صفقة الأسلحة الأمريكية للإمارات لا تشمل فقط الإف-35، بل تضم أيضاً طائرات بدون طيار، وفي حال إتمامها فإن ذلك له تداعيات خطيرة على منطقة لا تنقصها أسباب التوتر والصراع.
والأمر هنا يتعلق بتلك الصفقة الضخمة التي كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد اتفق عليها مع أبوظبي في الأيام الأخيرة لرئاسته، وأثارت ضجة كبيرة وانتقادات عنيفة، وعلقتها إدارة بايدن قبل أن تقرر الأسبوع الماضي المضي قدماً فيها، مثيرة قلق الكونغرس والمنظمات المناهضة للحروب.
وتركزت التغطية الإعلامية للصفقة على طائرات إف 35 الشبحية، لأنها ستكون المرة الأولى التي تحصل عليها دولة شرق أوسطية، باستثناء إسرائيل، لكن الصفقة التي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار تضم أيضاً بيع طائرات مقاتلة بدون طيار من طراز ريبر، في مخالفة صريحة لاتفاقية نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ التي وقعت عليها واشنطن من قبل.
هل منافسة الصين أحد دوافع الصفقة؟
الصفقة "الملغومة" -كما أصبحت توصف بعد اللغط الضخم الذي أحاط بها- جاءت في إطار صفقة التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي في صيف العام الماضي، بمعنى أنها كانت الجزرة التي قدمتها إدارة ترامب لأبوظبي لتسريع الإعلان عن اتفاق التطبيع مع تل أبيب، لكن تقريراً لموقع Middle East Eye البريطاني ألقى الضوء على دافع آخر، ربما يكون السبب وراء مضي إدارة بايدن قدماً في تلك الصفقة بعد تعليقها مؤقتاً للمراجعة.
فعلى مدار سنوات اضطرت القوى الإقليمية في الشرق الأوسط أن تلجأ إلى بكين، مُصدّر الطائرات المسيّرة الكبير، من أجل تلبية احتياجاتها الأمنية، في ظل منعها من الحصول على الطائرات أمريكية الصنع.
وبالتالي فإن إعلان إدارة بايدن أنّها ستمضي قدماً في صفقة الأسلحة مع الإمارات العربية المتحدة، من المحتمل أن يؤدي إلى تخفيف قبضة الصين على سوق الطائرات المسيرة بالمنطقة، بحسب تقرير الموقع البريطاني.
وتتضمن الصفقة التي اتفق عليها ترامب خلال آخر أيامه في المنصب بيع 18 طائرة مسيّرة من طراز ريبر MQ-9B، ومن المقرر تسليمها إلى الإمارات خلال النصف الثاني من العقد الجاري.
وكانت الولايات المتحدة مترددةً في بيع الطائرات المسيرة المسلحة إلى الدول الحليفة في المنطقة، نظراً لأنّها من الموقعين على نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ (MTCR)، وهي الاتفاقية التي تهدف إلى منع انتشار الطائرات المسيرة نظراً للتدمير الكبير والمخاطر البشرية التي تمثلها.
بينما استغلت الصين، التي لم توقع الاتفاقية، غياب الولايات المتحدة عن السوق وباعت الطائرات المسيرة إلى الإمارات والسعودية والعراق والأردن، وقد استخدمت الإمارات طائرات وينغ لونغ 2 المسيرة الصينية في المعارك داخل ليبيا واليمن، كما كانت طائرات كاسك رينبو CH-4B الصينية فعّالةً في العراق خلال حملة بغداد ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ولكن منذ عام 2019، قيل إنّ طائرةً عراقية واحدة فقط كانت قادرة على إتمام المهام، بينما سعى الأردن إلى بيع طائراته من نفس الطراز، ما يُشير إلى ندم عمان على شرائها.
وبالنسبة لإدارة ترامب، المحبطة من خسارة الولايات المتحدة لسوقٍ مربح وسريع النمو، فقد أعادت تفسير اتفاقية MTCR بطريقةٍ تُجيز للولايات المتحدة بيع الطائرات المسيرة ومنافسة الصين.
مخاطر زيادة خيارات الطائرات المسيرة في المنطقة
ومع ذلك، يشك المحللون في أنّ شراء الإمارات للطائرات أو تصدير الولايات المتحدة للطائرات إلى المنطقة سيُخرِج الصين من السوق، إذ قال جيمس روجرز، من مركز دراسات الحرب في جامعة جنوب الدنمارك، لموقع Middle East Eye البريطاني: "لا أعتقد أنّ هذه الخطوة ستُمثّل نهاية مبيعات الطائرات المسيرة الصينية في المنطقة. ورغم سوء سمعة طائرات كاسك رينبو من ناحية الاعتمادية، فإن طائرات وينغ لونغ 2 التي تحمل صواريخ بلو أرو7 كانت تستخدم بفاعليةٍ تدميرية منذ فترات طويلة في ليبيا. وهذا التصور، إلى جانب أفضلية الأسعار التنافسية، سيضمن استمرار طائرات وينغ لونغ 2 باعتبارها خياراً ميسور التكلفة لأي دولة لا تزال خارج قائمة المشترين المفضلين لدى الولايات المتحدة.
في حين أشار توماس أبي حنا، محلل الأمن العالمي في Stratfor، إلى أنّ طائرات وينغ لونغ 2 المسيرة أثبتت أنّها "أداةٌ فعالة" في ترسانة الإمارات: "وربما لم يستغل الأردن الطائرات المسلحة المسيرة بنفس الدرجة، وهذا ببساطة لأنّ طائرات الأردن لم تدخل في صراعٍ مباشر نشط خلال السنوات الأخيرة، بعكس الإمارات"، وفقاً لما أورده موقع Middle East Eye.
كما أوضح حنا أيضاً أنّ اهتمام السعودية بمصادر أخرى لتقنية الطائرات المسيّرة "ليس بالضرورة مؤشراً على أنّها لم تعد مهتمةً بالطائرات المسيرة الصينية، بل هي تبحث ببساطة عن خيارات إضافية".
حيث أعربت السعودية مؤخراً عن اهتمامها بالطائرات المسيرة التركية، وفقاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ونقلت التقارير أنّ الرياض ستبدأ في إنتاجٍ مشترك لطائرات فيستل كارايل التركية متوسطة الارتفاع وشديدة التحمّل في المستقبل القريب.
وربما تسعى الإمارات أيضاً إلى الحصول على الطائرات المسيرة الإسرائيلية، خاصةً بعد إقامة العلاقات بين البلدين.
السياسة الأمريكية غامضة
وحذّر المحللون من أنّ ازدياد الخيارات المتاحة لدول الشرق الأوسط، فيما يتعلّق بالحصول على الطائرات المسيرة المسلحة قد يُؤجج المزيد من الصراعات والدمار في المنطقة، وجادل روجرز بأنّ هذا النهج من واشنطن يُفوّت الصورة الكبرى، و"سيُفاقم على الأرجح مشكلة انتشار الطائرات المسيرة حول العالم على المدى البعيد".
وفي مقالٍ كتبه بالتعاون مع أغنيس كالامارد، طالب روجرز بالتأسيس العاجل لنظام التحكم في تكنولوجيا الطائرات المسيرة (DTCR)، وذلك بغرض منع انتشار هذه الأسلحة الفتاكة بدرجةٍ تخرج معها عن السيطرة.
وأشار أبي حنا إلى أنّه رغم إعادة تفسير الولايات المتحدة لاتفاق MTCR القائم من أجل فتح الأبواب أمام المنافسة في سوق الطائرات المسيرة داخل الشرق الأوسط، فإنّ "التأثير الملموس لهذه السياسة" يظل غير واضح.
وسترحب دول الشرق الأوسط دون شك بوجود المزيد من الموردين لأسواق المنطقة، نظراً "لأنّ ذلك سيدفع الموردين إلى صنع طائرات مسيرة أكثر فاعلية بأقل قيمة ممكنة، في محاولةٍ للتفوق على المنافسين، لكن اتجاه السياسة الأمريكية المحدد بشأن القضية لا يزال غير واضح، وقد يستغرق شهوراً أو سنوات قبل ترجمته بالكامل على أرض الواقع، أو ليترك تأثيراً على مبيعات الأسلحة إلى حكومات الشرق الأوسط".
ورغم كل ما سبق، تنبّأ حنا بزيادةٍ في الطلب على أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة للاستطلاع والهجوم داخل الشرق الأوسط. وانتشار الطائرات المسيرة والتقنيات الملازمة لها في المنطقة سيقلل تكلفة نشر تلك الأنظمة على دول المنطقة.
والطائرات المسيرة أرخص وأقل خطورة من نشر الطائرات العسكرية الأخرى. وبعكس الطيارين المقاتلين، لا يستغرق تدريب مشغلي الطائرات المسيرة وقتاً طويلاً، كما لا يُواجهون الخطر نفسه أثناء العمليات القتالية.