منذ بدأت حملات التطعيم ضد وباء كورونا قبل أكثر من 4 أشهر حول العالم، بدا كما لو أن الصين التي أنتجت لقاحين على الأقل متأخرة عن دول كثيرة في توفير اللقاح لمواطنيها، لكن ها هي بكين تقدم تجربتها الفريدة في تلقيح مواطنيها.
وكان الوباء، الذي أصيب به أكثر من 133.2 مليون شخص حول العالم، فقد منهم نحو 2.9 مليون حياتهم، وتعافى أكثر من 107 ملايين حتى اليوم الأربعاء، 7 أبريل/نيسان 2021، بحسب موقع وورلدميترز، قد ظهر أواخر عام 2019 في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي الصينية، بحسب ترجيحات أغلب التقارير رغم أن الصين تسعى للتشكيك في تلك الرواية.
وأعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ الانتصار على فيروس كورونا من مدينة ووهان، وذلك يوم 10 مارس/آذار 2020، وفي اليوم التالي صنفت منظمة الصحة العالمية الفيروس جائحة عالمية لا يزال العالم يحاول التصدي لها، وحملت نهايات العام الماضي أخباراً مبشرة تتمثل في التوصل للقاحات للوباء في زمن قياسي، وبدأت دول العالم في التنافس على توفير اللقاحات لمواطنيها، وانطلقت حملات التطعيم منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.
تحذيرات من وتيرة الصين البطيئة في تلقيح مواطنيها
وعلى الرغم من أن الصين كانت من أوائل الدول التي أعلنت التوصل للقاحات للفيروس، أبرزها ساينوفارم وساينوفاك، فإن الحديث تركز طوال الفترة الماضية حول دبلوماسية اللقاح الصيني من خلال توفيره للدول حول العالم من إفريقيا إلى أمريكا الجنوبية والمنطقة العربية، وبدا كما لو أن سيطرة البلاد شبه الكاملة على الفيروس قد أصبحت عائقاً أساسياً أمام إقبال مواطنيها على تلقي اللقاحات.
ومؤخراً بدأ أطباء بارزون في التحذير من أن أن وتيرة الصين البطيئة في توزيع اللقاح تنذر بتقويض إجراءات الاحتواء الناجحة في البلاد، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، إذ كان تشونغ نانشان، أحد كبار خبراء أمراض الجهاز التنفسي، قد قال في مقابلة حديثة مع وسائل الإعلام الصينية: "الصين تمر بلحظات حرجة للغاية. فحين تسير عملية التطعيم على نحو جيد في الدول الأخرى، فيما لا تزال الصين تفتقر إلى المناعة، فهذا شديد الخطورة".
والواضح أن تلك التحذيرات قد آتت أكلها، إذ انطلقت حملة دعائية ضخمة في البلاد هدفها تلقيح غالبية السكان في أقصر فترة زمنية ممكنة، في تذكير بما أنجزته بكين في السيطرة على الوباء في أقل من شهرين (منذ الاعتراف الرسمي به وحتى إعلان الانتصار عليه).
"تناول اللقاح واحصل على آيس كريم"
وتتبنى الصين حالياً مجموعة متنوعة من الأساليب، بعضها يعتمد على الترغيب والبعض الآخر يعتمد على الترهيب، لتحقيق هدفها المتمثل في تطعيم 560 مليون شخص، أو 40% من سكانها، بحلول نهاية يونيو/حزيران، أي خلال أقل من ثلاثة أشهر.
ففي بكين من يتناولون اللقاح يؤهلون للحصول على قطعتين من المثلجات بسعر واحدة، وفي مقاطعة قانسو الشمالية نشرت السلطات قصيدة من 20 مقطعاً تشيد بفضائل اللقاح، وفي بلدة وانشنغ الجنوبية حذر المسؤولون من تعرض تعليم الأبناء وتوظيفهم وسكنهم في المستقبل للخطر إذا رفض الآباء تلقي اللقاح.
على أن الصين تواجه عدداً من التحديات في عملية التطعيم، إذ إن سيطرة البلاد شبه الكاملة على فيروس كورونا أشعرت الكثير من السكان بأنه لا ضرورة لتناول اللقاح. ويشعر البعض بالقلق إزاء ملف الصين في الفضائح المتعلقة بالتطعيم، وهو خوف لم يفعل انعدام الشفافية فيما يخص لقاحات فيروس كورونا الصينية الكثير لتهدئته، ثم هناك الحجم الهائل للسكان المراد تطعيمهم.
فيوم الإثنين 5 أبريل/نيسان، كانت منطقة التسوق وانغ فو جينغ في بكين تعج بالعروض المقدمة لمن تلقوا اللقاح. فعرض أحد متاجر الليغو مجموعة مجانية عبارة عن كتكوت يخرج من بيضة. وعرض أحد الأكشاك في الشارع خصم 10% على الشاي. بل وأعلن أحد استوديوهات التصوير التي تديرها الدولة خصماً على صور الزفاف.
وبدا أن هذه العروض الترويجية تؤتي أكلها في أحد مراكز التطعيم، حيث اصطف الناس لتلقي اللقاح ليتمكنوا من الحصول على قطعتين من حلوى المثلجات مقابل ثمن واحدة من شاحنة مثلجات ماكدونالدز الصفراء المتوقفة في الشارع.
ووصف وانغ شوان، أحد الموظفين في الشاحنة، كيف جذب الإعلان انتباه أحد المارة، إذ قال وانغ للصحيفة الأمريكية: "ذهب مباشرة إلى الداخل ليتلقى اللقاح ثم خرج إلينا لشراء المثلجات".
"تناول اللقاح وإلا واجهت العقوبات"
على أن مناطق أخرى فضلت سياسة العصا عن سياسة الجزرة (أو المثلجات)، ففي تشونغتشينغ أصدرت إحدى الشركات إشعارت تلزم عامليها الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 59 عاماً ممن لا يعانون من مشكلات صحية خطيرة بتلقي اللقاح بحلول نهاية أبريل/نيسان، وإلا "فسيتعرضون للمساءلة"، إلا أنها لم توضح شكل هذه المساءلة. وقالت نشرة حكومية في مدينة هايكو في هاينان إنها ستصدر تحذيراً للشركات التي تقل معدلات التطعيم فيها عن 85% وقد تتعرض للإيقاف "لتقويمها".
وأصبحت مدينة رويلي، الواقعة في جنوب غرب الصين، الأسبوع الماضي، أول مدينة تتبنى سياسة التطعيم الإلزامي للسكان المؤهلين له، بعد تفشي المرض على نطاق محدود هناك، وقال مسؤول إن المدينة تتوقع تطعيم جميع سكان المدينة الذين يزيد عددهم عن 200 ألف شخص في خمسة أيام، عن طريق فتح مراكز التطعيم على مدار 24 ساعة.
وشكا بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من أن حملات الضغط تقيد حقهم في الاختيار، لكن تاو لينا، خبير التطعيم وعالم المناعة السابق في مركز شنغهاي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، قال إن فرض ما يشبه إجراءات عقابية باسم الصحة العامة له ما يبرره.
يقول الدكتور تاو: "في هذا الوقت، الإفراط في التأكيد على حرية الاختيار ليس بالفكرة الجيدة. انظروا إلى أمريكا، لقد أرادوا أن يُمنحوا حرية الاختيار في الامتناع عن ارتداء الكمامات. ويبدو هذا نوعاً من الحرية، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟".
وقد اعترفت بعض وسائل الإعلام المملوكة للدولة في الصين بأن بعض المسؤولين المحليين أفرطوا في تحمسهم لفرض التطعيم، فنشرت وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) مقال رأي الأسبوع الماضي، شجبت فيه "تعميم أساليب تفتقر للدراسة والخبرة على الجميع"، قالت إنها يمكن أن تولد المزيد من رفض الجمهور، وأضافت أن "هذه التطورات السلبية ناتجة في الواقع عن ممارسات عدد محدود من المناطق والشركات التي تتوق للانتهاء من مسؤوليات التطعيم".
وليس واضحاً كم من القيود الموعودة تُفرض بالفعل. يقول وو كونتشو، المرشد المجتمعي في هايكو، المدينة التي هُددت فيها الشركات بالإيقاف، إنه وضع ملصقات حمراء على عدد قليل من الشركات. ويُكتب على هذه الملصقات: "شركة لا تفي بمعايير التطعيم". ولكن لم يصحب هذه الملصقات التحذيرية فرض غرامات، وقال إنه لا يستطيع إجبار أي شخص على تلقي اللقاح. وقال وو: "الفكرة هي أنه توجد أوامر تأتي من أعلى".
ماذا عن الرافضين للقاح؟
بعض السكان ظلوا على رفضهم الشديد لتلقي اللقاح، رغم كل هذه الرسائل والتحذيرات. وقد أرجع لو شيانين، الموظف في مجال البناء الذي يبلغ من العمر 51 عاماً ويعيش في جوانغتشو، رفضه تلقي اللقاح لعدد من الحوادث في السنوات الأخيرة التي كشفت عن حقن أطفال في الصين بلقاحات معيبة، وقال عن الشركات المصنعة اللقاحات: "لا أثق بها".
وأصدر مسؤولون محليون إرشادات متضاربة أيضاً عن سلامة التطعيم للحوامل، إذ طمأن البعض النساء اللاتي يخططن للحمل بأنه يجب عليهن تلقي اللقاح، فيما حث البعض الآخر هؤلاء النساء على تأخير الحمل.
يقول الدكتور تاو إن المسؤولين لم يفعلوا ما يكفي لغرس الثقة في الجمهور تجاه اللقاحات. وقال إن مسؤولاً واحداً فقط تمكن من ذلك، وهو الدكتور زانغ وينهونغ- الذي كثيراً ما يشبهه الناس بالدكتور أنتوني فاوتشي- بتلقيه اللقاح على الملأ. ولا يفيد شركات اللقاحات الصينية توانيها في إعلان بيانات التجارب السريرية.
وقال الدكتور تاو: "لو أن بلادنا ترغب في زيادة إقبال الناس على اللقاح، فخير ما تفعله هو أن تنشر مقاطع فيديو لقادة وكوادر وأعضاء في الحزب الشيوعي وهم يُحقنون باللقاح".