مع تصاعد الأحداث في فلسطين خلال الأيام الماضية دخلت حركات المقاومة على خط الأزمة وقصفت بلدات إسرائيلية بعدد من الصواريخ بعد تهديد من قبل قادتها العسكريين لأجل سحب المستوطنين من القدس لكن دون جدوى من قبل تل أبيب ما تسبب في توتر الوضع الحالي.
الاشتباك الذي فعلته حركات المقاومة في قطاع غزة مع الحدث دفع البعض للتساؤل عن السبب وراء إقدام حماس وغيرها من الفصائل المسلحة على الدخول في المعركة في الوقت الذي كان المقدسيون يدافعون وحدهم في القدس. فهل كان الأولى إبقاء الاحتجاجات والتظاهرات السلمية في داخل الخط الأخضر دفعاً عن المسجد الأقصى أم تطور الأوضاع عسكرياً؟
حماس وباقي حركات المقاومة المسلحة لم تأخذ وقتاً طويلاً للرد على هذه التساؤلات بل جاءت الإجابة على لسان قادتها العسكريين والسياسيين أن القدس خطاً أحمر ولا يمكن أن تتجاوزه إسرائيل وعليها عدم استفزاز باقي الشعب الفلسطيني، لكن تل أبيب لم تعِ رسالة محمد الضيف، قائد الجناح العسكري لحركة حماس، الذي توعد بالرد العسكري وأعقب تصريحَه تصريحٌ مماثل لأبوعبيدة المتحدث العسكري باسم القسام.
التدخل العسكري من قبل الفصائل المسلحة لتخفيف الضغط على سكان الداخل الفلسطيني قوبل بترحيب كبير من قبل فلسطينيي الخط الأخضر الذي هتفوا للقسام وباقي الحركات المسلحة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل اندلعت المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مدينة اللد التي فرضت فيها السلطات الإسرائيلية حظر التجوال لأول مرة منذ عقود.
هذه الأحداث رفعت بشكل كبير من رصيد حركات المقاومة في غزة لدى الشارع الفلسطيني، وأيضاً جعلت إسرائيل لأول مرة في تاريخ الصراع مع الفلسطينيين تقف في موقف رد الفعل وليس المبادر.
وبصرف النظر عما ستنتهي إليه جولة القتال الحالية فإن الفصائل الفلسطينية في غزة ترى أنها تمكنت بالفعل من تحقيق عددٍ من الإنجازات، خاصة فيما يتعلق بتسجيل نقاط تكفل لها مزيداً من التأييد بين الجمهور الفلسطيني، كما يرصد تقرير لجيروزاليم بوست العبرية.
فما المكاسب التي حققتها الفصائل الفلسطينية بعد التصعيد الأخير؟
أولاً، نجحت الفصائل المسلحة في الاستفادة من الاحتجاجات المندلعة بين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس منذ بداية شهر رمضان المبارك.
إذ بجانب أهدافها الأصلية، تحولت الاحتجاجات المشتعلة على حواجز الشرطة الإسرائيلية عند باب العمود، والفعاليات الجارية لمقاومة الإجلاء المخطط لعدد من العائلات الفلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جرَّاح، ومواجهة اقتحامات اليهود لحرم المسجد الأقصى الشريف، إلى مظاهرات حاشدة في دعم حركة حماس ورفاقها من فصائل المقاومة.
وعندما أصدر أبوخالد محمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، تهديده لإسرائيل بسبب حملتها على أهالي حي الشيخ جرَّاح، تعالت الهتافات بين عديد من الفلسطينيين في القدس بترديد شعارات الإشادة به وبموقف الحركة.
ثانياً، أمكنَ قرارُ حماس وباقي الفصائل بإطلاق الصواريخ على القدس المحتلة يوم الإثنين 10 مايو/أيار الحركةَ من إبراز صورتها بوصفها حركة "مقاومة" ذات مصداقية وعزمٍ على فعل أي شيء لدعم الفلسطينيين في القدس، ومنع إسرائيل من تنفيذ مخططها الرامي إلى "تهويد" المدينة" و"تغيير الوضع القانوني والتاريخي" القائم في المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف.
ثالثاً، تبدو حركات المقاومة الآن في نظر العديد من الفلسطينيين على أنها الفصيل الفلسطيني الوحيد المستعد للوقوف ضد إسرائيل لـ"الدفاع" عن ثالث الأماكن المقدسة، و"التصدي" للمؤامرات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، لا سيما أن كلَّ ذلك يأتي في وقتٍ لم تتجاوز ردود فعل السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية حدَّ التشدق بالكلام حول حماية المسجد الأقصى والفلسطينيين في القدس المحتلة، دون بادرة فعل أو تحرك.
رابعاً، بعدما ربطت حركات المقاومة نفسها بالاحتجاجات الجارية في القدس، لفتت الانتباه أكثر فأكثر إلى مدى عجز رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن التعامل مع الأزمة. ومن ثمَّ، يبدو عباس الآن لدى عديد من الفلسطينيين زعيماً ضعيفاً فشل في وقف "العدوان" الإسرائيلي على المسجد الأقصى والقدس.
ويزيد على ذلك، أن كثيراً من الفلسطينيين أخذوا يهاجمون رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر 85 عاماً وينددون بالتنسيق الأمني المستمر بين قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. وهكذا، عبر الاحتجاجات عند باب العمود وفي حي الشيخ جرَّاح ولدى الحرم القدسي، تعالت هتافات العديد من الفلسطينيين بشعارات الإدانة لرئيس السلطة باعتباره "عميلاً" للولايات المتحدة، و"متعاوناً" مع سلطة الاحتلال.
خامساً، مكَّنت الجولة الأخيرة حركةَ حماس من العودة إلى مركز الصدارة، حيث يبذل الوسطاء المصريون والقطريون والأمم المتحدة جهود التفاوض معهم للتوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار بين فصائل المقاومة وسلطة الاحتلال الإسرائيلي.
ماذا كسبت سياسياً أيضاً؟
وبينما يقول عباس والسلطة الفلسطينية إنهما يعملان مع عديد من الأطراف الدولية لإنهاء الهجوم على قطاع غزة، فإن قادة حماس، خالد مشعل وإسماعيل هنية، هم أيضاً يتلقون الاتصالات من زعماء العالم من أجل محاولة التوصل إلى هدنة جديدة.
ينظر منتقدو حماس إلى تحركاتها الدبلوماسية على أنها علامة أخرى تؤكد أن للفلسطينيين قيادتين منفصلتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما يقول هؤلاء إن تلك الجهود تأتي في سياق سعي حماس لإبراز شرعيتها على الساحة الدولية.
وفي هذا السياق، يُذكر أن قرار عباس في أواخر أبريل/نيسان بتأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية الفلسطينية، التي كان من المقرر عقدها في 22 مايو/أيار و31 يوليو/تموز على التوالي، حرمَ حماس من فرصة إظهار مدى قوتها والتأييد لها من خلال صناديق الاقتراع.
لكن أحداث الأسابيع القليلة الماضية أتاحت لحركة حماس الإبانة للجميع أنها لا تزال طرفاً رئيسياً في الساحة الفلسطينية وأنها تحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين.
كانت حماس تخطط لخوض الانتخابات البرلمانية بقائمة تحمل شعار "القدس موعدنا". ومن ثم، فهي كانت تأمل في جعل القدس الموضوعَ الرئيسي لحملتها الانتخابية وإبراز نفسها على أنها "المدافع" عن المسجد الأقصى، وتجديد الوعود بمواصلة القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي "حتى تحرير القدس".
تتفاخر حماس الآن بأنها الطرف الفلسطيني الوحيد الذي أوفى بعهده بالرد على إسرائيل إذا استمرت في حملاتها القمعية في القدس. والرسالة التي ترسلها حماس للفلسطينيين من ذلك هي أن "(القدس موعدنا) ليست مجرد شعار فارغ".
من جهة أخرى، وبعد أن أعلن عباس قراره بتأجيل الانتخابات متذرعاً برفضِ إسرائيل السماح بإجراء التصويت في القدس، دعت حماس الفلسطينيين إلى تصعيد "المقاومة الشعبية" ضد إسرائيل، لا سيما في القدس الشرقية والضفة الغربية.