كيف تحولت سلالة كورونا البرازيل إلى لغز قاتل للشباب أكثر من كبار السن؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/04/18 الساعة 08:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/18 الساعة 08:52 بتوقيت غرينتش
وفيات كورونا في البرازيل تدق ناقوس الخطر/ رويترز

عندما ضرب وباء كورونا البرازيل، في فبراير/شباط 2020، كان يمثل خطراً داهماً على كبار السن، شأنها في ذلك شأن باقي دول العالم، لكن الفيروس تحور وأصبحت سلالة P1 البرازيلية أكثر انتشاراً وأشد فتكاً بالشباب أكثر من كبار السن.

إذ بعد مرور عام على انتشار الوباء، وفي الوقت الذي تكافح فيه البرازيل المرحلة الأكثر صدمةً في الجائحة بعد تحولها لبؤرة الوباء عالمياً، ظَهَرَ اتجاهٌ مُقلِق، حيث تعجُّ وحدات العناية المركَّزة بالمرضى الأصغر سناً، ويبدو أن بعضهم يكافح أشكالاً أخطر من المرض، وأُبلِغَ عن عددٍ كبيرٍ بشكلٍ غير عادي من وفيات الرُّضَّع حيث تُوفِّيَ أكثر من ألف طفل برازيلي العام الماضي، مقارنةً بـ43 فقط في الولايات المتحدة.

وتحتل البرازيل حالياً المرتبة الثالثة عالمياً من حيث عدد الإصابات المسجلة بكورونا، والتي بلغت حتى اليوم الأحد 18 أبريل/نيسان أكثر من 13.9 مليون إصابة، والمرتبة الثانية عالمياً من حيث عدد الوفيات، إذ تم تسجيل نحو 372 ألف وفاة، بحسب موقع وورلدميترز كورونا، مع ارتفاع مخيف في معدل الوفيات اليومي بمتوسط نحو 400 وفاة يومياً منذ بداية أبريل/نيسان الجاري.

كورونا وصغار السن والشباب

وقال بيدرو كارفالو، طبيب الرعاية الحرجة من شمال شرقيّ البلاد، الذي استقبلت وحدات العناية المركَّزة في مستشفياته ضحايا كوفيد-19 مِمَّن تتراوح أعمارهم بين 27 و28 و29 و32 و33 و34 في الأيام الأخيرة: "نشهد زيادةً كبيرةً حقاً في أعداد المرضى صغار السن"، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.

وكانت امرأتان قد أنجبتا مولوديهما للتو، وتنتظر زوجة المريض البالغ من العمر 33 عاماً طفلها الرابع، لكنه يخضع لغسيلٍ كلوي وفرصه في النجاة ضئيلة، وأضاف كارفالو: "أشعر حقاً أننا في مركز الإعصار، وأن الأمور تزداد سوءاً وحِدَّة".

وقالت كلاريس بريسان، أخصائية طب المناطق الحارة في مستشفى فيوكروز كوفيد بمدينة ريو، إنها اكتشفت تحوُّلاً مشابهاً في الأسابيع الثلاثة الماضية، بما في ذلك ارتفاعٌ مُقلِق في عدد النساء الحوامل اللاتي يُقبَلن في المستشفى، وأضافت: "لقد انخفض متوسِّط العمر بالفعل. في أحد أيام الجمعة كان لدينا عددٌ أكبر من المرضى في الأربعينيات من العمر أكثر من الذين تجاوزوا الثمانينيات". 

وفيات كورونا البرازيل
وفيات كورونا في البرازيل تحدث أزمة / رويترز

وأضافت بريسان أن "المرضى يبدو أنهم يعانون لفترةٍ أطول مع المرض، وتتدهور حالتهم لاحقاً بعد 12 أو 14 يوماً بدلاً من 10 أيام". وقالت: "لقد رأيتُ شباباً يعانون من أعراضٍ أكثر. لا ينتهي بهم الأمر بالضرورة بظروفٍ أخطر، لكنني أرى عدداً أقل من الشباب الذين لا يعانون من أعراض تماماً، مقارنةً بما كان في بداية الجائحة".

لغز قد تفسره السلالة البرازيلية من كورونا

لا يزال تفسير هذا التحوُّل في تأثير المرض على الأجيال غير واضح، على الرغم من أن البعض يشتبه في أن السلالة الجديدة القابلة للانتقال بشكلٍ كبير والمرتبطة بمنطقة الأمازون البرازيلية قد تكون السبب جزئياً في ذلك. وقال ماركوس بولوس، أخصائي الأمراض المعدية من جامعة ساو باولو، والذي يعتقد أن الفيروس ينتشر الآن بشكلٍ أسرع ويصيب الشباب بشكلٍ أقوى: "من الواضح أنه مرتبط بسلالة P1". 

وقال بولوس إن تطعيم البرازيليين الأكبر سناً يفسِّر جزئياً تزايد نسبة المرضى الأصغر سناً في وحدات العناية المركَّزة. وأضاف: "ليس هناك شكّ في أن الشباب أكثر تأثُّراً، من الناحية الجسدية، بهذه السلالة الجديدة. إنه أمرٌ لا يرقى إليه الشك"، مضيفاً: "في بعض الأحيان يموت هؤلاء الشباب بعد بضع ساعاتٍ أو أيامٍ فقط من الإصابة بأعراضٍ حادة وخطيرة للغاية، ولن تجد أيَّ مرضٍ مشترك أو عاملٍ يفسِّر السبب". 

توفير اللقاحات لكبار السن في البرازيل قد يكون أحد الأسباب/ رويترز

تشتبه بريسان في أن العوامل السلوكية لها دورٌ أيضاً، حيث من المُرجَّح أن البرازيليين الأصغر سناً يرتادون الأماكن التي قد يتعرَّضون فيها لقدرٍ أكبر من الفيروس في كثيرٍ من الأحيان. تقول بريسان: "إن الشباب هم مَن يذهبون للعمل والحفلات والمطاعم والنوادي الليلية"، مضيفةً أن العديد من المرضى الذي رأتهم الآن هم في الأربعينيات من العمر وكانوا من عمال المنازل وعمال النظافة وعمال البيع بالتجزئة.

عائد من الموت

ورصدت الصحيفة البريطانية حالة ميشيل كاسترو، الذي أوشك الفيروس أن يقضي على حياته، ورغم تعافيه فإن الكوابيس لا تزال مستمرة. إذ يسترجع الأب البالغ من العمر 31 عاماً المشاهد المُروِّعة التي تقشعر لها الأبدان، والتي شهدها بينما كان جسده المصاب بكوفيد-19 يكافح من أجل البقاء في وحدة العناية المركّزة في مدينة ريو البرازيلية. كان طفلٌ يبلغ ستة أشهر بجواره مباشرةً وبدا أنه يختنق، ورجلٌ آخر كان يتبوَّل دماً بعد فشل كليتيه. وآلاتٌ مُزعِجة مثيرة للأعصاب تُصدِر إنذاراً للأطباء من أن حياةً أخرى صارت على المحك. 

قال كاسترو، مُحلِّل الأنظمة والمسيحي المتديِّن الذي أُصيبَ بالمرض في أوائل مارس/آذار عندما كانت البرازيل تتجه نحو أسابيع أكثر دموية بسبب كارثة تفشي الفيروس الذي حَصَدَ أرواح أكثر من 372 ألف شخص: "كان ذلك عذاباً حقيقياً حين تغمض عينيك وتشعر كما لو أنك -فليسامحني الرب- في الجحيم". 

وأضاف كاسترو، نافياً فكرة أن كبار السن فقط هم من يتعرَّضون للخطر: "رأيت كلَّ شيءٍ هناك. الأطفال والكبار والشباب ورياضيي كمال الأجسام، كلهم يمرون بالأمر نفسه". وقال: "إذا كنت إنساناً فأنت في خطر. هذا المرض هو مقامرة خطيرة". 

ليس لدى كاسترو أيُّ فكرةٍ عن السلالة التي دفعت به إلى المستشفى في الضواحي الشمالية لريو الشهر الماضي، مع ارتفاع درجة حرارته ووشوك جهازه التنفُّسي على الانهيار. قال: "كانت رئتي سوداء بالكامل"، متذكِّراً كيف أخبره أحد الأطباء بأن شفاءه كان معجزة. 

صورة ليد زائفة ابتكرتها ممرضة برازيلية لمواساة مرضى كورونا

وقال الرجل متذكِّراً ما رآه في الداخل: "إنه أمرٌ مرعب. إنه مثل أفلام الحرب حين ترى مستودعاً مليئاً بالجرحى وتقول: لا، هذا مجرد فيلم. هذا ما يحدث". وبعد ليلةٍ بلا نوم نُقِلَ كاسترو إلى وحدة كوفيد-19 المتخصِّصة، حيث كان على وشك الوفاة، انخفضت مستويات الأكسجين لدى كاسترو وعانى سلسلةً من السكتات القلبية، حيث وصل معدَّل ضربات قلبه إلى 140 نبضة في الدقيقة، ثم تراجع إلى 40 فقط. 

قال كاسترو: "شعرتُ بشيءٍ غريبٍ للغاية لم أشعر به من قبل قط، شعرتُ ببرودةٍ شديدة وألم شديد، كان صدري يؤلمني كثيراً، كنت أسعل كثيراً أيضاً، كلُّ شيءٍ كان مؤلماً، ثم فجأة توقَّف كلُّ شيء، كنت أشعر أنني أموت، لم أعد أشعر بالخوف، لم أشعر بشيءٍ لأن كلَّ شيءٍ قد توقَّف، كان الأمر كما لو أنني مت".

وفي الشهر الماضي، صُدِمَ البرازيليون بشكلٍ خاص من حالة باولو غوستافو، النجم التلفزيوني البالغ من العمر 42 عاماً، والذي قضى أكثر من شهر يكافح من أجل الحفاظ على حياته في وحدة العناية المركَّزة في ريو، رغم كونه لائقاً صحياً في السابق. وفي الأسبوع الماضي، قالت الجمعية البرازيلية لطب العناية المركَّزة إنه لأول مرة كان معظم مرضى كوفيد-19 في العناية المركَّزة أقل من 40 عاماً، وهو كشفٌ ردَّده الأطباء في خطوط الدفاع الأمامية ضد الجائحة.

وفي مارس/آذار الماضي، فقد أكثر من 66 ألف برازيلي حياتهم، ومن المُتوقَّع أن يموت ما يصل إلى 100 ألف في أبريل/نيسان الجاري، حيث أصبحت البلاد الآن المركز العالمي للجائحة، لكن كاسترو نجا، وتلاشى الالتهاب والعدوى فجأة خلال الأيام الأربعة التالية قبل أن يُسمَح له بالعودة إلى منزله. 

وبعد شهرٍ، قال كاسترو إنه لا يزال يعاني من نوبات هلع وإرهاق من حينٍ لآخر، وأخذ يتعلَّم كيف يتنفَّس ويمشي ويأكل. كانت صديقة طفولته أيضاً تكافح من أجل التعافي بعدما كانت على جهاز التنفُّس الصناعي، كانت ضعيفةً للغاية إلى درجة أنها كانت تستخدم إطاراً من أجل التحرُّك مشياً. قال كاسترو عنها: "نحن نتحدَّث عن شخصٍ في العشرينيات من عمره، تمارس الرياضة، وتأكل جيِّداً… ولا تعاني من أيِّ مشكلاتٍ صحية كبيرة، والآن هي منهكة مثل امرأةٍ في التسعين من العمر". 

قال كاسترو، الذي يعتقد أنه أُصيبَ في تجمُّعٍ عائليٍّ صغير، إنه يأمل أن تقنع قصته الشباب البرازيلي الآخرين بأن يحدّوا من المجازفة: "على عكس ما يقولون هذا المرض عدواني للغاية". وأضاف: "إنه يهاجم الشباب، ربما لن يكون عدوانياً معك، وربما لن تشعر بشيء، لكن الشخص الماثل بجانبك سواء كان صديقك أو والدك أو أمك أو عمك أو خالتك قد لا يعود إلى المنزل أبداً".

تحميل المزيد