كيف تحولت صناعة السجاد في أفغانستان إلى توثيق عملي لقصة البلد العصي على الاستعمار؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/04/20 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/20 الساعة 09:27 بتوقيت غرينتش
صناعة السجاد في أفغانستان حرفة لها تاريخ عريق/ رويترز

تشتهر أفغانستان بصناعة السجاد اليدوي، وهي حرفة لها تاريخ عريق هناك، ومنذ الغزو السوفييتي للبلاد شهدت تلك الحرفة تغيراً واضحاً فيما يعرف ببداية تقليد "سجادة الحرب"، فما قصتها؟

وواجهت القوات السوفييتية – وكان وقتها الاتحاد السوفييتي القطب الثاني عالمياً في مواجهة الولايات المتحدة – مقاومة شرسة من السكان الأفغان، ونجح المجاهدون المسلحون الإسلاميون المعروفون باسم "المقاتلين من أجل الحرية" في إزعاج القوات السوفييتية بفضل معرفتهم بالتضاريس الجبلية الوعرة وخبرتهم الطويلة في حرب العصابات.

وفي البداية كان المجاهدون السوفييت يهاجمون القوات الغازية باستخدام أسلحة كانوا قد استولوا عليها من البريطانيين في الحرب الإنجليزية الأفغانية الثالثة عام 1919، ثم لاحقاً استخدموا الأسلحة التي كانوا يحصلون عليها من مهاجمة الغزاة السوفييت أنفسهم.

واستمر هذا الصراع حتى عام 1987، عندما زوّدت الحكومة الأمريكية المجاهدين الأفغان بصواريخ مضادة للطائرات طراز FIM-92 Stinger، واستخدمها المجاهدون لاستهداف الطائرات والمروحيات المقاتلة، التي كانت السلاح السوفييتي الأكثر فاعلية ضدهم، حتى خرج آخر الجنود السوفييت من البلاد في 15 فبراير/شباط 1989.

القوات الأمريكية في أفغانستان
قوات أمريكية في أفغانستان – رويترز

وأسفرت 9 سنوات من الحرب عن خسائر باهظة لكلا الجانبين، حيث قُتل ما يقدر بنحو مليون مواطن مدني أفغاني، بالإضافة إلى 90 ألفاً من المجاهدين و 18 ألف جندي أفغاني و15 ألف جندي سوفييتي، جنباً إلى جنب مع فرار ملايين المدنيين الأفغان إلى معسكرات اللاجئين في البلدان المجاورة.

سجاد يمثل "كتالوج الحرب"

وكانت نتائج الغزو السوفييتي ضخمة وأدت تداعياته إلى استمرار الاضطرابات السياسية وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، إلا أنه ألهم أيضاً شكلاً من أشكال الفنون غير التقليدية وهي سجادة الحرب الأفغانية، بحسب تقرير لموقع History Net الأمريكي.

فقد بدأت صناعة السجاد اليدوي، الحرفة التي لها تاريخ عريق في أفغانستان، تقليداً جديداً هو "سجادة الحرب" من خلال تصميمات تصوّر المتفجرات والأسلحة والدبابات على السجاد والمفروشات، بما يحكي ما عاشته البلاد من نزاع عسكري دام عقود.

تحولت صناعة السجاد إلى انعكاس لواقع أفغانستان وتاريخها/ رويترز

واستخدم النسّاجون الأفغان الأساليب والمواد التقليدية الخاصة بحرفتهم المميزة في صنع السجاد اليدوي لتصوير تجربة الحرب التي عاشوها -أو على الأقل الأسلحة المستخدمة فيها.

ويصف إنريكو ماسكيلوني، الخبير في أشكال فنون منطقة آسيا الوسطى والذي نظّم بعض المعارض الأولى لسجاد الحرب الأفغاني، سجاد الحرب بأنَّه يبدو مثل "كتالوج الأسلحة". 

تبدو أيضاً عناصر تصميم سجادة الحرب تقليدية في معظمها، حيث تحيط أنماط زخرفية متكررة إطاراً هندسياً محدداً تظهر داخله الدبابات والمروحيات والقاذفات وبنادق الكلاشينكوف والقنابل اليدوية بدلاً من التصميمات الزخرفية التقليدية أو تتداخل معها. على سبيل المثال، أُدخلت تعديلات طفيفة على تصميم البيزلي (وهو تصميم  من أصول فارسية على شكل دمعة عين بنهاية علوية منحنية) ليصبح ينطوي على أشكال قنابل يدوية أو مروحيات مقاتلة.

أشكال متعددة لسجادة الحرب

وقد ظهرت أنماط متعددة من سجادة الحرب الأفغانية. هناك سجاد الصور، الذي يركز على الصور المبسطة التي توضح حدثاً ما، وهو شكل أقل شيوعاً من أشكال سجادة الحرب. يُعتبر سجاد الصور أقل ارتباطاً على نحوٍ واضح بالسجاد التقليدي في لغته البصرية على الرغم من أنَّ صانعيه يستخدمون نفس تقنية نسج العقد المستخدمة في السجاد التقليدي. 

تجدر الإشارة إلى أنَّه قبل صعود حركة طالبان، التي فرضت نسختها الخاصة من الفقه الإسلامي والتي تحظر تماماً تمثيل البشر في أي وسيلة فنية، كانت بعض تصميمات سجاد الصور تنطوي على صور منسّقة ومبسطة للغاية لقادة عسكريين وسياسيين أفغان، بالإضافة إلى صور تجسّد بطولة مجاهدين يهاجمون الدبابات السوفييتية.

وثّق سجاد آخر انسحاب الجنود السوفييت من البلاد من خلال نسج صورة خريطة تجريدية لأفغانستان في وسط السجادة يحيط بها صور أسلحة ومركبات، ويُعرف هذا النمط باسم "سجاد الخريطة".  

الصراع الأفغاني هو أطول حرب في تاريخ أمريكا/رويترز

ثمة نمط آخر مختلف، يتشابه في الأسلوب مع سجاد الخريطة، يتميز بوجود صورة كبيرة لسلاح واحد فقط، والذي يكون بوجه عام بندقية كلاشينكوف AK-47 أو الصاروخ المضاد للطائرات من طراز "ستينغر"، داخل إطار تقليدي. كما هو الحال في السجاد ذي نمط الخريطة، تحيط بالصورة المركزية الموجودة في المنتصف صور أصغر لأسلحة أخرى. 

كما تطور فن رسم الأيقونات الخاص بسجاد الحرب منذ الثمانينيات ليعكس التغييرات في تجربة أفغانستان في الحرب الحديثة. عندما أصبحت صواريخ "ستينغر" علامة مميزة لوحدات حرب العصابات بعد عام 1986، أصبحت صور تلك الصواريخ إضافة شائعة إلى "كتالوج الأسلحة" المصوّرة على سجادة الحرب. وعندما غزت الولايات المتحدة البلاد في عام 2001، حلت الطائرات المقاتلة من طراز "F-16" ودبابات "M1 Abrams" محل الصور المرتبطة بالغزو السوفييتي.

طريقة الأفغان في توثيق معاناتهم

على هذا النحو، ينظر إلى سجاد الحرب الأفغاني باعتباره ابتكار شعب نادراً ما يكون له صوت في المناقشات العامة بشأن قضايا الحرب والسلطة. تمثل النساء -معظمهن فقيرات غير مُتعلّمات- الأغلبية العظمى من العاملين في صناعة السجاد اليدوي في أفغانستان، حيث توارثن مهارات نسج السجاد من أجيال الأمهات والنساء أسلافهن.

وحاول بعض الرجال العمل في مجال صناعة السجاد اليدوي لكسب لقمة العيش في السنوات التي تدفق فيها اللاجئون الأفغان إلى المخيمات في باكستان. لا يحتفل نسّاجو سجاد الحرب بالانتصارات ولا يكرمون الموتى أو ينتقدون السياسات التي أغرقت بلادهم في صراعات وحروب –وجميعها أنماط شائعة ذات صلة بأشكال أخرى من الفن المرتبط بالحرب. تتسم رؤيتهم، بدلاً من ذلك، بالتجريدية والهندسية وتركز بوجهٍ عام على الأسلحة بدلاً من الجنود الذين يستخدمونها. 

النساء يتوارثن صناعة السجاد في أفغانستان/ رويترز

لا يزال تجار السجاد والناقدون الفنيون غير متأكدين من المصدر الأول الذي ألهم الأفغان لصناعة مثل هذا السجاد. أُنتج معظم سجاد الحرب الأفغاني، المصنوع على مدار الـ40 عاماً الماضية، في ورش عمل منزلية على يد عائلات أفغانية بمهارة تقليدية متوارثة بكل معنى الكلمة.

وكانت سجادة الحرب تباع في الأسواق المحلية، بالإضافة إلى إيران وباكستان. لكن اليوم، بات نسج "سجادة حرب" يُشكّل مقامرة كبيرة لصانعها لعدم وجود سوق مضمون لبيعها في حين إنتاج سجادة واحدة يتطلب تخصيص قدر كبير من الوقت والمال.

وتحوّل السوق الرئيسي لسجاد الحرب إلى خارج أفغانستان، حيث يكون جزءاً من مناقشة أكبر حول ويلات الحرب في هذه الدولة والعلاقات المضطربة بين الغرب والعالم الإسلامي، فهو تذكير ملموس بالفصل الأخير من تاريخ أفغانستان الطويل في مقاومة الغزاة الأجانب. 

 في أفغانستان من خلال تصميمات تصوّر المتفجرات والأسلحة والدبابات على السجاد والمفروشات، بما يحكي ما عاشته البلاد من نزاع عسكري دام عقوداً.

تحميل المزيد