تحولت صفقة الأسلحة الأمريكية الموعودة للإمارات والتي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار وتشمل طائرات إف 35 المحظورة على دول المنطقة باستثناء إسرائيل إلى ما يشبه "اللغم"، بعد أن عبر الكونغرس عن قلقه من إتمامها رغم قرار الرئيس جو بايدن المضيّ قدماً فيها.
الإعلان عن الصفقة كان قد جاء في أعقاب الإعلان عن التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في أغسطس/آب 2020 أثناء إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وكانت الموافقة على بيع الطائرات الشبحية إف 35 للإمارات على الأرجح جزءاً من صفقة التطبيع، ورغم خسارة ترامب الانتخابات أعطى الموافقة من جانب الإدارة على المضي قدماً في الصفقة الضخمة التي لا تقتصر على الطائرات الشبحية، على الرغم من اعتراضات مشرعين وحقوقيين عليها.
وبعد أن تولت إدارة بايدن المسؤولية في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت الخارجية الأمريكية أن الصفقة، التي تضم أيضاً درونات أمريكية متطورة من طراز ريبر وصواريخ هجومية وذخائر أخرى، تخضع للمراجعة من جانب الوزارة، في إطار مراجعة قرارات إدارة ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو المثيرة للجدل.
تعليق الصفقة من جانب بايدن ثم التراجع والمضي قدماً
كان ترامب قد وقع على الصفقة بعد أن ظهرت نتيجة الانتخابات التي خسرها ومساء الإثنين 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جلسة سرية مع مسؤولين من إدارته بخصوص الصفقة المقترحة وبمجرد انتهاء الجلسة عبّر أحد أعضاء اللجنة عبر تويتر عما دار في الجلسة العاصفة، بحسب تقرير لموقع Vox الإخباري، بعنوان "تفاصيل المعركة بشأن صفقة الأسلحة الضخمة التي أبرمها ترامب مع الإمارات".
واتضح أن قيمة الصفقة تبلغ 23 مليار دولار وتشمل 50 طائرة إف 35 من الجيل الخامس، و20 طائرة مقاتلة بدون طيار من طراز ريبر وحوالي 14 ألف قنبلة وذخيرة، لكن الصفقة أثارت عاصفة من الانتقادات داخل الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بالدور الإماراتي المزعزع للاستقرار في المنطقة وبصفة خاصة في اليمن وليبيا.
وبعد تولي إدارة بايدن، قررت في 27 يناير/كانون الثاني تعليق الصفقة بغرض المراجعة، وهو القرار الذي أشادت به منظمات حقوق الإنسان والمشرعون الديمقراطيون في الكونغرس ورأوه متسقاً مع رغبة الإدارة الجديدة في إنهاء الحرب في اليمن، وبعد إصدار بايدن قراراً بوقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في اليمن ووقف بيع أسلحة هجومية للدولتين، بدا أن الصفقة الضخمة للإمارات قد توقفت.
لكن الثلاثاء 13 أبريل/نيسان أعطت إدارة بايدن مرة أخرى الضوء الأخضر للمضي قدماً في الصفقة، بعد انتهاء عملية المراجعة، وهو ما أثار انتقادات عنيفة من جانب منظمات حقوقية، كما عبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، وهو ديمقراطي، عن قلقه الذي يشاركه إياه مشرعون آخرون بشأن قرار إدارة بايدن المضيّ قدماً في بيع الأسلحة المتطورة للإمارات، قائلاً إنهم "سيراجعون الصفقة".
وفي بيان أصدره، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية جريجوري ميكس: "لا يزال لدي العديد من الأسئلة حول أي قرار تتخذه إدارة بايدن للمضيّ قدماً في عمليات النقل التي اقترحتها إدارة ترامب لطائرات إف 35 وطائرات مسيرة مسلحة وذخائر وأسلحة أخرى"، مضيفاً: "لحسن الحظ، لن تحدث أي من هذه المبيعات في أي وقت قريب، لذلك سيتاح للكونغرس متسع من الوقت لمراجعة ما إذا كان ينبغي المضي قدماً في تلك العمليات وما هي القيود والشروط التي ستُفرض".
وفي هذا السياق كان متحدث باسم الخارجية الأمريكية قد أفاد بأن صفقة الأسلحة للإمارات ليس من المتوقع أن تتم حتى ما بعد عام 2025، بحسب تقرير لصحيفة Times Of Israel الإسرائيلية رصد "حالة عدم الارتياح المتزايدة في واشنطن تجاه فكرة بيع مثل تلك الأسلحة المتقدمة للإمارات في ضوء دور أبوظبي في الحرب في اليمن، وهو ما عكسه التصويت المتقارب للموافقة في الكونغرس أواخر العام الماضي، حيث كان الجمهوريون يتمتعون بالأغلبية في مجلس الشيوخ".
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نفسه كان قد عبر عن استيائه من الصفقة، أثناء الانتخابات حين كان مستشاراً للسياسة الخارجية في حملة بايدن، وقال وقتها في حوار مع الصحيفة الإسرائيلية إن تل أبيب هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط المسموح لها بامتلاك طائرات إف 35، كما عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رفضه أيضاً بيع تلك الطائرات للإمارات رغم توقيع أبوظبي لاتفاق التطبيع مع الدولة العبرية.
هل يستطيع الكونغرس وقف الصفقة؟
الجدل الذي أثارته تلك الصفقة، التي وقعها ترامب في الساعة الأخيرة لوجوده في البيت الأبيض حرفياً، لا يقف عند عتبات الكونغرس حصرياً لكنه يتخطاها إلى جماعات حقوق الإنسان والرافضين للحروب عموماً وللحرب في اليمن بصفة خاصة، إذ تمثل كارثة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم.
ونشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تقريراً في هذا الخصوص رصد تنديد "النشطاء المناهضون للحرب بصفقة الأسلحة الأمريكية للإمارات لأنها تكافئ أبوظبي على سلوكها غير السؤول في المنطقة"، كما نقلت وكالة رويترز عن فيليب ناصيف، مدير برنامج كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في فرع الولايات المتحدة لمنظمة العفو الدولية، انتقادات عنيفة لإدارة بايدن في نفس الشأن.
وقال ناصيف في بيان: "الطائرات الأمريكية المسيرة قد تكون مسؤولة عن الهجمات الإماراتية التي تنتهك القانون الإنساني الدولي وتقتل وتجرح آلاف المدنيين اليمنيين".
كما رفع مركز نيويورك لشؤون السياسة الخارجية دعوى قضائية بشأن الصفقة، وقال مدير المركز جاستن توماس راسل إن الأسلحة يمكن أن تقع في الأيدي الخطأ، وإن المركز كان يأمل في أن تضع إدارة بايدن المخاوف الإنسانية على رأس أولوياتها، وأضاف في بيان: "كنا نأمل في أشياء أفضل من إدارة بايدن.. والآن تبددت هذه الآمال".
وبالتالي فإن الأجواء المحيطة بتلك الصفقة الملغومة تطرح تساؤلات ضخمة بشأن ما قد يتخذه الكونغرس من إجراءات لعرقلة الصفقة، خصوصاً أن إدارة بايدن نفسها قد أعلنت الدخول في "مناقشات جادة مع الجانب الإماراتي" بشأن الصفقة قبل وأثناء وبعد إتمامها، إن تمت بالفعل".
ففي تقرير لشبكة CNN الأمريكية، قالت مصادر في البيت الأبيض ووزارة الخارجية إنه على الرغم من نية الإدارة المضي قدماً في الصفقة، فإن "مراجعة التفاصيل مستمرة وستسمر لضمان التوصل إلى تفاهمات مشتركة مع الإماراتيين فيما يخص التزاماتهم قبل وأثناء وبعد تسليم الأسلحة، إن تم التسليم بالفعل".
وقال أحد المصادر للشبكة الأمريكية إن "التوقيتات المتوقعة لتسليم الأسلحة إلى الإماراتيين هي عام 2025 على الأقل أو بعد تلك السنة"، مضيفاً: "وبالتالي نتوقع حواراً سريعاً ومباشراً مع الإمارات يتعلق بالتزامهم المطلق بأهدافنا الاستراتيجية المشتركة لبناء شراكة أمنية أقوى وأوضح وأكثر قدرة".
الخلاصة هنا هي أن تلك الصفقة التي وعد ترامب الجانب الإماراتي بها في إطار صفقة التطبيع مع إسرائيل قد تحولت، بحسب كثير من المراقبين الأمريكيين، إلى ما يشبه "الطرد الملغوم" وأن الكونغرس والإدارة سيضعان قيوداً صارمة على استخدام تلك الأسلحة وتخزينها، ليس فقط لضمان عدم استخدامها في استهداف مدنيين أو زعزعة استقرار المنطقة المضطربة من الأساس ولكن أيضاً لضمان عدم انتقال تكنولوجيتها المتطورة إلى أيدي منافسين أو أعداء لواشنطن، في حال تمت الصفقة من الأساس، وهو أمر مؤجل إلى ما بعد عام 2025 على الأقل.