نشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً حول عروض المساعدات التي قدمتها الصين مؤخراً إلى الهند، مع تفشّي فيروس كورونا بلا هوادة في جميع أرجاء الهند، حيث عرضت بكين المجاورة تقديم يد العون أكثر من مرة. وتساءل البعض عما إذا كانت هذه فرصة لتهدئة العلاقات المتوترة بين أكثر دولتين اكتظاظاً بالسكان في العالم، وخاصةً في أعقاب المناوشات الحدودية التي وقعت العام الماضي.
قلق صيني أم استغلال للفرص؟
إذ قال وزير خارجية الصين وانغ يي الأسبوع الجاري إنّ بكين "جاهزةٌ لتقديم المساعدة والدعم للشعب الهندي في أي وقت، ووفقاً لاحتياجات الهند". كما قال متحدثٌ باسم السفارة الصينية في دلهي إنّ بلاده "ستُشجّع الشركات الصينية وتُوجهها لتتعاون بفاعليةٍ أكبر مع الهند".
وفي يوم الأحد 25 أبريل/نيسان، غرّدت السفارة الصينية في سريلانكا على تويتر: "جرى نقل 800 جهاز لتوليد الأكسجين جواً من هونغ كونغ إلى دلهي. وسينقل 10 آلاف جهاز إضافي خلال أسبوع".
وتراقب بكين التطورات عن كثب بسبب قرب الهند منها. وخلال الأيام القليلة الماضية، شرح الخبراء الطبيون للعامة سبب قلق الصين، وذلك عبر وسائل الإعلام الحكومية.
وفي الوقت ذاته، استغلت صحيفة Global Times الصينية القومية حظر الولايات المتحدة لصادرات مواد اللقاح من أجل مهاجمة "أنانية" واشنطن. إذ كتبت الصحيفة: "إنّ رد فعل الولايات المتحدة اللامبالي أثار موجةً من المشاعر المعادية للولايات المتحدة على الشبكات الاجتماعية داخل وخارج الهند. والولايات المتحدة ليست قائدة العالم كما تزعم، بل هي مجرد دولة أنانية وغير مسؤولة ولا يُعتمد عليها، وتتلاعب بالجغرافيا السياسية من أجل خدمة مصالحها الشخصية فقط".
وقد كرّر بعض النقاد في الهند هذا التفسير. إذ غرّد الوزير السابق ميليند ديورا على تويتر قائلاً إنّ تردد الولايات المتحدة الأوّلي في مساعدة الهند "يُقوّض الشراكة الاستراتيجية الهندية-الأمريكية". وأرفق مع التغريدة صورةً لجملة مقتبسة عن جون كينيدي، يقول فيها: "لا يمكنك التفاوض مع شخصٍ يقول: (ما لي هو ملكي، وما لك قابلٌ للتفاوض)".
كيف تلقت الهند العروض الصينية؟
لكن تدخل بكين كان له تأثيرٌ محدود بين النخب السياسية في دلهي، وفقاً لسريكانث كوندابالي، خبير الشأن الصيني في جامعة جواهر لال نهرو. إذ أوضح أنّ العديد من صناع السياسة الهنود رأوا في الهجوم الشديد على الأمريكيين محاولةً من بكين لإثارة القلاقل بين دلهي وواشنطن. وأضاف: "إنّ القضية الحدودية الصينية الهندية القائمة ما تزال تُلقي بظلالها على العلاقات الثنائية".
وليست التوترات بطول الحدود أمراً جديداً من نوعه تاريخياً. حيث تطوّرت الأمور إلى اشتباكٍ بالأيدي والهراوات والحجارة في الـ15 من يونيو/حزيران العام الماضي. وتأكّد مصرع 20 جندياً هندياً، بينما قال جيش التحرير الشعبي الصيني إنّ أربعةً من جنوده قد ماتوا. وفي فبراير/شباط، اتفق البلدان على فض الاشتباك في المناطق المتنازع عليها، لكن آخر جولات المحادثات الشهر الجاري فشلت في تهدئة التوترات.
وقد أدّى النزاع إلى تأجيج الموقف المُعادي للصين داخل الهند. وفي استطلاعٍ للآراء خلال أغسطس/آب، رأى نحو 60% من المشاركين أنّه يجب على الهند أن تخوض حرباً مع الصين لحل التوترات الحدودية، بينما رأى أكثر من 90% ضرورة حظر التطبيقات الصينية وحرمان الشركات الصينية من العقود الهندية.
بينما قالت تانفي مادان، الباحثة البارزة في معهد بروكنغز بواشنطن لصحيفة الغارديان "إنّ الانطباع السائد في الهند عن نزاع العام الماضي هو أنّ الجيش الصيني استغل كورونا لشن غاراته".
"أزمة الحدود لا تمثل الشكل الكامل للعلاقات بين الصين والهند"
في السياق، نفت بكين عن نفسها تلك التهمة مراراً. وفي الأسابيع الأخيرة، قال الدبلوماسيون الصينيون إنّ مسألة الحدود لا تمثل كامل العلاقات بين الصين والهند. كما حث سفير الصين في الهند الجانبين على "الالتزام بالحوار المتكافئ، وإدارة الخلافات والتحكم بها وحلها عبر التشاور. وذلك حتى لا تتحول الخلافات إلى نزاعات".
وأردفت تانفي: "تُظهر القصة بأكملها أنّه حتى خلال الأوقات الي تستوجب من الدول التكاتف معاً في الظروف العادية، نجد أنّ تأثير الجغرافيا السياسية يمتد إلى ما هو خارجها. وقد شهدنا ذلك في العلاقات الأمريكية الصينية، وها نحن نشهده في العلاقات الصينية الهندية".
وتشهد الهند كارثة غير مسبوقة وانفجاراً في أعداد الإصابات بفيروس كورونا في الوقت الذي انهارت فيه العديد المستشفيات، في ظل نقص حاد في الأوكسجين وارتفاع الوفيات.
وبينما شحَّت أسرّة المستشفيات وأنابيب الأوكسجين، لجأ المرضى والأقارب الجَزِعون إلى السوق السوداء للأدوية، غير أن ذلك لم يمنع أيضاً موت أعداد كبيرة في المستشفيات بنقص الأوكسجين. وقد شهدت الأيام الأخيرة تجاوزاً مستمراً للأرقام القياسية لتفشي العدوى.
وفي دلهي، تصاعد الدخان من عشرات المحارق المضاءة داخل موقف للسيارات تحول إلى محرقة مؤقتة للجثث، حسبما ورد في تقرير سابق لصحيفة The Guardian البريطانية. ومع تفشي الوباء إلى هذا الحد الكارثي، وفيما تئن المستشفيات تحت ضغط الجائحة، ألقى كثيرون باللوم على الحكومة الهندية لفشلها في إدارة الأزمة، ووقف الانفجار في تصاعد أعداد المصابين والوفيات بالفيروس القاتل.