لم يلبث أعضاء تحالف "أوبك بلس" النفطي أن تنفسوا الصعداء، بظهور مؤشرات على تعافي الطلب العالمي على الخام، حتى جاء المتحور الهندي لفيروس كورونا ليعكر صفو أسواق الطاقة. فهل تتعرض أسواق النفط لأزمة أخرى كأزمة العام الماضي؟
كيف يمكن لـ"كورونا الهند" تهديد جهود أوبك؟
في مايو/أيار 2020، بدأت منظمة أوبك العمل باتفاقية خفض إنتاج النفط بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً، ويستمر حتى أبريل/نيسان 2022، ويتم تخفيف قيود الخفض طيلة فترة الاتفاق.
وبدأت أسعار الطاقة في التعافي في 2021 نتيجة برامج التحفيز والتلقيح في مختلف دول العالم، وذلك بعد التراجع في 2020 بسبب جائحة كورونا وحرب الأسعار بين السعودية وروسيا.
لكن اليوم، تواجه الهند إحدى أبرز الكوارث الصحية والاقتصادية الناجمة عن تفشي الفيروس وظهور سلالة جديدة في البلاد، دفعت نحو انهيار المنظومة الصحية بتسجيل متوسط 360 ألف إصابة يومياً و3500 وفاة.
والهند، سوق رئيسي في صناعة الطاقة، إذ تعد ثالث أكبر مستورد للنفط الخام بمتوسط واردات يومية يتراوح بين 4.6 و4.9 مليون برميل يومياً، بحسب بيانات المبادرة المشتركة لمنتجي النفط (جودي).
وكانت بيانات من مصادر في صناعة وتجارة النفط قد أظهرت أن حصة منظمة الدول المُصَدِّرة للنفط "أوبك" في واردات الهند النفطية تراجعت، على مدار عام حتى نهاية مارس/آذار الماضي، إلى أدنى مستوياتها في عقدين على الأقل، إذ انخفضت المشتريات الإجمالية لثالث أكبر اقتصاد في آسيا إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات.
وأظهرت البيانات أن إجمالي واردات الخام لثالث أكبر مستورد للنفط في العالم انخفض إلى 3.97 مليون برميل يومياً في السنة المالية المنتهية في 31 مارس/آذار 2021، بانخفاض 11.8% عن العام السابق. وكانت الهند قد اشترت مزيداً من النفط الأمريكي والكندي على حساب نفط إفريقيا والشرق الأوسط، مما خفض المشتريات من أعضاء "أوبك" إلى حوالي 2.86 مليون برميل يومياً، وقلص حصة المجموعة في الواردات إلى 72% من نحو 80% سابقاً. وهذه أدنى حصة منذ السنة المالية 2001/2002 على الأقل.
ومع فرضية تراجع الطلب على الخام اعتباراً من أبريل/نيسان الماضي، فإن السوق النفطية العالمية مرشحة إلى زيادة المعروض، بسبب تراجع الطلب الهندي على الخام، وسط مطالبات دولية بإغلاق وطني شامل في عموم البلاد.
والهند منتج صغير للنفط بإجمالي 620 ألف برميل من النفط الخام يومياً، ويعتمد على نفط أوبك والولايات المتحدة وروسيا للحصول على حاجته من الخام.
إغلاق شامل لمواجهة الفيروس يهدد أسواق النفط
إلى جانب الهند، فإن أسواقاً أخرى أعلنت عن غلق شامل فيها أو في مدن كبرى لمنع تفشٍّ أكبر لفيروس كورونا، مثل اليابان التي أعلنت هي الأخرى، قبل أسبوع، عن غلق العاصمة طوكيو ومدن كبرى لمدة أسبوعين، قبل ثلاثة شهور من أولمبياد تستضيفها.
ونهاية الأسبوع الماضي، أكدت سيكو هاشيموتو رئيسة اللجنة المنظمة لطوكيو 2020 أن دورة الألعاب الأولمبية المؤجلة إلى الصيف المقبل بسبب فيروس كورونا، قد تجرى خلف أبواب مغلقة، وتعهدت بضمان سلامة الألعاب.
اليابان تعتبر رابع أكبر مستورد للنفط الخام في العالم بعد كل من الصين والولايات المتحدة والهند، بمتوسط واردات يومية 2.6 مليون برميل يومياً، وبلغ 3.2 مليون برميل يومياً قبل تفشي الوباء.
كذلك، تستورد تركيا التي أعلنت عن إغلاق بدأ الأسبوع الماضي يستمر حتى 17 مايو/أيار الجاري، قرابة نصف مليون برميل يومياً، إذ يتوقع أن يؤدي الغلق لتراجع الطلب على المشتقات.
في المقابل، ما تزال أسواق رئيسية مثل كوريا الجنوبية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، تعمل وفق حالة طوارئ، وسط إجراءات وقيود لمنع تفشٍّ أكبر للوباء، وهي إجراءات تهدد استمرار الضغط سلباً على طلب الخام.
أمام هذه الإجراءات، لا تزال حركة الطيران العالمية ضعيفة بالتزامن مع استمرار تعطل صناعة السياحة لدى غالبية الأسواق حول العالم، ما يعني تراجع الطلب على وقود الطائرات.
"أوبك بلس" لا يزال يُبدي ارتياحاً للنصف الثاني من عام 2021
في المقابل، يبدي تحالف "أوبك+" ارتياحاً حيال مستقبل الطلب العالمي على الخام خلال 2021، إذ بدأ اعتباراً من الشهر الجاري تخفيف قيود الإنتاج بمقدار 350 ألف برميل يومياً في مايو/أيار، ليستقر خفض الإنتاج عند قرابة 6.65 مليون برميل يومياً.
وسينفذ التحالف تخفيفاً آخر في خفض الإنتاج اعتباراً من يونيو/حزيران القادم، بمقدار 350 ألف برميل يومياً أخرى، إلى 6.3 مليون برميل. يتبع ذلك، تخفيف آخر بقرابة 400 ألف برميل يومياً، إلى 5.85 مليون برميل في يوليو/تموز.
والشهر الماضي، رفعت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، توقعات نمو الطلب العالمي على النفط خلال 2021 إلى 6 ملايين برميل يومياً، أعلى 100 ألف برميل يومياً عن التوقعات السابقة.
وقالت المنظمة في تقريرها الشهري إن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى 96.5 مليون برميل يومياً خلال العام الحالي، من 90.5 مليون برميل يومياً خلال العام الماضي.
وقد شهدت أسواق النفط أزمة كبيرة العام الماضي، تمثلت في حرب الأسعار التي أشعلها ولي عهد السعودية وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان، مطلع مارس/آذار 2020 عندما رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموافقة على تخفيضات الإنتاج التي طلبتها الرياض، وهو ما استمر حتى مطلع مايو/أيار 2020 عندما توصلت أوبك وروسيا والولايات المتحدة لاتفاق خفض الإنتاج، الذي أسهم في وقف النزيف واستعادة الأسعار منحناها التصاعدي.
ويقول تقرير سابق لصحيفة "الغارديان" البريطانية، صحيح أن الأوبك قد تكون ربحت المعركة في هذا العام، لكن الحرب قد تكون أصعب في العام القادم، والمعضلة التي تواجهها المنظمة تتمثل في كيفية مواصلة مستويات التخفيض الحالية للحفاظ على أسعار النفط، التي من المتوقع أن تصل لمتوسط 50 دولاراً للبرميل، لكن الضغوط التي فرضتها الجائحة على موازنات الدول المنتجة للنفط ستجعل معظم تلك الدول راغبةً في زيادة الإنتاج لمواجهة تلك الضغوط.
وبعد أزمة العام الماضي، قال محللون إن منظمة أوبك في جميع الأحوال تواجه ضغوطاً صعبة، ويرى هؤلاء المحللون أنها قد تؤدي إلى مزيد من الانسحابات منها، أو على أسوأ تقدير تفككها بشكل كامل، في ظل تغيّر الظروف وسعي كل دولة لاتخاذ قراراتها المتعلقة بالإنتاج بصورة أكثر استقلالية.