أدى اغتيال محمود الورفلي، القيادي في ميليشيات حفتر، إلى أزمة كبيرة داخل قوات الجنرال الليبي المتقاعد مع تصاعد مخاوف قادة الميليشيات الآخرين من مصير مماثل.
وتسبب اغتيال محمود الورفلي، القائد بقوات الصاعقة والمطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية، في تداعيات على الوضع الأمني في مدينة بنغازي (شرق) وكامل البلاد، وقد يكون للأمر تداعيات كبيرة على مصير حفتر نفسه، وعلى عملية توحيد الجيش الليبي.
فالورفلي، الذي رقّاه حفتر في 2019 من رتبة رائد إلى مقدم، وكلفه بقيادة المحاور في لواء الصاعقة، يحظى بنوع من "الشعبية" بين بعض المقاتلين في ميليشيا حفتر، خاصة بين عناصر القوات الخاصة، لدوره في السيطرة على بنغازي بعد معارك عنيفة مع "مجلس شورى ثوار بنغازي" (2014-2017).
وفي الفنرة التي سبقت اغتيال محمود الورفلي استشعر حفتر خطر تصعيد قبائل الشرق الليبي ضد الورفلي رداً على ممارسته، فاستقبل منتصف مارس/آذار 2021 وفداً من أعيان قبيلة العواقير، ووعدهم بأن ميليشياته "ستتدخل لضبط الأمن، وسيتم الضرب بيدٍ من حديد لكل مَن تُسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطن".
واعتُبر هذا التصريح تهديداً مباشراً للورفلي، الذي يبدو أنه خرج عن سيطرة حفتر، وأصبح يتصرف كأنه الآمر الناهي في بنغازي دون الرجوع إليه.
بعد اغتيال محمود الورفلي قوات الصاعقة تتحدى حفتر
وتخشى ميليشيا حفتر، من ردة فعل عنيفة من رفاق وأنصار الورفلي، بعد اغتياله ببنغازي، في 24 مارس/آذار الجاري، لذلك دعاهم الناطق باسم لواء الصاعقة ميلود الزوي، إلى "ضبط النفس، وعدم الانجرار وراء الفتن"، واتباع أوامر حفتر وقائد القوات الخاصة (عبد السلام الحاسي).
إذ عقب تأكدهم من مقتله، أطلق أنصار ورفاق محمود الورفلي، وابلاً من الرصاص في الهواء أمام مستشفى 1200 ببنغازي للتعبير عن غضبهم، كما احتشدوا في جنازته مساء اليوم الذي اغتيل فيه، وأطلقوا عيارات نارية في الهواء، بحسب فيديوهات نشرتها وسائل إعلام محلية.
وهدد بعض رفاق الورفلي بالانتقام من قتلته، في تسجيلات نُشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، دون أن يُظهر أصحابها وجوههم، ولم يتسنّ التأكد من صدقها، حسبما ورد في تقرير لوكالة الأناضول.
وإن كان أنصار الورفلي برّأوا خليفة حفتر من تهمة اغتيال رفيقهم، إلا أنهم حمّلوا قادة ميليشياته مسؤولية الوقوف وراء هذه العملية، مستبعدين أن يكون الاغتيال تم على يد عناصر مجلس شورى ثوار بنغازي، وإلا لكانوا تبنوها (من باب الافتخار).
سبق أن أجبروا حفتر على إطلاقه بعد توقيفه لتسليمه للجنائية الدولية
وحتى قبل اغتيال محمود الورفلي بسنوات، سبق لأنصار الورفلي أن استعرضوا قوتهم بعد تسليمه نفسه للشرطة العسكرية في مدينة المرج (شرق) في 2018، إثر ضغوط دولية على حفتر، بسبب انتشار صور الإعدامات الجماعية لمعتقلين عزل.
حيث قامت مجموعات من القوات الخاصة بإحداث فوضى في بنغازي، وأغلقوا عدداً من الشوارع الرئيسية في المدينة، للضغط على حفتر لإطلاق سراح الورفلي، وهو ما تم بالفعل.
وعكس ذلك الموقف ثقل عناصر الصاعقة في معسكر حفتر.
وقبل اغتيال محمود الورفلي (43 عاماً) المتهم من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، تصاعد الغضب في بنغازي وبين قبائل الشرق عامة جراء الانفلات الأمني بالمدينة، والذي كان الورفلي، الملقب بـ"سفاح حفتر"، أحد أبطاله.
ففي مطلع مارس/آذار الجاري، تداول نشطاء فيديو للورفلي، القيادي في "لواء الصاعقة" التابعة لميليشيات حفتر، وهو يقتحم رفقة مجموعة ترتدي الزي العسكري مقر وكالة سيارات "تويوتا" في بنغازي، ويحطمون محتوياتها بشكل همجي.
كيف سيرد اتباع الورفلي على اغتياله؟
وحالياً أمام رفاق الورفلي خيارات محدودة، فإما إعادة تنظيم أنفسهم، والدخول في مواجهة مفتوحة مع صدام نجل حفتر، قائد كتيبة "طارق بن زياد"، وشقيقه خالد، قائد الكتيبة 106، والسيطرة على بنغازي، وهذا يعني مواجهة خليفة حفتر في النهاية.
وهذا السيناريو سيدفع الأوضاع الأمنية في بنغازي إلى مزيد من التعقيد، وقد تشهد سلسلة أخرى من الاغتيالات والمواجهات المسلحة.
السيناريو الثاني؛ أن يتمكن حفتر من ترويض عناصر لواء الصاعقة، واعتقال المتشددين منهم، أو إعادة توزيعهم على كتائب أخرى، مثلما فعل مع عدة قادة حاولوا الخروج عن سلطته، على غرار المهدي البرغثي، قائد الكتيبة 204 دبابات (2016)، والعقيد فرج البرعصي، قائد جبهة بنغازي (2017)، وفرج قعيم قائد العمليات الخاصة (2017).
ويعني هذا أن أبناء حفتر أحكموا سيطرتهم على بنغازي وأزاحوا أحد منافسيهم المنفلتين، وقد يساعد غياب الورفلي من المشهد، في المضي أكثر في طريق المصالحة وتوحيد الجيش الليبي في الشرق والغرب، نظراً لأنه كان من الشخصيات الجدلية المرفوضة ليس فقط من الغرب بل حتى من قبائل الشرق.
قادة منافسون لحفتر
أحد أبرز التداعيات المتوقعة لاغتيال الورفلي، أن القيادات العسكرية البارزة التي وقفت إلى جانب حفتر في مرحلة ما، وأصبحت تنافسه أو تتجرأ على معارضته أو انتقاد ممارسات أبنائه خاصة صدام وخالد، قد يتم تصفيتها أو اعتقالها.
ويعتبر عبدالرزاق الناظوري، قائد أركان ميليشيات حفتر، إحدى الشخصيات المنافسة لحفتر وأبنائه، والمرشحة لتولي منصب قيادي عند توحيد الجيش الليبي، ما يجعله في دائرة الاستهداف، بحسب متابعين.
فبعد هزيمة حفتر في هجومه على العاصمة طرابلس (2019-2020)، ازداد الوضع الأمني في بنغازي سوءاً، وأصبحت المدينة الأكثر عنفاً من حيث الضحايا في 2020، بحسب منظمة التضامن لحقوق الإنسان.
فلقد سجلت بنغازي 370 ضحية في 2020، تمثل أكثر من 20% من إجمالي 1834 ضحية جراء حوادث العنف التي وقعت في ليبيا، وفق ذات المصدر.
وتفوقت بنغازي على طرابلس، التي سجلت 299 ضحية في نفس العام، رغم أنها تعرضت خلال النصف الأول من 2020، لهجوم عنيف من ميليشيا حفتر والمرتزقة الأجانب (إضافة إلى سكان طرابلس أكبر من بني غازي).
ووصول بنغازي إلى هذا المنحنى الخطير من العنف، يدحض ادعاءات حفتر، التي أطلقها في 2014 بقوله إنه جاء لإنقاذ المدينة من عمليات الاغتيال مجهولة المصدر، بعد أن صارت الجثث اليوم تُرمى في قارعة الطريق، والاغتيالات تتم في وضح النهار، والفاعل مجهول.
وبعد تشكل حكومة الوحدة الوطنية، وحصولها على ثقة البرلمان بأغلبية ساحقة، وبتأييد من الأقاليم الثلاثة، ودعم دولي غير مسبوق، أصبح خروج حفتر من المشهد الليبي ضرورة لإنهاء حالة الانقسام، وتحقيق المصالحة، وتوحيد الجيش، وتثبيت أسس دولة مدنية تحتكم للقانون.
وهذه القناعة وصلت إليها عدة دول فاعلة في المشهد الليبي، وبدأت قبائل الشرق تؤمن بها، فبعد نحو 7 سنوات من إطلاق حفتر لعملية الكرامة، أخفق في تحقيق الأمن والكرامة لسكان بنغازي وللبلاد ككل، ما يجعل رحيله ضرورة للجميع.
اجتماع مهم لقبائل برقة
كان الأمر اللافت في اجتماع قبائل برقة الذي عقد في بلدة الأبيار (شرق)، منتصف مارس/آذار الجاري، مطالبتهم السلطة التنفيذية الجديدة التي تمخضت عن الاتفاق السياسي بتعيين الناظوري، قائداً لأركان الجيش الموحد.
ويتولى الناظوري حالياً منصب قائد أركان ميليشيات حفتر، ويحظى بدعم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب.
ويسعى الناظوري، المدعوم من قبيلة العرفة في المرج (شرق بنغازي)، من خلال التحالف مع عقيلة، إلى ضمان دعم قبيلة العبيدات، كبرى قبائل الشرق، ومعها بقية قبائل برقة.
ويحاول هذا التحالف العسكري – السياسي، تشكيل كتلة موازية لحفتر، خاصة إذا خرج الأخير من المشهد، إما بسبب المرض أو عدم منحه منصب قائد عام للجيش أو وزير دفاع في حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة.
فالناظوري وعقيلة يفرضان نفوذهما على معظم مدن وبلدات المنطقة الممتدة شرق بنغازي إلى غاية الحدود المصرية وعلى رأسها المرج وطبرق والقبة، بفضل التحالفات القبلية، التي تنظر إلى حفتر وأبنائه وحاشيته من قبيلة الفرجان (الغرب) على أنهم دخلاء على المنطقة.
لذلك فإذا تم تعيين الناظوري في منصب قائد أركان، فإن وزارة الدفاع ستعود بالضرورة إلى الغرب الليبي، وعلى الأغلب ستتولاها شخصية من مصراتة، باعتبارها تملك أكبر قوة عسكرية في المنطقة الغربية، حينها لن يكون لحفتر أي صفة رسمية في المرحلة الانتقالية.