الجانب المنسي بالأزمة الأوكرانية.. قصة الإقليم المتمرد، وهل يريد سكانه الانضمام لروسيا أم كييف؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/12 الساعة 19:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/12 الساعة 19:01 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي/رويترز

بينما تشغل الأزمة الأوكرانية العالم، لا يبدو أن هناك اهتماماً كافياً برأي سكان إقليم الدونباس الانفصالي، وهل ولاؤهم الأساسي لروسيا أم أوكرانيا.

ومقاطعتا دونيتسك ولوهانسك اللتان يتحدث أغلب سكانهما بالروسية خارجتان عن سيطرة أوكرانيا منذ عام 2014، ويحكمهما زعماء موالون لروسيا، ويعتمدون عليها اقتصادياً وعسكرياً لدرجة أن موسكو عرضت على سكان الإقليم جوازات سفر روسية.

بداية الأزمة الأوكرانية

بدأت الأزمة الأوكرانية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، عندما علق الرئيس يانوكوفيتش، الموالي لموسكو، الاستعدادات لتنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى احتجاجات أطاحت به، ما تسبب في اضطرابات بالمناطق الشرقية والجنوبية الناطقة بالروسية المؤيدة له، فاستغل بوتين ذلك وتدخل لضم القرم وتشجيع انفصال الإقليمين بشرق أوكرانيا.

واندلعت حرب في دونباس عام 2014، أودت بحياة أكثر من 13000 شخص. نزح ما لا يقل عن 1.4 مليون من سكان دونباس داخلياً، وفر 75 ألفاً على الأقل إلى روسيا، ومنذ ذلك الوقت وهناك قتال منخفض الكثافة بين الانفصاليين وكييف، حيث توصف الحرب في دونباس قبل الأزمة الأخيرة، بأنها "الحرب المنسية" في أوروبا.

وما زالت أوكرانيا وكل دول العالم لا تعترف بهذا الوضع، فيما تعهد الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، باستعادة أراضي وحدة بلاده مع تحقيق السلام.

 أمة منقسمة

من المعروف أن الأوكرانيين والروس والبيلاروس متقاربون ثقافيان وهم يشكلون فرعاً محدداً من العرق السلافي (الذي يشمل أغلب شعوب شرق أوروبا) يطلق عليه "السلافيون الشماليون"، وتحول هذا العرق إلى شكل الدولة لأول مرة في أوكرانيا وليس روسيا، قبل أن ينتقل المركز الحضاري للسلاف الشماليين إلى لموسكو، بسبب الغزوات المغولية.

وبينما تعرضت أوكرانيا لتأثيرات تترية وبولندية كبيرة (من جراء خضوعها لحكم البولنديين والتتار لقرون)، فإن روسيا القيصرية طردت الدولتين، ثم قضت عليهما، وسيطرت على أوكرانيا، وحاولت- سواء في العصر القيصري أو السوفييتي- فرض التأثير الروسي على البلاد.

النتيجة أن ما يقرب من ثمانية ملايين من أصل روسي يعيشون في أوكرانيا، وفقاً لتعداد عام 2001، معظمهم في الجنوب والشرق، حيث تشير تقديرات إلى أن الروس يمثلون نحو 17% من السكان، وزعمت موسكو أن من واجبها حماية هؤلاء الأشخاص كذريعة لأفعالها في أوكرانيا.

ولكن اللغة الروسية أكثر انتشاراً في أوكرانيا من الروس، إذ يُعتقد أنه في عام 2001 كان نحو 30% من السكان يتكلمون الروسية، كلغة أولى، كما كانت اللغة الروسية هي اللغة المهيمنة فعلياً خلال العهد السوفييتي رغم أن الأوكرانية اللغة الرسمية.

وبصفة عامة تنتشر الروسية في جنوبي وشرقي البلاد وبصورة أقل في الشمال، فيما تسود الأوكرانية بوسط وغربي البلاد، ويترجم هذا إلى رغبة الأقاليم الوسطى والغربية في أوكرانيا في الإنضمام للاتحاد الأوروبي، بينما تميل الأقاليم الشرقية والجنوبية أكثر إلى روسيا.

تاريخ إقليم الدونباس

يطلق مصطلح إقليم الدونباس على مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك، كما أن هناك منطقة متاخمة يطلق عليها دونباس الروسية.

وكانت منطقة الدونباس مأهولة منذ قرون، من قبل عدد من القبائل البدوية التركية مثل السكيثيين، والبلغار، والعديد من الشعوب الرعوية التركية وأخيراً المغول، والتتار وتتار الناغويا.

ونتيجة الحروب بين التتار والسلاف كانت المنطقة المعروفة الآن باسم دونباس قليلة السكان إلى حد كبير حتى النصف الثاني من القرن السابع عشر، إلى أن أنشأ دون القوزاق (مجموعات مقاتلة سلافية لعبت دوراً مهماً في تاريخ روسيا القيصرية وأوكرانيا) المستوطنات الدائمة الأولى في المنطقة.

في القرن السابع عشر، كانت المنطقة التي تسمى الآن دونباس، إلى حد كبير تحت سيطرة مجموعات القوزاق الأوكرانيين وخانات القرم التركية التترية حتى منتصف القرن الثامن عشر، إلى أن ضم الروس المنطقة وقضوا على استقلال القوزاق وخانية القرم التترية المسلمة.

في نهاية القرن الثامن عشر هاجر العديد من الأوكرانيين والروس والصرب واليونانيين إلى المنطقة، في إطار محاولة روسيا تعمير هذه المناطق بعد إضعافها وقضائها على خانيات التتار المسلمين.

وأطلقت روسيا القيصرية على الأراضي المحتلة حديثاً اسم "روسيا الجديدة"، ومع انتشار الثورة الصناعية في جميع أنحاء أوروبا، تم اكتشاف موارد الفحم الهائلة بالمنطقة عام 1721، وبدأت عملية استغلالها في منتصف أواخر القرن التاسع عشر.

في هذه المرحلة، بدأ استخدام اسم Donbas، المشتق من مصطلح "فحم حوض نهر الدونس"، وأدى صعود صناعة الفحم إلى ازدهار سكاني في المنطقة، مدفوعاً إلى حد كبير، من قبل المستوطنين الروس.

وعلى مدار العقود التالية هاجر الروس إلى المنطقة التي تعتبر جزءاً من أوكرانيا متاخماً لروسيا، للعمل في هذه الصناعات المزدهرة، وأصبح الروس يمثلون أغلبية سكان المدن، بينما يمثل الأوكرانيون أغلب سكان الريف، أما الأوكرانيون الذين يهاجرون للمدن فيتحولون للثقافة الروسية ويندمجون مع الروس مع حدوث زيجات مشتركة (الشعبان أصلاً متقاربان لغوياً ودينياً وثقافياً).

تدريب للجيش الأوكراني/رويترز
تدريب للجيش الأوكراني/رويترز

وازدادت كثافة الوجود الروسي مع المذابح والمجاعات التي تأثر بها الأوكرانيون أكثر من الروس في الحرب الأهلية الروسية التي أعقبت تأسيس الاتحاد السوفييتي ثم في العهد الستاليني، إضافة إلى سياسات الترويس في عهد الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين (توقفت في عهد نيكيتا خروشوف).

ونتيجة لكل ذلك فلقد أصبح أغلب سكان المنطقة يتحدثون الروسية رغم أن الأغلبية في الإقليم من الأوكرانيين، (مع وجود نسبة كبيرة من الروس)، وطوّر السكان في الإقليم المتاخم لروسيا هوية سوفييتية يمكن وصفها بروسية أوكرانية مشتركة، خاصةً أنه كان هناك إقليم مجاور لهم يسمى دونباس الروسية.

النتيجة أنه وفقاً لتعداد عام 2001، يشكل الأوكرانيون 58% من سكان مقاطعة لوهانسك و56.9% ومقاطعة دونيتسك، بينما يشكل الروس العرقيون أكبر أقلية، حيث يمثلون 39% و38.2% من المنطقتين على التوالي. 

ولكن اللغة السائدة هي الروسية، فوفقاً لتعداد عام 2001، اللغة الروسية هي اللغة الرئيسية لـ74.9% من سكان دونيتسك، و68.8% في لوهانسك، أي إن نسبة المتحدثين الأصليين للروسية أعلى من الروس، لأن بعض الأوكرانيين والإثنيات الأخرى يستخدمون اللغة الروسية باعتبارها لغتهم الأم.

موقفهم من استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي

في استفتاء عام 1991 على استقلال أوكرانيا، أيد 83.9% من الناخبين في دونيتسك و83.6% في لوهانسك الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي.

ولكن في أكتوبر/تشرين الأول 1991، انعقد مؤتمر لنواب الجنوب الشرقي من جميع مستويات الحكومة في دونيتسك، حيث طالب المندوبون بالفيدرالية.

كان اقتصاد إقليم الدونباس مرتبطاً بروسيا ومشابهاً لاقتصادها، ومن الواضح أن تدهور اقتصاد المنطقة الذي يشكو منه السكان بعد استقلال أوكرانيا، جاء نتيجة عوامل عدة، منها الفساد على المستويين المحلي والوطني على السواء، إضافة إلى الإهمال من قبل الحكومة المركزية في كييف، والابتعاد عن روسيا، ولكن من أهم الأسباب تراجع الصناعات السوفييتية الطابع، لاسيما استخراج الفحم.

ولكن أيضاً استفز السكان السياسات القومية المتشددة ضد روسيا والتقارب مع الغرب من قبل المناطق الوسطى والغربية، وتجاهل أصواتهم في هذه الأمور، وبطبيعة الحال كان الدور الروسي جاهزاً لتحريضهم، إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير.

فلقد بدأت الأزمة الأوكرانية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، عندما علق الرئيس الأوكراني آنذاك، فيكتور يانوكوفيتش، الاستعدادات لتنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وأثار القرار احتجاجات حاشدة من مؤيدي الاتفاقية، أدت إلى اندلاع ثورة أطاحت يانوكوفيتش في فبراير/شباط 2014.

وتسببت الإطاحة بيانوكوفيتش في اضطرابات بالمناطق الشرقية والجنوبية الناطقة بالروسية (من بينها إقليم الدونباس) إلى حد كبير، حيث حصل يانوكوفيتش على معظم الأصوات التي أوصلته للحكم.

نُظر إلى الإطاحة بيانوكوفيتش المناهض للاتحاد الأوروبي على أنه أمر جيد في الغرب، ولكن في روسيا نظر إليه بوتين على أنه خطر على بلاده وعلى نفسه، كما نظر إليه سكان إقليم الدونباس على أنه تجاهل لآرائهم.

دبابة تابعة للميلشيات الروسية في مقاطعة دونتسك/رويترز
دبابة تابعة للميلشيات الروسية في مقاطعة دونتسك/رويترز

وعقب ذلك غزت روسيا بعض مناطق أوكرانيا وضمت منطقة شبه جزيرة القرم الأوكرانية (ذات غالبية روسية وعبر استفتاء انتقده خصوم روسيا)، وشجع الغزو الروسي الأوكرانيين الناطقين بالروس الذين كانوا في حالة احتجاج أصلاً على عزل يانوكوفيتش، وتطورت الاضطرابات في ولايتي دونيتسك ولوهانسك إلى تمرد موالٍ لروسيا ضد الحكومة الأوكرانية الجديدة، يدعمه ويساعده الجيش الروسي وقواته الخاصة.

ولكن يعتقد كثير من الباحثين الغربيين أنه حتى لو كان هناك استياء من سياسات كييف في إقليم الدونباس، فإن العملاء السياسيين التابعين لموسكو والقوات الخاصة الروسية لعبوا على الأرجح الدور الأكبر في التحريض على التمرد.

في عام 2019، قدم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، التزاماً صريحاً بما يسمى "صيغة شتاينماير"، التي اقترحها في عام 2016، وزير الخارجية الألماني آنذاك فرانك فالتر شتاينماير. تصورت فكرته تسلسل الانتخابات المحلية في دونباس التي يسيطر عليها الانفصاليون والتي إذا اعتبرت مقبولة من قبل منظمة الأمن والتعاون بأوروبا، فسوف تمهد الطريق نحو وضع خاص دائم للأراضي المتنازع عليها.

ولكن فرضت أوكرانيا مؤخراً قيوداً كبيرة على اللغة الروسية التي تتكلم بها نسبة كبيرة، خاصة في الشرق والجنوب (وإلى حد ما، الشمال).

هل تريد روسيا ضم الإقليم؟

سبق أن أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن روسيا ليست لديها خطط لضم دونباس، وأن موسكو تركز فقط على حماية الروس والسكان الناطقين بالروسية في المنطقة.

كما أشار إلى أن إقليم الدونباس "كان يتحدث الروسية دائماً"، وأن موسكو تنوي الدفاع عن سكانه. 

اللافت أن هناك العديد من المناطق الأوكرانية الأخرى في شرق وجنوب البلاد تتحدث الروسية أيضاً، لكن الكرملين لم يدافع قط عن سكانها بنشاط كما هو الحال في دونباس. بالنظر إلى أن الطاقة تلعب دوراً حاسماً في السياسة الروسية، فليس من المستغرب أن تكون موسكو مهتمة بالحفاظ على سيطرتها الفعلية على حوض دونباس الغني بالفحم.

وصعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من الحديث عن التهديدات التي يتعرض لها المتحدثون بالروسية، لدرجة أنه أشار في عام 2019 إلى احتمال تعرض السكان الناطقين بالروسية لمذبحة مماثلة لسربرنيتسا في البوسنة، إذا استعادت أوكرانيا السيطرة الكاملة على منطقة دونباس دون ضمانات، مهدداً بالتدخل في هذه الحالة.

ولكن هناك أصوات روسية أخرى أكثر مباشرة.

إذ قالت مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير قناة RT التلفزيونية الحكومية الروسية، في 28 يناير/كانون الثاني 2021: "الناس من دونباس يريدون أن يكونوا جزءاً من وطننا العظيم"، حسب تعبيرها.

لكن هذا لا يعني أن روسيا ستدمج المنطقة في الاتحاد الروسي بالطريقة نفسها التي ضمت بها شبه جزيرة القرم في عام 2014.

لأسباب مختلفة، لم يتم تنفيذ "سيناريو القرم" في دونباس. بدلاً من ذلك، أنشأ الكرملين دولتين بالوكالة غير معترف بهما وتعتمدان بشكل كبير على روسيا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. كرر إيغور ستريلكوف، المحارب الروسي المخضرم وضابط المخابرات السوفييتية السابق، وهو أيضاً وزير دفاع سابق بجمهورية دونيتسك الشعبية، في عدة مناسبات، أن موسكو هي التي شكلت فيلقاً عسكرياً لدول دونباس بالوكالة.

إذن ماذا يريد بوتين؟ 

تصر روسيا على أن أوكرانيا يجب أن تتفاوض مباشرة مع جمهوريات دونباس، وهو أمر تعارضه كييف بشدة، لأنها تدرك أن ذلك يعني الاعتراف الفعلي بهذه الكيانات.

ويبدو أن الكرملين يريد أن تحصل المناطق المضطربة الشرقية ذات الأغلبية الروسية على حكم ذاتي يمنحها حق النقض (الفيتو) على التحولات الرئيسية في توجه أوكرانيا.

أي إن بوتين يريد أن يكون لدى المناطق ذات الغالبية الروسية في أوكرانيا أداة لمنع توجه أوكرانيا نحو الغرب سواء عبر الانضمام للاتحاد الأوروبي أو الناتو، وهو توجه مدعوم بأغلبية كبيرة من سكان أوكرانيا البالغ عددهم 42 مليون نسمة.

هل يريد السكان الانفصال عن كييف؟

تلمّح روسيا إلى أن سكان إقليم الدونباس الذي يسيطر عليه حالياً الانفصاليون، الذين تدعمهم، ولاؤهم الأساسي لروسيا وأنهم لا يريدون الانضمام لأوكرانيا بالصيغة الحالية على الأقل.

لكن استقصاءين أجريا في دونباس عامي 2016 و2019، كشفا أن غالبية الذين تجاوبوا مع الاستطلاع في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية، يفضلون أن يكونوا جزءاً من الدولة الأوكرانية، حسب تقرير لموقع The Conversation الذي يتخذ من أستراليا مقراً له.

ففي المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في دونباس، أعرب نحو 55% من المستطلعة آراؤهم عن تفضيلهم أن يستمروا جزءاً من الدولة الأوكرانية.

كما قال نحو 65% من المستطلعة آراؤهم في المناطق الخاضعة للحكومة الأوكرانية في مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك، إنهم يريدون أن يكون إقليمهم جزءاً من أوكرانيا دون أي نوع من الوضع الخاص، حسب الموقع.

تحميل المزيد