أصبحت المعركة الدائرة حول السيطرة على مدينةٍ صحراوية قديمة في اليمن، الذي مزَّقَته الحرب، مفتاحاً لفهم التوتُّرات الأوسع نطاقاً التي تؤجِّج الشرق الأوسط، والتحديات التي تواجه الجهود التي يبذلها الرئيس الأمريكي جو بايدن لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة.
واحتدم القتال في الجبال خارج مأرب، حيث يحاول الحوثيون المدعومون من إيران، والذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء، الاستيلاء على المدينة، التي تُعتَبَر ضروريةً لإمدادات الطاقة في البلاد.
وشنَّت المملكة السعودية، التي تقود تحالفاً عسكرياً منذ العام 2015 لدعم حكومة صنعاء في المنفى، غارةً جويةً لوقف تقدُّم الحوثيين نحو مأرب. وردَّ الحوثيون بهجمات طائرة مُسيَّرة وصواريخ في عمق المملكة السعودية، ما تسبَّبَ في اضطراب أسواق النفط العالمية.
لماذا مأرب؟
يقول تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية، إنه من المُرجَّح أن تحدِّد معركة مأرب الخطوط العريضة لأيِّ تسويةٍ سياسية في الحرب الأهلية الثانية باليمن منذ التسعينيات. وإذا استولى الحوثيون على المدينة، فإنه يمكنهم الضغط في المفاوضات وحتى التوغُّل أكثر في الجنوب. وفي حالة السيطرة عليها، فإن الحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دولياً ربما تحفظ معقلها الوحيد حيث يتحدَّى الانفصاليون سلطتها في أماكن أخرى.
وتشكِّل المعركة أيضاً نقطة ضغطٍ على أقوى حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي، وتؤثِّر على عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني. وإضافة إلى ذلك، تعقِّد المعركة الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية لتحويل عمليات الانتشار العسكرية الأمريكية الضخمة منذ فترةٍ طويلةٍ في الشرق الأوسط لمواجهة ما تعتبره الولايات المتحدة تهديداً صاعداً من جانب الصين وروسيا.
وقال عبدالغني الإرياني، الباحث البارز بمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، لصحيفة واشنطن بوست، إن خسارة مأرب ستكون "الرصاصة الأخيرة في رئاسة الحكومة المُعترَف بها دولياً". وأضاف: "أنت تنظر إلى جيلٍ من عدم الاستقرار والأزمات الإنسانية. وسيكون ذلك مسرحاً أيضاً للتدخُّل الإقليمي المفتوح للجميع".
وتبعد مأرب 120 كيلومتراً شرق العاصمة اليمنية صنعاء، وهي الآن موطن لأكثر من 800 ألف نازح فروا من الحوثيين، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين. ويعطِّل القتال حصولهم على الماء والكهرباء والغذاء والتعليم لأطفالهم.
وقال محسن ناصر المرادي، الناشط السياسي الذي يعيش بالقرب من المدينة: "كانت المدينة من قبل منطقةً نادرةً باليمن في تمتُّعها بدرجةٍ من الأمن والاستقرار". وأضاف: "الآن نسمع أصوات الأسلحة الثقيلة طوال اليوم. نحن تحت حصارٍ دائم".
مأرب أهم ورقة على طاولة المفاوضات في الصراع على اليمن
وقال أحمد ناجي، الخبير اليمني المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن السعودية توصَّلَت لفترةٍ من الوقت، بدايةً من خريف 2019، إلى انفراجٍ مع الحوثيين. ونقلاً عن اثنين من المسؤولين الحوثيين المُطَّلِعين على المناقشات، قال ناجي إن الاتفاق يجعل كلاً من السعوديين والمتمرِّدين يمتنعون عن مهاجمة المناطق المأهولة بالسكَّان.
لكن عندما بدأ الحوثيون التوغُّل مرةً أخرى في مأرب، استأنَفَ السعوديون حملة قصفٍ عنيفة. وقال ناجي إنه بالنسبة للحوثيين "فهم يعتقدون أنهم يربحون من خلال الحرب أكثر مِمَّا يربحون من محادثات السلام". أما بالنسبة للسعوديين، الذين يشيرون بشكلٍ متزايد إلى أنهم يريدون إنهاء الصراع، "فإذا فقدوا مأرب، فلن تكون لديهم أيُّ أوراق على طاولة المفاوضات".
وأعلن بايدن في وقتٍ مبكِّرٍ من ولايته، أن الولايات المتحدة ستوقف دعم العمليات القتالية الهجومية للمملكة السعودية في اليمن، قائلاً: "هذه الحرب يجب أن تنتهي". وعلاوة على ذلك، حَذَفَ الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
لكن القتال حول مأرب أخذ في التصاعد. وقالت أنيسة بصيري التبريزي، الباحثة في الشؤون الإيرانية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن إحباط إيران من عدم رفع العقوبات من قِبَلِ إدارة بايدن على نحوٍ سريع قد ساهَمَ في "تكثيف الهجمات من جانب الجماعات بالعراق، والشيء نفسه في اليمن". وقالت التبريزي: "تحاول إيران أن تبعث برسالةٍ إلى الولايات المتحدة، مفادها أن الوضع الراهن غير مستدام".
الحوثيون يكثفون هجماتهم بالتزامن مع مفاوضات الاتفاق النووي
وبينما يناقش الخبراء مدى سيطرة إيران على الحوثيين، يطلق المتمرِّدون بشكلٍ متزايد، طائراتٍ مُسيَّرة مُحمَّلة بالقنابل كانت مرتبطةً سابقاً بطهران، إلى عمق المملكة السعودية.
وقالت الحكومة السعودية في تصريحٍ لوكالة Associated Press الأمريكية: "لسوء الحظ يبدو أن إزالة الإدارة الأمريكية للحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية قد أُسيء تفسيرها من جانب الحوثيين. وهذا الخطأ في قراءة الإجراء دفعهم -بدعمٍ من النظام الإيراني- إلى تصعيد الأعمال العدائية".
وقالت المملكة السعودية، إنه منذ اندلاع الحرب، أطلق الحوثيون أكثر من 550 طائرة مُسيَّرة مُحمَّلة بالقنابل وأكثر من 350 صاروخاً باليستياً تجاه المملكة. وبينما تسبَّب ذلك في أضرارٍ وإصاباتٍ ووفاةٍ واحدة على الأقل، وَرَدَ أن الحرب في اليمن قد شهدت مقتل أكثر من 130 ألف شخص.
وتعرَّضَت المملكة السعودية مراراً لانتقاداتٍ دولية، بسبب الضربات الجوية التي قتلت المدنيين، وأدَّى الحظر إلى تفاقم الجوع في بلدٍ على حافة المجاعة.
وتأتي جهود بايدن لإنهاء تورُّط الولايات المتحدة بحرب اليمن في الوقت الذي تحاول فيه إدارته الدخول مرةً أخرى في الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية.