عندما أمر الرئيس الفرنسي بفرض إجراءات العزل العام للمرة الثالثة، بعد أن أصر لأسابيع على استمرار فتح البلاد مخالفاً نصائح العلماء، تحول إيمانويل ماكرون إلى هدف لسهام النقد من خصومه الذين يضعون انتخابات العام المقبل نصب أعينهم.
وقال ماكرون في خطاب للأمة نقله التلفزيون الفرنسي مساء الأربعاء 31 مارس/آذار، إن فرض العزل العام ضروري في مواجهة موجة ثالثة فتاكة من جائحة كوفيد-19 من الممكن أن تخرج عن السيطرة في وقت تكثف فيه فرنسا حملة التطعيم.
خصوم الرئيس الفرنسي يتعهدون بالقضاء على "أسطورة" ماكرون
ويقول تقرير لوكالة رويترز إنه بفرض الإغلاق على البلاد، يكون المصرفي السابق قد توقف عن "مقامرة " دخلها منذ شهرين عبر محاولة قيادة البلاد وسط الزيادة الكبيرة دون أن يصدر الأوامر الصعبة بالبقاء في المنازل وإغلاق المدارس، وهي إجراءات فرضتها دول أوروبية أخرى هذا العام.
من جانبها، قالت مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، إنها "ووترلو" بالنسبة لماكرون، وهو تعبير يستخدمه الفرنسيون للإشارة إلى الهزيمة القاضية ومستوحى من المعركة التي هُزم فيها نابليون وقضت على أسطورته.
وكتبت لوبان، التي من المتوقع أن تكون المنافس الرئيسي لماكرون في 2022، في تغريدة على تويتر: "من المؤسف أن الفرنسيين هم الذين يتحملون تبعات هذا التأخير، وعواقب تكبره، وعدم السلاسة في اتخاذ القرار، بثمن باهظ يدفعونه من حياتهم اليومية".
وفي مارس/آذار المنصرم، أظهر استطلاع للرأي أن غضب التيار اليساري من الرئيس ماكرون ساعد في وضع لوبان على مسافة قريبة من تحقيق النصر في حال مواجهتهما في انتخابات العام المقبل، بحسب ما ذكرته صحيفة The Times البريطانية.
هذا الاستطلاع أشار إلى أن مارين قد تحقق 47% مقابل 53% لماكرون في جولة ثانية من المواجهة، ويرجع ذلك أساساً إلى أن الناخبين اليساريين سيتوقفون عن الالتفاف حول مرشح رئيسي لعرقلة زعيمة التجمع الوطني، وفقاً للاستطلاع الذي أجرته شركة Harris Interactive.
وأثارت هذه النتائج قلقاً متنامياً في معسكر ماكرون، مع إشارات توحي بأن كثيرين من اليسار يشعرون بغضب شديد تجاه ما يرون أنه سياساته المتغطرسة المؤيدة للشركات، لدرجة أنهم سوف يمتنعون عن التصويت إذا انتهى السباق بجولة إعادة بين ماكرون ولوبان.
ماكرون: "لم أرتكب أي جرم، ولا أشعر بالندم"
في السياق، قال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس للمشرعين، الخميس، قبل إجراء تصويت رمزي على إجراءات العزل العام، إن الحكومة سعت جاهدة لتحقيق توازن بحيث لا يكون تحركها مبكراً أكثر مما يلزم ولا بعد فوات الأوان.
وأضاف: "هذه الإجراءات تبدو ضرورية لنا. إنها ضرورية للسماح لبلادنا بتجاوز ما نأمل أن تكون المرحلة الأخيرة (من الأزمة)".
وقال الرئيس إنه كان على صواب عندما أبقى فرنسا مفتوحة وحمى الاقتصاد من إغلاق آخر، حتى في الوقت الذي بدأت فيه المستشفيات في الانهيار تحت الضغط. وقال ماكرون قبل أسبوع فقط "لم أرتكب أي جرم، ولا أشعر بالندم".
ويتهم معارضو ماكرون وقطاع من الجمهور بأنه يتصرف كأنه ملك يحيط نفسه بحاشية من المخلصين ولا يستمع لأحد، سوى قليلين، خارج هذه الدائرة منذ دخوله الإليزيه في 2017. ويقول مساعدو ماكرون إنه يجري مشاورات على نطاق واسع خلال الجائحة، لكن القرار النهائي في الجمهورية الخامسة في فرنسا في يد الرئيس وحده.
وكان وزير الصحة الفرنسي، أوليفييه فيران، قد كشف في 25 مارس/آذار، عن تدهور الوضع الوبائي لفيروس كورونا في البلاد. قال فيران في مؤتمر صحفي إن فرنسا "تواجه موجة ثالثة من جائحة كورونا"، واصفاً الوضع الصحي بأنه "ليس جيداً"، حسبما نقلت شبكة "BFM" الفرنسية.
كما أضاف: "الحالة الصحية تتراجع في أكثر من إقليم، ما يدفع الحكومة إلى إعادة فرض الإغلاق العام في 3 أقاليم جديدة، وتشديد الإجراءات الصحية بعدة أقاليم أخرى، وتنظيم التنقل بين المقاطعات". تضاف الأقاليم الثلاثة إلى 16 إقليماً فرضت فرنسا فيها إغلاقاً عاماً، منذ 20 مارس/آذار الجاري.
نقطة ضعف ماكرون
وربما تكون الصورة المأخوذه عنه كـ"رجل متغطرس"، والتي أثارت احتجاجات "السترات الصفراء" المناهضة للحكومة في مرحلة مبكرة من رئاسته هي نقطة ضعفه قبل انتخابات العام المقبل، كما يقول تقرير رويترز.
راهن ماكرون في يناير/كانون الثاني على حظر التجول وإغلاق المطاعم والحانات لوقف التفشي. لكن بحلول أوائل مارس/آذار، كان الفيروس قد انتشر وتفشت سلالة جديدة أشد عدوى فيما كانت عمليات نشر اللقاح في بداياتها.
وأقر ماكرون الأربعاء بارتكاب بعض الأخطاء، وقال "كل ذلك صحيح. لكنني أعرف شيئاً واحداً.. لقد صمدنا وتعلمنا وتحسن أداؤنا مع كل مرحلة".
من جانبه، رفض جان لوك ميلينشون، زعيم حزب Unbowed France والمرشح الرئاسي للمرة الثانية، دعوة أنصاره دعم ماكرون في حال هزيمته. ووجد استطلاع هاريس أن 52% من ناخبيه سيمتنعون عن التصويت في الجولة الثانية، وقال: "أحد المرشحين ليبرالي جامح وسلطوي. والآخر يميني متطرف تقليدي".
ورغم أن كبرى الأحزاب الاشتراكية والجمهورية المحافظة ليس لديها مرشحون واضحون حتى الآن، تُظهر استطلاعات الرأي باستمرار تفوق لوبان على ماكرون (43 عاماً) في الجولة الأولى من التصويت المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان عام 2022، أو تساويها معه.
كما يؤكد استطلاع هاريس الجديد استطلاعاً مُسرَّباً في يناير/كانون الثاني أظهر انقساماً بنسبة 48-52% في جولة الإعادة بين لوبان وماكرون. إلا أن مساعدين في قصر الإليزيه قللوا من أهمية هذه النتائج، وقال وزراء إن الرئيس يبحث عن طرق لتعزيز موقفه مع الناخبين اليساريين.