يعتمد الاقتصاد في الجزائر على النفط بصورة شبه كاملة، إذ إن 93% من موارد البلاد المالية تأتي عبر تصدير المحروقات، فكيف يمكن أن ينجح سعي الرئيس عبدالمجيد تبون نحو تقليل تبعية البلاد المفرطة للنفط؟
وترتبط قصة الاقتصاد الجزائري بعاملين رئيسيين هما النفط والاحتياطي من النقد الأجنبي في البلاد، ويشهد العاملان تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، وكشف تصريح للوزير المكلف بالتنبؤ بالأوضاع الاقتصادية، شريق بلميهوب، مؤخراً، بأن "الجزائر لم تعد من بلدان النفط"، عن الحاجة الملحّة بالفعل للبحث عن مصادر أخرى لتنويع الاقتصاد.
فعلى الرغم من كون الجزائر بلداً غنياً بالنفط والغاز وهي إحدى دول منظمة أوبك، فإن تراجع أسعار النفط واعتماد اقتصاد البلاد بصورة أساسية على صادرات النفط والغاز جعلا الإيرادات لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، وفي هذا السياق نشر موقع Al-Monitor الأمريكي تقريراً عن الوضع الاقتصادي للجزائر حالياً، شبَّه الأوضاع بسيارة نفد منها الوقود، ولذلك أسباب متعددة لا تتعلق فقط بتراجع أسعار النفط ولا حتى بالتداعيات الاقتصادية الكارثية لوباء كورونا، بل تمتد إلى ما هو أبعد وأعمق.
ففي الوقت الراهن وبينما تُواصل أسعار النفط ثباتها منذ عام 2014، ينفد وقت الحكومة الجزائرية وفرصها للمناورة، وبالتوازي، شهدت البلاد انخفاضاً هائلاً في حجم الصادرات، تزامناً مع انخفاض مبيعات النفط في الخارج بنسبة الثلث تقريباً بين عامَي 2011 و2019، كما تشير الدلائل إلى مواصلة الانخفاض في المستقبل.
أما العامل الثاني وهو احتياطيات الجزائر من النفط الأجنبي فنجد أنه في فبراير/شباط 2020، أعلن محافظ البنك المركزي الجزائري وقتها، بن عبدالرحمن أيمن، أن الاحتياطيات الأجنبية للجزائر انخفضت 10.6 مليار دولار في تسعة أشهر، بسبب هبوط إيرادات الطاقة في البلاد، وفي ذلك التوقيت لم تكن جائحة كورونا قد بدأت بعد في الانتشار وإصابة الطلب على النفط بالشلل.
وفي ذلك الوقت قبل عام، قال أيمن إن الاحتياطي من النقد الأجنبي بلغ 62 مليار دولار، وكان هذا الرقم يقترب من 100 مليون دولار بنهاية عام 2017، وخلال السنوات الست منذ 2014 وحتى 2020، انخفض الاحتياطي من النقد الأجنبي في البلاد بأكثر من النصف.
وخلال العام الماضي، زاد الاستهلاك المحلي للهيدروكربونات؛ مما أدى إلى تقلص الاحتياطي المتاح للتصدير، وبعدما وافقت دول أخرى في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على خفض الإنتاج العام الماضي استجابة للوباء، لا تزال معظم الدول المنتجة للنفط تنتهك الحصة المقررة، فيما وجدت "سوناطراك" الجزائرية المملوكة للدولة، والمتعثرة بسبب إدارتها وسوء تخطيط استثماراتها، صعوبة في إنتاج الحصة المقررة.
محاور خطة الرئيس تبون الاقتصادية
وفي ظل هذه الصورة المقلقة، أعلن الرئيس عبدالمجيد تبون عن خطة إنعاش جديدة تهدف إلى إيجاد وتنمية قطاعات غير نفطية في البلاد، للخروج باقتصادها من التبعية المفرطة للنفط والغاز الطبيعي، وفي لقاء ضم الحكومة ومنظمات رجال الأعمال والنقابات قبل أشهر لشرح معالم خطة الإنعاش الاقتصادي العام الماضي، قال الرئيس تبون إن بلاده تسعى لبلوغ 5 مليارات دولار صادرات خارج قطاع الطاقة التقليدية.
وكشف الرئيس الجزائري الشهر الماضي أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بلغت 44 مليار دولار، معتبراً أنه رقم يوفر هامشاً للتحرك على مدى العامين المقبلين.
وكانت احتياطيات الجزائر من النقد الأجنبي قد بلغت ذروتها منتصف 2014 عندما تجاوزت 194 مليار دولار، لكنها سرعان ما تهاوت بفعل الأزمة النفطية، ويعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة للمحروقات، إذ تمثل عائدات النفط والغاز 93% من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي.
وبلغت الصادرات غير النفطية في الجزائر عام 2020 نحو 2.26 مليار دولار، مقابل 23 مليار دولار هي صادرات المحروقات، وتتضمن خطة الرئيس تبون ثلاثة محاور كبرى و20 بنداً لإصلاح وإنعاش اقتصاد البلاد المتضرر من ثنائية فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط.
وتصدَّر الإصلاح المالي المحاور الكبرى لخطة إنعاش اقتصاد الجزائر، إضافة للتجديد الاقتصادي ومقاربة اقتصادية لمكافحة البطالة وخلق الوظائف في السوق المحلية، وتضمن الإصلاح المالي عدة بنود، هي: مراجعة النظام الجبائي، واعتماد قواعد جديدة لحوكمة الموازنة، وتحديث النظام البنكي.
أما محور التجديد الاقتصادي فورد فيه 12 بنداً، وركز على تحسين فعلي لمناخ الأعمال، وتبسيط قوانين الاستثمار وإزالة العراقيل البيروقراطية التي تكبح المستثمرين.
ويعتزم الرئيس الجزائري أيضاً تطوير شُعب صناعية على غرار الصناعات الزراعية الغذائية والإلكترونيات والأجهزة الكهرومنزلية والميكانيكا والصيدلة، كما يحظى قطاع المناجم باهتمام حكومة الرئيس تبون وفق الوثيقة، وسيتم استغلال مناجم الفوسفات والذهب والحديد والزنك والرخام.
ويأتي في هذا السياق توقيع المؤسسة الجزائرية للحديد والصلب "فيرال" نهاية مارس/آذار الماضي مذكرة تفاهم مع ائتلاف صيني لاستغلال منجم غار جبيلات، أحد أكبر 3 مناجم حديد في العالم من حيث الاحتياطي، وهي الصفقة التي وصفها وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب بـ"التاريخية"، إذ تبلغ احتياطيات منجم غار جبيلات (المؤكدة) 3.5 مليار طن، منها 1.7 مليار طن يمكن استخراجها، وبتركيز عالٍ يصل إلى 57% من الحديد.
كما جاء في خطة تبون تركيز الحكومة على تطوير الزراعة، بالوصول إلى تلبية حاجيات البلاد من المنتجات الزراعية والحيوانية بحلول 2024، وتكثيف عمليات الزراعة الجبلية في الشمال والمناطق الصحراوية (جنوب)، وكانت مساعي الحكومات المتعاقبة منذ عقود قد فشلت في رفع صادرات البلاد غير النفطية التي لم تتجاوز 3 مليارات دولار في أحسن الأحوال.
عقبات على طريق الإنعاش الاقتصادي
المحلل الاقتصادي والأستاذ بجامعة الجزائر الحكومية أحمد سواهلية، من جانبه، يعتقد أن السلطات الجزائرية عليها أخذ عدة تهديدات بعين الاعتبار، وذلك فيما يتعلق بخطة الإنعاش الاقتصادي التي أعلن الرئيس عنها مؤخراً.
وتتمثل هذه التهديدات، كما قال سواهلية للأناضول، أساساً في العجز الدائم لميزان المدفوعات، وخاصة عجز الميزان التجاري، واعتماد الاقتصاد على قطاع النفط بشكل مفرط، إضافة إلى استمرار عجز الموازنة العامة رغم تخفيض النفقات الحكومية بواقع النصف جراء الأزمة المزدوجة لفيروس كورونا وتهاوي أسعار النفط.
ويضاف إلى هذه التهديدات عامل الوضع الصحي العالمي الصعب الذي عطل المؤسسات الاقتصادية عن نشاطها، حسب المحلل سواهلية الذي أوضح أن من معايير نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، إيجاد اقتصاد بديل للنفط وإنعاش القطاعات خارج قطاع المحروقات هو تجسيدها ميدانياً ونقلها من خطة مجردة على الورق إلى التنفيذ الميداني.
واعتبر أن الخطة يمكنها النجاح أولاً لوجود إرادة سياسية في ذلك، شريطة الاعتماد على كفاءات بشرية في كافة الميادين تنقل الخطة من مجرد فكرة إلى التنفيذ على أرض الواقع، كما يتوجب على حكومة تبون تفعيل دور الرقابة الدورية لإنجاح الخطة، وخاصة دور الهيئات الرقابية، في ظل بيروقراطية خانقة خصوصاً في الولايات والبلديات.
تنشيط قطاعات اقتصادية أخرى
ويشرح سواهلية أن قطاعات الفلاحة (الزراعة) والصناعة والسياحة يمكن أن تكون المفتاح لنجاح خطة الإنعاش الاقتصادي وعودة الجزائر إلى التصدير من قطاعات غير المحروقات، مضيفاً: "إمكانيات الفلاحة والصناعة والسياحة يمكنها كبح جماح الاستيراد المفرط.. يمكن خلق صناعة محلية للمنتجات الفلاحية والزراعية في مرحلة أولى تغطي الاحتياجات المحلية والتصدير في مرحلة ثانية".
من جانبه، يرى مسؤول القسم الاقتصادي بصحيفة الخبر (خاصة)، حفيظ صواليلي، أنه من الصعب الجزم على المدى القصير بنجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، التي تتطلب في البداية توفير وتهيئة ظروف موضوعية وواقعية لنجاحها.
ويوضح صواليلي للأناضول أن بيانات التجارة الخارجية تشير إلى أن الصادرات غير النفطية والغازية بلغت عام 2020 نحو 2.26 مليار دولار، مقابل 2.58 مليار دولار في 2019 بتراجع نسبته 12.59%.
ويضيف: "وفقاً لبيانات الصادرات خارج المحروقات يلاحظ أن 5 مصدرين فقط يسيطرون على 73% من مبيعات البلاد للخارج من غير القطاعات النفطية والغازية، من أصل 1153 مصدراً خارج المحروقات تحصيها الجزائر".
ويعتقد الخبير الاقتصادي أنه ولعدة عوامل، من الصعب بلوغ مستوى 5 مليارات دولار كصادرات جزائرية خارج المحروقات خلال العام الجاري، كما ذكر صواليلي أن النسيج الصناعي الجزائري وقطاع الخدمات يعانيان من ضعف، فضلاً عن تداعيات جائحة كورونا، والقيود المفروضة على استيراد عدة مواد أولية.
كما أن الأطر التشريعية والتنظيمية الخاصة بالتصدير تتضمن معوقات وكوابح تعرقل عمليات التصدير، على غرار استعادة النقد الأجنبي لقاء عمليات البيع للخارج (إجراءات بيروقراطية في البنوك).
ويؤثر ضعف الوسائل اللوجستية والنقل والشحن بدوره على تطوير قطاعات جزائرية خارج المحروقات وتوجهها نحو التصدير، وفق صواليلي.