسخة فيما يتعلق بالصراع في فلسطين، قد اختفى أو كاد أن يختفي بعدما أقدم عليه ترامب من قرارات كنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة والموافقة على ضم إسرائيل معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة.

فبايدن، وبعد مرور ما يقرب من أربعة أشهر من رئاسته، لم يعين سفيراً بعد للولايات المتحدة لدى إسرائيل أو لدى السلطة الفلسطينية ولم يختَر مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط يتولى ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ولم يتخذ أي قرار من شأنه أن يلغي ما أقدم عليه ترامب من إجراءات أحادية تخالف القانون الدولي وحتى السياسات الأمريكية نفسها.

وهذا ما عبرت عنه كوتس لبوليتيكو بقولها إنها لا تجد تفسيراً لعدم تعيين بايدن حتى الآن لأشخاص في تلك المناصب، حيث كان يمكن أن تكون لهم فائدة في هذه الأزمة.

الخلاصة هنا أن بايدن تجاهل الملف الأهم في الشرق الأوسط واتبع سياسة لا ملامح لها ففاجأته تصرفات نتنياهو التي أدت إلى هذا العدوان الإسرائيلي ورد المقاومة الفلسطينية ولا أحد يمكنه أن يتوقع كيف تنتهي هذه الأزمة.

تحميل المزيد