رغم مرور أكثر من أسبوعين على تعويم السفينة إيفرغيفن التي تسببت في إغلاق قناة السويس لمدة أسبوع، لا تزال سفينة الحاويات العملاقة في انتظار تسوية تعويضات ضخمة، وتتراكم كل دقيقة قبل أن تواصل رحلتها الكارثية.
السفينة المملوكة لشركة يابانية وتشغلها شركة إيفرغرين التايوانية وتديرها فنياً شركة ألمانية كانت قد تعرضت للجنوح في قناة السويس المصرية صباح الثلاثاء 23 مارس/آذار متسببة في إغلاق الممر البحري الأهم لحركة التجارة العالمية، قبل أن تنجح الجهود المصرية في تعويمها يوم الإثنين 29 مارس/آذار ويتم استئناف حركة الملاحة في القناة.
وبعد تعويم السفينة أبحرت في القناة حتى منطقة البحيرات العظمى، حيث بدأت عملية التحقيق في أسباب جنوحها، والتي كان البيان الأول لهيئة قناة السويس والصادر الأربعاء 24 مارس/آذار قد أرجع الحادث للطقس السيئ وسرعة الرياح وانعدام الرؤية، لكن اتضح لاحقاً أنه ربما تكون هناك أسباب أخرى "فنية وبشرية" وراء الحادث الذي ظل حديث العالم طوال الأسبوع الذي ظلت فيه السفينة عالقة قبل تعويمها.
مصادرة السفينة من جانب قناة السويس
السفينة العملاقة يبلغ طولها 400 متر وعرضها 59 متراً، وهي من سفن الشحن الأضخم عالمياً، إذ تبلغ حمولتها أكثر من 18 ألف حاوية عملاقة، وكانت في طريقها من الصين إلى ميناء روتردام الهولندي محملة ببضائع متنوعة تنتظرها أوروبا، وبالتالي كان نجاح جهود تعويمها إيذاناً بانفراج أزمة سببت اضطراباً كبيراً في حركة التجارة العالمية، قدرت خسائرها بنحو 400 مليون دولار في الساعة الواحدة.
لكن تعويم السفينة واستعادة حركة الملاحة في قناة السويس لم يؤدّ إلى انتهاء أزمة إيفرغيفن، بل يمكن القول إن المتاعب المتعلقة بالسفينة قد بدأت ولا يبدو أن هناك نهاية وشيكة لتلك المتاعب، المتمثلة في تعويضات مالية عن الخسائر تطالب بها قائمة ممتدة من المتضررين، وليس فقط هيئة قناة السويس المصرية.
فقد تسبّب الأزمة القانونية التي أبقت السفينة إيفرغيفن راسيةً داخل قناة السويس في تقييد آلاف حاويات الشحن، التي تحمل بضائع يُواجه مالكوها الآن شكاوى ومدفوعات مستحقة جديدة يجب سدادها قبل استلام شحناتهم التي تأخرت كثيراً.
والحاويات العملاقة، التي تحمل على الأرجح الكثير من البضائع الاستهلاكية والأجزاء الصناعية وغيرها من البضائع التي كانت في طريقها إلى أوروبا، عالقةٌ بالتزامن مع غرق سفينة الشحن العملاقة في مطالبات التعويضات الناجمة عن الجهود التي استمرت لنحو أسبوع من أجل تحريرها.
وترك هذا المأزق عملاء شركة الشحن في ورطة بموجب القانون البحري الدولي وأحكام التعاقدات التي أُقِرَّت قبل قرونٍ مضت، والتي ربما تُلزِم تلك الشركات التي تشحن البضائع بالمشاركة في تحمل تكاليف انتشال السفينة من أزمتها، بحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
وتزايدت التعقيدات القانونية يوم الثلاثاء 13 أبريل/نيسان حين أعلنت مصر أنّها صادرت إيفرغيفن لإجبار مالكها الياباني، شركة Shoei Kisen Kaisha Ltd، على تسوية مطالبات تعويض الأضرار التي لحقت بالقناة والتجارة التي تعطّلت بقيمةٍ إجمالية تصل إلى قرابة المليار دولار.
التعويضات الأكبر في تاريخ الشحن البحري
وطلبت الشركة اليابانية من عملائها، الذين يملكون شحنات على متن السفينة، أن يُشاركوا في تحمّل نفقات تحرير السفينة من ضفاف قناة السويس، وتُقدّر تلك النفقات بنحو مليوني دولار وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة، وقال مسؤولون في برنامج تأمين الشركة اليابانية إنّ هناك مبلغاً إجمالياً يصل إلى ثلاثة مليارات دولار متوفرة لتسوية مطالبات الديون.
وجميع الأطراف في انتظار النتائج التي سيتمخّض عنها تحقيق هيئة قناة السويس في أسباب الحادث، ومن المرجح أن يكون ملاك البضائع من أوائل المشاركين في السداد، نظراً لسعيهم إلى تحريك الحاويات سريعاً أثناء حل المشكلات القانونية.
ولكن قبل أن تُبحر السفينة، سيضطر ملاك البضائع لدفع وديعة تأمين تصل إلى نحو 10% من قيمة الشحنات المقدرة كضمان على التزامهم بقرار خبراء تسوية مطالبات التأمين عند إصدار الفاتورة النهائية، وسيجري تسليم الوديعة لشركات التأمين بموجب المبادئ المعروفة باسم (العوار)، وهي قوانين مدرجة في فواتير الشحن ووثائق التأمين.
وفي حال رفض الأطراف المشاركة، فمن المحتمل أن تجري مصادرة السفينة لسداد التكاليف والأضرار، وربما يقع آلاف العملاء من مالكي البضائع على متن إيفرغيفن تحت طائلة المسؤولية القانونية. إذ كانت السفينة، التي تُديرها شركة Evergreen Marine Corp التايوانية، تحمل 18 ألف حاوية شحن -بالأبعاد البحرية القياسية- في طريقها من آسيا إلى أوروبا حين جنحت في قناة السويس.
وبوجود هذا العدد الضخم من الحاويات على متنها، فقد يصل إجمالي المسؤولية القانونية المحتملة إلى عشرات الملايين من الدولارات، ولأغراض العوار، قدّرت صناعة التأمين قيمة الشحنات بما يصل إلى 20 ألف دولار للحاوية الواحدة وفقاً لآلان ماركس، المحامي البحري في مكتب Campbell Johnston Clark.
وأضاف ماركس للصحيفة الأمريكية: "لكن العملية معقدة لأنّ بعض المالكين ربما ينقلون بضائع منخفضة القيمة مثل الخردة، بينما ينقل آخرون بضائع باهظة الثمن مثل الحواسيب المحمولة والأجهزة اللوحية. وسيأخذ خبراء تسوية مطالبات التأمين هذا الأمر بعين الاعتبار. وأتوقّع أن يستغرق الأمر فترةً تتراوح بين ثلاث إلى أربع سنوات".
بينما قال جون ميكلوس، رئيس معهد American Institute of Marine Underwriters الأمريكي للتأمين البحري، إنّه يتوقّع أن تتحرك السفينة قريباً وأن يجري حل المطالبات لاحقاً: "سيجري إطلاق سراح السفينة لأنّه في حال أراد المصريون أن يواصل الناس استخدام قناة السويس؛ فلن يحتفظوا بالسفينة مقابل الحصول على فدية. وعملية العوار سوف تستغرق سنوات لحل أكبر مشكلة شهدتها جداول البيانات على الإطلاق".
وحول تفاصيل مبلغ التعويض الذي تطالب به هيئة قناة السويس المصرية، أصدر نادي التأمين البريطاني وهو أحد شركات التأمين المشاركة في التأمين على السفينة إيفرغيفن بياناً، الثلاثاء 13 أبريل/نيسان، قال فيه إنه قام بالرد على مطالبة هيئة قناة السويس بمبلغ 916 مليون دولار، مفنداً الأساس الذي بني عليه تقدير المبلغ الضخم.
"على الرغم من أن المبلغ الضخم الذي تطالب به هيئة قناة السويس كتعويضات، فإن الشركة المالكة للسفينة وشركات التأمين تتفاوض مع هيئة القناة بحسن نية، وتم بالفعل تقديم عرض كريم ومدروس بعناية لتسوية النزاع وذلك يوم الإثنين 12 أبريل/نيسان"، بحسب بيان النادي البريطاني الذي نشرته شبكة CNN الأمريكية.
البيان أضاف أن "هيئة قناة السويس لم تقدم تبريراً تفصيلياً للمبلغ الضخم الذي يطلبونه كتعويض، والذي يشمل 300 مليون دولار كمكافأة إنقاذ إضافية و300 مليون دولار تعويضاً عن التداعيات السلبية على سمعة القناة، رغم أن جنوح السفينة لم يتسبب في حدوث تلوث أو خسائر بشرية وبعد تعويم السفينة عادت حركة الملاحة إلى طبيعتها مباشرة".
الخلاصة هنا هي أن الأمور على الأرجح تسير في اتجاه معركة قانونية ممتدة لحسم ملف التعويضات الناجمة عن جنوح السفينة العملاقة، والتي يعتقد أغلب المتخصصين في أزمات الشحن البحري أنها ستكون التعويضات الأضخم على الإطلاق في تاريخ الشحن البحري، وكلما طالت المدة، ارتفعت قيمة التعويضات، خصوصاً بالنسبة لملاك البضائع التي تحملها السفينة العملاقة.