صراع الظل.. إسرائيل وإيران نقلتا الحرب إلى البحار، لكن لماذا لا يريد كل طرف منهما كشف المستور؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/03/30 الساعة 12:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/30 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
تمرينات عسكرية للقوات الإيرانية قرب مضيق هرمز، فارس

وصل الصراع بين إيران وإسرائيل إلى مستوى غير مسبوق على كل الأصعدة، وكان آخره الحرب البحرية من خلال تفجيرات ناقلات بحرية وسفن تجارية وعسكرية بين البلدين، كان آخرها سفينة "شهر كرد" الإيرانية قبل أسابيع في البحر المتوسط.

كانت الشمس لم تكد تُشرق بعد على البحر الأبيض المتوسط في صباح أحد الأيام، عندما سمع طاقم سفينة شحن إيرانية دويّ انفجار. كانت السفينة "شهر كُرد" على بعد نحو 50 كيلومتراً من سواحل الأراضي المحتلة، ومن جسر الميناء رأى البحّارة عموداً من الدخان يتصاعد من إحدى مئات الحاويات المكدسة على سطح السفينة.

قالت شركة الشحن الإيرانية الحكومية وقتها إن السفينة كانت متّجهة إلى إسبانيا، ووصفت العمل الذي أفضى إلى الانفجار بأنه "عمل إرهابي".

لكن الهجوم على السفينة "شهر كُرد" في هذا الشهر كان مجرد رشقة واحدة، في خضم وابل من صراع خفيّ طويل الأمد بين إسرائيل وإيران. وهو ما أشار إليه مسؤول إسرائيلي بقوله إن الهجوم جاء رداً على هجوم إيراني على سفينة شحن إسرائيلية، الشهر الماضي، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

حروب الظل

فمنذ عام 2019، تهاجم إسرائيل سفناً تقول إنها تحمل نفطاً وأسلحة إيرانية عبر شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وفتحت بذلك جبهةً جديدة بحرية في غمار حرب الظل الإقليمية التي لطالما دارت في السابق براً وجواً.

ويبدو أن إيران من جانبها عمدت إلى الرد بهدوء عن طريق هجماتها السرية. وقال مسؤول إسرائيلي إن آخر تلك الهجمات جاء بعد ظهر يوم الخميس الماضي 25 مارس/آذار، عندما أُصيبت سفينة حاويات مملوكة لإسرائيل، تُدعى "لوري"، بصاروخ إيراني في بحر العرب. ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات أو أضرار جسيمة.

الحملة الإسرائيلية، التي أكّدها مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون وإيرانيون، أصبحت محوراً لجهود إسرائيل للحدِّ من النفوذ العسكري الإيراني في الشرق الأوسط، وتثبيط الجهود الإيرانية للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على صادراتها النفطية.

مناورات عسكرية إيران
قوات البحرية الإيرانية خلال مناورات عسكرية في مضيق هرمز، أرشيفية/ فارس

ومع ذلك، فإن توسُّع نطاق هذا الصراع يهدد بتصعيد ما كان حتى الآن مناوشات محدودةً نسبياً، ويزيد من تعقيد جهود إدارة بايدن لإقناع إيران بإعادة فرض قيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات.

ويقول علي فايز، كبير خبراء الشؤون الإيرانية في "مجموعة الأزمات الدولية": إن "هذه حرب باردة كاملة المعالم، تنطوي على خطر الاشتعال [والتحول إلى حرب حقيقية]، بمجرد ارتكاب خطأ واحد، وما زلنا في دوامة تصعيدية تخاطر بالخروج عن نطاق السيطرة" في أي وقت.

ومنذ عام 2019، هاجمت قوات كوماندوز إسرائيلية ما لا يقل عن 10 سفن تحمل شحنات إيرانية، وذلك بحسب مسؤول أمريكي ومسؤول إسرائيلي كبير سابق. غير أن العدد الحقيقي للسفن المستهدفة قد يكون أعلى من 20 سفينة، بحسب مسؤول في وزارة النفط الإيرانية، وهو في الوقت نفسه تاجر نفط ويعمل مستشاراً للوزارة.

كانت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية أول من تحدث عن سلسلة الهجمات الإسرائيلية.

وبحسب مسؤول أمريكي واثنين من كبار المسؤولين الإسرائيليين، كانت معظم السفن المستهدفة تحمل وقوداً من إيران إلى حليفتها سوريا، واثنتان منها كانتا تحملان عتاداً عسكرياً. وقال مسؤول أمريكي ومسؤول إسرائيلي إن السفينة "شهر كُرد" كانت تحمل معدات عسكرية باتجاه سوريا.

انتقام إيران غير واضح

في المقابل، فإن مدى العمليات الانتقامية الإيرانية غير واضح. فقد تمت معظم العمليات في الخفاء ودون إعلان المسؤولية عنها. والسفينة الإسرائيلية التي تعرضت للهجوم الشهر الماضي كانت عبارة عن سفينة ناقلة للسيارات، تُدعى "هيليوس راي"، كانت تحمل عدة آلاف من السيارات ألمانية الصنع إلى الصين.

وبينما كانت السفينة تدور حول مضيق هرمز، تسارع قارب كان يلحق بها منذ عبورها المضيق، ليقترب إلى جانب سفينة الشحن. وقامت قوات خاصة على القارب بوضع متفجرتين مؤقتتين على أحد جوانب السفينة، وعلى ارتفاع متر فوق سطح الماء، بحسب شخص مطلع على التحقيق الذي أُجري لاحقاً.

وبعد عشرين دقيقة، أحدثت المتفجرات خرقين في بدن السفينة.

وعلى النحو نفسه، تعرّضت عدة ناقلات للهجوم في البحر الأحمر في الخريف والشتاء الماضيين، وهي هجمات نَسبها بعض المسؤولين إلى الحوثيين، الذين تدعمهم إيران في اليمن.

ومن جانبها، نفت إيران ضلوعها في كل هذه الهجمات التي يبدو أنها، مثل الهجمات الإسرائيلية، لا تهدف إلى إغراق السفن بل توجيه رسالة.

القوات البحرية الإيرانية
جندي إيراني بالقرب من مضيق هرمز/ رويترز

ويصف غيس قريشي، وهو محلل سياسي عمل مستشاراً لوزارة الخارجية الإيرانية لشؤون الشرق الأوسط، الأمرَ على هذا النحو: "أنتم تهاجموننا هنا، نحن سنهاجمكم هناك، فإيران وإسرائيل نقلتا حربهما السرية إلى المياه المفتوحة".

وكانت حرب الظل طويلة الأمد بين إسرائيل وإيران قد تسارعت واشتدَّ وطيسها في السنوات الأخيرة، لكن المجموع هو صراع غير معلن لا يريد أي من الطرفين تصعيده إلى قتال على جبهات مباشرة.

وفي هذا السياق، قال حسين داليريان، وهو خبير عسكري تابع للحرس الثوري الإيراني، في نقاش عقدته صحيفة The New York Times على تطبيق "كلوب هاوس"، الخميس الماضي 25 مارس/آذار، إنه "لا إسرائيل ولا إيران تريدان تحمُّل المسؤولية علناً عن تلك الهجمات، لأن الإقرار بذلك سيكون معناه عملاً من أعمال الحرب له عواقب عسكرية، لكن الواقع أن الهجمات على السفن عند هذا المستوى لا يمكن أن تحدث بدون وجود دولة وراء ذلك".

وأضاف داليريان: "نحن في حالة حرب، كل ما في الأمر أننا نخوضها وأنوارنا مطفأة".

من جهة أخرى، تعقِّد هذه التفاعلات الجهود المحاطة بالمعوِّقات بالفعل من قبل إدارة بايدن لإعادة بناء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي فرض قيوداً على برنامج التخصيب النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات. وذلك قبل أن ينسحب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق في عام 2018، ويعيد فرض العقوبات، ويزيد عليها عقوبات جديدة.

معضلة الاتفاق النووي

ويقول فايز، من "مجموعة الأزمات الدولية"، إن ذلك "يرفع الثمن السياسي الذي يجب أن تدفعه إدارة بايدن لتزويد الإيرانيين بأي نوع من الإعفاء من العقوبات الاقتصادية. وإذا انخرطت إيران في مثل هذا النوع من معاملة العين بالعين مع إسرائيل، والضغط أيضاً على القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، فإن ذلك سيجعل استعادة الاتفاق أمراً أشد صعوبة".

على الجهة الأخرى، يقول خبراء إن إيران تريد الاستمرار في تنغيص الأمور على إسرائيل وتسليح ودعم حلفائها في الشرق الأوسط، وهدفها حصار إسرائيل بوكلاء مسلحين جيداً، ومنح إيران يداً أقوى في أي مفاوضات نووية مستقبلية.

الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وجون كيري ، وزير خارجيته، في اجتماع لمناقشة الاتفاق النووي الإيراني في البيت الأبيض في عام 2015.

أما القيادة الإسرائيلية، فتعتقد أن الاتفاق النووي السابق لم يكن كافياً، وتريد قطع الطريق أمام أي فرصة لإحياء اتفاق مماثل. وقال مسؤول إسرائيلي إن الهجمات جزء من استراتيجية أوسع نطاقاً لإجبار طهران على الخضوع لقيود أشد صرامة وأطول أمداً على طموحاتها النووية، بالإضافة إلى قيود أخرى على برنامجها للصواريخ الباليستية، ودعمها للميليشيات الإقليمية.

ويقول محللون ومسؤولون إن الهجوم الإسرائيلي على الملاحة الإيرانية له هدفان: الأول، هو منع طهران من إرسال معدات إلى لبنان قد تساعد حزب الله في بناء برنامج صاروخي دقيق التوجيه، وتعتبر إسرائيل برنامجاً من هذا النوع تهديداً استراتيجياً لها.

والآخر، هو تجفيف مصدر مهم لعائدات النفط الإيرانية، تعميقاً للضغوط التي فرضتها العقوبات الأمريكية. فبعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صناعة الوقود الإيرانية وبيع النفط في أواخر عام 2018، أصبحت الحكومة الإيرانية أكثر اعتماداً على الشحن السري لمنتجاتها النفطية.

من ينفذ هجمات إسرائيل؟

ويتولى تنفيذ الهجمات الإسرائيلية وحدة القوات الخاصة "فلوتيلا 13" (شايطيت 13)، وهي وحدة كوماندوز خاصة بالبحرية الإسرائيلية، شاركت في عمليات سرية منذ السنوات الأولى لدولة الاحتلال الإسرائيلية، بحسب مسؤوليْن إسرائيليين ومسؤول أمريكي.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن اثنتين من السفن التابعة لإيران التي هاجمتها إسرائيل كانت تنقل معدات مجهزة للاستخدام في برنامج صواريخ حزب الله.

وقالوا إن إحدى السفينتين كانت تحمل "خلاطاً كوكبياً صناعياً"، وهو جهاز يستخدم لخلط الوقود الصلب المستخدم في الصواريخ. وقال مسؤولون إسرائيليون إن الجهاز الذي حملته السفينة كان الهدف أن يحَّل محل خلاط آخر قديم كان قد دُّمِر في غارة جوية إسرائيلية على بيروت في أغسطس/آب 2019.

ضرب سفينة إيرانية
تحقيقات إيرانية ترجح مسؤولية إسرائيل عن ضرب سفينة تابعة لطهران بمياه المتوسط – رويترز

كما استهدفت ضربات جوية إسرائيلية سابقة على قوافل وشحنات إيرانية في سوريا معداتٍ تستخدم في صناعة الصواريخ الموجهة.

كذلك كانت الناقلات التي استهدفتها إسرائيل بالقصف تنقل النفط الإيراني إلى سوريا، وتقدر قيمتها على الأرجح بمئات الملايين من الدولارات.

وهو ما تشير إليه سيما شاين، مسؤولة قسم الأبحاث السابقة في الموساد الإسرائيلي، بالقول إن الهجمات الإسرائيلية "هي بالتالي وسيلة لمنع إيران من بيع [النفط] إلى سوريا، والحصول على المال ومنحه لحزب الله".

وقال المسؤول الأمريكي، إن الهجمات الإسرائيلية عادةً ما تعتمد على الألغام اللاصقة وأحياناً الطوربيدات.

وأوضح مسؤول إسرائيلي أن القوات الإسرائيلية تستهدف في العموم محركات السفن ومراوحها. وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن الهدف هو تعطيل السفن وليس إغراقها.

الحرس الثوري يحمي سفنه

وقد تصاعدت الهجمات الإسرائيلية في نهاية عام 2020، مع اقتراب نهاية ولاية ترامب. ولمواجهة ذلك، قال المسؤول الأمريكي إن الحرس الثوري الإيراني بدأ شيئاً فشيئاً يُطلق مرافقةً سرية لناقلاته عبر البحر الأحمر، قبل أن تبدأ سفن من روسيا في مرافقة الناقلات الإيرانية من بعدٍ عبر البحر المتوسط.

وأضاف المسؤول الأمريكي أن الهجوم على السفينة "شهر كُرد" وقع عندما كانت الحراسة المرافقة الروسية على بعد كافٍ ليشن الإسرائيليون هجمتهم.

ومع ذلك، فإن فاعلية الحملة الإسرائيلية غير واضحة، وإنْ قال المسؤول الأمريكي إنَّ بعض السفن المستهدفة اضطرت إلى العودة إلى إيران دون تسليم حمولتها.

احتجزت إيران ناقلة ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز
احتجزت إيران ناقلة ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز/رويترز

وقال إيرانيون على صلة بوزارة النفط الإيرانية إنه في جميع الحالات تعرَّضت السفن لأضرار طفيفة، ولم يمتد الضرر إلى طواقم السفن وتمت الإصلاحات في غضون أيام قليلة.

ومن ناحية أخرى، قال المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون إنه لا توجد علاقة بين الحملة الإسرائيلية والتسرب النفطي الأخير، الذي خلَّف أطناناً من القطران على شواطئ إسرائيل ولبنان.

أما داخل إسرائيل، فهناك قلق بين الخبراء البحريين من أن تكلفة الحرب البحرية التي تشنها إسرائيل قد تتعدّى الفوائد منها.

وهو ما يذهب إليه شاؤول خوريف، الجنرال السابق في البحرية الإسرائيلية ورئيس مركز دراسات السياسات والاستراتيجية البحرية التابع لجامعة حيفا، الذي أشار إلى أن البحرية الإسرائيلية، وإن تمكنت من أن تجعل وجودها محسوساً في البحر المتوسط والبحر الأحمر، فإنها ما زالت أقل فاعلية في المياه القريبة من إيران. وهذا يمكن أن يجعل السفن المملوكة لإسرائيل أكثر عرضة للهجمات الإيرانية أثناء مرورها على الشواطئ الغربية لإيران في طريقها إلى موانئ الخليج.

ولخّص خوريف الأمر في بيان له بالقول، إن "المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في الخليج والممرات المائية ذات الصلة به ستتنامى بلا شك، ولا تملك البحرية الإسرائيلية القدرات اللازمة لحماية هذه المصالح".

تحميل المزيد