المعارضون اعتبروه “انقلاباً على الشرعية”.. قانون مثير للجدل بالصومال يهدد بـ”تقسيم البلاد” ويثير قلق الخارج

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/15 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/01 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو/ الأناضول

وقّع الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو قانوناً مثيراً للجدل، لتمديد فترة ولايته لمدة عامين، على الرغم من التهديدات بفرض عقوبات دولية. وهذه الخطوة هي الأحدث في أزمة سياسية متفاقمة في الصومال، ويحذر محللون من أنها تهدد بتقويض عملية السلام والاستقرار في الدولة الواقعة في القرن الإفريقي، وتهدد بتمزيق نظامها السياسي، في ظل تنافس قوى دولية عدة عليها.

ما الذي حدث في الصومال؟

صوّت مجلس النواب في البرلمان الصومالي هذا الأسبوع على تمديد ولاية فرماجو لمدة أربع سنوات، التي انتهت في فبراير/شباط الماضي، لمدة عامين آخرين. وقال رئيس مجلس النواب محمد مرسال شيخ عبدالرحمن إن الإجراء سيسمح للبلاد بالتحضير لانتخابات مباشرة.

ثم وقع فارماجو على تمديد التفويض المتنازع عليه ليصبح قانوناً، على الرغم من أن القرار لم يُعرض على مجلس الشيوخ، وهو أمر مطلوب عادةً. وانتقد رئيس مجلس الشيوخ، عبدي حاشي عبدالله على الفور هذه الخطوة، ووصفها بأنها غير دستورية، قائلاً إنها "ستقود البلاد إلى عدم استقرار سياسي" وتشكل مخاطر أمنية، بحسب ما نقلت فرانس برس.

ويعني توقيع القانون الجديد ليصبح ساري المفعول إلغاء جميع الاتفاقات بين الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، بشأن إجراء انتخابات "غير مباشرة"، أي عبر ممثلين قبليين، وليس عبر اقتراع شعبي مباشر. كما أن إقرار القانون يعني ضمناً تمديد فترة ولاية الهيئات التشريعية والتنفيذية لمدة عامين.

وأثار القانون الجديد انتقادات حادة في الساحة السياسية الصومالية، حيث اعتبرت المعارضة السياسية والمرشحون في سباق الرئاسة الصومالية تلك الخطوة "انقلاباً" على الشرعية، بحسب وكالة الأناضول.

وثمة خلافات بين الحكومة من جهة ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى، حول تفاصيل متعلقة بآلية إجراء الانتخابات. وأدت هذه الخلافات إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، دون تحديد موعد لها، رغم عقد جولات تشاورية عديدة في بلد يتعافى من تداعيات حرب أهلية اندلعت إثر انهيار الحكومة المركزية عام 1991.

لماذا تثير خطوة الرئيس الصومالي قلق الأطراف الدولية؟

ترتبط الصومال التي تحظى بموقع استراتيجي في القرن الإفريقي بعلاقات مع العديد من القوى الدولية التي تدعم الحكومة الحالية، وتملك العديد من هذه الدول نفوذاً سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً داخل البلد الذي يمتلك أطول حدود بحرية في القارة الإفريقية، وعانى طويلاً من الحرب الأهلية، وبالتالي فإن أي أزمة داخلية قد تهدد استقرار البلاد، ستؤثر على مصالح هذه الدول، وتستدعي على الفور موقفاً منها.

وفي هذا الإطار، أدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قرار الرئيس الصومالي بسبب مخاوف من أنه قد يعمق الانقسامات في البلاد. وقالت الولايات المتحدة التي تعد من الحلفاء الرئيسيين للصومال إنها "تشعر بخيبة أمل شديدة" من الرغبة في تمديد فترة الرئاسة.

ورأى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بيان الأربعاء أن تمديد ولاية الرئيس، من شأنه أن "يخلق انقسامات عميقة ويقوض عملية الفيدرالية والإصلاحات السياسية التي كانت في صميم تقدم البلاد وشراكتها مع الأسرة الدولية، ويصرف الانتباه عن محاربة "حركة الشباب المجاهدين" المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وحذر بلينكن من أن هذا القانون "سيجبر الولايات المتحدة على إعادة تقييم علاقاتها الثنائية" مع الحكومة الصومالية، و"النظر في جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك العقوبات والقيود المفروضة على التأشيرات، للرد على تقويض جهود السلام والاستقرار".

من جهته، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في بيان الثلاثاء، إن هذا القرار "سيقسم الصومال ويسبب مزيداً من التأخير، ويشكل تهديداً خطيراً للسلام والاستقرار في الصومال وجاراتها".

وأعرب شركاء الصومال الدوليون، الأربعاء، عن قلقهم حيال تمرير البرلمان الصومالي مشروع إجراء انتخابات مباشرة في البلاد تُجرى خلال عامين. جاء ذلك في بيان مشترك للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD)، وبريطانيا، وإيطاليا، وهولندا، وألمانيا، وإسبانيا، والولايات المتحدة.

وقال البيان: "نشعر بقلق بالغ إزاء تمرير البرلمان مشروع قانون انتخابات جديدة بدلاً من اتفاق 17 سبتمبر/أيلول الماضي"، معتبراً أن القانون الجديد "سيؤدي إلى تمديد طويل لولايات الرئيس والبرلمان".

وأضاف أن مشروع القانون الذي أقره البرلمان الصومالي، في 12 أبريل/نيسان "سيقوض السلام والأمن والاستقرار في الصومال وخارجه، كما سيؤدي إلى مزيد من التأخير في إجراء انتخابات ذات مصداقية قد ينتظرها الشعب الصومالي".

وأكد البيان أن تنفيذ اتفاق 17 سبتمبر/أيلول الماضي "سيبقى أفضل مسار متاح للانتخابات"، كما حثّ الحكومة الصومالية، ورؤساء الولايات على العودة إلى المحادثات للاتفاق وللمضي قدماً. كما دعا البيان جميع الأطراف إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، ومواصلة الحوار وتجنب الإجراءات أحادية الجانب التي قد تؤجج التوترات".

ما تبعات هذا القرار على الصومال داخلياً؟

كان الرئيس الصومالي وزعماء الولايات الفيدرالية الخمس شبه المستقلة في الصومال قد توصلوا إلى اتفاق، في سبتمبر/أيلول، للتحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية غير مباشرة في أواخر عام 2020 وأوائل عام 2021. وكجزء من الاتفاق تم وضع الخطط للانتخابات بأن تبدأ في نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن الصفقة فشلت في مواجهة خلافات حول كيفية إجراء التصويت، في حين فشلت محادثات في فبراير/شباط بين الرئيس وقادة الولايات الاتحادية في البلاد في كسر الجمود.

واتهم زعماء ولايتي جوبالاند وبونتلاند الفيدراليين الرئيس الصومالي بالتراجع عن الصفقة، وحشو مجالس الانتخابات بحلفائه، وهو ادعاء نفاه فارماجو. واتهم الرئيس زعماء المنطقة بخلق المشاكل، لكن جماعات المعارضة قالت إنها لن تعترف بعد الآن بسلطته بعد انتهاء فترة ولايته.

وترى المعارضة أن خطوة الرئيس "غير قانونية، ويمكن أن يؤدي بالبلاد إلى أزمة سياسية". وشكّل خصوم فارماجو في جوبالاند وبونتلاند تحالفاً مع قوى من الطامحين للرئاسة وغيرهم من المعارضة ذات الوزن الثقيل في العاصمة مقديشو. ومن بينهم رئيسان سابقان ورئيس مجلس الشيوخ.

وحذّر معارضو الرئيس من أن خطوته تهدد السلام والاستقرار في الصومال، وهو تهديد محتمل، نظراً للاشتباكات السابقة بين جوبالاند والقوات الحكومية، ويقود بعض أعداء فارماجو ميليشيات قبلية.

وكانت هناك بالفعل بعض الانشقاقات البارزة في سلطة الرئيس، حيث أقيل قائد شرطة مقديشو بعد محاولته إغلاق البرلمان قبل التصويت على القانون، وأعلن "أن ما يحدث هو سرقة للسلطة". ويخشى محللون من انقسام قوات الأمن الصومالية على أسس سياسية وعشائرية، فضلاً عن اندلاع القتال في مقديشو بعد قرار الرئيس.

إلى أين يمكن أن تؤدي هذه "الأزمة الخطيرة" بالصومال؟

يقول محمد مبارك، المدير التنفيذي لمنظمة مرقاتي، وهي منظمة غير حكومية مناهضة للفساد تدافع عن الحكم الرشيد والشفافية في الصومال، لقناة الجزيرة: "لا يوجد ضوء في نهاية النفق، الرئيس يتمسك بالسلطة ولا يوجد اتفاق سياسي على الوضع الحالي، نحن في وضع خطير للغاية".

وحذر محللون من أن الخلاف السياسي يصبّ مباشرة في أيدي حركة الشباب المتطرفة، الجماعة المسلحة التي تسيطر على مساحات شاسعة من الصومال وتشن هجمات متكررة بهدف الإطاحة بالحكومة المعترف بها دولياً في مقديشو.

وأطلق المقاتلون المرتبطون بالقاعدة مقاطع فيديو دعائية في الأسابيع الأخيرة، تستغل الفوضى السياسية في البلاد، وتصوّر النخبة في البلاد على أنها متعطشة للسلطة وغير صالحة للحكم. يقول مبارك إن هم هذه الجماعة المتطرفة الأساسي هو "محو حكم القانون".

وأضاف مبارك: "الرئيس يستخدم قوات الأمن بالطريقة التي يراها مناسبة، لذا فإن شاغلي الرئيسي هو أنه حتى لو تمت إزالة فرماجو أو بقي فهذا هو المعيار. إذ سيحاول كل رئيس تمديد ولايته، وسيحاول استخدام قوات الأمن لترهيب أعدائه، وسيحاول تثبيت قدميه في الولايات الفيدرالية". يضيف مبارك: "أعتقد أن هذا أمر خطير للغاية بالنسبة لمشروع بناء الدولة في الصومال".

ويشير المدير التنفيذي لمنظمة مرقاتي، إلى أن القوى العالمية لديها نفوذ كبير في الصومال، حيث "تستمد الحكومة قوتها من الدعم الدولي والاعتراف الذي تتلقاه، لذا نحن بحاجة إلى أن يتحرك المجتمع الدولي". مؤكداً أنه يجب أن تكون هناك "تهديدات موثوقة بفرض عقوبات واتخاذ إجراءات، وإلا فإن الرئيس سيواصل فعل ما يفعله، وسيواصل أنصار الصومال، بسبب "مكافحة الإرهاب" دعم الحكومة، لأنه لا يوجد بديل آخر".

تحميل المزيد