“بلوك للرئيس”.. مَن الزعيم القادم الذي قد يجمد فيسبوك حسابه على غرار ترامب؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/06 الساعة 23:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/06 الساعة 23:50 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب - رويترز

من سيكون رئيس الدولة التالي الذي يمكن أن يجمد فيسبوك حسابه كما فعل مع دونالد ترامب، أو على الأقل من الرئيس الذي يستحق ذلك؟ وهل يستطيع فيسبوك أن يفعلها مجدداً أم أنه فعل ذلك مع ترامب لأنه خسر الرئاسة؟

وأيد مجلس الرقابة على فيسبوك الذي يوصف بأنه مستقل، في توصية تاريخية، قرار الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، تعليق حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أصدره قبل أربعة أشهر، ولكن المجلس اقترح فرض تعليق محدد بمدى زمني لمدة أربعة أشهر بدلاً من التعليق لأجل غير محدد، الذي صدر من الشركة.

وترقب الساسة حول العالم هذا القرار باهتمام، إلى جانب باحثي الشبكات الاجتماعية وغيرها من شركات التكنولوجيا، التي حظرت حسابات ترامب أيضاً، في يناير/كانون الثاني، بالنظر إلى تأثيراته الكبيرة على قواعد التعامل على الشبكات الاجتماعية، خاصة مع الحكومات والجيوش وقادة الدول.

وكان فيسبوك هو نفسه الذي أحال مسألة ترامب إلى المجلس، فيما بدا أنه محاولة للبحث عن دعم لقراره حظر حساب الرئيس الأمريكي السابق والذي جاء إثر إشادة ترامب بمقتحمي الكونغرس، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

تأثير  القرار سيكون عالمياً

واقع الأمر أن تأثير القرار الذي اتخذه مجلس رقابة فيسبوك، لن يقتصر مداه على حدود الولايات المتحدة. 

فهذا القرار في الأساس عالميٌّ بطبيعته. إذ إن ترامب ليس الرئيس الوحيد في العالم المتهم بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ ومن ثم فقضيته تشكِّل حالة اختبار لكيفية تعامل فيسبوك مع القادة السياسيين المخالفين بالمستقبل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

كما أن قرارات فيسبوك سيكون لها تأثير على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل تويتر، خاصةً أن فيسبوك كان متهماً بأنه أكثر تحفظاً في التصدي لخروقات ترامب.

وقالت اللجنة التي تقود مجلس الرقابة على فيسبوك: "لقد لاحظ المجلس أن رؤساء الدول وغيرهم من كبار المسؤولين في الحكومة يمكن أن يتمتعوا بسلطة أكبر للتسبب في ضرر عن غيرهم".

الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ - رويترز
الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ – رويترز

وأضافت اللجنة قائلة: "إذا قام رئيس دولة أو مسؤول حكومي كبير بنشر رسائل متكررة تنطوي على خطر حدوث ضرر بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فيجب على فيسبوك تعليق الحساب لفترة كافية؛ للحماية من الضرر الوشيك. يجب أن تكون فترات التعليق طويلة بما يكفي لردع سوء السلوك، وقد تتضمن في الحالات المناسبة حذف الحساب أو الصفحة".

وقال نائب رئيس الشؤون العالمية والاتصالات في فيسبوك، نيك كليج، إن "الشركة ستراجع التوصيات التي قدمها المجلس، وتقرر إجراءً واضحاً ومتناسباً بشأن حساب ترامب، كما ستراجع التوصيات الأخرى بعناية رغم إشارته إلى أنها ليست ملزمة".

أبرز قادة الدول المرشحين للتعرض لإجراء مماثل

تقول هايدي بيريتش، كبيرة مسؤولي الاستراتيجيات في "المشروع العالمي لمكافحة الكراهية والتطرف"، إن قرار مجلس الرقابة سيطال تأثيره الدول التي "شهدت عنفاً منهجياً، لأن قادتها -أشخاص مثل ناريندرا مودي [في الهند]، وأشخاص مثل رودريغو دوتيرتي [في الفلبين] وغيرهم- قد استغلوا الثغرات ذاتها التي وفَّرها فيسبوك للرئيس الأمريكي ترامب منذ عام 2015".

وفي الاجتماع نفسه الذي عُقد يوم الأربعاء 5 مايو/أيار، لمجلس الإشراف غير الرسمي على موقع فيسبوك، وتداعت فيه انتقادات خبراء رصد التطرف لعملاق التكنولوجيا، أيَّدت ماريا ريسا، وهي صحفية فلبينية بارزة ومشاركة في تأسيس موقع Rappler الإخباري، ما قالته بيريتش، وأضافت: "نحن نبحث عن حلول منهجية تمنع الإفلات من العقاب" على تلك المخالفات.

اقتراح بتعيين موظفين لتقييم خطابات قادة العالم

وفي خطوة مهمة أخرى، أوصى المجلس بأنْ تعمد شركة فيسبوك إلى تعيين "موظفين على دراية بالسياق اللغوي والسياسي"؛ لتقييم الخطابات التي ينتهجها قادة العالم ولغتهم.

وقال المجلس في بيانه، إن "هؤلاء الموظفين يجب عزلهم عن أي تدخل سياسي أو اقتصادي، وكذلك عن أي ضغوط لا مسوِّغ لها".

بيد أن هذا الاقتراح قد يتسبب في مشكلات لا تنتهي لشركة فيسبوك، حسبما ترى The Washington Post .

فالعادة تاريخياً، أن شركات التواصل الاجتماعي كانت تنتهج الحذر حيال أي دخول في مجادلات سياسية بأي مكان، ويشمل ذلك الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، فإنَّ تتبُّع القضايا الخلافية والحكم عليها يصبحان أعقد بكثير إذا كان الأمر يتعلق بدول أجنبية، ذات لغات وتاريخ وثقافات مختلفة.

القتل بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي، وفيسبوك يخشى هؤلاء الرؤساء

وأبرز مثال على الدور المثير للجدل لـ"فيسبوك"، هو ما كشفت عنه أعمال العنف ضد الروهينغا في ميانمار والتي بدأت منذ عام 2017، ودور موقع فيسبوك في انتشار خطاب الكراهية والتحريض عليه، وما أسفر عنه ذلك من عواقب وخيمة على أرض الواقع. 

ومع ذلك، فإنَّ وقف انتشار هذا الخطاب يتطلب اتخاذ قرارات معقدة عن طريق وسطاء مهرة وعلى اطلاع بحقائق الأوضاع الجارية على الأرض، وهو ما اعترف به زوكربيرغ نفسه في تصريحات عامة.

وإذا كان الأمر يتعلق بقادة العالم، فإن قائمة أولئك الذين تربطهم علاقة مثيرة للجدل باستخدام فيسبوك، تشمل أشخاصاً وكيانات كثيرة غير ترامب، وفقاً لتقرير The Washington Post.

فإضافة إلى مودي الهندي ودوتيرتي الفلبيني، دخل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو وحكومة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أيضاً في عداوات مع الشركة.

ومع ذلك، لم يضغط فيسبوك على هؤلاء القادة إلا على نحو متقطع، وغالباً ما واجه فيسبوك ردود فعل على أي موقف يُظهره

حظر ترامب تم بعد خسارته الانتخابات، ولكنهم سبق أن فعلوها لشهر مع رئيس آخر

وعلى الرغم من أن فيسبوك وتويتر حظرا ترامب في النهاية من منصتيهما، فإنهما لم يتمكنا من فعل ذلك إلا بعد خسارته الحاسمة في انتخابات 2020 الرئاسية واتهامه بالتحريض على اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي.

وقد كان ترامب أول زعيم عالمي والوحيد حتى الآن الذي يُوقف حسابه نهائياً، وإن كان موقع فيسبوك قد فرض حظراً لمدة شهر على حساب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في مارس/آذار، بعد اتهامه بنشر معلومات مضللة عن فيروس كورونا. كما حظر الموقع وصول جيش ميانمار إلى حساباته على شبكة التواصل الاجتماعي بعد أن أطاح بالقادة المنتخبين للبلاد في انقلاب 1 فبراير/شباط 2021.

وثمة جانب آخر يتعلق بتأثير هذه الخلافات بين موظفي فيسبوك، فقد تسبب الامتناع الملحوظ عن اتخاذ إجراءات أحياناً في حدوث انشقاقات. وقد ورد أن أحد الموظفين استقال هذا العام احتجاجاً على رفض فيسبوك إزالة تعليقات أدلى بها بولسونارو البرازيلي في يناير/كانون الثاني 2020 عن السكان الأصليين، والتي قال الموظف إنها تشكل "خطاباً ينزع عنهم إنسانيتهم"، لكن مسؤولي سياسات فيسبوك قالوا إنها ليست كذلك.

الهند تجبر فيسبوك على حظر المعارضين، ودول أخرى تحاول تقييده

وعلى نحو آخر، تمكنت بعض الحكومات من التلاعب بشركات التواصل الاجتماعي العملاقة وجعلها تعمل في خدمة مصالحها. ويأتي في الصدارة حكومة الهند، التي عمدت إلى استخدام القوانين المحلية لإجبار موقع فيسبوك وشركات التواصل الاجتماعي الأخرى على إزالة منشورات للمعارضين للنظام الحاكم. وفي الشهر الماضي، فرض موقع فيسبوك حظراً مؤقتاً على وسم كان يدعو إلى استقالة مودي.

https://twitter.com/sivavaid/status/1389922265693835268

والحق أن شركات التواصل الاجتماعي لديها أسباب وجيهة أيضاً للقلق بشأن رد الفعل السياسي على قراراتها (خاصةً الحظر أو التجميد أو حذف منشورات).

فبعد حظر ترامب من موقعي فيسبوك وتويتر في يناير/كانون الثاني، اقترحت حكومتان على الأصل -إحداهما يسارية بالمكسيك والأخرى يمينية في بولندا- إقرارَ سياسات للحد من نفوذ هذه الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي.

ولم تنحصر هذه المخاوف بين الحكام الشعبويين، فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت أيضاً وقتها، إن التعليق الدائم لحسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالرئيس الأمريكي ترامب يعدُّ قيداً "إشكالياً" على حرية التعبير، وفقاً لمتحدث رسمي باسمها.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس وزراء الهند ناريندا مودي - رويترز
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس وزراء الهند ناريندا مودي – رويترز

من جهة أخرى، فإن مبلغ 130 مليون دولار الذي أنفقته شركة فيسبوك على إنشاء مجلس الرقابة، لن ينجح في تجنيبها اتخاذ قرارات سياسية على منصاتها. وكما بيَّنت قرارات مجلس الرقابة بعد حظر ترامب بوضوح، أن انتهاج فيسبوك قواعد أكثر صرامة سيكون له تأثير على بقية قادة العالم، فإنها كشفت أيضاً أن الشركة ستحتاج إلى إنفاق مبالغ ضخمة من المال؛ لضمان تنفيذ هذه القواعد كما ينبغي.

وعلى الرغم من أن بعض منتقدي مجلس الرقابة، ومنهم أعضاء في "مجلس الإشراف على محتوى فيسبوك" وآخرون، أبدوا شعورهم بأن مناورات الشركة كانت جبانة، حسب الوصف الوارد في تقرير  الصحيفة الأمريكية.

إذ يقول المنتقدون إن مجلس الرقابة على فيسبوك لا يمثل تغييراً كبيراً، لأن فيسبوك يستعين، بذلك بمصادر خارجية لاتخاذ قرارات فردية بعينها دون إحداث تغييرٍ ملموس داخلياً، كما أن المجلس يحمي فيسبوك من المسؤولية عن القرارات الصعبة.

ولكن خبراء آخرين، مثل الخبيرة القانونية الأسترالية إيفلين دويك، حاججوا بأن القرارات الأخيرة تبشِّر ببعض التغييرات الواعدة من مجلس الرقابة المستقل. 

وفي كلتا الحالتين، فإن قرارات مجلس رقابة فيسبوك الصادرة يوم الأربعاء 5 مايو/أيار، تأتي بمنزلة المرحلة التالية في ملحمة طويلة من الفصل فيما هو خطاب مقبول وما هو ليس كذلك. وغنيٌّ عن الذكر أنها ليست نهاية حاسمة لهذا الجدل الذي يُتوقع أن يستمر زمناً طويلاً.

تحميل المزيد