انتهت أزمة السفينة إيفرغيفن التي أغلقت قناة السويس لمدة أسبوع، وبدأ مشوار قانوني قد يمتد لسنوات وتعويضات تبلغ المليارات، فمن سيتحمل تلك الفاتورة الباهظة؟
ففي ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء 23 مارس/آذار 2021، كانت السفينة العملاقة التي تحمل أكثر من 20 ألف حاوية بضائع قد جنحت في مجرى قناة السويس المصرية وأوقفت حركة الملاحة في أهم شريان بحري عالمي، واستمرت جهود فرق الإنقاذ التابعة لهيئة القناة المصرية، وشاركت فيها شركة هولندية، حتى تم تم تعويم السفينة وتحرير القناة مساء الاثنين 29 مارس/آذار.
وبينما احتفلت هيئة قناة السويس المصرية بنجاح جهود التعويم في زمن قياسي، بحسب وصف رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع للصحفيين، ومشاركة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الاحتفاء بفرق الإنقاذ، بدأ الحديث عن التحقيق في الحادث والشق القانوني والتعويضات ومن سيتحملها.
طابور المتضررين من أزمة قناة السويس
السفينة إيفر غيفن يبلغ طولها 400 متر وعرضها 59 متراً وحمولتها نحو 224 ألف طن من البضائع في 20 ألف حاوية عملاقة، وتملكها شركة يابانية بينما تستأجرها وتشغلها شركة إيفر غرين التايوانية، وتديرها شركة ألمانية وترخيص السفينة في بنما.
والآن بعد أن تم تعويمها ووصولها إلى منطقة البحيرات المرة في منطقة قناة السويس دون الحاجة لتفريغ حمولتها، وهي الخطة البديلة التي كانت هيئة قناة السويس المصرية ستلجأ إليها، وهو ما كان يعني استمرار الأزمة أسابيع أخرى، تبدأ عملية حصر الخسائر الناجمة عن الحادثة وتحديد الطرف أو الأطراف التي ستتحمل تلك الخسائر وكلها في صورة تعويضات.
وهناك طابور طويل من المتضررين من الحادث، يشمل السفن الأخرى التي علقت لمدة أسبوع انتظاراً لحل أزمة إيفر غيفن وإعادة تشغيل الملاحة في القناة، ويبلغ عدد تلك السفن نحو 400، تتفاوت في حجمها ونوعية حمولتها ومدة تعطلها انتظاراً لعبور القناة، وهناك هيئة قناة السويس نفسها التي بلغت خسائرها يومياً بين 12 و15 مليون دولار، بحسب رئيسها أسامة ربيع، وهناك أيضاً إيفرغيفن نفسها والتي تسببت في الحادث ونتج عنه خسائر للشركة المالكة والشركة المستأجرة والألمانية المشغلة للسفينة العملاقة أيضاً.
وقد حدد جيمس ديفي، الأستاذ في معهد القانون البحري بجامعة ساوثهامبتون البريطانية، لصحيفة الغارديان أن هناك 5 جهات محتملة للمطالبة بالتعويضات عن الضرر: الضرر الذي قد يكون لحق بالسفينة نفسها والضرر لحمولتها وتكلفة تعويمها وإنقاذها وخسائر قناة السويس المالية من فقدان الدخل من عبور السفن والضرر الذي قد يكون لحق بالمجرى الملاحي نفسه في مكان جنوح السفينة، ثم الأضرار التي لحقت بالسفن الأخرى بسبب الحادث.
وأضاف ديفي أن "تكاليف عملية تعويم وإنقاذ إيفرغيفن على الأرجح ستكون باهظة"، مشيراً إلى أن تلك التكاليف على الأرجح ستتحملها شركات التأمين على السفينة وعلى الحمولة، أما عن الفاتورة الضخمة من التعويضات عن خسائر القناة نفسها فتظل مرتبطة بنتائج التحقيقات النهائية في أسباب الحادث. "لأن الأمر متعلق بمئات الملايين من الدولارات في بند التعويضات للقناة فقط، فإنه على الأرجح سيستغرق وقتاً طويلاً"، بحسب ديفي.
قائمة المتضررين تضم أيضاً أصحاب البضائع التي تمثل حمولة السفينة العملاقة، من شركات وقال القبطان جميل صايغ الذي يعمل مع وكالة لويدز في بيروت للغارديان البريطانية إن كل حاوية من حاويات إيفرغيفن البالغ عددها 20 ألف يمكن أن تعني وجود 8 أو 9 أطراف أصحاب مصلحة، بخلاف أطراف المصلحة في الحاويات الأخرى التي تحملها السفن التي تأخرت بسبب الحادث. وقد أطلقت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني على أزمة إيفرغيفن: "خسارة ضخمة لصناعة التأمين في العالم".
من سيدفع تعويضات أزمة إيفرغيفن؟
طابور المتضررين الطويل يثير تساؤلاً بشأن من سيدفع لهم أموال التعويضات. وأشار تقرير لوكالة رويترز إلى أن هذه النوعية من الحوادث التي تشمل سفن عملاقة تحمل حاويات بالحجم الكبير كما في حالة إيفرغيفن تنطوي في الغالب على تعويضات تتخطى المليار دولار.
وقد قدرت شركة المحاماة كلايد آند كو قيمة السفينة إيفرغيفن بنحو 110 ملايين دولار، بينما تبلغ قيمة حملتها نحو 500 مليون دولار أخرى، وهو ما يعني أن "هذه الحالة قد ينتج عنها أضخم مبالغ تعويضات يتم دفعها في حادث شحن بحري حتى اليوم"، بحسب تقييم الشركة.
وفي حديث لموقع "الجزيرة نت"، قال أمين موسى الحاج، الخبير والمستشار في اقتصاديات النقل البحري، إنه ما من أحد باستطاعته في الوقت الحالي حصر وبدقة الخسائر التي ستتكبدها شركات التأمين جراء المطالبات التي ستتقدم بها الشركات المالكة للسفن التي علقت في قناة السويس أو غيرها من الجهات المتضررة، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانت شركات التأمين وحدها من ستلقى عليها المسؤولية أم هناك جهات أخرى ستكون مطالبة بتقديم تعويضات للأطراف الخاسرة.
وفي السياق، قال صايغ للغارديان إن جنوح السفينة إيفرغيفن يمثل حالة فريدة ستخضع للدراسة، مضيفاً أنه بعد تعويمها سيكون هناك سيل من الدعاوى القضائية، وأن غالبية المطالبات بالتعويض عن الخسائر من جانب أطراف ثالثة (بخلاف السفينة وقناة السويس) ستكون موجهة إلى شركة التأمين على إيفر غيفن، وهي نادي الحماية والتعويض البريطاني. والنتيجة تعني سنوات من التقاضي ومبالغ تتخطى عشرات المليارات من أموال التعويضات.
وكان هوغو وين ويليامز رئيس شركة "توماس ميلر" التي تدير نادي الحماية والتعويض البريطاني قال لموقع سكاي نيوز عربية إن النادي أصدر بياناً بشأن موقف التعويضات الخاصة بإيفر غيفن جاء فيه: "نفهم أن السفينة علقت بسبب الرياح القوية أثناء مرورها (مع وجود اثنين من مشرفي قناة السويس على متنها)، خلال اتجاهها شمالاً عبر القناة، في طريقها إلى روتردام بهولندا".
التعويضات بعد تحديد الجاني في الأزمة
تتوقف الإجابة عن التساؤلات الخاصة بقيمة التعويضات ومن الطرف الذي سيدفعها للأطراف المتضررة على تحديد المسؤولية عن حادث جنوح السفينة في قناة السويس، وهو ما بدا في اليوم الأول للأزمة والتصريحات من جانب الشركة المالكة للسفينة وشركة التأمين وهيئة قناة السويس المصرية نفسها أنه الطقس السيئ المتمثل في العاصفة الترابية وانعدام الرؤية.
لكن خلال مؤتمره الصحفي يوم السبت 27 مارس/آذار، قال رئيس الهيئة المصرية أسامه ربيع إن "الطقس السيئ ليس السبب الوحيد وراء الحادث"، مشيراً إلى أن التحقيقات سوف تحدد المسؤول أو المسؤولين عن الحادث، وستشارك فيها فرق تحقيق من هيئة القناة ومن ملاك السفينة وشركات التأمين المختصة.
وبعد أن نجحت جهود تعويم السفينة ووصلت إلى منطقة البحيرات، قال الربان المصري سيد شعيشع، مستشار هيئة قناة السويس، مساء أمس الثلاثاء، إن التحقيق لتحديد أسباب جنوح السفينة إيفر غيفن سيبدأ الأربعاء 31 مارس/آذار، مضيفاً أن السفينة العملاقة لم تنفذ 8 مطالب مصرية، وأشار المحقق المصري إلى أنه يقود فريق التحقيق، وذلك في حديثه لبرنامج "الآن" عبر فضائية "إكسترا نيوز" المصرية.
قال شعيشع: "توليت التحقيق الجمعة في حادث السفينة الجانحة، وسنطبق كافة المعايير الدولية، وسيكون هناك شفافية، وسيطلع الجميع على النتائج". وأضاف: "سنرى ماذا حدث بالسفينة؛ لأننا نراجع تصرفاتها قبل وأثناء وبعد الحادثة"، متابعاً: "طلبنا من السفينة الجانحة 8 مطالب مبدئياً (لم يذكرها)، ولم ينفذوا أياً منها، وهو ما يشير بخبرتي كمحقق حوادث بحرية أنها عندها مشكلة (لم يحددها)".
"حسب معلوماتي، هناك مالك ومشغل للسفينة، ووجود طرفين يحدث مشكلة (لم يوضحها) في التحقيق"، وشدد على أنه عندما يطلع على المعلومات المسجلة داخل السفينة، سيرى هل هناك شبهة تعمد أو أن الحادث جاء فجأة أو نتيجة عيوب فنية، مشيراً إلى أنه "سبق أن تورطت السفينة الجانحة بحادثتين من قبل (لم يذكرهما)". وأفاد بأنه "مع بدء التحقيقات الأربعاء، ستتضح الأمور".
وقال خبراء في قضايا التعويضات والشحن البحري للغارديان إن تحديد المسؤول عن الحادث ومن ثم الطرف الذي سيتحمل فاتورة التعويضات الباهظة لن يكون سريعاً، إذ سيشتبك المحققون وممثلو شركات التأمين في عملية قانونية قد تستمر سنوات، وهو ما يفسر التقارير المتضاربة حتى الآن عن سبب أو أسباب الحادث.
وقال سال ميركوليانو، الخبير البحري السابق والأستاذ في جامعة كامبيل في نورث كاليورينا، إن التقارير المتضاربة بشأن أسباب جنوح السفينة العملاقة في قناة السويس ترجع بالأساس إلى أن الطرف الذي يثبت تسببه في الحادث سيواجه كابوساً مالياً في صورة تعويضات مليارية.
وأضاف ميركوليانو: "إذا ثبت أن السبب تقني أو بشري، فهذا معناه أن الشركة اليابانية مالكة إيفر غيفن والتايوانية التي تشغلها والألمانية التي تديرها يتحملون المسؤولية"، مشيراً إلى أنه لو ثبت وجود خطر من سرعة الرياح في المجرى ولم يكن يجب أن يسمح المرشدون التابون لهيئة قناة السويس لإيفر غيفن بدخول المجرى تقع المسؤولية على عاتق إدارة القناة.
لكن القوانين المنظمة لعمل قناة السويس والقوانين الدولية، وخاصة معاهدة القسطنطينية الموقعة عام 1888، لا تنص على تقديم هيئة القناة أي تعويضات للسفن العابرة، وهو ما يعزز موقف الإدارة المصرية للقناة، إذ تنص اللائحة المنظمة لعبور السفن على أن طاقم السفينة هو المسؤول بالكامل عن قيادتها داخل المجرى الملاحي، ويقتصر دور المُرشد المكلف من قناة السويس على تقديم إرشادات للعبور واعتبار رأيه استشارياً.
ويؤكد بيان الشركة التايوانية المستأجرة للسفينة تلك النقطة بالتحديد، إذ نص البيان صراحة: "بما أن السفينة مستأجرة، فإن المسؤولية عن المصاريف المتكبدة في عملية التعويم؛ ومسؤولية الطرف الثالث (ضد الغير) وتكلفة الإصلاح (إن وجدت) تتحملها الشركة المالكة".