بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد، الجمعة، زيارة رسمية لمصر تستمر 3 أيام، هي الأولى له منذ توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وتأتي الزيارة ضمن مساعي سعيد، منذ وصوله الرئاسة، إلى بناء توازن في علاقات بلاده بين المحاور بالمنطقة، وتعتبر مهمة أيضاً لمصر التي تتطلع لدعم تونس، العضو العربي الوحيد حالياً بمجلس الأمن، في موقفها من أزمة "سد النهضة"، وفق ما أفاد به خبراء تونسيون.
ما أهداف الرئيس التونسي من هذه الزيارة؟
الرئاسة التونسية أعلنت في بيان، أن هذه الزيارة "تندرج في إطار ربط جسور التواصل وترسيخ سنة التشاور والتنسيق بين قيادتي البلدين، فضلاً عن إرساء رؤى وتصورات جديدة تعزز مسار التعاون المتميز القائم بين تونس ومصر".
فيما قالت الرئاسة المصرية، في بيان الجمعة، إنه "سيتم عقد لقاء قمة مصرية تونسية السبت بقصر الاتحادية، شرقي القاهرة، للتباحث حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المتبادل".
وأضاف أن المباحثات ستتطرق أيضاً إلى "سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك في كافة المجالات، خاصة على المستوى الأمني والاقتصادي والاستثماري".
وحول أهمية الزيارة، يقول رئيس "مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي"، عدنان منصر، إن زيارة سعيد لمصر تم الإعداد لها منذ بضعة أسابيع بصفة مبكرة؛ حيث كانت هناك دعوة من قبل السيسي لسعيد لزيارة القاهرة.
ويرى منصر أن "مصر تحتاج أيضاً الخروج من العزلة" التي فرضتها التطورات السياسية فيها خلال السنوات الأخيرة؛ ومن هنا تتضح الأهمية التي توليها القاهرة لزيارة الرئيس التونسي لها".
وأضاف أن "هذه الزيارة تندرج ضمن سعي الرئيس التونسي، منذ وصوله للرئاسة، لبناء التوازن في العلاقات بين المحاور؛ حيث ظهر ذلك أثناء زيارة الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) تونس أواخر 2019، وزيارة سعيد الدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020". وزاد: "سعيد يحتاج إلى هذه الزيارة لإثبات أنه ليس خاضعا لمحور سياسي بعينه"، بحسب تعبيره.
الملف الليبي على طاولة المباحثات بين السيسي وسعيّد
ويشير منصر أن "ملف ليبيا ومساندة المسار الانتقالي في هذا البلد سيكون حاضراً أيضاً على أجندة مباحثات الرئيس سعيد ونظيره المصري"، مضيفاً أن "تونس فقدت الكثير من أهمية دورها في ليبيا، خلال السنوات الأخيرة؛ حيث ظهر ذلك مع الرئيس السابق الباجي قائد السبسي (2014 ـ 2019)، واستمر مع سياسة قيس سعيد، التي اتسمت بالغياب عن ليبيا".
ومؤخراً، شهدت الأزمة الليبية انفراجة عقب تمكن الفرقاء من التصديق على سلطة انتقالية موحدة، تسلمت مهامها في 16 مارس/آذار الماضي.
ويأمل الليبيون أن تساهم السلطة الموحدة في إنهاء سنوات من الصراع المسلح، جراء منازعة مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، للحكومة المعترف بها دولياً على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.
ومتفقاً مع سابقه، قال وزير الخارجية التونسي الأسبق، الخبير السياسي أحمد ونيس، لوكالة الأناضول: "سيتطرق سعيد والسيسي قطعاً لمستقبل ليبيا، ولا شك أنهما سيبحثان مستقبل النظام الليبي الجديد".
وأضاف: "في اعتقادي أن المشاورات بين مصر وتونس ستتضمن كذلك الوضع الصعب الذي نعيشه في المنطقة العربية، وكذلك مواضيع مثل مكافحة الإرهاب، والإسلام السياسي، وإعادة السلام في بلدان الساحل الإفريقي".
قضية سد النهضة.. المقابل الذي تريده القاهرة من تونس
مصر، أيضاً، بحاجة إلى دعم تونس في قضية "سد النهضة"، الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل؛ ما يجعل هذا الملف مطروحاً على أجندة زيار سعيد، بحسب منصر.
يقول ونيس: "من وجهة نظر مصرية، تونس هي ممثل المجموعة العربية في مجلس الأمن وممثلة المجموعة الإفريقية، وهناك أمور تنذر بالانفجار حول سد النهضة". وأردف: "هناك سعي مصري لإعادة تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن من أجل إلزام إثيوبيا بوقف أعمال قد تضر بالمصالح السودانية والمصرية، ومن هنا تأتي أهمية تونس لمصر؛ كون الأولى دولة عضواً بالمجلس، وتمثل المجموعة العربية داخله".
وفي 9 مارس الماضي، رفضت إثيوبيا مقترحاً سودانياً، أيدته مصر، بتشكيل وساطة رباعية دولية، تضم الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحادين الأوروبي والإفريقي، لحلحلة المفاوضات المتعثرة حول سد النهضة على مدار 10 سنوات.
وتصر أديس أبابا على ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق. فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي يحافظ على منشآتهما المائية، ويضمن استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5، و18.5 مليار متر مكعب، على الترتيب. ومؤخراً، حذر الرئيس المصري، من مخاطر نشوب صراع بالمنطقة بسبب سد "النهضة".
وحول ذلك، يقول الوزير التونسي الأسبق، إنه "يمكن أن تظهر تونس تضامناً في مسألة مياه النيل وهذا ما يدفع مصر لكسب تعاطف الأولى، التي هي عضو غير دائم في مجلس الأمن".
وخلال زيارته للقاهرة، في مارس الماضي، أعرب وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، عن دعم بلاده "لموقف مصر التفاوضي بشأن سد النهضة".
وقال إن تونس تتطلع "لتسوية الخلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا من خلال الحوار (حول أزمة السد) وبما يُفضي إلى اتفاق يخدم مصالح الدول الثلاث في تحقيق التنمية وضمان أمن المنطقة"، وفق بيان للخارجية التونسية آنذاك.
آفاق التعاون الاقتصادي بين مصر وتونس
وبحسب مراقبين، سيكون الملف الاقتصادي حاضراً في مباحثات الزعيمين خاصة أن تونس تعاني اقتصادياً بشكل كبير، وأن آفاق تطوير التعاون بين البلدين في هذا الخصوص كبيرة.
وفي هذا الصدد، اعتبر وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار التونسي علي الكعلي، في تعليقه على الزيارة، أن آفاق حجم التبادلات التجارية والاستثمارات بين بلاده ومصر تبقى واعدة، والنتائج قابلة للتطور، رغم أن حجمها دون الطموحات والإمكانيات المتاحة.
وأوضح الكعلي، في تصريحات لوكالة الأنباء المصرية الخميس، أنه على المستوى التجاري، بلغت صادرات تونس إلى مصر عام 2019 قرابة 60 مليون دولار، في حين سجلت الواردات ما يناهز 500 مليون دولار.
وأضاف أن الاستثمارات المصرية في تونس بلغت حوالي 2.5 مليون دولار، والاستثمارات التونسية في مصر بلغ حجمها قرابة 35 مليون دولار بنهاية 2019، وهي استثمارات تنشط في جملة من القطاعات على غرار الخدمات والسياحة والصناعات الغذائية والاتصالات وغيرها.
انتقادات لزيارة سعيّد ولقائه السيسي
وتعتبر زيارة سعيد لمصر الثالثة لرئيس تونسي، بعد زيارة أجراها الراحل الباجي قائد السبسي سنة 2015، التقى خلالها السيسي. فيما زار الرئيس التونسي الأسبق محمد منصف المرزوقي، مصر في يوليو/تموز 2012، والتقى نظيره الراحل محمد مرسي، وألقى خلالها محاضرة في القصر الجمهوري حول ثورات الربيع العربي.
وانقسم الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، بخصوص زيارة سعيد للقاهرة، وكان أبرز ردود الفعل على الزيارة، تعليق رئيس تونس الأسبق، المنصف المرزوقي، الذي هاجم زيارة سعيد في منشور على صفحته في فيسبوك.
وذكر المرزوقي في منشوره، الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، الذي أزاحه السيسي من السلطة في 3 يوليو 2013 بانقلاب عسكري، وتوفي في سجنه عام 2019. وذكر كذلك، عملية فض اعتصام ميدان رابعة في عام 2013، الذي راح ضحيته مؤيدون لمرسي، من بينهم أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين.
واعتذر الرئيس التونسي الأسبق عن زيارة سعيد، قائلاً "إنه لا يمثله، ولا يمثل الثورة التي أوصلته إلى السلطة". وللمرزوقي موقف مؤيد للثورة المصرية التي اندلعت في 25 يناير 2011، بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة التونسية في 18 ديسمبر 2010.