ليست السلالات الجديدة فقط.. أخطاء تبدو بسيطة حولت الهند من نموذج ناجح إلى بؤرة الوباء

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/04/28 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/28 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
أشخاص يحضرون جثث أقاربهم الذين قضوا بفيروس كورونا لحرقها في نيودلهي، الهند/ رويترز

مأساة تفشي فيروس كورونا في الهند محيّرة للعلماء، ولكن تبدو أخطاء بسيطة نرتكبها جميعاً قد تكون هي التفسير لهذا التدهور المفاجئ لوضع البلاد.

وكان نجاح الهند في مكافحة الوباء قبل عدة أشهر أمراً محيراً للعلماء، واليوم ازدادت حيرتهم جراء التفشي الواسع للمرض، وبين الحيرتين، تبدو النتيجة الأكثر يقينية أن ما حدث في الهند في الدول التي تظن أنها نجحت في السيطرة على الوباء.

في فبراير/شباط الماضي، حارَ العاملون في مجال الرعاية الصحية وعلماء الأوبئة في الهند بحثاً عن حلٍّ للغز تحسُّن الأمور فيما يتعلق بتفشي كورونا وما اعتبروه حظاً جيداً لبلادهم في تلك الأزمة؛ فقد انخفض عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا، وأصبح الطلب على أجهزة التنفس الصناعي قابلاً للتلبية والإدارة، وتوقع الخبراء أن البلاد ستجتاز موجة ثانية كبيرة من تفشي الفيروس.

كانت الهند توزع الوعود على الجيران والأصدقاء بتقديم اللقاحات إليها باعتبارها صيدلية العالم، وفي إطار دبلوماسية لقاحات هندية تقول إنها أكثر كرماً وأقل تسيساً من الصين.

لكن بحلول أبريل/نيسان، ما حدث حقاً أن الأمور اتخذت منحى مختلفاً؛ إذ باتت الصور المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تعرض جثثاً مكدسة في أماكن عامة اتَّخذت محارق مؤقتة للجثث لفرط أعدادها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

الهند تسجل رقماً قياسياً في عدد الإصابات بكورونا/ رويترز
الهند تسجل رقماً قياسياً في عدد الإصابات بكورونا/ رويترز

وبينما شحَّت أسرة المستشفيات وأنابيب الأوكسجين، لجأ المرضى والأقارب الجَزِعون إلى السوق السوداء للأدوية، غير أن ذلك لم يمنع أيضاً موت أعداد كبيرة في المستشفيات بنقص الأوكسجين. وقد شهدت الأيام الأخيرة تجاوزاً مستمراً للأرقام القياسية لتفشي العدوى.

وفي دلهي، تصاعد الدخان من عشرات المحارق المضاءة داخل موقف للسيارات تحول إلى محرقة مؤقتة للجثث، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

والآن، مع تفشي الوباء إلى هذا الحد، وفيما تئن المستشفيات تحت ضغط الجائحة، ألقى كثيرون باللوم على الحكومة الهندية والعالم عموماً لفشلهم في وقف التصاعد الكارثي في أعداد المصابين والوفيات بالفيروس.

على ضوء ذلك، إليك ما تحتاج إلى معرفته حول انتشار فيروس كورونا في الهند:

سر مأساة تفشي فيروس كورونا في الهند بهذا التوحش

لا يزال هذا السؤال يحيِّر الخبراء، فبالعودة إلى أوائل شهر فبراير/شباط، كانت أعداد الداخلين إلى المستشفيات في الهند تشهد تراجعاً، وكانت أعداد حالات الإصابة التي تبلغ الهند عنها يومياً تماثل الأعداد في ولاية نيويورك الأمريكية فقط تقريباً، على الرغم من أنها تزيد عنها في عدد السكان بنحو 20 مرة. وقال العلماء وقتها إن التفسير الوحيد هو انتشار المناعة من الفيروس، حسب صحيفة The Washington Post.

لكن الهند الآن أصبحت بؤرة الوباء العالمي وباعثاً محورياً لإثارة القلق الدولي فيما يتعلق بانتشار الفيروس. فقد أبلغت البلاد عن أكثر من 350 ألف حالة جديدة يوم الإثنين 26 أبريل/نيسان وحده، متجاوزة بذلك أعلى أرقام الإصابة اليومية لليوم الخامس على التوالي.

الشعب لم يكتسب المناعة كما قيل.. والفقراء قبل ذلك كانوا يموتون دون أن يأبه بهم أحد

وسجلت الهند، الثلاثاء، أكثر من 300 ألف حالة إصابة جديدة و2771 حالة وفاة جديدة. ومع ذلك، يعتقد خبراء الصحة أن الحصيلة الرسمية أعلى بكثير، مع اتهامات للولايات المكتظة بالسكان، مثل أوتار براديش وجوجارات، بتقليل عدد الوفيات والحالات الناجمة عن فيروس Covid-19.

ومع اكتظاظ معامل اختبار كوفيد في مدن مثل دلهي، لم يتمكن الكثير ممن يعانون من الأعراض من إجراء اختبار، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian.

جعل ذلك الخبراء يذهبون إلى أن المناعة في الهند ربما لم تكن منتشرة إلى الحد الذي كان يُعتقد سابقاً. ويجادل بعض العلماء بأن موجات العدوى المبكرة تفشَّت بدرجة أساسية بين الفقراء.

 لكن التفشي الحالي يصل إلى الشرائح الأكثر ثراء التي بدأت لتوها في العودة إلى التواصل الاجتماعي مرة أخرى بعد الالتزام بالبقاء في المنازل والعزل الصحي خلال الموجة الأولى.

التجمعات الدينية والسياسية التي سمح بها رئيس الوزراء

وربما كان للتجمعات الكبيرة والفعاليات الجماعية التي انعقدت دور أيضاً: فقد انتُقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لقراراته برفع جميع القيود تقريباً وعقد تجمعات سياسية ضخمة الأعداد، كما ربط بعض الخبراء أكثر من 100 حالة إصابة بمهرجان ديني استقطب عشرات الآلاف من الحجاج الهندوس من جميع أنحاء البلاد.

وقال رامانان لاكسميناريان، عالم الأوبئة بجامعة برينستون الأمريكية، لدورية Nature العلمية، إن "ثمة رواية عامة انتشرت مفادها أن الهند تغلبت على فيروس كورونا، وزاد على ذلك اتجاه الناس إلى مزيد من التراخي بعد أن أطلقت حملة التطعيم في يناير/كانون الثاني. نتيجة لذلك، تخلى كثيرون عن حذرهم وعادوا إلى التزاور الاجتماعي والسفر وإقامة حفلات الزفاف الضخمة".

حالة من الذعر تزيد الأمور سوءاً

وقالت منظمة الصحة العالمية أيضاً إن ضغطاً غير ضروري على نظام الرعاية الصحية في الهند من قِبَل الأشخاص الذين كانوا يذهبون إلى المستشفيات في حالة من الذعر عندما يمكنهم التعافي من Covid-19 في المنزل. 

وأكد المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق جاساريفيتش، أن حوالي 15 ٪ فقط من مرضى Covid-19 يحتاجون إلى العلاج في المستشفى، وحث على الفحص الفعال وفرز المرضى لضمان حصول الأشخاص على الرعاية التي يحتاجون إليها.

هل تدهور الأوضاع يرجع إلى انتشار سلالات جديدة فقط؟

لم يتضح بعد ما إذا كان وجود سلالات جديدة شديدة العدوى هو العامل الرئيسي الذي جعل تفشي المرض في الهند يتفاقم حدةً. وفي حين يتفق العلماء عموماً على أن الأرجح أن هذه المتغيرات كان لها دور في الأمر، فإن النقاش يدور بالأساس حول مقدار هذا الدور.

ما نعرفه هو أن السلالة (B.1.1.7)، التي اكتُشفت لأول مرة في المملكة المتحدة، هي الآن السلالة الأكثر انتشاراً في ولاية البنجاب الهندية. وهذا أمر له دلالة مهمة، لأن عديداً من الدراسات أشارت إلى أن هذه السلالة معدية بنسبة تتراوح بين 40% إلى 70% أكثر من السلالات السابقة للفيروس، كما يبدو أنها أشد فتكاً من غيرها.

وثمة سلالة أخرى من الفيروس، هي السلالة (B.1.617)، قد أصبحت السلالة السائدة في ولاية ماهاراشترا، وفقاً لدورية Nature. ويشار إلى هذه السلالة أحياناً على أنها "ذات تحور مزدوج" لأنها تنطوي على طفرتين رئيسيتين عُثر عليهما في سلالتين أخريين شديدتي العدوى. ومع ذلك لا توجد بيانات مؤكدة حتى الآن تقطع بأن هذه السلالة أكثر تفشياً من السلالات الأخرى، أو ما إذا كانت هي السبب وراء التفشي الحالي للفيروس في الهند.

وكانت وزارة الصحة الهندية قالت، الشهر الماضي، إن السلالات، التي اكتُشفت لأول مرة في البرازيل وجنوب إفريقيا، عُثر عليها في الهند أيضاً.

في حديثه أمس الثلاثاء، حذر المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق جاساريفيتش، من إلقاء اللوم على طفرات الفيروس باعتبارها السبب الوحيد لتسونامي الحالات التي اجتاحت الهند في الأسابيع الأخيرة، مما دفع نظام الرعاية الصحية في البلاد إلى حافة الانهيار.

وقال إن سلوك الرضا عن النفس قد تسبب أيضاً في حدوث تسونامي. 

وقالت منظمة الصحة العالمية (WHO) إن الموجة الثانية من كوفيد -19 القاتلة في الهند كانت ناجمة عن "عاصفة كاملة" من التجمعات الجماهيرية، وانخفاض معدلات التطعيم، والمزيد من المتغيرات المعدية.

إجراءات الحكومة.. لا إغلاقات، وممنوع الاستغاثة

أتاحت الهند تلقي لقاح فيروس كورونا لأي شخص يزيد عمره على 18 عاماً بدايةً من مطلع مايو/أيار المقبل. كما اتجهت إلى الحد من كميات اللقاح المنتجة للتصدير وتحولت إلى التركيز على توزيع هذه الجرعات على المواطنين.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت بعض المدن والولايات عن العودة إلى قيود الإغلاق، ويشمل ذلك حظر التجول وحظر السفر وغيرهما من الأنشطة غير الضرورية.

لكن في غضون ذلك، قال مودي إن الإغلاق يجب أن يكون الملجأ الأخير، ورفض فكرة العودة إلى إعلان الإغلاق على مستوى البلاد.

من جهة أخرى، ترسل إدارة مودي أنابيب الأوكسجين على متن قطارات "أوكسجين إكسبرس" إلى أنحاء البلاد التي تواجه شحَّاً في الإمدادت، وبدأت في الاستعانة بالمخزونات العسكرية من المعدات الطبية. ونشرت الحكومة قوات الجيش في المستشفيات. لكنها أمرت وسائل التواصل الاجتماعي بحذف المنشورات المعارضة التي تلفت الانتباه إلى الأوضاع الكارثية في الهند، وهو ما يرى كثيرون أنه خطأ في تعيين الأولويات والتعامل معها.

لماذا يوجد نقص في إمدادات الأوكسجين؟

عادةً ما تستخدم المستشفيات والعيادات الطبية في الهند نحو 15% فقط من الأوكسجين السائل المنتج في البلاد. لكن في الآونة الأخيرة، ومع استفحال الأزمة، تحول ما يقرب من 90% من إجمالي إمدادات البلاد إلى مرافق الرعاية الصحية، بحسب ما قاله راجيش بوشان، مسؤول صحي كبير في الهند، لشبكة BBC.

ولما كانت بعض الولايات الهندية ليست لديها مصانع تمكِّنها من إنتاج الكميات التي تحتاج إليها من الأوكسجين السائل، فإنها يتعين عليها انتظار نقل الإمدادات بالشاحنات من أجزاء أخرى من البلاد. ويستغرق ملء ناقلة الأوكسجين ساعتين، وفقاً لبيانات شبكة BBC، ما أدى إلى اصطفاف طوابير الناقلات بأعداد كبيرة خارج محطات الأوكسجين.

بيد أنه ومع تزايد الطلب في المستشفيات المزدحمة بمرضى الفيروس، يقول النقاد إنه كان ينبغي أن تكون الحكومة أفضل استعداداً. وعلى الرغم من أن وزارة الصحة الهندية أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن خطةٍ لبناء المزيد من محطات الأوكسجين، فإن الواقع أنه حتى الآن لم يُقَم إلا 33 محطة من أصل 162 محطة.

ويقول راجابهاو شيندي، الذي يدير مصنعاً صغيراً لإنتاج أنابيب الأوكسجين في ولاية ماهاراشترا، لشبكة BBC: "لقد أخبرنا السلطات بأننا على استعداد لرفع قدرات الإنتاج، لكننا بحاجة إلى مساعدات مالية من أجل ذلك. لم يكن من المفترض أن تجري الأمور على هذا النحو. فكما يقول المثل: (احفر البئر قبل أن تعطش). لكن الهند لم تفعل ذلك".

العالم يسارع لنجدة الهند، ولكن الشركات الكبرى تصر على تقييد اللقاحات

تقدَّمت الدول من جميع أنحاء العالم للمساعدة. فقد أرسلت سنغافورة وألمانيا والمملكة المتحدة معدات إنتاج الأوكسجين إلى الهند خلال عطلة نهاية الأسبوع. وفرنسا وروسيا وأستراليا بصدد إرسال مساعدات طبية، كما عرضت الصين وباكستان المساعدة.

صباح الثلاثاء، هبطت رحلة جوية من المملكة المتحدة تحمل الإمدادات الطبية الحيوية بما في ذلك أجهزة التنفس الصناعي في دلهي، كما تم نقل ست حاويات أكسجين من دبي، حسب The Guardian.

كما جاءت تعهدات الدعم من الدنمارك والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأستراليا وبوتان. كما قالت المملكة الصغيرة المجاورة للهند إنها سترسل "بضع مئات من اللترات الاحتياطية" من الأوكسجين بمجرد أن يتم إنشاء وتشغيل مصنع الأوكسجين الذي تم بناؤه حديثاً.

وينسق الاتحاد الأوروبي مع دوله الأعضاء لتوفير إمدادات الأوكسجين والأدوية، وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، يوم الإثنين 26 أبريل/نيسان، إن المنظمة سترسل موظفين وإمدادات طبية إضافية إلى الهند.

ومع تصاعد الضغط خلال عطلة نهاية الأسبوع على الولايات المتحدة لتقديم مزيد من المساعدة، قالت إدارة بايدن، الأحد 25 أبريل/نيسان، إنها سترسل مواد خام لتصنيع اللقاحات، وأجهزة تنفس صناعي، ومعدات وقاية شخصية، وإمدادات متعلقة بالأوكسجين، وأدوية علاجية إلى الهند. كما أنها تحشد لإرسال "فريق إنقاذ وطوارئ" أمريكي من خبراء الصحة، علاوة على الدعم بتمويلات تتيح "توسيعاً كبيراً" لقدرات تصنيع اللقاح الهندية.

وفي مكالمة هاتفية مع مودي، يوم الإثنين 26 أبريل/نيسان، تعهد بايدن بدعم جهود الهند للتغلب على التصاعد الحاد لتفشي الفيروس. كما أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستشارك ما يصل إلى 50 مليون جرعة من لقاح "أسترازينيكا" AstraZeneca مع دول أخرى بعد خضوعها اللقاحات لفحص السلامة، إلا أن هذه العملية قد تستغرق أسابيع أو شهوراً.

وكتب بايدن على تويتر: "مثلما أرسلت الهند المساعدة إلى الولايات المتحدة في الوقت الذي تعرضت فيه مستشفياتنا للتوتر في وقت مبكر من الوباء، فإننا مصممون على مساعدة الهند في وقت الحاجة".

من جهة أخرى، تواجه الولايات المتحدة، التي تتمتع بوفرة هائلة في اللقاحات، انتقادات لاذعة لتكديسها جرعات اللقاح والإبقاء على سياسات الملكية الفكرية التي تحد من تصدير اللقاحات والمواد الخام. وفي حين أشادت منظمة "أطباء بلا حدود" بقرار الولايات المتحدة التبرع بجرعات لقاح أسترازينيكا، فإنها حثت الحكومة الأمريكية أيضاً على مطالبة شركات الأدوية بـ"مشاركة التقنيات والخبرات" مع الشركات المصنعة في جميع أنحاء العالم. غير أن شركات الأدوية مصرةٌ على رفض الاستجابة لأي طلبات من هذا النوع.

ويخشى الكثيرون من أن المساعدات الدولية التي يتم إرسالها إلى الهند لن تكون كافية لسد الفجوة الحادة في إمدادات الأوكسجين، والتي أثرت على المستشفيات في دلهي وأوتار براديش، على الرغم من إصرار رئيس وزراء الولاية على "عدم وجود نقص في الأوكسجين"، وتهديد المستشفيات الخاصة بتهم جنائية إذا "نشرت إشاعات" حول ندرته.

تحميل المزيد