كانت الدبابة المسيرة آلياً "أوران-9" هي أول مركبة يتم التحكم فيها عن بعد تخوض قتالاً حقيقياً، وكانت النتيجة مفاجئة بالنسبة لمصنعيها.
ففي مايو/أيار 2018، كشف الجيش الروسي أنه أجرى تجارب قتالية على الدبابة الروسية المُسيّرة آلياً أوران-9 في سوريا. ويُشار إلى أن الدبابة صغيرة الحجم التي يجري التحكُّم فيها عن بُعد مزودة بمدفع قوي وتسليح صاروخي، حسبما ورد في تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
ومع ذلك، بعد شهرٍ واحد فقط، ذكرت مدونة الدفاع أن ضابط الأبحاث الكبير أندريه أنيسيموف أخبر مؤتمراً في أكاديمية كوزنتسوف البحرية، في سان بطرسبورغ الروسية، أن أداء أوران-9 في سوريا كشف أن "المركبات البرية الروسية الحديثة غير المأهولة غير قادرة على أداء المهام المُسنَدة إليها في الأشكال الكلاسيكية للعمليات القتالية". وخلُصَ إلى أن الأمر سيستغرق من 10 إلى 15 عاماً أخرى قبل أن تصبح مثل هذه المركبات جاهزة لهذه المهام المُعقَّدة.
ويتناقض هذا مع مصدرٍ آخر أخبَرَ شركة جانز الاستخباراتية، المتخصِّصة في الشؤون العسكرية والأمنية، أن نظام المركبات البرية غير المأهولة "أظهَرَ أداءً عالياً في بيئةٍ فاعلة".
الدبابة المسيرة آلياً.. محاولات أمريكية وتركية
ويجري تطوير المركبات المُدرَّعة الروبوتية في جميع أنحاء العالم، حيث يخطِّط الجيش الأمريكي لاستبدال مركبة برادلي القتالية لتكون "مأهولةً بشكلٍ اختياري". ومع ذلك، يمكن القول إن روسيا قد تحرَّكَت بقوةٍ أكبر نحو نشر المركبات البرية غير المأهولة في عمليات القتال.
كما سبق أن أعلنت تركيا عن خطط لإنتاج ما يعرف بـ"الدبابة الصغيرة"، وهي مركبة مُسلحة في محاولة للاستفادة من نجاحات أنقرة في مجال الطائرات بدون طيار.
الدبابة المسيرة الجديدة، التي تعمل شركتا "أسيلسان" و"كاتمارجيلر" على إنتاجها، ستتمتع بخاصية التحكم عن بعد والقيادة الذاتية، وكما ستقدم بأنماط كهربائية وهجينة وذات بصمة حرارية منخفضة.
وستتم زيادة مدى التحكم بالمركبة المسيرة ليصبح غير محدود عبر ربطها بنظام القمر الصناعي.
وستتيح منصة التحكم للمستخدم اختيارات كثيرة تتيح استخدام الدبابة المسيرة في مهام متعددة سواء مع محطات الأسلحة الخفيفة والثقيلة، أو مركبات المراقبة والاستطلاع، أو منصات إطلاق الصواريخ.
ويقول الأتراك إن الدبابة المسيرة ستتمكن من خلال الخصائص التي تتمتع بها من القيام بمفردها بدوريات على الحدود ورسم خرائط للمناطق التي تسير بها وإبلاغ المركز بمعلومات عن المنطقة المستطلعة والأهداف التي رصدتها.
وقال رئيس الصناعات الدفاعية التركي إسماعيل دمير، لمراسل الأناضول، إن المشروع يشمل تطوير وإنتاج مركبات برية مسيرة تقوم بأغراض الاستطلاع والمراقبة وتحديد الأهداف.
وأشار أنه يمكن تزويد المركبات بأنظمة أسلحة أو أي أنظمة أخرى، ويمكن التحكم بها عن بعد، إضافة إلى أنها تتمتع بقدرة فائقة على الحركة وبخاصية القيادة الذاتية.
روسيا تريد أن تتحكم في ثلث أسلحتها عن بعد
وفي عام 2015، أعلنت لجنة الصناعة العسكرية الروسية هدفها المتمثِّل في نشر 30% من الأسلحة الحركية الروسية على منصات التحكُّم عن بُعد بحلول عام 2025. وتشمل المشاريع الحالية حاملة المشاة MARS ذات الستة مقاعد، والمركبة القتالية الروبوتية BMP-3 (المعروفة باسم "الإعصار")، ودبابات تي-72، ودبابات Nerekhta غير المأهولة الصغيرة التي يمكنها إجلاء الجنود الجرحى وإطلاق الناس من مدفعٍ رشَّاش أو تفجير نفسها في مواقع العدو.
وبحسب ما ورد، امتلك الجيش الروسي 22 مركبة من طراز أوران-9 في عام 2016 من شركة JSC 766 UPTK. ويبدو أن الدبابات الروبوتية متصلةٌ بدعم وحدات المشاة والهندسة من خلال الانخراط في مهام الاستطلاع والدعم الناري، بدلاً من التركيز في تشكيلات مناورة مستقلة.
فكرة تعود لقرن من الزمان وها هي معروضة للتصدير الآن
وتُعرَض الدبابة المسيرة أوران-9 للتصدير من قبل شركة Rostec المملوكة للدولة، والتُقِطَت لها صورٌ أثناء فحص الجنرال مين أونغ هلاينغ، قائد القوات المُسلَّحة في ميانمار، لها.
وطُوِّرَت أولى المركبات البرية غير المأهولة منذ قرنٍ من الزمان خلال الحرب العالمية الأولى. وبحلول الثلاثينيات من القرن الماضي، نشر الاتحاد السوفييتي كتيبتين من دبابة Teletank التي يجري التحكُّم فيها عن بُعد، والمُسلَّحة بقاذفات لهب، وشهدت نشاطاً خلال غزو فنلندا بين عامي 1939 و1940.
واليوم، تُستخدَم المركبات البرية غير المأهولة، مثل أوران-9 الروسية، بنجاحٍ في إزالة الألغام والعبوات الناسفة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ومع ذلك، فقد نُشِرَ عددٌ قليلٌ من هذه المركبات عملياً للقيام بمهامٍ مُعقَّدة مثل الكشف عن قوات العدو والاشتباك معها.
مقارنة مع الدبابات التقليدية
وتزن الدبابة المسيرة أوران-9، التي تتخِذ شكلَ مُعيَّن، 12 طناً، ويبلغ طولها خمسة أمتار، أي خُمس وزن دبابة تي-90 وأطول قليلاً من نصف طولها. ويسمح محرِّك الديزل الخاص بالمركبة بأن تصل إلى سرعة 22 ميلاً في الساعة على الطرق المُمَهَّدة، أو 6 إلى 15 ميلاً في الساعة على الطرق الوعرة.
ويُقال إن لوحات الدروع الفولاذية للدبابة المُسيَّرة تحميها من شظايا القذائف والأسلحة الصغيرة رغم أنها قد تظلُّ ضمنياً عرضةً للخطر من أسلحةٍ أخرى شائعة نسبياً، مثل قذائف الآر بي جي أو الرشَّاشات الثقيلة.
وبالإمكان نقل مركبتين من طراز أوران-9 إلى ساحات المعارك بواسطة شاحنة كبيرة، ثم يجري التحكُّم في المركبة لاسلكياً بواسطة مُشغِّل وقائد في شاحنةٍ مُصفَّحة من طراز كاماز. وتسمح المشاهد وأجهزة الاستشعار الحرارية والكهروضوئية المُثبَّتة فوق البرج للمُشغِّلين بالرؤية من خلال الدبابة المُسيَّرة. ويوجد أيضاً خيار وحدة التحكُّم المحمولة باليد.
تستطيع التصرف وحدها لو فقدت الاتصال
ويسمح نظام Skynet المُوحَّد للإدارة التكتيكية لما يصل إلى أربع مركبات من طراز أوران-9 بالتواصل معاً، شريطة أن تكون المركبات الأربع على مسافة أربعة أميال من بعضهم أو مُدمَجة معاً في تشكيلٍ عمودي. وتمتلك الدبابات المُسيَّرة بعض القدرات المستقلة المحدودة إذا فقدت إشارتها (أي في حال فقدان السيطرة عليها) خاصةً للمناورة حول العوائق عند التحرُّك على طول مسارات مُبرمَجة مُسبَّقاً. وتزعم بعض المصادر أن مركبة أوران-9 قد تكون قادرةً أيضاً على الكشف عن قوات العدو والتعرُّف عليها والاشتباك معها دون توجيهٍ بشري يدوي.
ويحمل برج الدبابة المُسيَّرة مدفع 2A72 الآلي، ومقاسه 30 ملليمتراً، الذي يمكنه تفجير المركبات المُدرَّعة الخفيفة والمشاة بتأثيرٍ فتَّاك، بالإضافة إلى مدفع رشَّاش بمقاس 7.62 ملليمتر.
علاوة على ذلك، يمكن أن يمتد رفُّ الصواريخ في برج الدبابة إلى صاروخين أو أربعة صواريخ مضادة للدبابات من طراز 9M120-1، ذلك الطراز الذي يمكنه أن ينطلق ليدمِّر دبابةً على مسافة 3.7 ميلً، ويُوجَّه بالليزر. وأيضاً يمكن تركيب من 6 إلى 12 صاروخاً إضافياً من قاذفات اللهب برؤوسٍ حربية حرارية تحترق في الهواء لإبعاد المشاة الموجودين على بُعد ميلٍ واحد من الدبابة المُسيَّرة.
ويمكن أن تُستَبدَل هذه الصواريخ وتحل محلها صواريخ Strela أو Igla قصيرة المدى المضادة للطائرات.
لماذا لم تحقق النجاح المنشود؟
ومع ذلك، فإن كلَّ هذه القوة النارية مفيدةٌ فقط إذا كانت مركبات أوران-9 ومشغِّلوها يمكنهم بالفعل اكتشاف قوات العدو وإطلاق النار عليهم بدقة، وقد تبيَّن أن ذلك يمثِّل مشكلةً عند اختباره ميدانياً في سوريا.
ووفقاً لأنيسيموف، أثبتت المستشعرات الحرارية والكهروضوئية الخاصة بأوران-9 أنها غير قادرة على اكتشاف الأعداء إلى ما بعد 1.2 ميل، وهو ثلث النطاق البالغ 3.75 ميل خلال ساعات النهار أو نصف ما زُعِمَ رسمياً في الليل.
وأوضح أنيسيموف أن "محطة OCH-4 الضوئية لا تسمح بالكشف عن أجهزة المراقبة واستهداف أجهزة العدو، وتقدِّم تداخلاتٍ متعدِّدة على الأرض وفي المجال الجوي في قطاع المراقبة".
وعلاوة على ذلك، كانت المستشعرات والأسلحة التي وجَّهوها عديمة الفائدة أثناء تحرُّك مركبات أوران-9 بسبب عدم الاستقرار. وعندما صدرت أوامر إطلاق النار، كانت هناك تأخيراتٌ كبيرة في 6 حالات. وفي إحدى هذه الحالات لم يُنفَّذ الأمر من الأصل.
وورد أن نظام التعليق لأوران-9 (النظام الذي يحملها) كان مرتبكاً بشكلٍ متكرِّرٍ بسبب احتوائه على بكراتٍ غير موثوقة ونوابض تعليق، مِمَّا يتطلَّب إصلاحاتٍ متكرِّرة تجعل أيَّ مدة نشر لهذه المركبات مدةً محدودة.
ويمكن القول إن الأمر الأكثر إشكالية على الإطلاق هو اكتشاف أن نظام التحكُّم عن بُعد، الذي يبلغ مداه رسمياً 1.8 ميل، أثبت فاعليته فقط حتى 300 إلى 400 متر في بيئةٍ حضرية خفيفة. وفي هذه المسافات القصيرة من المُحتَمَل أن تتعرَّض مركبة التحكُّم لنيران العدو.
لماذا يزداد احتمال فقدان السيطرة عليها؟
وعلى عكس الطائرات المُسيَّرة التي تحلِّق على ارتفاعٍ عالٍ، فإن المركبات البرية غير المأهولة مُعرَّضة لتعطيل إشارات التحكُّم الخاصة بها بسبب التلال والمباني وخصائص التضاريس الأخرى.
وأثناء الاختبار الميداني في سوريا، تسبَّبَ ذلك في مشكلاتٍ في التحكُّم في مركبات أوران-9، إذ واجهت 17 حالة من تعطُّل التحكُّم عن بُعد، ووصلت كلُّ حالة إلى دقيقة واحدة، وفي مرتين انقطع الاتصال لمدة ساعة ونصف الساعة.
وتزيد المشكلة حدَّةً عند الأخذ في الاعتبار أن مناطق الحرب الحديثة مثل سوريا تشهد بالفعل نشاطاً كهرومغناطيسياً غير عادي من إشارات الاتصال وروابط الطائرات المُسيَّرة، بالإضافة إلى التشويش والتجسُّس وأشكال الحرب الإلكترونية الأخرى.