اكتشف باحثون سلالة جديدة من فيروس كورونا في الهند تجمع بين "طفرتين مختلفتين في نفس الفيروس"، والآن أصابت البلاد عاصفة من الوباء تبتلع مدناً بأكملها، فما الذي نعرفه عن تلك السلالة "مزدوجة الطفرة"؟
واليوم الإثنين 26 أبريل/نيسان، سجلت الهند حصيلة يومية قياسية تسجلها أي دولة لإصابات كورونا على الإطلاق منذ تفشي الوباء أواخر عام 2019، حيث تم رصد أكثر من 354 ألف حالة إصابة خلال 24 ساعة فقط، وأكثر من 2800 حالة وفاة، ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات هناك إلى أكثر من 17.3 مليون، والوفيات إلى أكثر من 195 ألفاً، بحسب موقع وورلدميترز كورونا.
الأرقام القياسية التي تسجلها الهند في إصابات ووفيات كورونا مستمرة لليوم الخامس على التوالي، وهو ما أثار ذعراً عالمياً وسارعت كثير من دول العالم كالولايات المتحدة وبريطانيا إلى إرسال مساعدات عاجلة لنيودلهي لمساعدتها في مواجهة التفشي المخيف، كما حثَّ رئيس الوزراء ناريندرا مودي مواطنيه على التطعيم وتوخي الحذر قائلاً إن "عاصفة" الإصابات تهز البلاد، في ظل مواجهته انتقادات بسبب التراخي في تشديد إجراءات مواجهة الوباء والسماح بتجمعات دينية وسياسية عندما انخفض عدد الإصابات اليومي دون 10 آلاف حالة، ولم تخطط لتعزيز نظام الرعاية الصحية.
وفي ظل الوضع الكارثي للوباء في الهند بادرت كل من أمريكا وأوروبا وعدد من البلاد لمساعدة الهند في مواجهة فيروس كورونا الذي ينهش المواطنين، وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس الأحد أن الولايات المتحدة سترسل على الفور المواد الخام المطلوبة لتصنيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19، إضافة إلى المعدات الطبية وأدوات الحماية لمساعدة نيودلهي في التصدي لتلك الزيادة الهائلة في الإصابات بالفيروس.
متى تم اكتشاف السلالة الهندية أول مرة؟
كانت التقارير تشير إلى انتقال السلالة التي ظهرت أولاً في بريطانيا إلى الهند قبل عدة أشهر، لكن في أواخر مارس/آذار الماضي كشف باحثون عن وجود سلالة جديدة من الفيروس "مزدوجة التحور" وذلك بعد فحص مجموعة من عينات المصابين، ووقتها كان الخبراء هناك يعملون على تحديد ما إذا كانت السلالة الجديدة، التي تجمع بين "طفرتين مختلفتين في نفس الفيروس"، سريعة الانتشار ومدى فاعلية اللقاح عليها.
والآن بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة في شبه القارة الهندية، يحاول العلماء فهم الدور الذي تلعبه سلالات الفيروس، بما في ذلك السلالة الجديدة التي يُطلَق عليها اسم "المتحوِّر المزدوج"، في التفشي المخيف للفيروس هناك، إذ إنه التفشي الأسرع في العالم على الإطلاق منذ انتشار الوباء خارج الصين قبل أكثر من 14 شهراً.
ويهدِّد تدفُّق الحالات، الذي يسجَّل ارتفاعات قياسية في المعدَّل اليومي للإصابات منذ الأربعاء الماضي بإعاقة نظام الرعاية الصحية في الهند، حيث نفد الأوكسجين في المستشفيات في المدن الأكثر تضرُّراً، مِمَّا أدَّى إلى العجز عن استقبال المرضى.
ماذا يعرفه العلماء عن تلك السلالة حتى الآن؟
ويقول خبراء الصحة العامة إن موجة العدوى الحالية تبدو وكأنها مدفوعة بالعديد من الأسباب نفسها التي أدَّت إلى ارتفاع عدد الحالات في أماكن أخرى -تخفيف إجراءات مكافحة الجائحة في المقام الأول- ولكن هناك مؤشرات قوية بأن السلالات المتغيِّرة تمثِّل عاملاً في ذلك أيضاً، بحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
ورغم أنه لا يُعرَف الكثير عن السلالة حتى الآن، يقول العلماء إن البيانات المبكِّرة تشير إلى أن "المتحوِّر المزدوج"، الذي اكتُشِفَ لأول مرة في عيِّنةٍ واحدة في الهند في أكتوبر/تشرين الأول، أكثر عدوى من النسخة الأصلية للفيروس، وقد انتشر سريعاً عبر أجزاءٍ من البلاد، بما في ذلك ولاية ماهاراشترا، موطن العاصمة المالية مومباي.
وقال خبراء الصحة العامة إنهم فوجئوا بالتصعيد الهائل لهذه الموجة، التي اجتاحت السكَّان بمعدِّلٍ أسرع من بعض الزيادات السابقة في البلدان الأخرى.
ففي منتصف فبراير/شباط الماضي، انخفض عدد الحالات اليومية في الهند إلى أقل من 10 آلاف، وانخفض عدد الوفيات ليصبح بالعشرات فقط. ولكن بعد شهرين، ارتفعت الحالات إلى أكثر من 200 ألف حالة لمدة ثمانية أيام متتالية، لتصل إلى رقمٍ قياسي يومي لدولةٍ واحدة لما يزيد عن 332 ألف حالة يوم الجمعة. وارتفع عدد الوفيات إلى 2263، ليصل إلى إجمالي 186,920 حالة وفاة.
وقال الدكتور لاليت كانط، عالم أوبئة الأمراض المعدية والرئيس السابق لقسم علم الأوبئة والأمراض المعدية في المجلس الهندي للبحوث الطبية للصحيفة الأمريكية: "لم نتوقَّع إصابة عدد كبير من الأشخاص بالعدوى، وكذلك عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعايةٍ صحية".
ما الفرق بين سلالة الهند والسلالات الأخرى؟
كانت السلالات الجديدة للفيروس وراء الزيادات السابقة في مناطق أخرى من العالم، على سبيل المثال في المملكة المتحدة أواخر العام الماضي، لكن المعدَّل الأخير للحالات المتزايدة في الهند أسرع بكثير مِمَّا كان في الموجة السابقة في البلاد، وأسرع من الزيادات الأكثر تدريجياً التي شُهِدَت على نطاقٍ واسعٍ في مناطق أخرى. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تراكمت الموجة الكبيرة الأخيرة على مدار ثلاثة أشهر، بدءاً من سبتمبر/أيلول، وبلغت الذروة في 295,215 حالة يومية في 8 يناير/كانون الثاني.
ويقول العلماء إن الهند كانت مُهيَّأةً لموجةٍ أخرى، حيث لم يعد الكثير من الناس يرتدون الأقنعة أو يلتزمون باحتياطات السلامة، وسمحت الحكومة بتجمُّعاتٍ سياسية ضخمة واحتفالات دينية، وربما كانت تلك الأحداث سبباً في هذا التفشي الهائل، وهذا ما ساعد على ما يبدو في سرعة التفشي ومن ثم الطفرة المزدوجة.
وقال تي جاكوب جون، الأستاذ المتقاعد في علم الفيروسات بكلية كريستيان ميديكال كوليدج في مدينة فيلور جنوب الهند: "لقد حذَّرنا عندما كانت السلالات الجديدة تنتشر. كان ذلك أسوأ وقت لتخفيف الإجراءات".
ومن المُحتَمَل أن تكون السلالات المنتشرة عبر السكَّان قد زادت الطين بلة. ووفقاً لوزارة الصحة الهندية، اكتُشِفَت في الهند سلالة المتحوِّر المزدوج، وهي السلالة البريطانية الأكثر عدوى، بالإضافة إلى السلالات البرازيلية والجنوب إفريقية، وقال سوجيت سينغ، مدير المركز الوطني للسيطرة على الأمراض، وهو جزءٌ من وزارة الصحة الهندية، يوم الجمعة في نيودلهي، إن السلالة البريطانية كانت مسؤولةً عن نصف الحالات في الأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار.
وتتضمَّن السلالة الهندية 13 طفرة، ولكنها حصلت على هذا الاسم من طفرتين مشابهتين لتلك التي تظهر بشكلٍ منفصلٍ في السلالات الأخرى. في السلالات الأخرى، ترتبط طفرةٌ واحدةٌ بجعل الفيروس أكثر عدوى وأكثر تجنُّباً للأجسام المضادة، في حين أن الطفرة الأخرى تشبه تلك التي أظهرت علاماتٍ على قدرتها على تجنُّب بعض استجابات الجسم المناعية.
وقال الدكتور راكيش ميشرا، مدير مركز CSIR للبيولوجيا الخلوية والجزيئية، الذي يدير أحد المختبرات العشرة التي تديرها الدولة والمُكلَّفة بتحديد التسلسل الجيني للفيروس، إن هذه السلالة اكتُشِفَت لأول مرة في الهند في عيِّنةٍ في أكتوبر/تشرين الأول، وتشير البيانات الحديثة إلى انتشارها السريع عبر بعض مناطق الهند.
أين تتركز السلالة الهندية؟
في ولاية ماهاراشترا التي تضرَّرَت بشدة، أصبحت سلالة المُتحوِّر المزدوج هي السلالة السائدة من الفيروس، وفقاً للدكتور أنوراغ أغراوال، مدير معهد CSIR لعلم الجينوم والبيولوجيا التكاملية. وفي العيِّنات التي جُمِعَت في الولاية من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار، كان أكثر من 60% من هذه العيِّنات من سلالة المتحوِّر المزدوج، وفقاً لدراسةٍ أجراها المعهد الوطني لعلم الفيروسات.
بالنسبة للبلد بشكلٍ عام، شكَّلت هذه السلالة 70.4% من العيِّنات التي جُمِعَت خلال الأسبوع المنتهي في 25 مارس/آذار، مقارنةً بـ16.1% قبل ثلاثة أسابيع من ذلك التاريخ، وفقاً لـ Covid CG، وهي أداة تتبُّع من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد. وتستخدم الأداة بياناتٍ من مبادرة GISAID، وهي قاعدة بيانات عالمية لجينومات فيروس كورونا المُستجَد.
وقالت ألينا تشان، باحثة ما بعد الدكتوراه التي تركِّز على العلاج الجيني وهندسة الخلايا: "بمجرد أن تصبح السلالة هي المهيمنة في مكانٍ ما، فإنها تصبح مثيرةً للقلق؛ لأن هذا يعني أنها قد تصبح قريباً السلالة السائدة في مكانٍ آخر".
ويدرس العلماء في الهند والولايات المتحدة ودول أخرى السلالة في المختبرات لمعرفة كيفية استجابة الفيروس للأجسام المضادة. ولكن حتى بدون معرفة كيفية تفاعل السلالة مع اللقاحات أو الاستجابة المناعية للجسم، يقول العلماء إن سلالة المتحوِّر المزدوج لديها القدرة على إحداث إصابات في جميع أنحاء العالم.
انتقلت السلالة بالفعل إلى 21 دولة على الأقل، وفقاً لباحثين في أربع جامعات تتعقَّب السلالات الفيروسية. وكشف التسلسل الجيني عن حالاتٍ في الولايات المتحدة وألمانيا وتركيا ونيجيريا، من بين دولٍ أخرى. في المملكة المتحدة، وُجِدَ متسلسل الجينوم الخاص بالسلالة بين الأشخاص الذين لم يسافروا، مِمَّا يشير إلى أنه انتشر داخل المجتمع بالفعل.
وفي أستراليا، شكَّلت الطفرة المزدوجة 40% من العيِّنات التي جُمِعَت خلال الأسبوع المنتهي في 15 أبريل/نيسان، مقارنةً بـ16.7% في الشهر السابق، وفقاً لأداة Covid CG. وشكَّلَت 66.7% من العيِّنات في نيوزيلندا في الأسبوع المنتهي في 8 أبريل/نيسان، بزيادةٍ قدرها 20% عمَّا كان الأمر عليه قبل شهر.