الحادث الذي تعرض فيه مفاعل نطنز النووي في إيران للتخريب، يمثل حلقة جديدة في سلسلة المحاولات الإسرائيلية لإجهاض إعادة إحياء الاتفاق النووي، فيما يشبه السباق في اتجاه عرقلة السعي الأمريكي برئاسة بايدن في الاتجاه المعاكس، فمن يصل لهدفه أولاً؟
الحادث الذي أعلنت عنه وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، الأحد 11 أبريل/نيسان، أدى إلى انقطاع الكهرباء عن مفاعل نطنز، وهو أكبر منشأة نووية إيرانية ويقع أغلبه تحت الأرض وفيه تجري عمليات تخصيب اليورانيوم، وعلى الفوز توجهت أصابع الاتهام الإيرانية نحو إسرائيل.
وقال المتحدث باسم الوكالة بهروز كمالوندي، في تصريح لوكالة أنباء "فارس" الإيرانية، إن مجمع الشهيد أحمدي روشن لتخصيب اليورانيوم في نطنز تعرض لحادثٍ فجر الأحد، مؤكداً عدم وقوع إصابات بشرية أو تلوث إشعاعي نتيجة للحادث.
وأضاف المتحدث أن التحقيقات جارية لمعرفة الأسباب التي أدت إلى الحادث، فيما نقل تلفزيون "برس تي في" الإيراني عن كمالوندي، قوله إن مشكلة بالطاقة الكهربائية تسببت في حادث بمنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم الواقعة تحت الأرض، مضيفاً أنها لم تسفر عن سقوط مصابين.
هل تقف إسرائيل وراء الحادث؟
ربما يبدو هذا السؤال غريباً بعض الشيء لمن يتابع سيل التصريحات الصادرة، سواء من طهران أو من تل أبيب، والتي تصب جميعها في اتجاه وقوف جهاز المخابرات ا"لإسرائيلي الموساد" خلف الحادث، الذي وصفته طهران بـ"الإرهاب النووي"، لكن لم يصدر تصريح رسمي إسرائيلي عن أي مسؤول، يتبنى وقوف تل أبيب خلف الحادث أو ينفي هذه الفرضية.
وهذه الإستراتيجية هي ما تتبناها إسرائيل دائماً في مثل هذه المواقف وتعرف "بإستراتيجية الغموض"، فرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوتشافي، قال إن "عمليات البلاد عبر الشرق الأوسط ليست خافية عن أعين الأعداء"، مضيفاً خلال حفل تأبين سنوي للجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في حروب الدولة العبرية، أن "الأعداء يراقبوننا ويرون قدراتنا، وبالتالي يحسبون ألف حساب قبل خطوتهم التالية"، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الإثنين 12 أبريل/نيسان، في مؤتمر صحفي مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، أيضاً عن أن قدرات إيران النووية قد تعرضت لضربة مؤثرة، مكرراً تصريحاته التي تصور إيران على أنها تمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل ومتعهداً بمواصلة "الحرب" لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي.
وهذه التصريحات، التي تأتي في أعقاب الحادث الذي تعرض له المفاعل النووي الإيراني، تشير بالطبع إلى أن إسرائيل هي التي قامت بذلك الهجوم السيبراني، لكن في الوقت نفسه لا تعتبر اعترافاً رسمياً مباشراً، وهو ما عبر عنه المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية في تعليق له عبر قناة الجزيرة، قال فيه إنه "لا يوجد أي تصريح رسمي إسرائيلي يتبنى الهجوم"، مضيفاً أن هناك أطرافاً كثيرة إقليمية كالسعودية ودولية كالولايات المتحدة تريد أيضاً منع طهران من امتلاك سلاح نووي.
وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، نفسه لم يوجه اتهاماً صريحاً ومباشراً إلى إسرائيل بالوقوف وراء حادث نطنز، رغم أنه لمح إلى ذلك بقوله: "لن نسمح لإسرائيل بالانتقام من النجاح في مسار رفع العقوبات عبر حادثة نطنز".
هل تتصرف إسرائيل بمعزل عن واشنطن؟
يرى فريق من المحللين أنه من الصعب تصور قيام إسرائيل بهذا الهجوم السيبراني الخطير الذي كان يمكن أن يؤدي إلى كارثة نووية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، دون التنسيق أو على الأقل إخطار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو ما حدث في هجوم إسرائيل على السفينة الإيرانية "سافيز" في البحر الأحمر قبل أيام قليلة.
ويدلل أصحاب هذا الطرح على وجاهته بعدد من المؤشرات، أولها زيارة وزير الدفاع الأمريكي لتل أبيب تزامناً مع وقوع الحادث النووي، وعلى الرغم من أن الوزير الأمريكي لم يأت على ذكر إيران من قريب أو بعيد، خلال مؤتمره الصحفي مع نتنياهو، واكتفى فقط بالاستماع إلى حديث ضيفه الإسرائيلي المطول عن إيران وبرنامجها النووي ورفض تل أبيب التام لامتلاك طهران سلاحاً نووياً أو إعادة إحياء الاتفاق النووي معها من جانب واشنطن.
لكن الوزير الأمريكي لم يتحدث من الأساس إلا عن الالتزام الأمريكي "الصارم والدائم" بأمن إسرائيل، وهذا ليس بالأمر الجديد الذي يستدعي زيارة رسمية في هذا التوقيت وإقامة مؤتمر صحفي يتغنى فيه نتنياهو بقدرته على التصدي لما وصفها بطموحات إيران النووية التي تمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل.
المؤشر الآخر الذي يسوقه أصحاب هذه الفرضية يتعلق بتوقيت الحادث في مفاعل نطنز، والذي وقع عشية إعلان إيران أنها وضعت في الخدمة أجهزة طرد مركزي تتيح تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر، وهو ما يمثل تخلياً إضافياً من جانب إيران عن التزاماتها بما تبقى من بنود الاتفاق النووي الموقع عام 2015 والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتسعى إدارة بايدن الآن من خلال المحادثات الجارية في فيينا لمحاولة إحيائه.
فقد عبّرت الوفود المشاركة في محادثات فيينا عن انزعاجها من الخطوة الإيرانية، ووصفها الأمريكيون بأنها محاولة سلبية لإضافة مزيد من الضغوط، وهو الأمر نفسه الذي عبر عنه الجانب الروسي رغم أن موسكو داعم أساسي لطهران في المحادثات الجارية في فيينا، وبالتالي يرى أصحاب فرضية أن إسرائيل لم تتصرف منفردة في هجومها الخطير على مفاعل نطنز، أن واشنطن- على الأقل- كانت على دراية بما يخطط له الإسرائيليون، عكس ما أعلنته واشنطن رسمياً من أنها علمت بالهجوم من خلال التقارير الإعلامية.
سباق بين الرغبة في إعادة إحياء الاتفاق وإجهاضه
وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، بعد لقائه مع نظيره الأمريكي أوستن، أشار إلى أن "طهران تمثل تهديداً إستراتيجياً للأمن الدولي والشرق الأوسط ككل ولإسرائيل"، مضيفاً: "سنعمل عن قرب مع حلفائنا الأمريكيين لتأكيد أن أي اتفاق جديد سوف يضمن المصالح الحيوية للعالم وللولايات المتحدة ويمنع وقوع سباق تسلح خطير في منطقتنا ويحمي دولة إسرائيل"، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية.
وتعليقاً على توقيت زيارة أوستن لإسرائيل، قال يوئيل جوزانسكي الزميل في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، للمجلة الأمريكية، إن هذه أول زيارة لمسؤول بارز بإدارة بايدن وتكمن أهميتها في "أنهم (إدارة بايدن) أرادوا أن يُظهروا رغبتهم في الاستماع لمخاوف إسرائيل والشركاء الآخرين في المنطقة بشأن المفاوضات مع إيران".
وتعكس هذه المؤشرات السباق المحموم من جانب الأطراف الثلاثة في هذه المواجهة، وهم إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، لتحقيق أهداف كل طرف فيما يتعلق بالملف النووي. إسرائيل من جانبها تسعى لتدمير أي فرصة لإعادة إحياء الاتفاق النووي، لذلك تكثف هجماتها ضد طهران بكل السبل، سواء من خلال الاغتيالات كما فعلت مع العالم النووي محسن فخري زادة، أو من خلال القصف شبه اليومي لقواعد ومواقع ميليشيات إيرانية في سوريا، أو عبر استهداف السفينة الإيرانية في البحر الأحمر قبل أيام وأخيراً الهجوم السيبراني على مفاعل نطنز.
أما الولايات المتحدة وإيران، فعلى الرغم من تشاركهما الرغبة في إعادة إحياء الاتفاق النووي ونجاحهما أخيراً في إطلاق مفاوضات فيينا بوجود باقي أطراف الاتفاق، فإن كلاً منهما لا تريد أن تظهر كما لو أنها تراجعت عن موقفها، فإيران تصر على أن ترفع إدارة بايدن جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب أولاً، بينما تريد الإدارة الأمريكية من طهران العودة للالتزام ببنود الاتفاق أولاً من خلال وقف تخصيب اليورانيوم.
وفي هذا السياق، أعلنت إيران عن بدء التخصيب باستخدام أجهزة طرد متطورة في مفاعل نطنز كنوع من زيادة الضغوط على الجانب الأمريكي للإسراع برفع العقوبات، ومن ثم وقع حادث نطنز الذي لا يزال الغموض يحيط بحجم الأضرار التي وقعت فيه، ما يطرح التساؤلات بشأن مَن الأقدر على تحقيق هدفه أولاً.
ومن ناحية إسرائيل، هناك أيضاً توازن هام لا يمكن تجاهله بشأن عدم إقدام تل أبيب على القيام بخطوة غير محسوبة تستهدف إيران وتؤدي إلى رد انتقامي إيراني يشعل الموقف، وهو ما لا تريده إدارة بايدن، مما قد يهدد بوقوع توتر في العلاقات، خصوصاً أن نتنياهو لا يحظى بالدعم نفسه الذي كان يتمتع به في وجود ترامب.