كيف جندت الصين صحفيين في 5 قارات لتحسين صورتها التي تضررت بسبب كورونا والإيغور

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/11 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/11 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ

بعد تفشي جائحة كورونا بشكل كبير في الصين وقبل انتشارها في العالم، عمدت بكين إلى سياسة تتسق مع توجهاتها الشمولية، وهي إخفاء الحقيقة عن أعين العالم بكل الطرق، وكان أهمها الإعلام.

قبيل إغلاق الحدود العالمية في خريف عام 2019، قررت جمعية الصحفيين الدوليين حشد أعضائها حول موضوع ظل يُطرَح في المحادثات غير الرسمية: ماذا تفعل الصين؟

ووجدت الجمعية إجابة نطاقها مذهل، فقد دُعِيَ الصحفيون من دول صغيرة مثل غينيا بيساو لتوقيع اتفاقيات مع نظرائهم الصينيين، وفي صربيا وزعت الحكومة الصينية نسخاً من جريدتها الدعائية China Daily باللغتين الإنجليزية والصربية، لتروي قصة الكارثة، ولكن بطريقتها.

استراتيجية الصين الإعلامية

وقدَّر صحفي فلبيني أنَّ أكثر من نصف القصص المنشورة على إحدى وسائل الإعلام الفلبينية جاءت من وكالة أنباء شينخوا الحكومية الصينية. إضافة إلى ذلك، جمعت مجموعة إعلامية كينية الأموال من مستثمرين صينيين، ثم أقالت صحفياً لديها لأنه كتب عموداً عن قمع الصين لأقلية الإيغور. وواجه صحفيون في بيرو انتقادات شديدة على الشبكات الاجتماعية من مسؤولي الحكومة الصينية المناوئين.

وتبيَّن أنَّ الصين تتبنى في كل بلد استراتيجية واسعة ومتنوعة، التي وصفها البعض بأنها برزت كحالة شاذة غريبة على الوضع المحلي، لخلق بديل لوسائل إخبارية عالمية تهيمن عليها منصات إخبارية مثل هيئة BBC البريطانية وشبكة CNN الأمريكية، ولضخ المال والنفوذ والمنظور الصيني في وسائل الإعلام في كل بلد تقريباً في العالم، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

لكن الدراسة أثارت سؤالاً واضحاً: ما الذي تخطط الصين لفعله بهذه القوة الجديدة؟

وتأتي الإجابة في تقرير ثانٍ، من المقرر إصداره يوم الأربعاء، 12 مايو/أيار، من الاتحاد الدولي للصحفيين، وهو اتحاد نقابات الصحفيين عالمياً ومقره بروكسل، الذي تمنحه مهمته نظرة شاملة على وسائل الإعلام الإخبارية في كل مكان تقريباً. واستعانت المجموعة بمؤلفة التقرير الأول لويزا ليم، لاستجواب الصحفيين في 54 دولة. وكتبت لويزا ليم في التقرير "تكشف المقابلات عن تفعيل للبنية التحتية الإعلامية القائمة التي أنشأتها الصين على الصعيد العالمي، ومع بدء انتشار الوباء استخدمت بكين بنيتها التحتية الإعلامية على مستوى العالم، لغرس بذور روايات إيجابية عن الصين في وسائل الإعلام الوطنية، فضلاً عن حشد المزيد من التكتيكات الجديدة مثل المعلومات المضللة".

الصين احتيال نصب
المحتال الصين ألقي عليه القبض بعد نصبه على 20 امرأة / موقع "أوديتي سينترال"

ولا يعد التقرير كشفاً لمؤامرة سرية بقدر ما هو توثيق لتحول مستمر في القوة العالمية، إلى جانب أنَّ استراتيجية الصين الإعلامية ليست سراً، فقد قالت الحكومة الصينية نفسها إنَّ حملتها لا تختلف عمَّا تفعله القوى الكبرى منذ أكثر من قرن.

ووجد التقرير أنَّ الجولة المكثفة للدبلوماسية الصينية خلال الوباء رافقتها حملة إعلامية جديدة، حين قدمت بكين معدات وقائية في البداية، ثم لقاحات لدول في جميع أنحاء العالم، وكل ذلك أثناء السعي لضمان عرض أشياء مثل منشأ الوباء ودبلوماسية الصين في أفضل صورة ممكنة. وقال صحفيون إيطاليون إنهم تعرضوا للضغط لعرض خطاب عيد الميلاد الذي ألقاه الرئيس شي جين بينغ، وزُوِّدوا بنسخة مترجمة إلى الإيطالية. وفي تونس قدمت السفارة الصينية معقمات أيد وأقنعة لنقابة الصحفيين، ومعدات تلفزيونية باهظة الثمن، ومحتوى مجانياً مؤيداً للصين للإذاعة الحكومية.

وتتداخل كل من الحملات الإعلامية واللقاحات مع حملة الاستثمار العالمية "الحزام والطريق" في الصين، التي يأتي فيها الدعم الصيني مصحوباً بشروط، بما في ذلك الديون وتوقعات بالدعم في التصويتات المهمة في الأمم المتحدة.

كيف تضررت صورة الصين بسبب قمع الإيغور؟

تخوض الصين ما يمكن اعتبارها معركةً شاقةً من بعض النواحي، فقد تضررت صورتها عالمياً بسبب استبدادها المتزايد، ومعاملتها للإيغور، وقمعها للمعارضة في هونغ كونغ، ووفقاً لاستطلاعات أخرى حدث هذا حتى قبل بدء الوباء من ووهان. وقد بدأت بعض الحكومات في تصعيب الأمور على وسائل الإعلام الحكومية الصينية للعمل في بلدانها؛ إذ ألغت هيئة تنظيم وسائل الإعلام البريطانية ترخيص هيئة البث الصينية الرئيسية، لكن الكثير من الدبلوماسية الصينية تركز على الأماكن التي رغم أنها قد لا تكون على نفس قدر القوة الثقافية أو المالية للدول الأوروبية، فإنها تمتلك حق التصويت في الأمم المتحدة، وبينما يبدو أنها غالباً ما تكون ارتجالية وتنطلق من السفارات المحلية، تُحدِث جهود الصين تأثيرات عالمية.

وعند الحديث إلى الصحفيين في القارات الخمس الذين شاركوا في التقرير، تراوحت مواقفهم من القلق من ضغوط الحكومة الصينية العلنية إلى الثقة في قدرتهم على التعامل مع ما اعتبروه مجموعة مصالح أخرى في مشهد إعلامي فوضوي ومعقد.

وفي بيرو، حيث الحكومة صديقة للصين وحصلت الشخصيات السياسية القوية على حق الوصول المبكر إلى لقاح صيني الصنع، قالت زوليانا لينيز، الأمينة العامة لرابطة صحفيي بيرو الوطنية: "ما يلفت الانتباه حقاً هو التواجد المتكرر (للصين) في وسائل الإعلام الحكومية". وشبَّهت وكالة الأنباء البيروفية الحكومية وصحيفة El Peruano التي تسيطر عليها الدولة بـ"كاتبي اختزال تابعين للسفارة الصينية".

الصين مسلمات الإيغور واشنطن
اضطهاد الصين أقلية الإيغور لم يتوقف أصلا / رويترز

في غضون ذلك، دفعت السفارة الصينية لتحديث تكنولوجيا بعض غرف التحرير، حسبما أفادت زوليانا، منوهة: "يجب النظر إلى هذه الأنواع من الأشياء بقلق، فهي لا تأتي دون مقابل".

لكن ليس كل الصحفيين الذين يتابعون اهتمام الصين المتزايد بوسائل الإعلام العالمية ينظرون إليها نظرة مشؤومة للغاية. فمن جانبه، قال نائب مدير وكالة الأنباء الإيطالية أنسا، ستيفانو بولي، إنه رأى الصين تستخدم وسائل الإعلام "ليكون لها تأثير أكبر في التوازن الجيوسياسي الجديد"، لكنه دافع عن عقد تقديم خدماته لترجمة وتوزيع أنباء شينخوا -التي انتقدها تقرير الصحفيين الدوليين- باعتبارها ترتيباً تجارياً عادياً.

إضافة إلى ذلك، شنت الصين حملة قمع ضد المراسلين الأجانب داخل حدودها؛ ما جعل المنافذ الدولية يزداد اعتمادها على الحسابات الرسمية. وترفض أيضاً منح التأشيرات للصحفيين الأمريكيين، بما في ذلك العاملون بمكتب صحيفة The New York Times. وقال لوكا ريغوني، وهو مذيع بارز في قناة تلفزيونية مملوكة لشركة Mediaset الإيطالية، إنَّ مؤسسته الإخبارية ليس لديها مراسل خاص بها في البلاد، لكن لديها عقد رسمي مع وسائل الإعلام الحكومية الصينية لتقديم تقارير من داخل الدولة الآسيوية، لكن التعاون توقف، بعدما قدم تقريراً عن نظرية تسرب الفيروس من مختبر صيني.

لكن ريغوني قال إنه لا يعتقد أنَّ مزيج الصين من وسائل الإعلام وسلطة الدولة فريدٌ من نوعه. وأكد أنها "ليست الدولة الوحيدة التي تسيطر فيها الحكومة أو البرلمان على البرامج التلفزيونية والإذاعية الرئيسية".

هل نجحت محاولات بكين؟

من جانبه، قال الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين، أنتوني بيلانجر، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إنَّ وجهة نظره للتقرير هي أنه في حين أنَّ "الصين قوة متنامية في حرب المعلومات، فمن الضروري أيضاً مقاومة مثل هذه الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وروسيا وحكومات أخرى حول العالم".

لكن من الواضح أي من هذه الحكومات هي الأكثر التزاماً بهذه الحملة في الوقت الحالي، فقد وجد تقرير في العام الماضي، أعدته منظمة Freedom House الأمريكية غير الربحية التي تدافع عن الحرية السياسية، أنَّ بكين تنفق "مئات الملايين من الدولارات سنوياً لنشر رسائلها إلى الجماهير في جميع أنحاء العالم".

ويجادل آخرون بأنَّ ما يرفضه الصحفيون باعتباره دعاية هواة أو ترويجاً واضحاً لا يزال له تأثير. قالت إيرين باغوت كارتر، الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا، إنَّ بحثها وجد أنَّ المؤسسات الإخبارية الأمريكية التي قَبِل صحفيوها رحلات رسمية إلى الصين "تحولت في وقت لاحق من تغطية المنافسة العسكرية إلى تغطية التعاون الاقتصادي".

الرئيس الصيني شي

وفي حديث إلى الصحفيين من جميع أنحاء العالم، الأسبوع الماضي، حول النفوذ الصيني، كان من المدهش أيضاً ما لم يتحدثوا عنه؛ ألا وهي: الولايات المتحدة. عندما نكتب ونتحدث عن التأثير الصيني في الولايات المتحدة، غالباً ما يكون ذلك في سياق صراع عالمي عملاق مُتخيَّل بين دولتين عظميين ونظامين حكوميين. لكن من إندونيسيا إلى بيرو إلى كينيا، وصف الصحفيون شيئاً يوجد في جانب أقوى منه في الآخر، وهو الجهد الحازم لبناء النفوذ ونشر الرواية الخاصة من جانب الصين.

وهنا، علَّقت لويزا ليم قائلة: "الأمريكيون منعزلون تماماً ويعتقدون دائماً أنَّ كل شيء يتعلق بالولايات المتحدة. وغالباً ما لا ينظر الأمريكيون والعالم الغربي إلى ما يحدث باللغات الأخرى خارج اللغة الإنجليزية، ويميلون إلى الاعتقاد بأنَّ هذه القيم التي تتمحور حول الغرب تنطبق في كل مكان".

تحميل المزيد