يُحذِّر مسؤولون أمريكيون وأوروبيون من أنَّ حشوداً روسية ضخمة وغير مسبوقة أصبحت على الحدود مع أوكرانيا، حيث قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الإثنين 19 أبريل/نيسان، إن عدد الجنود الروس المحتشدين عند الحدود مع أوكرانيا وشبه جزيرة القرم أكثر من 100 ألف. فماذا يعني ذلك؟
كيف ينظر الغرب للحشود الروسية غير المسبوقة هذه؟
المرة الأخيرة التي جمعت فيها روسيا أعداداً ضخمة من القوات على حدود أوكرانيا كانت في عام 2014، حيث غزت البلاد وضمّت إليها شبه جزيرة القرم. ويقول كبير الدبلوماسيين الأوروبيين بوريل، إنه في مواجهة الحشد العسكري الكبير هذا للقوات الروسية بالقرب من حدود أوكرانيا "لن يتطلب الأمر سوى شرارة لتفجير المواجهة"، محذراً من "خطر حدوث مزيد من التصعيد"، بحسب ما نقلت وكالتي الأنباء الفرنسية أسوشيتد برس.
وأضاف بوريل بعد اجتماع افتراضي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إن حشد القوات الروسية، بما في ذلك إقامة المستشفيات الميدانية العسكرية "مسألة مثيرة للقلق". وفي البداية، أخبر بوريل المراسلين أن "هناك أكثر من 150 ألف جندي روسي محتشدون على الحدود الأوكرانية، ليصححه لاحقاً ويقول "إن الرقم كان أكثر من 100 ألف جندي"، وهو ما يقارب تقدير قدمه وزير الدفاع الأوكراني أندريه تاران يوم الأربعاء الماضي، الذي قال إن الحشود الروسية بلغت نحو 110 ألف جندي.
وكان الجنرال تود وولترز، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أوروبا، قد علق الأسبوع الماضي على الحشود العسكرية الروسية الأخيرة بالقول "إنها تعكس حجم ونطاق النشاط الروسي في عام 2014".
من جهته قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، جون كيربي، الإثنين 19 أبريل/نيسان 2021، قد أعلن أن التعزيزات العسكرية الروسية على طول الحدود مع أوكرانيا هي أكبر مما كانت عليه عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، واصفاً هذا الانتشار بأنه "مقلق بشكل جدي".
وأضاف كيربي: "لن أخوض في تحديد الأعداد أو تشكيلات القوات فيما يخص التعزيزات الروسية"، مشيراً إلى أن بلاده تُواصل متابعة التعزيزات العسكرية الروسية، قائلاً: "وهي كما كانت في السابق مثار قلق جدي بالنسبة لنا".
كذلك اعتبر كيربي أن التعزيزات الروسية "لا تساعد على حفظ الأمن والاستقرار على طول الحدود مع أوكرانيا، وحتماً ليس في القرم المحتلة"، وأضاف: "سمعنا الروس بالتأكيد يُعلنون أن هذا كله يتعلق بالتدريب"، مشيراً إلى أنه "ليس من الواضح لنا تماماً أن هذا هو الهدف بالضبط".
وقال مسؤول أمريكي، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن حشد القوات الروسية "بلغ عشرات الآلاف، لكنه لم يكن على علم بمعلومات استخبارية أشارت إلى وجود أكثر من 150 ألف جندي روسي".
وسبق ذلك بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، قال فيه إن الولايات المتحدة أعربت أيضاً عن "قلقها العميق" بشأن خطط روسيا لمنع السفن البحرية الأجنبية وسفن أخرى في أجزاء من البحر الأسود. وقال برايس: "يمثل هذا تصعيداً آخر غير مبرر في حملة موسكو المستمرة لتقويض وزعزعة استقرار أوكرانيا".
"ليس تمريناً روتينياً للقوات الروسية"
وتثير الحشود العسكرية الروسية الضخمة مخاوف من تصعيد وشيك في الصراع المستمر منذ سنوات، والذي عصف بمنطقتي دونيتسك ولوهانسك بشرق أوكرانيا، حيث قاتلت القوات الحكومية الانفصاليين المدعومين من روسيا منذ أن استولى المتمردون على مساحة من الأراضي هناك، في أبريل/نيسان 2014.
ورغم أن الهدف من الحشد الروسي لا يزال غير واضح، فإنه بالتأكيد ليس تمريناً روتينياً عادياً. ويقول خبراء لمجلة Economist البريطانية، إنه على سبيل المثال، يتم استخدام نظام اتصالات عسكري روسي بعيد المدى تم نشره بالقرب من مدينة فورونيج الحدودية مع أوكرانيا، فقط للوحدات الكبيرة جداً، وبالتالي "يشير ذلك إلى حجم الانتشار الضخم".
ويقول مايكل كوفمان من وكالة الأنباء المركزية cna، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن، للمجلة البريطانية، إن تحركات الحشود الروسية "مرئية بشكل قاطع"، ومنظمة بطريقة تشير إلى "عملية عسكرية كبيرة". فيما يقول الخبير روب لي "ليس من الواضح ما الذي تريده روسيا بالفعل، لا أعتقد أن هناك أي هدف مهم بما يكفي يستلزم غزواً برياً لأوكرانيا، مع كل التداعيات التي ستتبع ذلك".
وتجددت المواجهات خلال الأيام الأخيرة بين انفصاليين مؤيدين للروس في شرق أوكرانيا، وبين الجيش الأوكراني، الذي أعلن الإثنين، 19 أبريل/نيسان، عن مقتل جندي من قواته وإصابة آخر خلال قتال مع الانفصاليين.
تخشى أوكرانيا أن يكون الكرملين، الذي يعد الداعم العسكري والسياسي للانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة الدونباس الشرقية، يبحث عن ذريعة لشن هجوم، في حين قالت موسكو إنها "لا تهدد أحداً"، لكنها نددت بما تصفه بـ"الاستفزازات" الأوكرانية.
أوكرانيا لا تزال تنشد الدعم من أوروبا
من جانبه، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي قد طلب، الأسبوع الفائت، من أوروبا، دعماً أكبر لبلاده في مواجهة روسيا، بما في ذلك السماح لها بالانضمام لحلف شمال الأطلسي.
تبع ذلك دعوة من زعماء ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا بعد اجتماع لهم عبر الفيديو يوم الجمعة الفائت، لروسيا، لسحب القوات الإضافية التي ظلت تنشرها على حدودها مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم المحتلة على مدى الأسابيع الماضية.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأوكراني زيلينكسي عبروا عن "قلقهم المشترك إزاء هذه التعزيزات العسكرية"، وأضاف بيان ألماني أن الزعماء الثلاثة "طالبوا بسحب التعزيزات للوصول إلى وقف التصعيد".
يُشار إلى أن القرم أصبحت جزءاً من روسيا بعد أن كانت تتبع أوكرانيا، عقب استفتاء من جانب واحد أُجري بشبه الجزيرة، في مارس/آذار 2014، دون اكتراث للقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
ما الذي يريده بوتين؟
ويجادل ديمتري ترينين، من مركز كارنيجي في موسكو، بأن فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، بدأ الدورة الحالية من التصعيد بنقل أسلحة ثقيلة نحو الحدود، في فبراير/شباط الماضي، مع اتخاذ إجراءات صارمة ضد المعارضة الأوكرانية الناطقة بالروسية من أجل "استفزاز روسيا" وجذب الدعم الغربي، بحسب تعبيره.
ويقول ترينين لمجلة الإيكونومست، إن التعبئة الروسية تهدف إلى "تهدئة حماسة القادة الأوكرانيين". وقد يأمل بوتين في تخويف زيلينسكي من خلال تقديم تنازلات، مثل قدر أكبر من الحكم الذاتي للمتمردين الموالين لروسيا في دونباس.
ومع ذلك، تقول المجلة البريطانية، إن الظروف الداخلية لبوتين ربما شجعته على استعراض عضلاته. حيث اعتقلت حكومته أكثر من 10 آلاف متظاهر في كانون الثاني (يناير) الماضي، خرجوا لدعم أليكسي نافالني، زعيم المعارضة الذي يقبع في سجن سيبيريا.
لكن حتى الآن، فشل بوتين في انتزاع أي شيء من زيلينسكي، الذي تلقى دعماً صريحاً من الغرب. في 2 أبريل/نيسان، اتصل الرئيس جو بايدن بنظيره الأوكراني لأول مرة، معرباً عن الدعم الأمريكي لأوكرانيا، التي ليست عضواً في حلف الناتو حتى الآن، ولا تزال تنشد ذلك.
مع ذلك، فإن أوكرانيا لا تخلو من أصدقاء آخرين. بعد أسبوع من حديثه إلى بايدن، زار زيلينسكي تركيا والتقى بزعيمها رجب طيب أردوغان، حيث تبيع أنقرة لأوكرانيا نفس النوع من الطائرات بدون طيار التي ساعدت أذربيجان على هزيمة أرمينيا في حرب إقليم قره باغ، العام الماضي.