إلى أكوام من الركام، تحولت أبراج وأبنية سكنية كبيرة في قطاع غزة، بفعل القصف الإسرائيلي العنيف والمستمر.
ويقول خبراء، في أحاديث منفصلة لـ"الأناضول"، إن إسرائيل تسعى إلى كسب المعركة سريعاً، وكسر إرادة المقاومة، فيما عدها خبير قانوني "جرائم حرب".
ودمر الجيش الإسرائيلي، خلال الـ24 ساعة الماضية، 3 أبراج سكنية في قطاع غزة، بعد استهدافها بعدد من الصواريخ.
وكان آخر تلك الأبراج، برج "الشروق" الذي يتكون من 14 طابقاً، ويقع في شارع عمر المختار، وسط مدينة غزة.
ويضم برج "الشروق" المستهدف شققاً سكنية، وعدداً من مكاتب الشركات والمؤسسات الصحفية العاملة في غزة.
وفجر الأربعاء، دمرت الطائرات الإسرائيلية أجزاء كبيرة من برج "الجوهرة" في شارع الجلاء وسط مدينة غزة.
ويتكون برج "الجوهرة" المكون من 9 طوابق، وأدى قصفه إلى أضرار كبيرة في المنشآت القريبة منه، والذي يضم شققاً سكنية وعدداً من المكاتب.
ومساء الثلاثاء كذلك، دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية برج "هنادي"، غرب مدينة غزة، وسوّته كاملاً بالأرض.
وردت فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب "القسام" و"سرايا القدس"، على استهداف الأبراج السكنية في غزة، باستهداف مدينة تل أبيب بعشرات القذائف الصاروخية، ما أدى إلى حدوث أضرار ووقوع إصابات لدى الجانب الإسرائيلي.
رفع فاتورة المعركة
ويرى مراقبون أن "سياسة" استهداف الأبراج تسعى إسرائيل من خلالها إلى ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية، ورفع فاتورة المعركة، وحسمها سريعاً.
وليست السياسة الإسرائيلية تلك جديدة برأي متابعين، بل كانت الأبراج في غزة ضمن الأهداف الإسرائيلية خلال مختلف الحروب السابقة على القطاع.
وقال العميد رفيق أبوهاني، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، لـ"الأناضول"، إن "إسرائيل تولغ في الدم الفلسطيني منذ بدء احتلالها عام 1948، ولا تبالي بأي شيء، مقابل صمت دولي غير مسبوق".
وأردف أن "مسألة قصف الأبراج ليست أمراً جديداً، بل إن عقيدة الاحتلال العسكرية مبنية على العدوان، وكان مشهد قصف الأبراج حاضراً عام 2014، في رسالة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة".
ولفت إلى أن "الاحتلال يحاول إخماد النار عبر قصف الأبراج وكسر إرادة المقاومة عبر الضغط على المدنيين، وإرهاق وإضعاف الجبهة الداخلية للضغط على المقاومة لتعلن الاستسلام".
وأشار إلى أن إسرائيل تحاول "كسر إرادة المقاومة عبر القتل والتدمير".
لكن أبوهاني استدرك بالقول إن الاحتلال "لن يحسم المعركة بهذه الطريقة، والمقاومة حددت أهدافها منذ البداية بوقف انتهاكات الاحتلال في القدس".
الضغط على المقاومة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عمر جعارة أن استهداف إسرائيل للأبراج والبنايات المدنية بغزة ينطوي على تحقيق عدة أهداف.
واعتبر في حديثه للأناضول أن "أول الأهداف هو الضغط على المقاومة عبر تأليب المدنيين، وخلق شريحة متضررة من العمل المقاوم، وطبقة معادية له".
وبين أن الهدف الثاني هو "الادعاء أن الأبراج تضم قطاعات لها علاقة بدعم المقاومة، من ناحية وسائل الإعلام وغيرها".
وأضاف: "أما الهدف الثالث فهو الادعاء أن الأبراج تخفي تحتها منصات صواريخ أو قواعد تابعة للمقاومة، لتبرير قصفها، برغم يقينها عدم وجود ذلك".
وأشار جعارة إلى أن "توجه إسرائيل للأهداف المدنية يثبت أنها لا تملك بنك أهداف للقواعد الصاروخية والعسكرية، وهو من أكبر الأدلة على فشل إسرائيل في مقارعة المقاومة".
وشدد المحلل السياسي على أن "قصف الأبراج مؤشر على أن إسرائيل معنية بوقف إطلاق النار، لكنها لا تريد الخروج من المعركة إلا باليد العليا، وبصفة المنتصر".
جريمة حرب
بدوره، اعتبر أستاذ القانون الدولي حنا عيسى أن "قصف الأبراج جريمة حرب واضحة في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949".
وقال لـ"الأناضول": "ما يتم في غزة جريمة تقع في نص المادة الخامسة من ميثاق روما، وانتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني الذي وُجد لحماية السكان الواقعين تحت الاحتلال وممتلكاتهم".
ورأى عيسى أن "استهداف الأبراج يمثل جريمة مركّبة من 4 اشكال، فهي جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، وهي إبادة جماعية، وعدوان".
ولفت إلى أن إسرائيل تسعى، من خلال ذلك، إلى "ترهيب وتخويف المواطنين الآمنين وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، بصورة تتجلى فيها همجيتها".
ومتفقاً مع عيسى، اعتبر شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق (مقرها رام الله)، أن "استهداف الأبراج السكنية جريمة حرب لا يمكن تبريرها، خاصة أن إسرائيل أعلنت وبقرار رسمي أنها ستستهدفها".
وتابع للأناضول: "منطق الانتقام أو الاقتصاص من السكان هو جريمة حرب، خاصة أن البنايات مدنية ومعروفة في استخداماتها ودورها".
ولفت جبارين إلى أن "إسرائيل قد تحاول تبرير القصف بالضرورات الأمنية أو العسكرية، لكن كل ذلك سيكون حديثاً فارغاً لا مضمون له".
وبين أن "استهداف الأبراج في غزة جزء من القضية المرفوعة إلى المحكمة الجنائية الدولية ضمن جرائم الحرب المتعلقة بحرب عام 2014 ضد غزة".
والأربعاء، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، في مستهل اجتماع طارئ لحكومته، إن "آلة الحرب الإسرائيلية ترتكب جرائم حرب في قطاع غزة".
وأضاف: "كلما أعدنا إعمار غزة يتم تدمير الجزء غير المدمر فيها".
وأشار إلى أنه يعمل بتوجيهات من الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوقف العدوان الإسرائيلي، عبر التواصل مع عدد من الجهات الدولية.
ومنذ الإثنين، استشهد 65 فلسطينياً، بينهم 16 طفلاً و5 سيدات ورجل مسن، وأصيب أكثر من 1000 بجروح، جراء غارات إسرائيلية "وحشية" متواصلة على قطاع غزة، إضافة إلى مواجهات بالضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، وفق مصادر فلسطينية رسمية. فيما قُتل 6 إسرائيليين في قصف صاروخي شنته فصائل من غزة.